أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (3)















المزيد.....

بوح امرأة (3)


محمد هالي

الحوار المتمدن-العدد: 3841 - 2012 / 9 / 5 - 00:18
المحور: الادب والفن
    


وضعت اللحاف على جسمي، و استسلمت للأرق الذي حركته الأسئلة الكثيرة التي بدأت تجوب رأسي، إني أحترق كشمعة بنار ملتهبة لا تتوقف، تذوب أحزانا و علاماتها على وجهي، هل أعود في الغد إلى نفس الجو؟ أستنشق الروائح، و أتقبل كل هؤلاء الأوغاد المخمورة المتفجرة صخبا ، أترك جسدي عرضة للمس، كما تلمس القطط من طرف الأطفال، لا أقدر على ذلك، كفى، سأبحث عن عمل آخر، و حينما أسترجع ذكريات البحث عن العمل، و الطلبات التي أرسلتها في كل الجهات، و لم يستجيب لي أحدا، أشعر بالحزن، و بغموض المستقبل، ثم أعود و أتأمل إخوتي المزدحمين على الصحن، و هم يتهافتون على الأكل، أقول أنه عمل أشبع الإخوة، يجب أن أتقبل الإهانة، ستكون أقل ضررا من الجوع، بقيت على تلك الحالة مدة طويلة، و شيئا فشيئا بدت لي الشمعة المشتعلة فوق فوهة قنينة فارغة، و هي ترسل أشعتها على الصحن، الذي بدأ ينفد جوفه تختفي رويدا، رويدا، و اختفت أحلام اليقظة معها.
استيقظت في الصباح باكرا، فوجدت فاطمة مستيقظة أيضا، و بدأت أتحدث معها، هي فرصة لأوجه لها مجموعة من النصائح، كالاهتمام بدروسها، و تلبية مطالب إخوتها، و وعدتها بأني سأهتم ببعض مصاريف البيت، و سأمنحها بعض الأولويات، من خلال توفير لها الملبس، و ما تحتاجه في المستقبل، و أعربت هي الأخرى على تنفيذ كل ما طلبت منها، لأول مرة أرى أختي فرحة، و نشيطة، بهذا الشكل، جلبت لي نوع من الفرحة، و قلت في نفسي:
" و الله سأعود من أجلك، أريد بأن أرى أختي سعيدة، أريدها بأن تكون كذلك، سأعود إذن سأعود.."
و بينما أنا أتناول الفطور، الذي كانت محتوياته أبريق من الشاي، و قليل من الخبز، رن هاتفي المحمول، معلنا انطلاق يوم جديد:
- ألو، أنا أمينة، صباح الخير، نلتقي على الساعة التاسعة، في نفس المكان، الذي التقينا فيه ليلة أمس
- حسنا سأكون في نفس الموعد، باي
التفت إلى فاطمة:
- لا تقلقي إن تأخرت، فعملي يتطلب ذلك، و ربما تقتضي الضرورة أن أظل هناك، أنه فندق، أتعرفين ما معنى الفندق؟!
لبست ما أعتقد أنه أجمل الملابس، و ضعت نوع من الماكياج على وجهي، و التفتت إلى مرآتي الصغيرة، التي أعلنت، يجب أن تذهبي، حان موعد اللقاء، بدا لي الحي كئيبا، و كأنه يحمل جثثا لا تنقطع عن التعفن، بتعفن الأزقة، و السبل المؤدية إلى أجمل شارع، الذي تمر منه وسائل النقل، التي تنقل البؤساء مثلي، إلى المتاهة، اقتنيت كالعادة تاكسي، ليوصلني إلى المكان الذي حددته لي أمينة، كان التاكسي يتمدد في الطريق بسرعة متوسطة، تساعد على التمتع بزخرفة العمارات الشاهقة، و الفيلات، و رؤية الدكاكين وهي تفتح أبوابها، و كنت أغفو من حين لآخر، رغم الأغنية الشعبية التي كانت تتصاعد من مذياع التاكسي، كان ذهني منشغلا باليوم الثاني، الذي سأقضيه مع السكارى، و المحرضين على الخمر، و أقول في نفسي:
- الحياة أدوار، واحد يسكر، و واحدة تدفعه إلى المزيد، الغرق لا يواجه إلا باللواتي يدفعن الغرقى إلى الغرق
و صلت في الموعد المحدد، وجدت أمينة تنتظرني، استقبلتني بابتسامة عريضة، ثم قبلتني و هي تقول:
- لم يعجبني منظرك، أتقبلين عرضا يخرجك من هذا الشكل المضر بالإنسانية
ابتسمت بدوري و قلت:
- ما هو يا فقيهتي الولهانة
- سأقرضك قرضا مهما، يساعدك على اقتناء حاجيات، تغير شكلك كله، و ترديه لي، وقت ما توفرت إليك الإمكانات
- هذا جميل، كم؟ إني بالصراحة في حاجة إلى النقود، سأقبل أي عرض تقدميه لي، و شكرا على اهتمامك بي، لا أعرف كيف سأرد إليك هذا الجميل
- ليس بيننا ذلك، خذي
ناولتني أوراقا نقدية، ما مجموعه ألفي درهم، قبلتها من جديد، و أنا أردد:
- شكرا على كل حال، شكرا.. شكرا
أخذت الأوراق، وضعتها في معطفي الذي كان يتسع، لبضع زجاجات من البيرة، و قلت:
- إلى أين يا حبيبتي الغالية، لا يمكن أن أذهب إلى الحانة و أنا أحمل كل هذه النقود
ضحكت ضحكة صاخبة، بدت لي مصطنعة، و قلت في خاطري:
- "مسكينة، اعتادت على مثل هذه الشهقات، لأنها تمارسها في الحانة، إرضاء للزبائن"
و هي تجيب:
- إذا وافقتني الرأي سنتوجه إلى الحمام، ثم نتوجه إلى محل للحلاقة، قصد تسريح الشعر، و الاهتمام بالشكل، آنذاك نتوجه إلى الحانة، قبل هذا و ذاك تعالي معي نأكل شيئا إني أموت من الجوع
و بدون أن أجيب، جرتني من يدي، دخلنا إلى محلبة كبيرة، جلسنا في ركن يطل على الشارع الكبير، ثم طلبت كأس حليب ساخن، و قطعة من الحلوى، في حين طلبت أنا الحلوى، و كأس من الريب البلدي، و جلسنا نقرر، فيما ننوي القيام به، قبل استئناف العمل، أشعلت سيجارة من نوع مارلبورو، و قالت لي:
- هل ترغبين؟
قلت متجهمة:
- لا، أتمنى بأن أتفاداه نهائيا
ابتسمت ابتسامة مليئة بالسخرية و كأنها أجابتني: " إنها مسألة وقت" ثم واصلت:
- بالمناسبة نسيت أن أنبهك، يجب أن تتعودي على شرب البيرة، و الويسكي أيضا، فالزبون يحب أن تشاركه المرأة في ذلك، لأن في هذه الحالة، ستتضاعف عدد المشروبات، و كلما كان الشرب أكثر، ستتضاعف الأجرة أكثر أيضا.
قلت:
- هذا مالا أرغب فيه
نهضنا من مكاننا متوجهين إلى المهام، التي قررنا أن نقوم بها، قبل الخامسة مساء، موعد الدخول إلى الحانة، نادت على أول تاكسي تراءى لنا، ركبنا و هي تقول:
- حي اللوح الموجود بالقرب من شارع الأمان، سيدي
مشينا زهاء نصف ساعة تقريبا، نبهت السائق:
- هنا سيدي
و هي تقدم له النقود، مشينا زهاء عشرة دقائق، مررنا خلالها بدروب مكدسة و أزقة ضيقة لا تتسع لدخول فردين، إلى أن وصلنا إلى شقة رثة من الخارج، فتحت الباب، و هي تقول:
- تفضلي، هذه شقتي البسيطة، إنها تلائمني للمبيت، و للجلوس وقت الفراغ.
من الداخل تبدو بسيطة فعلا، لكنها منظمة تنظيما محكما، تتوفر على حجرتين صغيرتين، و مرحاض صغير، يتوفر على مغسل، و رشاشة للدوش، أعجبتني الطريقة التي نظم بها بهو المرحاض: الصابون وضع فوق رف خشبي معلق في الجدران، جميل الشكل، مع الشامبوان، و بعض القنينات للتجميل، حليب، و زيت لذهن الجلد، تتخلل هذه الأمكنة مساحة شبه مربعة وضعت فيه أريكة للجلوس، وفي قبالته، توجد تلفاز صغيرة، موضوعة فوق خزانة من اللوح، مستطيلة الشكل، زينت ببعض القطع الحيوانية، و بعض الصور، من فتيات الموضة، و الجمال، تمددت فوق الأريكة، بينما هي دخلت إلى حجرتها، و ما هي إلا لحظات، حتى خرجت، وهي تغني إحدى الأغنيات الشعبية،
ثم قالت:
- هيا نذهب
فقلت:
- إلى أين؟ يا سيدتي الفاضلة، إني شعرت بالراحة، و الهدوء هنا.
فردت:
- إلى الحمام أولا، ثم إلى صالة الحلاقة ثانيا، ألم نتفق على ذلك؟
قلت:
- طبعا، طبعا
و خرجنا بعدما نفتت صديقتي الجديدة سيجارتين بسرعة، و دفنت لفيفهما في المرمد الموضوع فوق مائدة دائرية صغيرة من اللوح.



#محمد_هالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ابهامات لفقرات متقطعة (9)
- بوح امرأة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (8)
- بوح امرأة (1)
- إبهامات لفقرات متقطعة (7)
- إبهامات لفقرات متقطعة (6)
- إبهامات لفقرات متقطعة (5)
- إبهامات لفقرات متقطعة (4)
- إبهامات لفقرات متقطعة (3)
- ابهامات لفقرات متقطعة (2)
- إبهامات لفقرات متقطعة (1)
- صور من واقع مضى ! الصورة : 10
- اشتراكية العالم العربي أم ليبراليته؟
- صور من واقع مضى ! الصورة : 9
- صور من واقع مضى ! الصورة : 8
- صور لواقع مضى ! الصورة: 7
- صور من واقع مضى ! الصورة: 6
- صور من واقع مضى ! الصورة: 5
- صور من واقع مضى ! الصورة: 4
- صور من واقع مضى ! الصورة:3


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد هالي - بوح امرأة (3)