أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث















المزيد.....



قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 3840 - 2012 / 9 / 4 - 00:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


المبحث الثالث: الاحزاب السياسية

ان مهمة هذا المبحث هي منا قشة الجوانب المفاهيمية للاحزاب السياسية العلنية اولا، وصورتها المثلى هي تلك التي تقوم في نظام سياسي مفتوح، اي قائمة على التعددية، وتمارس دورها من خلال المنافسة الانتخابية ودون اهمال الانظمة الحزبية الاخرى، ومنها انظمة الحزب الواحد. اما الاحزاب السرية فقد خصص لها الجزء الاخير من هذا المبحث. وجاءت مناقشتها من واقع التجربة التاريخية العراقية المعاصرة.

1 - ماهية الاحزاب السياسية
يعبّر الحزب السياسي عن منظمة جماهيرية للافراد في سياق انتماءاتهم الفكرية- الطبقية. وتقوم على افكار آيديولوجية موحدة تجسّد اولويات مجتمعية محددة، وتوفر العمل المشترك في اطار المنافسة السياسية، وتبغي الوصول الى السلطة من اجل احداث تغييرات اجتماعية منشودة وفق تصورات مستقبلية مرسومة. من هنا يتميز الحزب السياسي الحديث بثلاث سمات محورية هي: هيكل تنظيمي دائم.. تفويض بتمثيل المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، وبالاعتماد على انتخابات مفتوحة.. والمساهمة في الحكومة، سواء بتشكيلها او المشاركة فيها او ممارسة دور المعارضة.(62)
ويختلف الحزب السياسي عن جماعة المصلحة interest group او جماعة الضغط pressure group، اذ تتمثل جماعة المصلحة في رابطة افراد ذوي مصلحة مشتركة تدافع عنها بقصد ترسيخها وتعزيز مواقعها وزيادة تأثيرها. وتتحول جماعة المصلحة الى جماعة ضاغطة عندما تمارس تأثيرها في الحكومة والحزب. يضاف الى ذلك وجود اختلافات اخرى بين الحزب السياسي وجماعة المصلحة (الضغط) تتلخص في:
* يبغي الحزب السياسي الوصول الى السلطة وممارستها لتحقيق اهداف اجتماعية على خلاف جماعة المصلحة التي تحصر جهودها في الضغط على الحكومة والحزب لتحقيق مصالحها الخاصة.
* تهتم جماعة المصلحة بالمصالح المشتركة لاعضائها فقط وتكون محصورة العضوية بفئة محددة ذات مصلحة خاصة مشتركة، بينما الحزب السياسي مفتوح عادة لكل المواطنين ويهتم بمجموع المصالح الوطنية في سياق اهداف شاملة تغطي المجتمع السياسي.
* تستخدم جماعة المصلحة وسائل تكتيكية ضاغطة سرية عادة. وقد تصل الى تلك غير المشروعة للتأثير في الحكومة والحزب، على خلاف الحزب السياسي الذي يقوم على العلنية لكسب تأييد المجتمع السياسي في الانتخابات.
* ومن الناحية التاريخية وجدت جماعات المصلحة- بهذا الشكل او ذاك- منذ وجدت الحياة الحضارية البشرية، ينما تعتبر الاحزاب السياسية ظاهرة حديثة.
* يشير التاريخ الى امكانية تحول جماعة المصلحة (الضغط) الى حزب سياسي، كما في حزب العمال البريطاني الذي هو وليد جماعة مصلحة ضاغطة (نقابات العمال) تطورت الى حزب سياسي جماهيري..

ظهرت الاحزاب السياسية في صورتها الحديثة في اوربا والولايات المتحدة في القرن التاسع عشر وعلى نحو متواز مع ظهور الانتخابات والانظمة البرلمانية. وشملت تسمية الحزب كافة الجماعات المنظمة الساعية لبلوغ السلطة السياسية، سواء بواسطة الانتخابات او الثورة. كما انتشرت الاحزاب السياسية هذه على مستوى العالم في القرن العشرين، وان ظلّت احزاب عديدة في دول العالم الثالث مؤسسة وفق معايير شخصية او قبلية او اثنية،الخ.. بالاضافة الى ان احزاب هذه الدول اتسمت كونها جزئيا سياسية وجزئيا عسكرية. كما شهد هذا القرن ايضا استخدام الاحزاب السياسية من قبل الانظمة الاستبدادية لاغراض غير ديمقراطية.
وفي محاولة لمناقشة البواعث التي تقود الى انشاء وتأييد الحزب السياسي في الديمقراطيات الغربية فقد وردت خمسة اسس رئيسة هي: الطبقة الاجتماعية social class، الاوضاع الاقتصاديةeconomic status ، الدينreligion، الاختلافات الاقليميةregional differences ، والانتماءات الفلسفية philosophical leanings.. الا ان هذه التقسيمات لم تعد قوية كما كانت في بداية القرن العشرين. اذ حلت الاوضاع الاقتصادية محل الطبقة كمؤشر للموقف الاجتماعي في معظم هذه الدول. بينما لا زال الدين يوفر اسسا عريضة لاحزاب سياسية. وتعتبر التقسيمات الاقليمية الاساس لدعم الاحزاب المستندة الى الاختلافات اللغوية او الاثنية. اما الفلسفة فأنها لم توفر اساسا موثوقا من التأييد لاغلب الاحزاب السياسية في السنوات الحديثة. اذ خلصت بحوث ميدانية عديدة الى ان اغلبية الناخبين المعاصرين لا يهتمون قليلا فقط بالنظريات السياسية فحسب بل كذلك ليس لديهم فهم واضح بالافكار الفلسفية للاحزاب التي يصوتون لها.(63)

تقوم الاحزاب السياسية بوظائف جوهرية في المجتمع السياسي، فهي تعمل في صورة جسر يربط ما بين الحكومة والمواطنين باتجاهين: اولهما استقبال رغبات المواطنين وايصالها الى الهيئات الحكومية لتشكل قراراتها ومواقفها في ضوء تلك الرغبات.. وثانيهما نقل قرارات ومواقف الحكومة الى المواطنين واعطائها صفة الشرعية. كما اصبحت الاحزاب السياسية مصدرا لتعبئة المصالح المتقاطعة وحل المشكلات والتناقضات الاجتماعية من خلال لقاءاتها ومناقشاتها داخل البرلمان وخارجه، وذلك في سياق تجسّيدها لاهداف ومواقف مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية. كذلك اقترن ظهور الاحزاب السياسية بالتقليل من مركزية ممارسة السلطة ومن مدى الانفراد بالقرار، والتعبير عن طموحات المواطنين المشاركة في توجيه السلطة التنفيذية والتأثير في مواقف السلطة التشريعية وترشيد قرارات الحكومة عموما. واخيرا، تشكل الاحزاب السياسية مدارس للتثقيف السياسي والتربية الوطنية وضمان اولوية الولاء للوطن. عليه يتطلب قيام واستمرار النظام الديمقراطي توفر شرطين بهذا الخصوص: وجود احزاب سياسية اولا، وان تكون هذه الاحزاب ديمقراطية ثانيا.

من هنا يمكن تصور الاحزاب السياسية باعتبارها اعمدة رئيسة في صرح النظام الديمقراطي. لذلك يكون منطقيا قيام بنية الحزب على نحو متماثل وبنية النظام السياسي نفسه، سواء بوجود ثلاث سلطات منفصلة تمارس الرقابة المتبادلة او تطبيق الانتخابات الحرة وفق الاقتراع العام السري وتعددية الخيارات والقبول بنتائجها، وعدم احتكار السلطة، والتعددية السياسية والتعامل السلمي، وحرية التعبير، والالتزام بمبدأ الانفتاح والعلنية، وضمان ولاء الناس للوطن اولا في سياق تربية حزبية تؤكد على الاستقلال والديمقراطية. وهذا يدعو ان يكون الحزب السياسي ديمقراطيا في افكاره واهدافه وبرامجه وتنظيماته وعلاقاته الداخلية والخارجية. وتشكل المكونات الثلاثة التالية حّدا ادنى لضمان الديمقراطية في الحزب السياسي:(64)
الاول: الشرعية الحزبية- وهي تتطلب تنظيم الحزب السياسي مؤسسيا وفق اسس الوطنية السياسية بعيدا عن الانتماءات الشخصية والقبلية والطائفية وما اشبه. ووجود التنظيم يدعو الى اصدار قرارات ملزمة للاعضاء وقبولهم لهذه القرارات. الا انه لا التزام دون ان تقابله حقوق، ولن تستقر شرعية التنظيم دون محاولة الاقتراب من تحقيق التوازن بين الالتزامات والحقوق. وان اجبار العضو (المواطن) على تنفيذ الالتزامات في غياب الحقوق يضعه في خانة العبيد والاقنان ويحط من كرامته ويلغي وجوده كانسان. عليه ليس هناك من مبرر يحصر حق العضوية بين الانصياع الاعمى لقرارات الحزب وبين التخلي عن المبدأ، لان ذلك يعني حرمانه من حقه الطبيعي في حرية الرأي والاختيار. ويرتب مبدأ الشرعية الشروط التالية:
* ربط مبدأ الالتزام الحزبي باقرار مبدأ حقوق الانسان (العضو) يتقدمها حق تقديس حياته واحترام كرامته.
* تطبيق مبدأ الانتخابات على اساس الاقتراع العام السري لاختيار كافة مستويات قيادات الحزب وعلى اساس توفر تعددية فعلية للمرشحين تسمح بحرية الاختيار (الانتخاب).
* ان تقوم هذه الانتخابات بصورة دورية منتظمة. وهذا يدعو الى عدم احتكار قيادة الحزب، والعمل على تغذيتها بدماء جديدة بصفة مستمرة، وتحاشي ظهور الزعامات الشخصية والقيادات الابدية التي لا يتخلص منها الحزب الا بالموت.
* ان يكون للحزب دستور داخلي (لائحة نظام اساس) بحيث يتضمن فلسفة واهداف الحزب وسياساته وبرامجه التفصيلية وتشكيلاته، مع بيان حقوق وواجبات اعضاء الحزب وحدود سلطات قياداته. ولعلّ اكثر الشروط العصرية لمثل هذا الدستور هو تحديد واضح لكيفية ادارة السلطات الثلاث وواجباتها وعلاقاتها مع بعضها متمثلة في: السلطة التشريعية (المؤتمر العام للحزب) والسلطة التنفيذية (قيادة الحزب)، علاوة على انتخاب هيئة قضائية من قبل المؤتمر العام مرتبطة به لتقوم بدور الرقابة في فحص القرارات والنظر في الخلافات وقرارات الفصل والعقوبات بما يمنع التصرفات التعسفية ضد اعضاء الحزب، وضمان توافق القرارات مع دستور الحزب.
الثاني: آلية تداول القيادة- تتمثل في ممارسة الانتخابات لاختيار العناصر المرشحة لمواقع المسؤولية الحزبية بمختلف مستوياتها وعلى اساس الاقتراع العام السري وتعددية المرشحين، مع اهمية التركيز على شرط الكفاءة والخبرة. وان يتم انتخاب القيادة العليا من المؤتمر العام للحزب على اساس تقويم دورها السياسي وانجازاتها الفعلية. يضاف الى ذلك ضرورة عدم احتكار القيادة وفتح المجال لرفدها بعناصر جديدة بصفة مستمرة، كما سبقت الاشارة. وبذلك يصبح الحزب اكبر من اية قيادة ويتخلص من مشكلة ترهل القيادات واحتكار السلطة والزعامات الشخصية.
الثالث: التعددية السياسية- وتعني القبول بتعدد الاتجاهات داخل الحزب في اطار الفكر الواحد. وهي تختلف عن ما يسمى بوحدة الارادة الحزبية التي تكون مطلوبة لتحاشي عوامل الانشقاقات الداخلية وابراز وحدة الحزب امام الجماهير لتسهيل تعبئتها. عليه فان اعضاء الحزب مطالبون الالتزام ببرنامج الحزب وقرارات هيئاته القيادية المنتخبة. الا ان المطلوب اولا خضوع البرنامج والقرارات هذه لمناقشة مفتوحة من قبل كافة اطراف الحزب. ومن اجل ضمان حرية المناقشة لا بد من تجنب تبادل الاتهامات والنعوت وتحاشي ممارسة الارهاب الفكري والامتناع عن محاولات قمع الاتجاهات المعارضة او اقصاء اصحابها من مواقع المسؤولية بقرارات تعسفية.

والتعددية تعني ايضا التعامل الديمقراطي مع القوى الاخرى، بما يتطلبه من الاقرار المتكافئ بوجود الآخرين، والتلاقي عند اهداف سامية عليا مشتركة على اساس التعامل السلمي، ودون ان ينفي ذلك ضرورة استمرار الخلاف، اي تعددية وجهات النظر حول سياسات وبرامج ومراحل تحقيق الاهداف المجتمعية. ذلك ان الحلم بانفراد حزب ما في الساحة (السلطة) السياسية والغاء وجود الآخرين هو سراب لا طائل ورائه سوى هدر الامكانات البشرية والموارد المادية للمجتمع.

ان القبول بالتعددية امر طبيعي طالما هناك بشر لهم افكارهم المختلفة واجتهاداتهم المتباينة ومواقفهم المتعددة في دورة حياة المجتمع. والمسألة الاكثر اهمية هي ان تصب هذه الخلافات وتعددية الآراء لصالح الاهداف الوطنية دون الغاء لوجود فريق لحساب فريق آخر. عليه تتفق التعددية مع متطلبات الجماهير بوضعها امام خيارات متعددة من حيث توجهات واساليب وتوقيت العمل السياسي. وهذا يساعد بدوره على بلورة الافكار وتزيد من قوة التغيير المنشودة، وتقود الى جذب مزيد من الجماهير الى الساحة السياسية، وهي لصالح دعم الاحزاب الوطنية. ويرتبط بذلك ايضا ان لا يدعي اي طرف احتكار الحقيقة دون الآخرين، وتبنّي فلسفة تقوم على القناعة النسبية بالافكار الايديولوجية وتجنب المطلقات. وبالنتيجة تتطلب عملية التحول الديمقراطي وجود احزاب ديمقراطية تقوم على العلنية والتعامل السلمي والقبول بالنسبية والاعتراف المتكافئ بالاخر. مع اهمية تأكيد الممارسة العملية.

2- انماط الاحزاب السياسية
ظهرت الاحزاب السياسية منذ بداياتها في شكل احزاب نخبوية سميت احزاب الكادرcadre parties او احزاب القاعدة الضيقة، تمييزا لها عن الاحزاب الجماهيرية التي ظهرت في القرن التاسع عشر وسميت احزاب القاعدة العريضة mass - based parties. وكانت احزاب الكادر تعبر عن تناقض اساس بين طبقتين هما الارستقراطية والبرجوازية. تضمنت الاولى طبقة المحافظين من ملاك الارض (الاقطاعيين) والنبلاء مدعومة من رجال الدين. بينما شملت الثانية طبقة الاحرار من رجال الصناعة والاعمال والمال والبنوك والتجار والمهنيون professional مدعومة من الفئة الدنيا لرجال الدين، بالاضافة الى الطبقة العاملة في المدن.

سادت احزاب الكادر من المحافظين والليبراليين السياسة الاوربية في القرن التاسع عشر وتصاعدت خلال التطور الاقتصادي والاجتماعي العظيم، ومارست السلطة على نحو واسع من خلال الانتخابات. وحالما بلغ الحزب السلطة استخدم قادته قوة الجيش والشرطة، رغم ان الحزب نفسه لم ينظم عموما لممارسة العنف. وكانت الفروع المحلية لهذه الاحزاب مسؤولة عن دعم مرشحي احزابها سياسيا وماليا، رغم انها حافظت على قدر رفيع من الاستقلال الذاتي. كذلك حافظ عضو البرلمان على درجة عالية من الاستقلال عن حزبه. اذ ان نظام الانضباط الحزبي- خاصة بالنسبة الى اعضاء البرلمان- ظهر لاول مرة في الاحزاب البريطانية المعتمدة على الاغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة.
لم تختلف الاحزاب السياسية في الولايات المتحدة الامريكية في مرحلتها الاولى خلال القرن التاسع عشر عن احزاب الكادر الاوربية فيما عدا اعتمادها بدرجة اقل على الايديولوجيا. فالشكل الاول للصراع بين الارستقراطيين والبرجوازيين او بين المحافظين والاحرار عبّر عن نفسه في حرب التحرير (الاستقلال) حيث مثلت بريطانيا سلطة الملك والنبلاء، وجسّد الثوار مصلحة البرجوازيين. وجاء الشكل الثاني للصراع بين الارستقراطيين من اصحاب الاراضي الزراعية ومالكي العبيد من المحافظين وبين الاحرار والذي تفجّر في الحرب الاهلية وعبّرت عن تناقض مصالح الطرفين. ومع ظهور الولايات المتحدة دولة موحدة بعد الحرب الاهلية، فقد جاءت منذ البداية تجمعا برجوازيا يقوم على مبدأ المساواة السياسية والحرية الفردية. كما عبّرت احزابها- على اختلاف تسمياتها سواء تسمّت بالاتحاديين او المعارضين للاتحاد في المرحلة الاولى، او التي عرفت بالجمهوريين و الديمقراطيين في مرحلة تالية- عن عائلة واحدة اشتركت جميعها في نفس الاسس الايديولوجية.

وفيما يخص هيكل الحزب، كان الاختلاف طفيفا بين الاحزاب الامريكية والاوربية، فكلاهما تضمنت النبلاء او النخبة. الا ان العلاقات بين الفروع المحلية ومركز الحزب كانت اكثر ضعفا في الاحزاب الامريكية مقارنة بالاحزاب الاوربية. كما ان النظام اللامركزي الحاد في الولايات المتحدة مكن الحزب من انشاء سلطة محلية شبه دكتاتورية في الولاية بالسيطرة من خلال الانتخابات على كافة المراكز الحيوية التي تعدت وظيفة المحافظ الى البوليس والمحاكم والمالية العامة. واخذت اللجنة المحلية للحزب تضم مجموعات من المغامرين والعصابات التي ارادت ضبط توزيع الثروة وضمان استمرار سيطرتها. وهذه المجموعات كانت تخضع لسطوة الزعيمboss القائد السياسي المسيطر على الآلية الحزبية على مستوى المدينة والمقاطعة والولاية. وكانت المنطقة الانتخابية مقسمة الى عدة دوائر انتخابية كل منها تحت اشراف ومراقبة مباشرة لممثل الحزب agent او الكابتنcaptain الذي كان مسؤولا عن ضمان الاصوات الانتخابية لمرشحي الحزب مثل العمل النقابي والرخص النقابية والافلات من البوليس وما اشبه. وحالما اصبح الحزب مسيطرا على الحكومة المحلية بما فيها البوليس والمالية العامة وما يماثلها- بعد فوزه بالانتخابات- عندئذ يكون قد ضمن ومؤيدوه الافلات من العقوبة باستخدامهم لطرق غير مشروعة مثل اوكار البغاء والقمار وحصر التعاقدات العامة لصالح رجال الاعمال المفضلين.

ان ظاهرة التفسخ هذه التي تفشت في الالية الحزبية الامريكية، ومن وجهة نظر الانسكلوبيديا البريطانية، لم تكن خالية من المنافع. اذ ان المهاجرين الاوربيين ممن وصلوا الى الولايات المتحدة كانوا ضائعين في عالم واسع وكبير. وهذه الآلية وفرت لهم فرصة ايجاد العمل والسكن مقابل مناصرتهم للحزب. وفي نظام رأسمالي لم تكن التحديات الاجتماعية قائمة فعلا، عندئذ تحملت هذه الالية مسؤولية بالغة في حياة المجتمع، رغم ان التكلفة الاخلاقية لمثل هذا النظام كانت عالية جدا. هذه الاوضاع السلوكية المفرطة لزعماء الاحزاب السياسية قادت الى تطوير ما يسمى بالانتخابات الاولوية primary elections، في محاولة لحرمانهم من ممارسة سطوتهم في اختيار المرشحين للانتخابات، وجعلها اكثر ديمقراطية بانفتاحها على عامة الناس، وموازنة آثار اللجان الحزبية. ومع ان غالبية الولايات الامريكية طبقت هذه الطريقة خلال الفترة 1900 - 1920، الا ان الهدف المذكور منها لم يتحقق عمليا، لان اللجان الحزبية حافظت على اليد العليا الممسكة باختيار المرشحين للانتخابات الاولية.

تضم احزاب الكادر عادة عددا محدودا من المناصرين في سياق مواصفات خاصة للعضوية، بينما توحد احزاب القاعدة العريضة مئات الالوف واحيانا الملايين من الاعضاء. ولا يشكل عدد اعضاء الحزب المعيار الوحيد او الاهم لحزب القاعدة العريضة، بل ان الشرط الجوهري هو ان مثل هذا الحزب يؤسس نفسه على اساس القاعدة الجماعية، وتكون العضوية فيه وفق معيار الوطنية السياسية، اي مفتوحة لكافة المواطنين في المجتمع بعيدا عن المواصفات الاثنية والدينية واللغوية والقومية، الخ.. وهذا هو الشرط المركزي الذي يميز حزب القاعدة العريضة عن حزب الكادر بغض النظر عن عدد الاعضاء.

بدأت الاحزاب الاشتراكية تنظم نفسها مع نهاية القرن التاسع عشر على مستوى القارة الاوربية على اساس القاعدة العريضة بغرض تثقيف وتنظيم الاعداد المتزايدة من طبقة اصحاب الاجور التي كانت تتعاظم بفعل الحركة الصناعية المتصاعدة التي اخذت اهميتها السياسية في التزايد المستمر بسبب توسيع حق الاقتراع العام. وبغرض جمع الاموال اللازمة لممارسة نشاطها، اتجهت هذه الاحزاب الى تعبئة مواردها بطريقة منظمة بالاعتماد على طبقة العمال التي، رغم انها كانت فقيرة، الا ان ضخامة اعدادها كانت توفر مصدرا ماليا طيبا لهذه الاحزاب بعد ان ابتدعت طريقة فرض رسوم العضوية. فعلى سبيل المثال، تجاوز عدد اعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني المليون عضو عام 1913. كما بنيت تشكيلات الحزب وفق اسس هيكلية ومالية ثابتة، ورفدت باعداد من العناصر الادارية والمالية والعاملين في مجال السكرتارية لاغراض ضبط العضوية وموارد الحزب والقيام بمختلف الاعمال التنفيذية في اطار هرمي شمل تنسيق آلاف الاقسام والفروع المحلية للحزب. كما ان تقاليد العمل والانضباط الجماعي حققت تطورا عاليا بين العمال في سياق مساهماتهم في الاضرابات والنشاطات النقابية التي كانت تميل لصالح تشديد مركزية المنظمة الحزبية. وحيث ان هذه المركزية والتنظيم الحزبي المعقد تميل الى اعطاء قدر عظيم من التأثير لاولئك الذين يتحملون المسؤولية في مختلف مستويات الهرم التنظيمي الحزبي، ومن ثم بروز الاتجاهات الاوليغاركية. عليه بذلت الاحزاب الاشتراكية جهودها للحد من هذا الاتجاه بتطوير اجراءآت ديمقراطية لاختيار القيادات على مستوى كافة المسؤوليات الحزبية ومن خلال مؤتمر الحزب الذي كان يضم العناصر المنتخبة لمختلف فروع الحزب ومستوياته. وهذه الاشكال التنظيمية لاحزاب القاعدة العريضة خضعت للتقليد من قبل الاحزاب غير الاشتراكية، رغم انها حققت نجاحا اقل، خاصة ما يتعلق باقامة تنظيمات اكثر انضباطا وصلابة.

شكلت الاحزاب الشيوعية الفصائل الاولى التي انشقت عن الاحزاب الاشتراكية، ونجحت في تطوير تنظيمات هيكلية جديدة. فبينما اعتمدت احزاب الكادر والاحزاب الاشتراكية على انشاء فروعها على اساس المنطقة الجغرافية، كونت المجموعات الشيوعية خلاياها في موقع العمل. ان خلية موقع العمل كانت العنصر الاصيل الاول في المنظمة الحزبية الشيوعية التي جمعت اعضاء المجموعة الحزبية مع بعضهم ممن ينتمون الى مؤسسة واحدة (المصنع، المزرعة، المدرسة، الخ..). وتميزت الخلية بقوة تنظيمها. ونبع تماسكها من الحرفة المشتركة لاعضائها التي هي عادة اقوى من قوة التماسك بين المقيمين في المنطقة الجغرافية الواحدة. اثبت نظام خلية موقع العمل work - place cell system فعاليته. وحاولت الاحزاب الاخرى تقليد هذا النظام دون نجاح يذكر. وفّر نظام خلية موقع العمل اهتمام كل خلية بمشكلاتها- التي تكون عادة ذو طبيعة مهنية اكثر من كونها ذات صبغة سياسية- وهذه الخلايا التي شكلت قاعدة الحزب، تميزت بكونها الاصغر حجما والاكثر عددا مقارنة بالاقسام الفرعية للاحزاب الاشتراكية. وتطلب هذا النظام الجديد بدوره تنظيما حزبيا قويا وقيادة حزبية ذات سلطة واسعة وشاملة قادرة على ان تمتد بعيدا لتصل الى هذه الخلايا. وهذه الخاصية التنظيمية للحزب الشيوعي قادت الى بروز خاصية ثانية تمثلت في الدرجة العالية من المركزية وعلى نحو اكثر صرامة من المركزية التي كانت قائمة في احزاب القاعدة العريضة، رغم ان الاحزاب الشيوعية طبقت- من حيث المبدأ- حرية المناقشة وطورتها على كافة المستويات الحزبية قبل اتخاذ وصنع القرارات الحزبية. كما ان حالة الانشقاق- التي كانت تحصل بين فينة واخرى في الاحزاب الاشتراكية- اعتبرت محظورة ومحرمة في الاحزاب الشيوعية التي نجحت عموما في المحافظة على وحدتها. والسمة الجوهرية الاخرى التي ميّزت الاحزاب الشيوعية هي الاهمية القصوى التي اعطتها للمسألة الايديولوجية . لقد قامت كافة الاحزاب، على شيء من الافكار والايديولوجيات، بل ان الاحزاب الاشتراكية الاوربية كانت تعتمد على قسط وافر منها خلال الفترة ما بين الحربين الكونيين الا انها تحولت بعدئذ الى احزاب مفرطة في الواقعية pragmatic ان لم نقل الى احزاب انتهازية opportunist. بينما بقيت الايديولوجية في الاحزاب الشيوعية تحتل مكانة عظيمة مستمرة. وحافظ الحزب الشيوعي على اعطاء اهتمام متقدم لتثقيف اعضائه بافكار الاشتراكية العلمية (الماركسية).

شهدت العشرينات والثلاثينات من القرن العشرين ظهور الاحزاب الفاشية Fascist Parties التي حاولت- كما في احزاب القاعدة العريضة- ضم اكبر عدد ممكن من الاعضاء اليها، ولكن دون ان تدعي تمثيلها للقاعدة الجماهيرية. اذ ان تعاليمها كانت تقوم على العنصرية والنخبوية. وكانت هذه الاحزاب ترى وجوب قيادة المجتمع من قبل اكثر العناصر كفاءة واقتدارا، اي النخبة. اما قيادة هذه الاحزاب فقد خضعت بصفة عمياء الى الرئيس الاعلى للحزب الذي يختار الصفوة القيادية، حيث يقوم تنظيم الحزب على الطاعة الكاملة لقيادة النخبة. وكان هذا التنظيم مماثلا لتنظيم الجيوش ويقوم على اساس استخدام وسائل انضباط صارمة لضمان طاعة الجماهير الواسعة لقيادة النخبة. من هنا قام الحزب على نمط التنظيم العسكري في شكل هرمي، وحافظ على خصوصيته في مجال الملابس الرسمية والمراتب والاصناف والاوامر والتحيات والمسيرات، علاوة على الطاعة العمياء unquestioning obedience على مستوى كافة الاحزاب الفاشية. وارتبط هذا التماثل بين الاحزاب الفاشية بعنصر آخر سمي بـ"العقيدة الفاشية"، وتضمنت تعاليم بوجوب الامساك بالسلطة من قبل منظمة نخبوية. من هنا كان استخدام الحزب لقوته العسكرية بهدف ضمان النصر في الصراع من اجل السيطرة على الجماهير. وفيما بين الحربين العالميتين ظهرت احزاب كبيرة عديدة وفق النموذج الفاشي خاصة في المانيا وايطاليا لتسيطرا فعلا على السلطة فيهما. كما ظهرت الاحزاب الفاشية هذه كذلك في بقية الدول الاوربية في ذات الفترة، رغم عجزها عن الوصول الى السلطة. واخيرا، فان انتصار دول الحلفاء عام 1945، والكشف عن الجرائم النازية المروعة، اوقفت نمو الحركة الفاشية وقادت الى انكماشها واضمحلالها، رغم ان النمط الفاشي- بافكاره واحزابه- بقي يعبّر عن وسائل فعالة للسيطرة على السلطة واقامة الانظمة الدكتاتورية في دول العالم الثالث.


3 - انظمة الاحزاب السياسية
يمكن تقسيم الانظمة الحزبية الى ثلاث فئات واسعة هي: نظام الحزبين، نظام تعددية الاحزاب، ونظام الحزب الواحد. ولا يستند هذا التصنيف على عدد الاحزاب العاملة في ظل النظام السياسي فحسب بل كذلك على تنوع السمات المميزة لكل من الانظمة الثلاثة. فانظمة الحزبين وتعددية الاحزاب تعبر عن الطرق المفتوحة المستخدمة في العملية السياسية لمواجهة تناقضات المصالح في المجتمعات التعددية pluralistic ، لذلك فهي تشكل جزءا من آليات الديمقراطية . اما نظام الحزب الواحد فيعمل عادة في جو لا يسمح بظهور التناقضات الحقيقية على سطح العملية السياسية، رغم ان هذه الممارسات لا تنفي وجود تناقضات حتى على مستوى الحزب نفسه. وفي انظمة الحزبين او تعددية الاحزاب، حيث يعترف النظام بوجود التناقضات وظهورها ومعالجتها، فهذا قد يجعل من العملية السياسية مهمة صعبة وتفرض ايجاد نوع من الائتلافات لتطويق المصالح المتنافرة، وتقدم العملية الديمقراطية على انها في واقعها مهمة توفيقية الى درجة بعيدة.(65)

تطورت في اوربا الغربية ثلاث فئات من الاحزاب السياسية منذ القرن التاسع عشر هي احزاب المحافظين والليبراليين والاشتراكيين. وعبر كل منها عن مصالح طبقية معينة وايديولوجية متباينة. وبعد الحرب العالمية الاولى ظهرت اشكال اخرى من الاحزاب السياسية مثلت في جزء منها انشقاقات عن الاحزاب القديمة، كما في الاحزاب الشيوعية التي جسّدت اجنحة منشقة من الاحزاب الاشتراكية، حيث سبقت الاشارة. كذلك ظهرت احزاب اخرى متميزة مثل الحزب الليبرالي الريفي في الدول الاسكندنافية، لتعبّر عن تقاليد طويلة لتمثيل مستقل لسكان الريف. يضاف الى ذلك ظهور الاحزاب الاثنية والدينية كما في الاحزاب الديمقراطية المسيحية .

ليست التفرقة بين نظام الحزبين ونظام تعددية الاحزاب بالسهولة التي تظهر احيانا. ففي نظام الحزبين هناك على نحو ثابت عدد من الاحزاب الصغيرة التي تخلق احتمالات فوز او خسارة احد الحزبين الكبيرين للاغلبية البرلمانية. لكن عدد الاحزاب ليس وحده مقررا لطبيعة نظام الحزبين بل هناك عوامل اخرى ، خاصة مسألة الانضباط الحزبي. ويشكل نظام الانتخابات احد اكثر العوامل المؤثرة في الانظمة الحزبية. فقاعدة الاغلبية البسيطة القائمة على نظام المرحلة الواحدة للاقتراع single - ballot system تتجه الى توليد نظام الحزبين، لأنها تستبعد الاحزاب الصغيرة من التمثيل في البرلمان. اما قاعدة التمثيل المتناسب القائمة على نظام مرحلتي الاقتراع second - ballot system فهي تعمل لصالح نظام تعددية الاحزاب، لكونها تضمن التمثيل البرلماني للاحزاب الصغيرة وتوفر فرص قيام التحالفات الحزبية. كما ان عمق التناقضات السياسية يعمل لصالح تعددية الاحزاب .

ان التميز بين نظام الحزبين ونظام تعددية الاحزاب يرتبط كذلك بطبيعة النظامين السياسيين في اوربا الغربية. ففي حالة الحزبين تقوم الحكومة على اغلبية برلمانية ناجمة عن هيمنة احد الحزبين الكبيرين، وهذه الاغلبية تضمن استمرار الحكومة بصورة فعالة. ومثل هذا النظام يعبر عن اغلبية برلمانية majority parliamentarian. اما في حالة تعددية الاحزاب فمن النادر لحزب واحد تحقيق اغلبية برلمانية. من هنا وجب تشكيل الحكومة على اساس الائتلاف وتكون اكثر متغايرة heterogeneous واكثر رخاوة fragile. والحصيلة هي ضعف الاستقرار السياسي وضعف السلطة. وهذا النظام يعبر عن غياب الاغلبية البرلمانية non-majority parliamentarian. ومن الناحية العملية فان انظمة الاغلبية او غياب الاغلبية البرلمانية لا تتطابق تماما مع انظمة الحزبين او تعددية الاحزاب، لانه في حالة مرونة الحزبين وعدم سيطرتهما على اعضائهما في البرلمان، كما في الولايات المتحدة الامريكية، عندئذ تكون اهمية الاغلبية البرلمانية لاحد الحزبين ضئيلة .

يعتبر الائتلاف عادة الوسيلة المطبقة لتحقيق اغلبية برلمانية في نظام تعددية الاحزاب، ويختلف تأثيره بدرجة كبيرة بالعلاقة مع طبيعة الانضباط في الاحزاب المكونة للائتلاف. ففي حالة الاحزاب المرنة flexible التي تتصف بضعف الانضباط الحزبي وسماح الحزب لعضو البرلمان اتخاذ مواقفه التصويتية حسب قناعاته to vote on his wish، يكون الائتلاف ضعيفا وعمره قصيرا. وتكون الحكومة في هذه الحالة في حدودها القصوى من الضعف وعدم الاستقرار. وتشكل احداث الجمهورية الفرنسية الثالثة مثالا واضحا على هذه الحالة. من جهة اخرى، اذا كانت الاحزاب المشاركة في الائتلاف تتصف بالصلابة rigid والانضباط عندئذ من المحتمل بناء نظام يشبه كثيرا نظام الحزبين. وهذه الحالة هي الغالبة عندما يتحالف حزبان قادران على توفير اغلبية برلمانية. وهذا النوع من الائتلاف يعبّر عن ثنائي القطبين polarized ويولد عناصر نظام الحزبين في اطار تعددية الاحزاب. وتشكل السويد مثالا لظهور هذا النموذج في فترات مختلفة منذ عام 1970.

ربما تتضارب التحالفات الثنائية مع نظام تحالف الوسط centrist alliance. فبدلا من تحالف الاحزاب اليمينية مثلا بانشاء جبهة مشتركة لمواجهة تحالف جبهة اليسار، هناك احتمال مبادرة قوى الوسط في جبهتي اليمين واليسار الانضمام لبعضها رافضة بذلك الاتجاهات المتطرفة في كلا الطرفين. هذه الحالة عكستها جمهورية فيمار (المانيا) عندما اعتمدت الحكومة على تأييد اغلبية تحالف الوسط الكاثوليكي والاشتراكي الديمقراطي، والتي كانت محل معارضة كل من الشيوعيين والوطنيين الذين مثلا اقصى اليسار واقصى اليمين. الا ان التحالفات الوسطية تميل ال اعطاء المواطن العادي شعورا بحدوث انسلاخ سياسيي. ففي رفض طرفي التطرف قد يعزل ائتلاف الوسط الحاكم وبنجاح المتطرفين radicals، الا انه قد يميل ليكون بليدا blunt او غير مستجيب unresponsiveللافكار والمواقف الجديدة واكثر انغماسا في الواقعية. وبالمقابل فان مزية القطبين او الحزبين هي انها لا تقوم على العزل السياسي لفئة حزبية معينة، كما انها لا تقتصر على التعاون بين المعتدلين في الحزبين، بل كذلك التعاون بين المتطرفين والمعتدلين في كليهما. علاوة على ان الضغط الذي يمارسه المتطرفون يمنع المعتدلين من الانزلاق نحو الواقعية المفرطة او السقوط في مستنقع الانتهازية .

هناك فارق جوهري بين نظام الحزبين في كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا. فرغم سيطرة حزبين كبيرين على الحياة السياسية في كل منهما، الا ان النظام السياسي يعمل بطريقة مختلفة في كلا البلدين. ففي الولايات المتحدة ساد نظام الحزبين بشكل دائم. اذ كان التنافس في البداية بين الاتحاديين ومناهضي الاتحاد، ثم بدأت المنافسة بين الجمهوريين والديمقراطيين. ورغم وجود احزاب ثالثة بصورة مستمرة في الحركة السياسية الامريكية الا انها فشلت في ان تلعب دورا محسوسا في الساحة السياسية. ويكمن اختلاف الاحزاب الامريكية عن مثيلاتها في اوربا الغربية بأنها ليست مرتبطة بنفس الدرجة بالحركات الاجتماعية والايديولوجية التي اثرت بدرجة ملموسة في الحياة السياسية الاوربية خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ومع ان الاحزاب الاشتراكية تواجدت على طول التاريخ الامريكي، الا انها لم تستطع ابدا تحدي سيطرة الحزبين الكبيرين. وينسب فشل الاحزاب الاشتراكية الامريكية الى القدرة العالية للرأسمالية الامريكية على التكيف، بالاضافة الى التوسع الاقتصادي المستمر. من هنا لم يجد المفهوم الطبقي ابدا طريقه للتطور في الولايات المتحدة على نحو يمكن ان يشجع على تشكيل احزاب اشتراكية او شيوعية كبيرة. علاوة على هذه الاسباب كانت لقسوة الرأسمالية الامريكية تجاه الاحزاب اليسارية - كما في لجنة مكارثي وممارساتها الارهابية ضد قوى اليسار الامريكي- دورا بالغا في هذا المجال.(66)

وهذا الموقف يعكس واحدة من الدلالات على ان الديمقراطية الغربية هي ديمقراطية ليبرالية لخدمة النظام الرأسمالي. وهي ليست مرتعا لاحزاب اليسار الاشتراكي وغيرها الا في تلك الحدود التي تصون طبيعة النظام وتحفظه لخدمة الاهداف الرأسمالية. ويمكن الوقوف عند هذه الحقيقة في ضحالة تباينات المواقف السياسية لمختلف الاحزاب اليسارية التي تصل الى الحكم في ظل الديمقراطية الليبرالية الغربية مقارنة بأحزاب اليمين، سواء سميت بـ: حزب العمال (بريطانيا) او الحزب الاشتراكي (فرنسا/السويد...).. رغم ان هذا الرأي لا ينفي الدور التاريخي الخطير لهذه الاحزاب في تحسين ظروف وشروط العمل.. علاوة على استمرارها تشكل قوة ضاغطة لتقليص درجة استغلال رأس المال.

وعودة الى موضوع الاحزاب السياسية الغربية، وما ظهر بينها من اختلافات تنظيمية، واستمرارا للمقارنة بين الاحزاب الامريكية والاحزاب الاوربية يلاحظ ان الاحزاب الامريكية تظهر في مجموعتين متجذرتين في حزب ليبرالي واحد. اما هياكل الاحزاب الامريكية فهي تتصف بالمرونة واللامركزية. ان هذه المرونة وجدت في احزاب الكادر خلال القرن التاسع عشر لكن الاحزاب الامريكية استمرت بالمحافظة عليها بشكل عام. كما ان صيغة الفيدرالية والاستقلال المحلي تميل باتجاه غياب الهيكل الحزبي الصلب واضعاف السيطرة في خطوط (فروع) الحزب. فالمنظمة الحزبية قد تكون قوية ومتجانسة homogeneous على المستوى المحلي، الا انها تكون اضعف على مستوى الولاية، وغير قائمة على المستوى الوطني. لذلك فهناك بعض الحقيقة فيما قيل في حينها بأن الولايات المتحدة لا تضم حزبين فحسب، بل مائة حزب. على اساس حزبين في كل ولاية.. ولكنه صحيح ايضا ان كل حزب يطور درجة معينة من الوحدة الوطنية في الانتخابات الرئاسية، بالاضافة الى تحقيق قدر من التلاحم الحزبي. كذلك فأن تحالفا بين الليبراليين في الحزبين الرئيسين ضد المحافظين فيهما يتجه نحو التبلور. وقد يتمتع هذا التبلور مستقبلا بالاستقرار والنمو. وبالنتيجة، فرغم وجود نظام الحزبين الا ان اغلبية برلمانية مستقرة غير محتملة. فمن اجل تمرير قانون ما او المصادقة على الميزانية الاتحادية في البرلمان يعمل الرئيس الامريكي بصبر واناة على جمع الاصوات البرلمانية الضرورية. ونفس الشيء يحدث تقريبا بشأن كل مسألة تشريعية. لذلك فالرئيس الامريكي هو مثل بندول الساعة امام مهمة متكررة عليه ان يمارسها يوميا.

يسود في الدول الانجلو- سكسونية نظام الحزبين two - party system بصفة غالبة، ويعتبر نظام تعددية الاحزاب حالة استثنائية فيها. الا ان انظمة الحزبين في بريطانيا والولايات المتحدة تشكل حالة نادرة مقارنة بانظمة تعددية الاحزاب في غالبية دول اوربا. اما الحالة في استراليا فهي متأثرة الى حد ما بوجود حزب ثالث هو حزب البلاد country party، اذ ان التحالف القوي بينه وبين الحزب الاشتراكي الليبرالي يولد نظاما صلبا لثنائي القطبين.

تواجد نظام الحزبين في بريطانيا بصفة مستمرة. فقبل عام 1914 ساد حزبي المحافظين والاحرار (الليبرالي). ومنذ عام 1935 ساد حزبي المحافظين والعمال. كما شهدت الفترة 1920- 1935 تشكيل صيغة وسطية بين حزبي المحافظين والاحرار. من هنا يعبر حزب المحافظين البريطاني في واقعه عن حزبي المحافظين والاحرار، حيث نتج عن اندماج العناصر الرئيسة في الحزبين الكبيرين الذين سادا في القرن التاسع عشر. لذلك فرغم التسمية الحالية للحزب (المحافظين) الا ان ايديولوجيته تقوم على الليبرالية السياسية والاقتصادية. وكذلك الحال بالنسبة الى بقية الاحزاب الاوربية للمحافظين مثل الحزب الديمقراطي المسيحي الالماني والحزب الاجتماعي البلجيكي.

يعتمد نظام الحزبين البريطاني على ممارسة حزبية صارمة، متمثلة في انضباط فعال بالعلاقة مع نمط التصويت في البرلمان. ففي كل عملية تصويت مهمة، اي مؤثرة في موقع الحزب واستمرارية الحكومة، يكون ملزما لكافة اعضاء الحزب البرلمانيين التصويت في جبهة واحدة وفق توجهات الحزب. وقد تكون المرونة النسبية مطلوبة احيانا، ولكن في الحدود التي لا تؤثر في موقف حكومة الاغلبية، كما في امتناع بعض الاعضاء عن التصويت دون ان يؤثر في نتائجه. عليه من المتوقع ان يبقى رئيس الحزب ( رئيس الوزراء) في السلطة خلال الدورة البرلمانية، ومن المرجح ان التشريعات القانونية التي يقترحها ان تكون قابلة للاقرار. وليس هناك فصل حقيقي بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لان الحكومة واغلبيتها البرلمانية تشكل جبهة واحدة متجانسة صلبة امام المعارضة التي ليس لها سوى التعبير عن معارضتها في صورة بدائل مدروسة. لذلك فان الاغلبية البرلمانية خلال الدورة البرلمانية لا بد وان تكون تحت السيطرة الكاملة لحزب الاغلبية، وان المشكلات الداخلية في اطار الحزب تشكل التهديد الوحيد للحد من سلطة الاغلبية. وطالما ان كل حزب مؤلف من مجموعة منظمة تلتزم الانضباط الحزبي ويرأسها شخص متميز يتوقع ان يصبح رئيس الوزراء في حالة فوز حزبه بالانتخابات البرلمانية، فان هذه الانتخابات تؤدي وظيفة اختيار كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية (الحكومة). كما ان عملية التصويت التي تقود الى جعل احد رئيسي الحزبين رئيسا للوزراء تدعم مفهوم زعامة الاغلبية البرلمانية التي تعمل في ظل الانضباط الحزبي، وتكون الحصيلة نظاما سياسيا يتمتع بالاستقرار والقوة.. الا ان هذه الحالة تفترض مسبقا ان كلا الحزبين متفقان فيما يخص القواعد الاساسية للديمقراطية، خاصة ما يتعلق بعدم احتكار السلطة والاحتكام الى المنافسة الانتخابية. فلو وجد حزبان متعارضان آخران- غير الحزبين القائمين-بحيث يستخدم اي منهما الانتخابات وسيلة للسيطرة على السلطة واحتكارها، فان نظام الحزبين لن يستمر طويلا. ذلك ان الحزب الفائز سيعمل بحماسة على كبح وازاحة الحزب الآخر والانفراد بالسلطة.

وجدت ثلاثة اشكال تاريخية لنظام الحزب الواحد: الشيوعي، الفاشي، ونظام الحزب الواحد في دول العالم الثالث. وفيما يخص النموذج الشيوعي The Communist Model يعتبر الحزب الشيوعي نفسه منظمة لتعبئة الطبقة العاملة وبقية المتحالفين (الفلاحين والكادحين والمثقفين). ومهمته هي المساهمة القيادية في بناء النظام الاشتراكي. ويمارس الحزب سلطة الحكومة في المرحلة الانتقالية المسماة "دكتاتورية الطبقة العاملة " (بدلا من ديمقراطية الطبقة العاملة باعتبارها الاغلبية!) بالغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج لصالح الملكية العامة بقيادة القطاع العام وفي سياق التخطيط المركزي. ويحافظ الحزب من خلال اعضائه- ويفترض انهم جزء من عامة الناس الاكثر استعدادا للخدمة العامة والاكثر فعالية ونشاطا- على اتصالاته بقيادته وجماهيره كجسر يربط بين الطرفين بصفة دائمة ومستمرة. عليه تستمع قيادة الحزب الى الجماهير التي تكون بدورها على علم دائم بقرارات قيادة الحزب. وبالاضافة الى دوره هذا، يعتبر الحزب كذلك آلية اعلامية ضخمة، وتشكل سياسة تشريب indoctrination آيديولوجية الحزب واحدة من مهامه الجوهرية. من هنا يعتبر الحزب الشيوعي الحارس الأمين لايديولوجيته ويمارس سلطة الادانة condemn والحكم بالطرد (التحريم) السياسي excommunication ضد الخارجين عليه. وتحتل هرمية الحزب الاولوية في ممارسة السلطة الفعلية في النموذج الشيوعي الكلاسيكي، اذ ان السكرتير الاول للحزب هو الاكثر اهمية وسلطة في النظام السياسي، رغم ان الحزب يبقى يشكل محور ومركز السلطة السياسية في البلاد.

لم تلعب الاحزاب الفاشية ابدا دورا مهما في نظام الحزب الواحد كما هو الحال في الاحزاب الشيوعية. ففي ايطاليا كان تأثير الحزب الفاشي يأتي دوما في المرتبة التالية لنخبة الحكم. وفي اسبانيا لم يمارس الفلانج ابدا دورا مهما. اما في البرتغال فان الاتحاد الوطني National Union كان منظمة ضعيفة حتى في اقصى مرحلة دكتاتورية سالازار. وكان الحزب الاشتراكي الوطني الالماني الاستثناء الوحيد في تأثيره الكبير على الحكومة. ومع ذلك اصبحت دكتاتورية هتلر في النهاية مستقلة، ومارسها بصفة خاصة على جيشه الخاص Schutztaffelssالذي شكل عنصرا منفصلا في اطار الحزب ومغلقا امام التأثيرات الخارجية. وكذلك الجستابو Gestabo التي كانت منظمة حكومية وليست حزبية. وللحزب الفاشي في نظام الحزب الواحد وظيفة بوليسية وعسكرية بدلا من الوظيفة الايديولوجية. وبعد الوصول الى السلطة في كل من المانيا وايطاليا اوقف الحزب في كل منهما وظيفة الاتصالات بين الناس والحكومة، والتي عادة ما يقوم به الحزب في انظمة الحزب الواحد. وكان منتظرا من الحزب النازي الالماني الاتجاه نحو الانغلاق الذاتي في الوقت الذي عمد الى كبح اعضائه الخارجين عليه. وهنا جرت محاولة لاصلاح الحزب وتجديد دمائه من خلال المنظمات الشبابية التي شكلت العناصر الاشد تعصبا في الحزب وكانت تعبر عن حصيلة عملية اختيار تدريجي طويلة للدخول في الحزب بدأت في فتراته المبكرة الاولى.

كذلك ظهرت انظمة الحزب الواحد في دول العالم الثالث، وتراوحت في افكارها المعلنة وممارساتها بين الاتجاهات الاشتراكية والفاشية. وكانت اضعف تنظيما من اقرانها في الدول المتقدمة بصورة عامة. علاوة على خضوعها للولاءات الشخصية والاثنية والقبلية. كما ان احزابا عديدة ادعت الاشتراكية، وفي نفس الوقت اتخذت مواقف عدائية صارمة من الشيوعية ومنظماتها. وعموما، عبّرت- هذه الاحزاب- كما هي حال انظمة الحزب الواحد- عن دكتاتورية الحزب و/ او قيادته الاستبدادية في سياق احتكار السلطة وغياب الحقوق السياسية بما فيها الحريات العامة وحقوق الانسان والتعددية السياسية والاجتماعية.(67)

4- الاحزاب السرية (التجربة العراقية)
لعل اخطر حصيلة قاتلة للملكية في حينها وللعراق لاحقا هي وقوفها المستمر ضد نمو الحياة الحزبية الدستورية السوية. ففي حين عبّرت هذه الحصيلة عن صلابة وجمود النظام الملكي وانغلاق مساماته. فانها خلقت كذلك اليأس من اصلاحه لدى المعارضة. وفوق ذلك فتحت المجال رحبا لنمو حركة سياسية معارضة بعيدا عن الدستور والانتخابات، حيث شهدت المرحلة الملكية ولادة احزاب سرية معارضة عديدة يتقدمها كل من الحزب الشيوعي العراقي (1934) وحزب البعث العربي الاشتراكي- فرع العراق(1946). والاكثر من ذلك ان هذه الحصيلة هيأت الظروف المناسبة باتجاه تحول العملية السياسية من العلنية الى السرية عندما انضمت الاحزاب العلنية (الاستقلال والوطني الديمقراطي) الى الاحزاب السرية (البعث، والشيوعي) لتشكل جبهة الاتحاد الوطني التي وحدت قوى المعارضة المدنية والعسكرية ضد الملكية.

بكلمات اخرى، فبدلا من ان تقود المرحلة الملكية الى نمو العملية الحزبية الدستورية بتشجيع الاحزاب العاملة تحت السطح الى العمل في ظل العلنية والدستور، فان اجراءآت التاج ونخبة البلاط في محاربة الحركة الحزبية العلنية والقضاء عليها نهائيا (1954)، قادت الى احداث عكسية خطيرة تجاه العملية الدستورية ذاتها، تمثلت في تحول الاحزاب العلنية والتحامها بالاحزاب السرية للعمل معا بعيدا عن الدستور والرقابة الشعبية والمؤسسية وفي ظروف تبني مفهوم العنف. هذا التحول الذي سجّل ليس فقط بداية النهاية للنظام الملكي، بل كذلك بداية نمو عملية حزبية ظلامية (باطنية/ سرية) شاملة التحمت بشكل لم يسبق له مثيل بكل قيم التراث البدوي والطائفي المتخلف وافرزت سمومها في الصراع التناحري بين القوى الوطنية والقومية ذاتها في المرحلة اللاحقة.

وهكذا جاءت ثورة 14 تموز1958 لتحمل في اعقابها، ليس فقط موت الملكية والدستور والانتخابات، بل ايضا موت الاحزاب العلنية وبداية حقبة جديدة تسود فيها الاحزاب السرية. هذه الاحزاب التي ترسخت في افكارها وبناها وممارساتها اربعة امراض مترابطة خطيرة اطلقت فيما بعد صراعاتها التناحرية متمثلة في: الظلامية، العقائدية المطلقة، الوحدانية السياسية، والعنف.

فالعقائدية (الحزب العقائدي) جسّدت نظرة هذه الاحزاب الى افكارها وايديولوجياتها على اساس النظرة المثالية والايمان المطلق بصوابها وكونها تحمل "الحقيقة الكاملة" ولتعامل كمثل الآيات الدينية واعتبارها ذات قدرة كاملة على حل المشكلات المجتمعية والدواء الشافي لكافة الامراض الاجتماعية. في حين قامت مناهجها على الدعوات والمواعظ الخطابية البعيدة عن التطبيق، ولتتحول المنظمة الحزبية- من حيث تدري او لا تدري -الى واجهة دينية ترفض بطبيعتها الافكار والايديولوجيات والاطراف الاخرى.

من هنا انطلقت تسميات "الحزب الجماهيري" و "الحزب القائد" لتعني في واقعها التوجه نحو الاحتكار والزعامة السياسية ورفض او الغاء الطرف الآخر. هذه الظروف مهدت بدورها خلق بيئة مثالية للعنف كآلية وحيدة غطت ممارسات هذه الاحزاب من اجل تحقيق سيطرتها وتجسيد "وحدانية الحزب" في الساحة و/ او السلطة السياسية وفي سياق شعار خاطئ آخر "العنف الثوري". هذا الشعار المقلوب الذي يضع الوسيلة (العنف) فوق الفكر والمبدأ والهدف (الثوري) ويلغي كافة البدائل الاخرى، ويحوي تناقضا قاتلا في الجمع بين الاهداف الانسانية- المجتمعية المعلنة وبين الوسيلة القاسية المختارة، وبما يجسده من ازدواجية مقيتة عانت منها- ولا زالت- احزابنا العراقية بصفة عامة.(68)

اما الظلامية (الباطنية) فهي تعني ظروف السرية التي تغلف انظار وافكار وممارسات هذه الاحزاب وتدفعها باتجاه قيم التراث القديم: البداوة والطائفية والاستبداد والعنف.. ولكن ما هي طبيعة الاحزاب السرية؟ وكيف تتشكل مواصفاتها في ظروف حياتها العاملة تحت السطح؟ وكيف تنظر الى افكارها وايديولوجياتها بالعلاقة مع الافكار والايديولوجيات الاخرى؟ وكيف تؤسس معايير اختيار قادتها؟ وما هي طبيعة ومواصفات التربية الحزبية التي تتبناها في مثل هذه الظروف الاستثنائية؟ وكيف تتعامل مع حقوق وواجبات العضوية بما فيها حق الحياة؟ واخيرا، وليس آخرا، هل تكون مثل هذه الاحزاب مؤهلة لقيادة الدولة- المجتمع بطريقة متحضرة او على طريق التحول الديمقراطي؟

تولد ظروف العملية السياسية السرية، بغض النظر عن اسبابها ومبرراتها، بيئة طاردة للقيم والمفاهيم الديمقراطية خاصة ما يتعلق بحقوق الانسان والتعددية والانتقال السلمي للسلطة والنظرة النسبية لامور الحياة الدنيوية.. مقابل ذلك تسود هذه البيئة لغة القيم المثالية المطلقة وممارسات العنف والمطاردة ومشاعر الخوف والقلق والتحديات والصراعات والحقد والكراهية.. وكلها تتجمع وتتراكم على مّر الزمن لتتجه نحو تحقيق هدف يتيم يعلو على كل اهدافها، وهو عدم انكشاف المنظمة الحزبية على الاجهزة الأمنية الحكومية والحفاظ على وجودها واستمرارها.. هذا الوجود الذي يطغى على كل وجود (هدف) آخر ويصبح هدفا قائما بذاته.

وفي مثل هذه الظروف يتطلب قيام بنية المنظمة الحزبية السرية وفق نظام دقيق من حلقات صغيرة (خلايا) وهيكل هرمي متدرج ومتسلسل ومعقد يجلس على قمته قائد المنظمة (الحزب) ليديرها وفق مركزية شديدة.. ولا تسمح هذه الاوضاع عادة بتطبيق فكرة الانتخابات مثلا او الركون الى الاجتماعات والمؤتمرات والمناقشات الا في حدودها الضيقة، وتصبح امور البحث والدراسات العلمية مسألة كمالية.. بينما تتطلب هذه البيئة منح الاولوية القصوى للمسألة الامنية والدفاعية بما في ذلك اعمال المخابرات وكتابة التقارير السرية (التجسسية) حتى فيما بين اعضاء الحزب بدءا بالقاعدة، والدخول في معارك استنزافية جانبية متتالية من دفاعية و/ او هجومية.. هذه البيئة تولد مؤسسة مليشيا، اي منظمة شبه عسكرية اكثر منها منظمة حزبية سياسية.

اما العضوية الى الحزب فهي كالعضوية الى "الجنة".. فترة طويلة من التجارب والاختبارات وكتابة التقارير، وحفظا جيدا للتعاليم الايديولوجية والتعليمات الحزبية لبناء ايمانه وقناعاته المعتقدية المثالية المطلقة، واستعدادا للتضحية مهما كانت كبيرة لاغراض تتقرر وفق مشيئة القيادة الحزبية، ودون ان ينتابها اي قدر من الترددية، وفي ظل انضباط حديدي قد لا تضاهيه الجندية العسكرية.. والأهم من كل ذلك ان يكون العضو مستعدا لتقبل القرارات الحزبية التي تصدر عادة وفق اسس فوقية واعتبارات الظروف الاستثنائية والأمنية حتى تلك التي تدعوه لتنفيذ عمليات انتحارية.. وفي مثل هذه الاوضاع الامنية والمركزية الشديدة تكون الطاعة من غير اعتراض، بل والطاعة العمياء اكثر مواءمة لمواصفات العضوية.

مثل هذه البيئة الاستثنائية والامنية المستمرة، وتحول المنظمة الحزبية الى مؤسسة شبه عسكرية وقيادة وحدانية وقرارات فوقية في ظل المركزية الشديدة وغياب آلية الرقابة على ممارسات القيادة الحزبية وقراراتها، سواء من القاعدة او من جمهور الناس.. هذه البيئة تجعل من المنظمة الحزبية مؤسسة دكتاتورية مصغرة مقارنة بالمؤسسة الدكتاتورية الحاكمة مع اختلاف شكلي في الشعارات.. وهنا لا تختلف قيادة العملية الحزبية السرية كثيرا عن القيادة الدكتاتورية لسلطة الحكم.. كذلك لا تختلف كثيرا مهمة ممارسة الحكم (صناعة القرارات وتنفيذها) في المنظمة الحزبية تجاه القاعدة عن دكتاتورية سلطة الحكم تجاه الناس.. ولكن دكتاتورية سلطة الدولة تكون عادة مفروضة اكراها على الناس، بينما لا تمتلك المنظمة الحزبية مثل هذه السلطة.. اذن كيف تمارس المنظمة الحزبية السرية دكتاتوريتها التي يفترض ان تقوم على القناعة والاقناع؟ هنا يبرز دور مجموعتين من المتغيرات- على الاقل:
الاولى: خارجية تشكل قوى دافعة تتمثل في عوامل اليأس والشعور بالظلم التي تخلقها الحكومة الجائرة المحتكرة للسلطة والثروة.
الثانية: داخلية جاذبة تقوم على ممارسة المنظمة الحزبية سياسة تشريب آيديولوجيتها لاعضائها بطريقة ايمانية تصل الى مرتبة العقيدة الكهنوتية لتصبح آيات ثابتة تخلق القناعة لدى اعضائها لا بقبولها فحسب واعتبارها تعلو على كل الافكار والايديولوجيات الاخرى، بل كذلك خلق درجة عالية من الاستعداد الفكري والنفسي للتضحية بحياتهم من اجلها..

ومن اجل قيادة المنظمة الحزبية وضمان امنها وسلامتها واستمرار وجودها فهي لا تحتاج الى قادة اكثر ثقافة ووعيا حضاريا، بل الى قادة اكثر قدرة واقتدارا ودهاء وقسوة في سياق مواصفات قياسية في قاموسها السياسي موائمة والشجاعة البدوية مقارنة بشجاعة الارادة والعلنية.. من هنا فان ممارسة العملية السياسية الظلامية يمكن ان تقود الى خلق اجيال من القادة ذوي ثقافة العنف- ثقافة الامية والاستبداد- او من طراز ثقافة احادية ممن ينظرون الى قضايا الحياة بمنظار ضيق او من زاوية واحدة. لذلك فهم يمكن ان يصلحوا للخدمة العسكرية، ولكن ليس لادارة شؤون الدولة والمجتمع المدني بطريقة متحضرة..

وفي مثل هذه الظروف الظلامية تقوم التربية الحزبية على قاعدتين رئيستين: اولاهما عبادة آيديولوجية الحزب..وثانيتهما اولوية الولاء للحزب لتقود الى ضمور او اضعاف مفهوم الوطنية او اولوية الولاء للوطن. كما ان التأكيد على الايديولوجية يبقى من الناحية العملية محصورا في الهدف اليتيم وهو بناء العضو القادر والمستعد للدفاع عن وجود الحزب في ظروف صراعاته التناحرية. فتكون الحصيلة كذلك خلق اجيال تتشرب من منبع فكري واحد ويقوم على ثقافة العنف- ثقافة الامية والعنف..

اما ممارسات المنظمة الحزبية فتقوم على مواجهة المخاطر والتحديات في سياق العنف واولوية البقاء وحفظ الذات. وغالبا ما تدفع هذه الظروف المنظمة الحزبية الى القناعة بالمقولة الميكافيلية "الهدف يبرر الوسيلة" وممارستها وبما يقود الى اتساع المسافة بين ادعاءآتها وشعاراتها الثورية الانسانية- المجتمعية وبين وسائلها واساليبها التي قد تخرج حتى عن القيم الوطنية والقومية والاخلاقية والاجتماعية التي تعيش في ظلها. وهكذا تضطر المنظمة الحزبية السقوط في منزلق آخر هو ايجاد التبريرات الحقيقة والمختلقة لممارساتها ومواقفها لتضيف الى سجلاتها مزيدا من الصلابة والجمود في رفضها الاعتراف بأخطائها وتجنب النقد الذاتي والموضوعي، وتخطئة الاطراف الاخرى بشكل دائم ومستمر طالما اختلفت معها. بل ورمي اسباب الاخطاء والبلاءآت والتراجعات الوطنية على الآخرين من "قوى خارجية معادية وقوى محلية رجعية".. اما المنظمة الحزبية ذاتها وقيادتها فهي دوما بمستوى الآلهة معصومة من الاخطاء والزلاّت والانحرافات..

وفي مثل هذه البيئة التناحرية التي تقود الى اضعاف كل الاطراف من مؤيدة ومعارضة، تبدأ عملية التطور- التنمية بالتباطؤ والانحسار بما في ذلك الخدمات العامة والامنية لجمهور الناس، وقد تصل الاحوال الى مرحلة الكوارث والخراب في ظروف تعاظم الهدر البشري والمادي.. وهنا ينمو قلق المواطن وخوفه على امنه وعمله ورزقه وحياته، ويزداد عدم توكده من المستقبل، ويتعاظم شعوره واحساسه بالحاجة الى التكافل والتلاحم مع جماعته سواء كانت عشيرة ام طائفة ام مذهب. وهكذا تولد الظلامية- الاستبدادية وعيا مزيفا قوامه الفكر المحافظ الرجعي باتجاه مزيد من تشطير المجتمع في سياق تصاعد الحركات الاثنية والطائفية والمذهبية وسيادة القيم القبلية- العشائرية، فتزداد سطوة القوى المحافظة والرجعية، وتبدأ الافكار والممارسات الحضارية الحديثة بالتخلي عن مكانتها لصالح القيم والممارسات البدوية المتخلفة. ومثل هذه البيئة توفر ارضية مناسبة للتعامل مع القوى الاجنبية من قبل بعض الاطراف المتناحرة وعلى حساب المصالح الوطنية وفي ضوء ضمور مفهوم المواطنة، لتصل الى احتمالات تنصيب انظمة حكم صورية باسم الديمقراطية الليبرالية.

كما ان البيئة التي تعيشها المنظمة الحزبية السرية بما تتطلبها من سرعة اتخاذ القرارات واحتمالات الوقوع في الاخطاء وتحمل الخسائر البشرية والمادية. يضاف الى ذلك طبيعة بنية المنظمة وكيفية تسيير امورها. كلها عوامل تساهم في توليد اسباب الخلافات الداخلية واستمرارها ونموها لتصل الى مرحلة الصراعات التناحرية في ظروف غياب امكانات الحوار والمناقشات وعقد الاجتماعات المناسبة، علاوة على غياب الرقابة الشعبية. ان احداث المرحلة الشمولية في العراق تشهد على حصول مثل هذه الصراعات التي بلغت حرب شوارع في اطار الحزب الواحد من اجل سيطرة كل طرف على قيادة الحزب وتصفية الطرف الآخر.. بل ان مثل هذه الظروف يمكن ان تدفع احد طرفي الصراع الداخلي التعامل مع القوى المناوئة من اجل تصفية الطرف الآخر . وغني عن البيان مدى بعد هذه الاحداث عن الشعارات والادعاءآت الثورية والتقدمية والوطنية والقومية المرفوعة من هذه المنظمات الحزبية التي واجهت جميعها عمليات التجزئة والانشطار..

تقدم البيئة الظلامية في غياب الرقابة الشعبية للمنظمة الحزبية وسائل اخرى غير سوية في كسب تعاطف وتأييد الجماهير الشعبية. وتشكل الشعارات والاهداف الكبيرة- التي تعنى بالوعود والاحلام والآمال والاتكالية- واحدة من هذه الوسائل التي لا تخلو من الاغراض الدعائية.

وبذلك تزداد غربة المنظمة الحزبية عن واقع الحياة الاجتماعية نتيجة البون الشاسع بين شعاراتها واهدافها وبين رغبات وامكانات وقدرات المجتمع. وهذا ما اكدته احداث التسعينات من القرن الماضي بالنسبة للعديد من المنظمات الحزبية العريقة منها والحديثة سواء بسكوتها او تأييدها للحصار الدولي (الامريكي) المضروب على العراق في وقت يتضور الشعب العراقي ويعاني من ظروف سوء التغذية والجوع والمرض والموت او بتأييد الضربات العسكرية الامريكية- البريطانية المستمرة للبلاد بعد انتهاء حرب الخليج. يضاف الى ذلك تهميش مسألة الاستقلال وحرية القرار الوطني في تعاملها مع القوى الخارجية واتخاذها قرارات خطيرة نيابة عن الشعب العراقي. كما ان الفجوة بين شعارات واهداف المنظمة الحزبية وبين ممارساتها جسّدت- ولا زالت- واحدة من سماتها الازدواجية المتعددة. وتشير تجربة المرحلة الشمولية كيف ان المنظمة الحزبية تدعو بالحاح الى الحرية والديمقراطية وهي خارج سلطة الحكم، وتكشر عن انياب الدكتاتورية ومحاولتها تصفية الاطراف الاخرى، ليس فقط عندما تخلو بالساحة السياسية او سلطة الحكم فحسب، بل وحتى في سياق اجتماعاتها المحدودة عادة واتفاقاتها المرحلية القصيرة العمر من مؤتمرات وجبهات..

وهذا الجو السياسي المشبع بقيم الاستبداد والعنف يخلق عوامل طاردة للبحث والدراسة، رغم اهميتها الحيوية للمنظمة الحزبية والعملية السياسية عموما، ليس فقط بتنميتها للوجه الثقافي الحضاري للمنظمة الحزبية والعملية السياسية، بل كذلك في تطوير خطابها السياسي من افكار وبرامج وهياكل وتربية حزبية وعلاقات بالاحزاب الاخرى وبالناس والمجتمع.. بمعنى ان هذه العوامل الطاردة تضع حدا فاصلا عميقا بين العملية السياسية وبين العملية الثقافية الحضارية. وهو ما يجد ترجمته في الفصل التعسفي بين السياسي والمثقف.(70) وهذا الفصل يخلق عوامل تكلس المنظمة الحزبية بتكرار ذاتها واقوالها وخطابها السياسي، وليزداد بعدها عن الناس وواقع المجتمع، ولتمتد آثارها الى التسرب في قواعدها، ولتتحول بعد حين الى هياكل نخبوية تضم نفرا في قمتها مع استمرار انحسار قاعدتها..

وهكذا برهنت احداث المرحلة الشمولية (الجمهورية) عجز الاحزاب العراقية الاتفاق على بناء نظام حكم سياسي مدني يستند الى سلطة الدستور والقانون بدلا من المؤسسات البوليسية والامنية، ومحاولة كل منها الغاء الاطراف الاخرى، والهرولة وراء خيالات جامحة في التفرد بالسلطة والساحة السياسية في ظروف استمرار الصراعات التناحرية.

وهكذا ايضا تبرهن احداث التجربة السياسية العراقية القاسية والمريرة ان عملية التحول الديمقراطي- التي تتطلب وجود احزاب سياسية وان تكون هذه الاحزاب ديمقراطية- هذه العملية من الصعب الغوص في غمارها و/ او الحفاظ على مسيرتها قبل ان تبدأ الاحزاب السياسية فعلا برفض الظلامية والايمانية المطلقة وهمجية العنف والوحدانية السياسية.. من هنا يحق دعوة الاحزاب السياسية العراقية- قواعد وقيادات- الى ان تبدأ من الان باظهار مصداقية دعواتها للتحول الديمقراطي في العراق، والمبادرة فورا الى الاعلان بقبول وممارسة: العلنية (رفض الظلامية) والتعامل السلمي (تحريم العنف) والنظرة النسبية (نبذ المعتقدية السياسية المطلقة) والاعتراف المتكافئ بالآخر (الغاء فكرة الوحدانية السياسية).



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات في كتاب.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي.. المبحث الث ...
- قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي
- قراءات في كتاب:*
- ليبيا: حرب الجميع ضد الجميع!؟
- أنت مقبوض عليك Youre nder Arrest
- تقرير جديد يكشف ارتفاع مستوى الفقر بين أطفال الولايات المتحد ...
- أسئلة المدقق/ المراقب العام في العراق SIGIR بشأن تكاليف بمبل ...
- اليمن بحاجة إلى الكفاح من أجل الخبز لا القنابل
- فضائح الفساد تهدد بزعزعة كردستان العراق
- نثريات بمناسبة انعقاد مؤتمر القمّة العتيد!!
- المرأة العراقية.. التكيف وسط الرعب
- الأفغان يواجهون سوء التغذية الحاد في سياق انعدام الأمن الغذا ...
- العراق.. بين الأكاذيب في البداية والأكاذيب في النهاية
- سجين سابق.. زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين PFLP.. الإضراب ...
- الياخونت الروسي كسرت حصار الأطلسي
- مأزق المرأة (التجربة العراقية) *
- عين العسكر الحاكم في مصر على البرادعي لتشكيل حكومة إنقاذ وطن ...
- لماذا لا يوجد مَنْ يحمي الأطفال العرائس في المملكة العربية ا ...
- كوالا لامبور.. محاكمة بوش (و) بلير..
- الحرب في العراق لم تنته.. بغض النظر عن ما يقوله اوباما!!


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - قراءات.. الديمقراطية والتحول الديمقراطي- المبحث الثالث