أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - الشيعة و السنة قراءة ديالكتيكية – عقلانية (1)















المزيد.....


الشيعة و السنة قراءة ديالكتيكية – عقلانية (1)


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3838 - 2012 / 9 / 2 - 21:50
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


(1)

إنها لقضيةُ كبرى في تاريخنا والتي لم تزل ممتدة في حاضرنا مذ اغتيل الخليفة الثالث عثمان ..
وإنه لحقٌ وقعٌ جلل ما يجري من أحداث هذه الأيام ، ما يدعونا التوقف عند هذه الثنائية التاريخية المركزية في نشوء و تطور جملة الفكر الإسلامي المعاصر :
الشيعة و السنة ..
فالتأريخ حسب هيجل ، والوجود عموماً ، قائم على الصراع بين الأضداد ولا يوجد في تاريخ الحضارة الإسلامية ضدين أسهما بصراعهما في تشييد هذا الصرح الثقافي بما فيه من نقاط ضعف وقوة مثل فكر التشيع " السياسي " ، والذي تحول فيما بعد إلى مذاهب منفصلة تمثل التشيع المرتكز على جذور باطنية صوفية في رمزية بنيته العقائدية ، وهو ما نهجه " اليسار " الثقافي المتمرد لو صحت التسمية على ضغوط وجور السلطات الحاكمة ..
أما فكر " السلف الصالح " المنبثق من النُسَخ السنية للإسلام ، فهو على العكس من الاول ، مستند على البنية العقائدية الحرفية التي نهجها خلفاء وولاة امر المسلمين ، حكامها السياسيين ..
والذي تشكل دول مصر وشمال افريقيا و الخليج النفطية اليوم نواته الأساسية الصلبة ..
فهذا الاخير اليوم ، بات نداً سياسياً و خصماً كبيراً للفكر السياسي الشيعي الإمامي المعاصر الذي تشكل الجمهورية الإسلامية في إيران نواته الصلبة ..
فالشيعة مذاهب متعددة ، لكن ، الفكر الإمامي الإثني عشري تحديداً هو من يتصدى حالياً لاعتلاء المسرح الإقليمي سياسياً واقتصادياً وعسكرياً بفكرة " ولاية الفقيه " بفعل القوة الدافعة في إيران والممتدة ثقافياً بجذورها للدولة الصفوية التي صاغت الفكر الإمامي الإثني عشري بصيغته الحالية من تراكمات تطور الفكر الروحاني الصوفي والذي شكل وقود القوة السياسية الدافعة منذ الفاطميين ..
كذلك مذاهب أهل السنة ، متعددة متنوعة ، استمدت قوتها من " واقعية " الفقه ونظام الحكم السياسي في التاريخ الاسلامي والذي هو في جله " سني " ..
لذا فإن الفكر السلفي ، والجهادي تحديداً ممثلاً بفكر الإخوان المسلمين بتلون طيفه هو من يتصدى لاعتلاء المسرح الإقليمي والدولي بفكرة " الخلافة " وهو نتاج تراكمات وتداعيات ممارسات السلطة السياسية السنية التي حكمت العالم الإسلامي ..
أما الفكر الوهابي ، الشعبة الأكثر تطرفاً في الفكر السلفي في شبه جزيرة العرب وارض نجد والحجاز ، فهو وإن نادى بدولة الخلافة في الجزيرة العربية على غرار دولة الخلافة الإسلامية الطالبانية
(التي لا تزال تقاتل في جبال وهضاب وسهول افغانستان لتثبيت أركانها حتى اليوم ضد حلف النيتو)
، إلا إن الإمبريالية العالمية تستغله كما استغلته مع المجاهدين الأفغان ضد السوفييت في القرن الماضي ، ها هي اليوم تعاود استغلاله لإخماد الصعود الشيعي المضطرد ممثلاً بالإمبراطورية الإيرانية الإسلامية الجديدة وجبهة المقاومة والممانعة التي تقودها ضد المشروع الأميركي في المنطقة عبر تفعيل دوره وبث روحه العدوانية من جديد بما بات يعرف اليوم " افغنة " سورية ..

(2)

الصراع بين البيت الهاشمي و الأموي ، وكما يجمع المؤرخين بأنه السبب في تهشيم البنية السياسية للدولة الإسلامية منذ الانقلاب العسكري على الخليفة الثالث عثمان والحرب " الأهلية " الإسلامية ، الفتنة الكبرى ( كما سماها عميد الأدب العربي طه حسين) ، والتي لا تزال حتى اللحظة احداثها ماثلة في احداث اليوم بتكرار يحاكيها محركاً واقعنا السياسي والثقافي المعاصر ..
فإنعكاسات هذا الصراع على مدى التاريخ الطويل بلورت التشيع كلصيق بالقومية الفارسية منذ الثورة العباسية ورايات أبي مسلم الخراساني السوداء وصولاً للدولة الصفوية ، ليكون الشيعة بنظر اغلب المسلمين اليوم ، حسب الدعاية السلطانية العثمانية ، بسبب صراعها المرير مع الصفويين ، والدعاية الحجازية المعاصرة بسبب عدائها المذهبي " غير المفهوم " مع الشيعة ، جملة من مجرد مذاهب دخيلة تحريفية في الإسلام لا تمت للإسلام الحقيقي وجوهره الحقيقي العربي بصلة ..
فهل كانت الدولة الحمدانية في الموصل ، و الفاطمية في مصر ، والدولة الادريسية في المغرب والدولة الزيدية في اليمن كلها دولاً غير عربية ودخيلة و تحريفية في التاريخ الإسلامي هي الاخرى؟؟ ( وهي دول شيعية لكنها ليست إماميه اثني عشرية )
ولو كانت كلها سقطُ متاعٍ في التاريخ الإسلامي ( إذا تنزلنا جدلاً ) ، فماذا عن الانقلاب العسكري الذي أطاح بعثمان و أوصل علي بن أبي طالب للسلطة ( وإن بويع مكرهاً ) قبل تلك الحقب بقرون ؟
لماذا لم يكن علي يعترف بسنة الشيخين " عمر وأبي بكر " في حكم البلاد الإسلامية ؟؟
الحقيقة التي طالما يحاول المؤرخون السنة طمسها في التاريخ الإسلامي هي عدم قبول التشيع كمكون أساسي في البنية الكلية للفكر الإسلامي ، كيسار أو تيار معارض دائم يمثل الكادحين والمحرومين وجلهم من البلاد الإسلامية المفتوحة في العراق وفارس وتركيا والشام ومصر في تلك الحقبة ابتداءً من علي بن ابي طالب ، ولعل ثورة القرامطة اوضح ما يمثل هؤلاء الكادحين وتطلعاتهم التي سبقت الاشتراكية في تاريخ العالم بقرون ..
هذا اليسار الإسلامي سواء كتيار ثقافي مناوئ أو كفكر سياسي مضاد تبلور مع مرور الوقت كمذاهب ، ومنها الشيعية المعروفة التي لم يحالفها الحظ في البقاء والتقدم كما حالف المذهب الإثني عشري المرتكز على نوى مركزية أساسية ممثلة في مدارس تاريخية دينية في قم الإيرانية ونجف العراق وجبل عامل في لبنان حين تلقت دعمها من السلطة الصفوية بعد ان فت عضد الدولة العربية الاسلامية الكبرى لتتحول الى دويلات هشة يتحكم بها غالباً العنصر الاسلامي غير العربي .
علي بن أبي طالب ، لم يكن رابع الخلفاء الراشدين كما يحاول التعمية بهذا المؤرخ الإسلامي السني ، كان الخليفة الذي اكره على أن يحكم بعد الانقلاب العسكري لقادة الجيوش المصرية والعراقية على الخليفة الثالث عثمان ..
بدليل ، حرب معاوية الذي كان يقود جيش الشام كانت تطالب علياً أن يسلم من قتلوا عثمان ..
وحتى يومنا هذا ، يحاول المؤرخ الإسلامي السني بل حتى الشيعي التنصل من مسؤولية إجلاء الصورة الواقعية الموضوعية عن ما جرى هناك ..
فحرب صفين والجمل و النهروان ذاتها تكررت لكن بآفاق أكثر اتساعاً في القرن العشرين بصبغة قومية تارة او بصبغة طائفية اليوم في سورية تارة اخرى ..
فابتداءاً من الحرب العراقية الإيرانية طيلة الثماني سنوات وصولاً للإنتفاضة الشعبية العراقية في آذار 1991ضد صدام حسين ( الحاكم القومي البعثي العربي السني ) ، وقف العرب موقفاً مسانداً لصدام ضد ايران وحتى بعد ان غزا الكويت ، اعانوه على قمع الشيعة " العرب " في الوسط والجنوب ..
لم تنته اليوم حرب العرب ضد الشيعة ، الاعلام العروبي السلفي ممثلاً بقناة الجزيرة تدخل في الحرب الداخلية في سورية بعد الإنتفاضة الشعبية للشعب السوري في آذار 2011 ضد نظام الأسد ( الحاكم القومي البعثي العربي العلوي ) وجيرها لتكون حرباً مذهبية تجيش الشعب السوري ضد النظام الحاكم دون ان ننكر بان مطالب الشعب في الحرية شرعية ، لكن ، ابتخريب البلاد وقتل ابناء الوطن بعضهم البعض تُنال الحرية ..؟!
إن أحداث اليوم يسجلها التاريخ أيضاً ، وكما نلاحظ ، يسمي الوعي الجمعي السني بشار الأسد بالمجوسي الصفوي ، وهو العلوي العربي القومي البعثي ، والذي لا يختلف عن صدام حسين وعائلته في شيء ، كليهما يدعي النسبة لآل البيت ،..
إلا إن صدام ترحم على إعدامه العرب ومنهم " القرضاوي " فيما يلعنون بشار ويصفونه بالمجوسي الصفوي ، و هذا ما سوف يكتبوه في تاريخهم طبعاً ، كما يحصل في كل زمان ومكان حين يوصم التشيع تارة بأنه دخيل يأتي من صقليا على يد القرصان جوهر الصقلي ( مؤسس الدولة الفاطمية في مصر ) ، أو مجرد أحقاد فارسية قومية أسست للإمامية في العهد الصفوي ، أو الدولة الخمينية في العصر الحديث ودولة العراق المعاصر التي يحكمها الصفويون كما يزعمون....!!!
ما يغيب عن هذا التاريخ ، وما نحن بأمس الحاجة إليه هو " الأدوات " الموضوعية التي بموجبها يمكن ان نرى كيف يتحرك التاريخ وعلى أساسها يجب أن نكتبه حتى نجلي الصورة الواضحة المتكاملة لما جرى ويجري وربما سوف يجري مستقبلاً لأجيال من بعدنا ستاتي تستحق ان تعرف الحقيقة ..
لكن ، ما هي الأدوات التي سنلجأ إليها لتفكيك وتحليل حقيقة " الصراع " بين اليسار واليمين الإسلامي القديم الذي تحول اليوم إلى صدام وصراع بين كيانات حضارية مختلفة الألوان فيها من اليسار واليمين ما يكفيها ؟
فكتلة اليسار القديمة ممتدة اليوم في محور " المقاومة والممانعة " الذي تقوده إيران بوجه المشروع الأميريكي .. الذي استغل المطالب الشعبية المشروعة للشعب السوري لكسر هذا المحور ، يتحمل النظام جانباً من هذه المسؤولية طبعاً ، لكن الانضواء تحت راية المشروع الاميركي الذي تقوم به المعارضة السورية بهذه الطريقة يحملها الخطأ التاريخي الاعظم ، ولهم بابن العلقمي عبرة !
فيما الكتلة اليمينية المحافظة القديمة ، هي اليوم ممثلة بمحور " الاعتدال العربي " الذي تقوده إسرائيل " سراً " ودول الخليج " جهراً " والمهادن للمشروع الامبريالي الكبير وهو ما يذكرنا باستعانة خلفاء بني العباس بالمغول تارة وفرنسا " شارلمان " اخرى ضد مناوئيهم وخصومهم من بني عمومتهم كما سناتي لهذا في اجزاء لاحقة من هذه الدراسة ..
الأخوة السلفيون ، خوارج العصر ، بمثل هذه الحالة يقولون :
حسبنا كتاب الله ليحكم بين الحق والباطل..
يفسرونه على أهوائهم وبما تميل وهو حمال الوجوه طبعاً ، فهو كتاب " سحري " عجيب ، فيه البيعة التي تؤخذ بالسيف ( واطيعوا الله والرسول واولي الامر منكم ) بنفس الوقت فيه " الديمقراطية " التي تبكي على نشرها تركيا اردوغان واميركا البيت الابيض ( وامرهم شورى بينهم ) ..!
" فحسبنا كتاب الله " كانت نقطة الخلاف والجدل مع علي بن أبي طالب في صفين و النهروان وحرب الجمل ، وهي اليوم يافطتهم الساذجة ذاتها في قراءتهم لما يجري في " سورية الاسد " ممثلة بعبارات الكراهية المذهبية والاحقاد التي تبثها فضائياتهم موشحة بآيات القرآن ..!!
فلا توجد لديهم أي أدوات معرفية ولا فلسفة واضحة يجري بها التاريخ أو يميزون فيها الحق من الباطل ( كما يدعون ) يمكنها أن تكون عقلانية متجردة عن أي دين ومذهب ..
أما أنا ، المؤمن بالعقلانية Rationality شرعةً ومنهاجاً يستضيء بنور الماركسية اليسارية .. بروحها الجيفارية .. الثورية .. الممانعة .. المقاومة للمشروع الامبريالي الكبير والمجردة عن كل طائفية ومذهبية ودين فأقول لهم :
حسبنا النظريات العلمية الحديثة عن التاريخ ، يضاف لها " اجتهاد رايي " ونظريتي مبنية على اسس عقلانية قابلة للنقاش و الأخذ والرد ولا تدعي القداسة " الوحشية " و " المتطرفة " التي تدعون ..

(3)

ربما كان هيجل من أوائل من تصوروا رؤيا " عاقلة " للتاريخ وكأنه محكوم بروح عليا ..
وكما بينا في مواضيع " مع الله في ملكوته " وموضوع " ذاكرة الفرد وذاكرة الأمة : المعنى الميتافيزيقي للتاريخ " ، فإن الوعي البشري منذ الخليقة كان وما يزال يتساءل عن " الروح " المختبئة وراء التاريخ التي تتحكم بمعادلات أحداثه فتوحي و كأنها عقلاً كونياً تجري وفق مسارات " فكره " حوادث التاريخ ، وهو جملة التصور " المثالي " لهيجل عن التاريخ والذي سجل الفلاسفة عليه الكثير من المآخذ ..
مع هذا ، سنعاود توضيحه من جديد بمقارنته مع ما توصلنا اليه عن " ملكوت الله " الشبيه لحد كبير مع " ملكوت التاريخ " الهيجلي ..
لهذا السبب ، يمكننا تصنيف التصورات البشرية عن " الروح " الكونية العليا التي تسمى اكاديمياً بــ " التاريخ History " وشعبياً بـ " القدر Destiny" وفق ما يلي :

· D*5H1 * D49(J) HGJ DH9J D,E9J D9 E) DF 3 H9 /) E *CHF 0 * 5D)M H+JB) ( DE9*B/ D/JFJ A D* 1J. 9DI 3(JD DE+ D لدى السومريين والبابليين يكتبه مردوخ وابنه نابو ، الآلهة حفظة " ألواح القدر " ، وهو ما تسلل وانتحل في الثقافة العبرية المسيحية الإسلامية أو ما تعرف بديانات التوحيد بصورة " اللوح المحفوظ " بالنسخة الإسلامية الأحدث التي يشرف عليها ملائكة الملكوت والله بشكل مباشر ( وعنده أم الكتاب ) ، لهذا ، يكون هذا التصور عن التاريخ وحوادثه مبني على اساس خضوعه لإرادة كونية واعية ممثلة بالخالق العظيم ، لكنها " عشوائية " ، كونها لا تخضع لقوانين معينة تحكم " إرادة " و " مشيئة " الله الذي يبدو وكأنه يتصرف وفق إرادة مطلقة حرة ومتعالية حسب الوعي الجمعي لغالبية الموحدين في الديانات الكبرى الثلاث.
غالباً هذا التصور العام لدى الناس يتعلق بتاريخ وحياة " الفرد " وليس الامة ، خصوصاً في الوعي الجمعي الاسلامي ، وهو ما يخالف الوعي الجمعي البابلي والعبري الذي كان يرى في الامم كيانات تاريخية يمكنها ان تخطئ فيعاقبها الرب او الآلهة ..
· D1#J DF.(HJ D/I DAD 3A) H D9DE ! J9*16 #-J F K 9DI E,1/ AC1) H,H/ DG J*-CE AJ -H /+ D* 1J. H #-J F K #.1I H-JF D J9*16 DEAC1HF 9DI H,H/ " D. DB " JCHF D 9*1 6 AJ أن يكون التاريخ يمضي وفق مسارات عشوائية لا تخضع لقوانين ...!!
لهذا السبب نجد الاختلاف بين التصور الماركسي والتصور الهيجلي للتاريخ ، حين يرى ماركس بان التاريخ يحركه تطور وسائل الإنتاج وما تنتجه بنى اجتماعية تقود للصراع الطبقي ، والثقافة والوعي الجمعي البشري يكونان لهذا السبب تحصيل حاصل لهذا التطور " الميكانيكي " غير الحي ..!
وهو عكس التصور الهيجلي الذي سبقه ، التصور المثالي للتاريخ الذي كان يرى بان روحاً في التاريخ هي التي تحركه وتطور الجنس البشري على أساسه ، بالتالي ، التطور الهيجلي وحركة تاريخ الجنس البشري وفق ذلك هي حركة " حية " لوعي كوني جمعي تقوم على الصراع بين الأضداد في مسار هذه الحركة ..
وسبق ووضحنا بأنها فلسفة الطاو الصينية عينها بين اليانج المظلم والين والمنير ، والممتدة في الفلسفة الزردشتية القديمة بين اله النور اهورومزدا واله الظلام اهريمان ..
بالتالي ، الوعي الجمعي البشري ، وإن اختلفت الحضارات والحقب الزمنية بين الأمم والشعوب فإنه اقر بان " منظومة المنطق الكوني Cosmic logo system " قائمة على نقيضي :
الخير والشر ، النور والظلام ... الشحنة الموجبة والشحنة السالبة ...
اليمين و اليسار ..
وكما سنلاحظ في الجزء الثاني من هذا المقال ، الوعي الجمعي الاسلامي يقوم بتوظيف تصور " ميت " او اعمى لتاريخ " الامة " على نقيض التصور الشعبي عن القضاء والقدر لتاريخ " الفرد " ..
يميل ( الى حد ما ) التصور الشعبي السني للتصور " الميت " للتاريخ البشري وما سيجري من احداث في العالم ، بدليل التسليم " بواقعية " تطور السياسة الدولية وهيمنة الغرب على التاريخ ..
بينما يميل التصور الشعبي الشيعي ( الى حد ما ايضاً ) للتاريخ البشري على انه تاريخ حي ، متبدل متغير ، ينتظر دوماً احداثاً " ما " تقلب الامور راساً على عقب ، لهذا السبب ، يجد الشيعة اليوم انفسهم في جبهة مضادة للحضارة الغربية بانتظار المعجزة التي اغرقت فرعون وجنوده كما يقول الرئيس الايراني احمدي نجاد ..!!
فيما سنثبت العكس ، فتاريخ الامة والذي هو جزء من تاريخ العالم ليس بالــ" حي " ، ولا هو بالميت ..
كما وضحنا في المقال السابق " ذاكرة الفرد وذاكرة الامة ..." ، هو منظومة ذاكرة فيها فاعلية " كوانتية " ، تقع في الاخطاء هي الاخرى وتخضع لمعادلات وتبعات سلوك تاريخي جمعي ..
وهو ما يتفق مع الرؤية السومرية البابلية العبرية عن تاريخ الامم التي تخطيء وتصيب ، عكس التصور الاسلامي " العام " المعاصر الذي يعتبرها لا تجتمع على ضلال وهي خير امة اخرجت للناس.
سنرى بان الامة كيان طبيعي في تاريخها هفوات مثل تاريخ الافراد ، تتجه بها هذه الهفوات ضمن دائرة حركتها وتغايرها في منطق التضاد ( الخير والشر , النور والظلام ، الموجب والسالب ) ، ولا يوجد نظام كوني معصوم غير خاضع لهذه الدائرة ، لكن ، وحسب الحاجة التاريخية بما تمثله من امل وطموح للجماهير بالتوحد والقوة ، سنجد بان مسار تاريخ الامة بحاجةٍ إلى تصحيح وتعديل يمكنه ان يثب فيها وثبة جبارة كبرى جديدة في التاريخ وفق تناغم يقلل من حدة التناقض بين الاضداد ويبقيها موحدة قوية بعيدة عن تشرذمها وانقسامها الحالي وحروبها الداخلية المذهبية التي لا تخدم الا الامبريالية ..

(4)

الصراع بين قوتين متضادتين في اي حضارة هو امر طبيعي ، حتى الولايات المتحدة اليوم تتجلى قوتها السياسية ( اقلها ظاهرياً ) في صراع قوتين تمثلان الحزبين الجمهوري والديمقراطي يحاول من اسسوا النظام الامبريالي العالمي وفقهما احتواء " اليمين " الشعبي البرجوازي و " اليسار " الشعبي الكادح تحت اجنحة هذه الاحزاب ومن على شاكلتها في اوروبا ..
السنة والشيعة ، باختلاف مذاهبهما ، هما مكونات طبيعية في " الثقافة " الاسلامية ، لكن دوائر الوعي الثقافي العروبية والسلفية لا تزال حتى اللحظة تصر على اعتبارها مجرد دخائل واوساخ تجب ازالتها ..
المفارقة بين اليسار القديم ( الشيعة ومن على شاكلتهم ) و اليمين القديم ( السنة ) هي انها بقايا لفكر سياسي قديم متحجر تحول في العصر الراهن الى مذاهب متعددة ، ولا يمكن اعتبار احدها صحيح والاخرى خاطئة ( فلسفة الفرقة الناجية ) ..
هذه فلسفة آن لها ان تمحى من الذاكرة الثقافية فوراً ..
فإما ان تهجر هذه المذاهب جميعاً بتبني عقلانية " مجردة " بشكلٍ مطلق لا تعتمد الا على العقل وتتجنب حتى النصوص المقدسة ، وتصبح المنافسة السياسية نزيهة مجردة عن اي دين او معتقد ..
او تقبل المذاهب جميعها بلا استثناء لتشكيل فسيفساء جديدة للحضارة الاسلامية نابذة للعنف والكراهية ، مجدة في التوافق ، وهذا لن يتم إلا في حالة " اجتثاث " اي قيم ومفاهيم تصوغ تكفير الآخر ..
فالمذهب الوهابي على سبيل المثال ، لا يكفر الشيعة وحدهم بل كل الملل الإسلامية الاخرى ، ناهيك عن غير المسلمين ..
المذهب الوهابي يكاد ان يكون المتفرد في التاريخ الاسلامي الذي لا يؤمن بتنوع القوى التي تحكم الدولة وتسيّر الحضارة ، هذا لا يعني ان بقية المذاهب لا تحوي مثل هذا التطرف ومنها الامامية ، لكنها لا تصل إلى " التكفير " وإباحة الدم ..
لهذا السبب ، الحضارة الإسلامية ، ولكي تعاود النهوض من جديد هي بأمس الحاجة إلى ديالكتيك هيجل لتتقبل قوى اليمين المذهبي ( الممثل للغالبية السنية ) واليسار المذهبي ( الممثل للأقليات في البلاد الاسلامية ) معاً .
فالأقليات الصابئية والمسيحية واليهودية و الايزيدية والدرزية والزردشتية إضافة للمكون الشيعي في الحضارة الاسلامية انما تمثل بقايا صغيرة من تاريخ " اكبر " و " اعمق " من تاريخ الحضارة الاسلامية ..
بالتالي فهي المكون الجذري للثقافة الاسلامية حتى وإن بدى اهل السنة المقارب عددهم للمليار اكثر عدداً ، لكن الاقليات والشيعة هم الاكثر قدرة وقوة اعتماداً على عمق تاريخهم الثقافي في العراق وسوريا وايران وما الهمهم هذا التاريخ من نجاحات انتهت بإيران النووية العصرية التي يحسب لها الغرب مليون حساب وهو ما لا يحب معشاره لباقي المسلمين ..
هذه الاقليات اليوم ، في ايران والعراق وسوريا ولبنان ، تتحكم زعاماتها بقرارها ومصيرها اكثر من المليار سني الذين لا يعرفون إلى اين هم سائرون على سكة المخطط الامبريالي الكبير ..!
مليار مسلم سني لم تعد قضية فلسطين ومئات القنابل النووية في اسرائيل تشكل لهم هما كبيراً مثلما يؤرقهم حصول ايران على قنبلة نووية واحدة ..
لماذا هذه الكراهية للشيعة ؟
وكيف تجذر هذا الخوف التاريخي في الوعي الجمعي الاسلامي من كلمة " الشيعة " ؟؟

الجزء الثاني في الاسبوع القادم ( اذا ابقتنا الحياة ) ..



#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذاكرة الفرد وذاكرة الامة : المعنى الميتافيزيقي للحضارة والتا ...
- الثقافة البشرية – رد على مالوم أبو رغيف
- مع الله في ملكوته (5)
- مع الله في ملكوته (4)
- مع الله في ملكوته (3)
- مع الله في ملكوته (2)
- مع الله في ملكوته (1)
- رؤية في استراتيجية الهيمنة الاميركية و دراسة علاقتها بازمة 2 ...
- افول الامبراطورية الاميركية ، هل من بديل ؟
- ملكوت الله القادم(3)
- البدء كانت الكلمة ..على شفتيك
- الماركسية الانثروبولوجية
- ملكوت الله القادم(2)
- ملكوت الله القادم (1)
- إمرأةٌ .. أمام مرآة !
- الطريق إلى بابل
- السيناريو الروسي لحرب الشرق الاوسط
- سوريا قاعدة للجهاد الاميركي الجديد !
- بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ
- البحث عن ملكوت الله (3)


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - وليد مهدي - الشيعة و السنة قراءة ديالكتيكية – عقلانية (1)