أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - رِحْلَة نظريَّة في أعماق المادة!















المزيد.....

رِحْلَة نظريَّة في أعماق المادة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3836 - 2012 / 8 / 31 - 14:51
المحور: الطب , والعلوم
    


الكون، ولجهة صلته بعيوننا الطبيعية، المُجرَّدة من أدوات التقوية الاصطناعية للرؤية كمثل الميكروسكوب والتليسكوب، كَوْنان اثنان: كَوْنٌ نستطيع رؤيته، وكَوْنٌ لا نستطيع.
إنَّكَ بعينكَ المُجرَّدة لا تستطيع رؤية الجزيء أو الذرَّة أو نواة الذرَّة أو الإلكترون أو البروتون..
وبعينكَ المُجرَّدة لا تستطيع، أيضاً، رؤية المجرَّات والنجوم والكواكب.. البعيدة، أو البعيدة كثيراً، عن مجرَّتنا ("درب التبَّانة"). لكنَّكَ تستطيع إذا ما سافرتَ في الفضاء، وشَرَعْتَ تقترب منها.
بالتليسكوب، وهو "عَيْن اصطناعية"، يُمْكِنكَ أنْ ترى (مثلاً) نجماً يبعد عن كوكب الأرض مئات الملايين من السنين الضوئية؛ فماذا يعني، فيزيائياً، أنْ ترى جسماً بعيداً جدَّاً بالتليسكوب؟
إنَّكَ تراه "أقْرَب"، و"أكبر حجماً"، و"أوضح (تفاصيلاً)".
وأنتَ ترى هذا الجسم بفضل "الضوء" الصادِر عنه، والذي "يَصُبُّ" في عينكَ، بعدما قَطَعَ في رحلته الفضائية مسافة طويلة جدَّاً، سار فيها بسرعة 300 ألف كم/ث.
وكلَّما "صَبَّ" في عينكَ مقداراً أكبر من ضوئه (أيْ من جسيمات هذا الضوء) رأيْتَه أكثر وضوحاً؛ والتليسكوب إنَّما هو الأداة التي تَسْتَجْمِع (كما تَسْتَجْمِع قطعة مغناطيس برادة الحديد) من ضوء هذا الجسم أكبر مقدار ممكن، لـ "تَسْكبه" في عينكَ؛ لكنَّ هذه الأداة لن تتمكَّن من أنْ تُريكَ الجسم نفسه إذا لم يكن الضوء الصادِر عنه قد وصلَ إلى عينكَ من قبل؛ فإذا وَصَل، فإنَّ التليسكوب يُريكَ هذا الجسم في هيئة قديمة له، أيْ في الهيئة التي كان عليها عندما انطلق منه هذا الضوء في رحلته الفضائية الطويلة، والتي قد تكون استغرقت مئات الملايين من السنين؛ فأنتَ ترى الجسم، في الهيئة التي كان عليها قبل مئات الملايين من السنين؛ ولن تراه أبداً في الهيئة التي هو عليها "الآن".
وثمَّة أجسام في الكون تراها الآن مع أنَّها ما عادت موجودة، أو ما عادت موجودة في هيئتها التي تراها الآن؛ وثمَّة أجسام موجودة؛ لكنَّكَ لا تراه الآن (بالتليسكوب) لأنَّ الضوء الصادِر عنها لم يَصِل بَعْد إلى عينكَ، أو لن يصل إليها أبداً.
الجسيم الذي بفضله ترى الأجسام يسمَّى "فوتون"؛ وهذا الجسيم ليس له كتلة، تسمَّى "كتلة السكون"؛ فكتلته إنَّما هي " كتلة حركة"، أيْ متأتية من كَوْنِه يتحرَّك، ينتقل في المكان، ينتقل من نقطة إلى نقطة؛. فإذا توقَّف تماماً عن الحركة في المكان تلاشت كتلته الحركية؛ فإذا تلاشت زال هو نفسه من الوجود.
بفضله ترى جسماً ما؛ لكن، كيف لكَ أنْ تراه هو نفسه؟!
والآن، دَعُونا ننظر في العالَم، أو الكون، دون الذرِّي، عِلْماً أنَّنا بعيوننا المُجرَّدة لا نستيطع رؤية الجزيء أو الذرَّة.
عندئذٍ، ينبغي لنا الاستعانة بـ "عَيْن اصطناعية" هي الميكروسكوب لرؤية ما يُمْكننا رؤيته من هذا العالَم دون الذرِّي.
والعقبة الكبرى التي ينبغي لنا التغلُّب عليها، قبل، ومن أجل، أنْ نرى جسيم "الإلكترون" مثلاً إنَّما هي "الحجم"، أيْ ضىآلة حجم هذا الجسيم؛ والميكروسكوب هو أداة بفضلها نتمكَّن من "تكبير" هذا الحجم الصغير جدَّاً لجسيم "الإلكترون"، فنتمكَّن، من ثمَّ، من رؤيته.
وثمَّة جسيمات أصغر حجماً بكثير من "الإلكترون"؛ ونحن لا نملك من "الأدوات (وربَّما لن نملك أبداً)" ما يفي بالغرض، وهو "تكبير (حجمها)" بما يسمح لنا برؤيتها.
وثمَّة جسيمات تَجْتَمع فيها عقبتين: "ضآلة الحجم" و"سرعة التغيُّر".
إنَّها جسيمات (ضئيلة الحجم) تتغيَّر أحوالها، أو تنشأ وتزول، في زمنٍ متناهٍ في الضآلة (في جزءٍ في منتهى الضآلة من الثانية الواحدة).
ولرؤيتها نحتاج أوَّلاً إلى "أداة" تُكبِّر (لنا) حجمها؛ ثمَّ نحتاج إلى "أداة أخرى" تُكبِّر (لنا) زمن حدوث الحادث فيها، أيْ تجعله يمرُّ في بطءٍ شديد، وبما يسمح لنا برؤية حدوثه.
لو امتلكنا هذه "الأداة"، وتلك، لرأيْنا "مادية" العالَم دون الذرِّي كما نرى "مادية" العالَم فَوْق الذرِّي!
في العالَم دون الذرِّي، لن ترى إلاَّ "جسيمات"، بحجوم مختلفة؛ بعضها يسير بسرعة الضوء (300 ألف كم/ث) لكنَّه لا يستطيع أبداً السير بسرعة تفوقها؛ وبعضها لا يمكنه أبداً السير بسرعة تَعْدِل سرعة الضوء، التي هي السرعة القصوى في الكون، على ما هو مُثْبَت حتى الآن.
وترى فراغاً، أو فضاءً، بين الجسيمات؛ وإنَّني لأقول، أيضاً، بفراغٍ، أو فضاءٍ، في داخل كل جسيم، كالفراغ، أو الفضاء، في داخل كل ذرَّة.
ولو "حَسَّنْتَ" رؤيتكَ أكثر، لرأيْتَ الفراغ، أو الفضاء، بين الجسيمات مُفْعَماً بجسيمات تسير بسرعة الضوء، وكأنَّها أنهارٌ تجري في مجاري الفضاء، تَنْبُع من جسيمٍ، فتَصُبُّ في آخر. وهذا الأنهار من الجسيمات هي التي تسمَّى "الجسيمات حاملة (ناقلة) القوى (أيْ التأثيرات الفيزيائية)".
إنَّكَ ترى، مثلاً، جسيماً ما وقد تغيَّر على نحوٍ ما؛ وهذا التغيير إنَّما هو ثمرة "جسيمات حاملة للقوى" صبَّت فيه، أو ضربته، أو أصابته. إنَّ هذا الجسيم، لن يتغيَّر على هذا النحو، قبل أنْ تصل إليه، وتضربه، وتصيبه، "الجسيمات حاملة القوى (أيْ حاملة هذا التأثير الذي رأيْنا)".
العالَم المادي، أكان دون ذرِّي أم فَوْق ذرِّي، إنَّما هو الوحدة التي لا انفصام فيها أبداً بين "الجسيم" و"الفضاء (أو الفراغ)"؛ بين "بُنْيَتِه الجسيمية" و"بُنْيَتِه الفضائية"؛ جسيماته تتحرَّك في الفضاء، الذي له خاصية جوهرية هي قابليته للتمدُّد والتقلُّص.
إنَّ كوكب الأرض (مثلاً) يتألَّف من جزيئات، تتألَّف من ذرَّات؛ وإنَّ الفراغ (أو الفضاء) هو معظم حجم الذرَّة؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ الفراغ هو، أيضاً، معظم حجم الكوكب الأرضي.
والفراغ (أو الفضاء) هو معظم حجم الكون؛ والفراغ بين كلِّ مجموعتين من المجرَّات هو من الاتّساع بمكان؛ وهو، على اتِّساعة، يزداد اتِّساعاً في استمرار؛ وسرعة اتِّساعه (أو تمدُّده) هي في تزايد مستمر.
وأنتَ، نظرياً، تستطيع أنْ تَجْعَل كتلة الشمس، مثلاً، في حجم يقل عن حجم الذرَّة، جاعلاً كثافتها، من ثمَّ، في منتهى العِظَم والكِبَر؛ لكنَّك لا تستطيع فِعْل ذلك مُحْتَفِظاً، في الوقت نفسه، بنوعية مادتها نفسها.
قُلْنا إنَّ كوكب الأرض (مثلاً) يتألَّف من جزيئات، تتألَّف من ذرَّات؛ وهو إنَّما يشبه بحراً واسعاً، تتخلله جُزُرٌ صغيرة متباعدة، هي كناية عن "نوى الذرَّات"، التي تمثِّل الجزء الأكبر من كتلة الكوكب. وهذا "البحر الواسع" هو كناية عن "فراغٍ (أو فضاء)"، تتحرَّك فيه زوارق صغيرة جدَّاً، هي كناية عن "الإلكترونات".
إنَّ كل نواة ذرَّة مُحاطة بما يشبه "غيمة من الإلكترونات"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ كلَّ غيمتين لا يمكنهما أنْ تتقاربا من غير أنْ يشتد تنافرهما؛ فكلَّما تقاربتا اشتد تنافرهما. وهذا "الانفصال (الإلكتروني الحتمي)" بين كل ذرَّتين، أو بين كل جزيئين، يغدو "اتِّصالاً" بفضل "الجسيمات حاملة القوى".
حتى نواة الذرَّة نفسها هي حالة "انفصال، أو تنافُر، مقهور، ومسيطَرٌ عليه"؛ فالبروتونات تَجْتَمِع على هيئة "نواة ذرَّة" من طريق تقاربها؛ لكنَّها كلَّما ازدادت تقارباً اشتدت تنافراً؛ فإذا بلغَ تقاربها (وتنافرها، من ثمَّ) حده الأقصى نشطت "القوَّة النووية الشديدة"، مُرْغِمةً هذه البروتونات المتنافرة (ومن غير أنْ تلغي تنافرها) على الاندماج، والتكتُّل، والاتِّحاد، في "نواة ذرَّة". وهذه "القوَّة النووية الشديدة"، هي هذا "الفِعْل"، أو "التأثير"، وقد حُمِل على مَتْن نوعٍ من الجسيمات (عديمة الكتلة) تتبادله البروتونات.
"التغيُّر" في جسم أو جسيم ما إنَّما هو، في العُمْق من معناه الفيزيائي، "النتيجة المترتِّبة على إصابته بجسيمات عديمة الكتلة، تَحْمِل تأثيراً ما"؛ وهذه الجسيمات أصابته بعدما سارت في الفراغ، أو الفضاء، بسرعة الضوء، مُنْطَلِقة من "مَصْدَرٍ ما (من جسم أو جسيم ما)".
وحتى لا نَقَع في فخِّ "التفسير الميكانيكي" نقول، ويجب أنْ نقول، أيضاً، إنَّ طبيعة (وماهية، ونوعية، وتكوين) الجسم أو الجسيم المتأثِّر هي التي تُحدِّد كيفية (وطريقة ونتائج) تأثُّر هذا الجسم أو الجسيم بالجسيمات حاملة القوى التي أصابته؛ فإنَّ الجسيم حامِل القوَّة نفسها يؤثِّر تأثيراً مختلفاً بالأجسام أو الجسيمات المختلفة، نوعيةً، وماهيةً، وتكويناً، وقابليةً.
الفراغ، أو الفضاء، هو معظم حجم الكون، ومعظم حجم الذرَّة؛ وليس من سبب فيزيائي يَدْعُونا إلى فَهْم الجسيم، ولو كان مِمَّا يسمَّى "جسيمات أوَّلية"، على أنَّه شيء يخلو تماماً من الفراغ، أو الفضاء؛ فلو استطعتَ أنْ ترى بـ "عين اصطناعية" ما الإلكترون (وهو جسيم أوَّلي له كتلة سكون) من الدَّاخل، فهل تراه خالياً تماماً من الفراغ، أو الفضاء؟
كلاَّ، لن تراه كذلك، على ما أحسب وأتوقَّع؛ فالفراغ إنَّما هو جزء لا يتجزَّأ من التكوين الدَّاخلي لأيِّ جسيم مهما تناهى في الصِّغَر؛ وهو، أيضاً، ما يتوسَّط صلته بغيره.
وفي داخل الإلكترون، لن ترى فراغاً فحسب، وإنَّما عناصر وأنواع أخرى من المادة؛ فإنَّ "الأوَّلي" من الجسيمات يجب أنْ يكون "مُرَكَّباً"، بمعنى ما.
حتى فرضية "الخيوط (الأوتار)"، والتي نتصوَّر فيها "الخيط"، لا "الجسيم الأوَّلي"، على أنَّه أصل المادة بجسيماتها جميعاً، لا تعني، ويجب ألاَّ تعني، أنَّ "الخيط" يَشُذُّ عن ذاك التصوُّر الذي بَسَطْناه في مثال "الإلكترون"، فـ "المادة"، ولو كانت على هيئة "إلكترون" أو "كوارك" أو "نيوترينو" أو "فوتون" أو "خيط"..، لا تأتي، ولا يمكنها أنْ تأتي، إلاَّ من "مادة قَبْلِيَّة"، أيْ وُجِدَت قَبْلها؛ فإذا زالت (وينبغي لها أنْ تزول بالهيئة التي هي عليها) فلن تزول إلاَّ لنشوء مادة أخرى.
المادة (أو الجسيم) التي لها "كتلة"، ينبغي لي أنْ أفهمها على أنَّها كل مادة لا يمكنها أبداً أنْ تسير بسرعة الضوء مهما زِدْنا سرعتها؛ وأحسب أنَّ الفيزياء مَدْعٌوَّة إلى "التفسير" و"التعليل"، أيْ إلى أنْ تُفَسِّر لنا، وتُعلِّل، لماذا تملك بعض أنواع المادة (أو الجسيمات) هذه "الخاصية (الجوهرية)"، أيْ خاصية "الكتلة"، ولماذا تَقِفُ "الكتلة" حاجِزاً، أو مانِعاً، لا يمكن تخطيه بين الجسيم الذي يَحْملها وبين سيره بسرعة الضوء.
أمَّا الجسيم "عديم الكتلة"، أيْ "عديم كتلة السكون"، كالفوتون، والذي يسير، ويستطيع السير، بسرعة الضوء، فينبغي لنا فهمه، وتصوُّره، على أنَّه شيء يشبه "البالون (الصغير)"، امتلأ، قليلاً، أو كثيراً، بما يشبه "الهواء"، الذي هو كناية عمَّا يسمَّى "الطاقة"؛ فإنَّه "الحامِل" و"الناقِل" لـ "الطاقة"، التي يتغيَّر منسوبها، ارتفاعاً وانخفاضاً، في داخل هذا الجسيم (البالون).
ونحن يكفي أنْ نتصوَّر الجسيم "عديم الكتلة" على هذا النحو حتى نَسْتَشْعِر أهمية وضرورة أنْ نَعْرِف، أو أنْ نَعْرِف أكثر وأفضل، ماهية هذا "المحمول"، أو "المنقول"، وأنْ نتوسَّع ونتعمَّق أكثر في إجابة سؤال "ما هي الطاقة؟"، أو "ما هي الطاقة الخالصة؟".
إنَّنا نَعْرِف أنَّ الإلكترون (مثلاً) هو جسيم له "كتلة سكون"؛ فلو توقَّف تماماً عن الحركة (في المكان) يظلُّ على قَيْد الحياة، أيْ يظلُّ موجوداً؛ لأنَّ لديه" كتلة سكون"؛ ونَعْرِف، أيضاً، أنَّ "كتلة السكون" هذه إنَّما هي "طاقة مُجمَّدة"، أو "طاقة رُكِّزت تركيزاً شديداً في حيِّزٍ (أو حجمٍ، أو نقطة) متناهٍ في الصِّغَر".
ولـ "بَعْثَرِة (وتَفْريق، وتشتيت، وتسييل)" هذه الطاقة المركَّزة في الإلكترون على هيئة "كتلة سكون"، نحتاج إلى جَعْل الإلكترون يصطدم اصطداماً قويَّاً بالجسيم المضاد له، والذي لديه هو، أيضاً، " كتلة سكون"؛ وهذا الجسيم المضاد يُدْعى "البوزيترون".
إذا اصطدما، تبادلا الفناء، أيْ تحوَّل كلاهما إلى "طاقة خالصة"، محمولة على مَتْن جسيمين عديمي "كتلة السكون"، هما من نوع "الفوتون"؛ وجسيم "الفوتون"، على ما نَعْلَم، هو ضديد نفسه؛ فـ "الفوتون" هو نفسه "الفوتون المضاد". وإذا اصطدم "فوتونان" اصطداماً قويَّاً، تبادلا الفناء، متحوِّلين إلى جسيمين، لكليهما "كتلة سكون"، أيْ إلى "إلكترون" و"بوزيترون" مثلاً.
و"الضوء"، الذي بفضله نرى الأجسام والأشياء، ونميِّز بعضها من بعض، لوناً وحجماً، وهيئةً، وشكلاً، إنَّما هو سَيْلٌ من تلك "البالونات الصغيرة (أيْ "الفوتونات") المختلفة لجهة منسوب الطاقة فيها".
وحتى لا يَسْتَذْرِعون بهذا القول لإفساد وتشويه "مادية" العالَم، أقول إنَّ كل ما نراه (بعيوننا الطبيعية أو الاصطناعية) من أشياء وأجسام (وجسيمات) لا بدَّ له من أنْ يكون "مادة"؛ لكن هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ "كل مادة" يجب أنْ نراها؛ فثمَّة أنواع كثيرة من "المادة" لا نراها، ولا يُمكننا رؤيتها، وربَّما لن نتمكَّن أبداً من رؤيتها، وإنْ استطعنا (بوسائل وطرائق وأساليب أخرى) الاستدلال على وجودها (وجوداً موضوعياً).
سيادة نظرية (أو فرضية) تمدُّد الفضاء (بين "مجموعات المجرَّات") وتسارُع هذا التمدُّد الآن، قادت إلى نظرية (أو فرضية) أخرى، مؤدَّها أنَّ نوعاً من الطاقة، أسْمُوه "الطاقة الداكنة"، هو سبب، وعِلَّة، "تمدُّد (وتسارُع تمدُّد) الفضاء"؛ فإذا كانت "الجاذبية" سبب، وعِلَّة، استجماع، وتركيز، وتكثيف، "المادة"، في الكون، على هيئة كواكب ونجوم ومجرَّات..، فإنَّ "الطاقة الداكنة" هي "ضديدها"؛ هي التي تتسبَّب في تمدُّد (وتسارُع تمدُّد) واتِّساع الفضاء بين "جُزُر الكون"، أيْ بين "مجموعات المجرَّات"؛ هي ما يشبه "الثابت الكوزمولوجي" الذي افترضه آينشتاين في سعيه (النَّظري) إلى إثبات وتأكيد قوله بـ "الكون المتوازِن"، الذي لا ينهار على نفسه بسبب "الجاذبية".
ما هي هذه "الطاقة الداكنة"؟ من أين تأتي؟ ما هو مَصْدَرها ومنبعها؟ ولماذا نقول إنَّ الفضاء (بين "مجموعات المجرَّات") كلَّما تمدَّد ازدادت سرعة تمدُّده؟ وهل هذا يعني أنَّ "الطاقة الداكنة" تنمو، كونياً، مع استمرار الفضاء (بين "مجموعات المجرَّات") في التمدُّد والاتِّساع؟ وما هو مصير الكون إذا ما كان كل تمدُّد للفضاء (بين "مجموعات المجرَّات") يتسبَّب في "تمدُّد جديد أكبر"؟ أليس لهذا التمدُّد المستمر والمتسارِع مِنْ "درجة عليا"، إنْ تخطَّاها وتجاوزها تحوَّل، حتماً، إلى "نقيضه"، أيْ إلى تقلُّص مستمر ومتسارِع؟ وبأيِّ نوعٍ من الطاقة نُفسِّر، عندئذٍ، هذا الانتقال (الحتمي) من تمدُّد (فضائيٍّ) متزايد ومتسارِع إلى تقلُّص (فضائيٍّ) متزايد ومتسارِع؟
للإجابة، وفي الإجابة، أقول افْتِراضاً إنَّ ثمَّة "طاقة"، وثمَّة "ضديد" لها، أيْ "طاقة مضادة (للطاقة العادية)"، هي "الطاقة الداكنة"؛ وهذه "الطاقة الداكنة" تُلازِم (حتماً) الطاقة العادية (التي نَعْرِف) وجوداً؛ فهي تُوْجَد دائماً معها، في المكان نفسه، وفي الزمان نفسه؛ لكنها تُهَيْمِن وتسود (أيْ تَرْجَح كفَّتها على كفَّة الطاقة العادية) في الفضاء بين "مجموعات المجرَّات"، التي تتباعد من غير أنْ تتحرَّك "في" الفضاء؛ وليس ممكناً وجود كَوْنٍ لا تتَّحِد فيه "الطاقة العادية" مع "الطاقة الداكنة" اتِّحاداً لا انفصام فيه، ويتخلَّله صراع دائم لا يتوقَّف بين هذين الطرفين المتضادين.
"الطاقة العادية" هي التي تَجْعَل "المادة" في مَيْلٍ إلى التجمُّع والتركُّز والتكثُّف، على هيئة كواكب ونجوم ومجرَّات..؛ أمَّا ضديدها ("الطاقة الداكنة") فهو الذي يَجْعَل "المادة"، وفي الوقت نفسه، في مَيْل مضاد؛ في مَيْل إلى التبعثُر والتَّفَرُّق والتَّشَتُّت، والذي يقوى ويشتد على مستوى الفضاء بين "مجموعات المجرَّات"، على وجه الخصوص.
بعضٌ من "الطاقة العادية" يتجمَّد (وبتركَّز ويتكاثف) مُكوِّناً الجسيمات التي لها كُتَل، وبعضٌ يظل حُرَّاً طليقاً متطايراً، على هيئة جسيمات عديمة الكُتَل، كالفوتون.
وهيمنة "الطاقة العادية" هي ما يتسبَّب في جَعْل الفضاء حَوْل الكواكب والنجوم والمجرَّات.. ينحني ويتقوَّس؛ وكلا النوعين من الطاقة موجود في كلِّ فضاء؛ لكنَّ أحدهما هو الذي تكون له الهيمنة والسيطرة والسيادة؛ لكنَّ هذا لا يعني، ويجب ألاَّ يعني، أنَّ "خيوط المادة" و"خيوط الفضاء" هما شيئان يمكن فَصْل أحدهما عن الآخر؛ فـ "خيوط المادة (الجسيمية والجسمية)" هي و"خيوط الفضاء" في تَداخُلٍ وتَشابُكٍ مُطْلَقَيْن؛ فلا وجود للمادة الخالصة من الفضاء، كما لا وجود للفضاء الخالص من المادة.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في -السقوط-!
- موت -اللغة- في جرائدنا اليومية!
- لهذه الأسباب لا أُشارِك في الانتخابات؟
- أجَلْ ثمَّة ثورة في سورية ومصر وتونس!
- -الجيوش- من وجهة نظر -الربيع العربي-!
- سَطْوَة الدِّين!
- قانون -الانتخاب الطبيعي- بنسخته الاجتماعية!
- جُمْلَة واحدة.. هل ينطقون بها؟!
- لا تَخْشُوا ما لا وجود له!
- مرحى مرسي!
- هذا العداء لإسرائيل لن يخدعنا!
- ما هو -العمل-؟
- العمل!
- -الرِّبا- إذْ سُمِّيَ -مُرَابَحَة-!
- في السِّلاح والتَّسَلُّح
- حرب التمهيد ل -أُمِّ المعارك-!
- حتى لا يأتي -الربيع العربي- بمزيدٍ من التجزئة والانقسام!
- هل لتركيا مصلحة الآن في لعب -الورقة الكردية-؟
- -الثقب الأسود- في تفسير آخر!
- متى نشفى من -تَدْيين- صراعنا الواقعي؟!


المزيد.....




- الإمارات: حالات -محدودة- مرضت بسبب التأثر بالمياه الناجمة عن ...
- بوتين: النجاح في ساحة المعركة يعتمد على السرعة في حل المشكلا ...
- الجزائر.. منتدى تكنولوجيا الإعلام
- ما مشروع -نيمبوس- الذي ضحت غوغل بموظفيها وسمعتها من أجله؟
- رجل مصاب بالسرطان.. نمت رموشه بطريقة نادرة
- تبوك السعودية تحقق توصيف مدينة صحية من منظمة الصحة العالمية ...
- انتشال نحو 392 جثمانا من مجمع ناصر الطبي بخان يونس خلال 5 أي ...
- طبيبة: الكركم يبطئ الشيخوخة ويحمي من السرطان
- الناقة تحلّ محل البقرة بسبب التغيُّر المناخي
- باحثون يكشفون سر التوهجات الغامضة حول الثقب الأسود


المزيد.....

- المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B / أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
- ‫-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط ... / هيثم الفقى
- بعض الحقائق العلمية الحديثة / جواد بشارة
- هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟ / مصعب قاسم عزاوي
- المادة البيضاء والمرض / عاهد جمعة الخطيب
- بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت ... / عاهد جمعة الخطيب
- المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض / عاهد جمعة الخطيب
- الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين / عاهد جمعة الخطيب
- دور المايكروبات في المناعة الذاتية / عاهد جمعة الخطيب
- الماركسية وأزمة البيولوجيا المُعاصرة / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطب , والعلوم - جواد البشيتي - رِحْلَة نظريَّة في أعماق المادة!