أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في معرفة الله...والنص















المزيد.....

في معرفة الله...والنص


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3835 - 2012 / 8 / 30 - 03:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحواس هي الوسائل الضرورية للمعرفة، أي وكل معرفة، ودونها لا تتحقق هذه الأخيرة مطلقاً. الشخص الذي يولد كفيفاً دون بصر لن "يعرف" مطلقاً معنى النور أو الظلام، الأبيض أو الأسود أو الأحمر، لأن العضو الحسي اللازم لمثل هذه المعرفة، العين، معطل. كذلك الحال مع السمع واللمس والشم والتذوق، التي بدونها ما "عرف" الإنسان نفسه أو الكون من حوله. كل وأي "معرفة" لدى الإنسان هي في الأساس معرفة حسية سواء مباشرة حصل عليها من خلال حواسه نفسه، أو غير مباشرة حصل عليها عبر الرواية عن معارف لآخرين، كانت هي الأخرى في أصلها ذات منشأ حواسي مباشر أو غير مباشر. الإنسان المنعدم الحواس منعدم المعرفة؛ ولا وسيلة أخرى مطلقاً لكي يعرف الإنسان شيئاً إلا من خلال حواسه.

أن تعرف الله يعني أن تعرفه إما مباشرة من خلال حواسك نفسك، أو غير مباشرة عبر الرواية عن معارف لآخرين. لا أحد يدعي معرفة مباشرة بالله، على الأقل في الوقت الحاضر. الأكثرية تؤمن بمعرفة غير مباشرة بالله عن طريق رواية الأنبياء والرسل والسلف الصالح في كتبهم المنسوبة معناً، أو نصاً ومعناً معاً، إلى الله نفسه. هكذا تنتفي إمكانية المعرفة المباشرة بالله، لكن تبقى تلك غير المباشرة عبر الأنبياء والرسول والصالحين، والمنقولة عبر رواياتهم في شتى الكتب المقدسة مثل التوراة والإنجيل والقرآن والأحاديث والشروح والتفاسير والفتاوى والتشريعات الدينية...الخ. هكذا الإنسان في الوقت الحاضر يعرف الله معرفة "نصية" غير مباشرة من خلال نصوص مكتوبة عن روايات لآخرين في الماضي، لا معرفة "حسية" مباشرة من خلال حواسه نفسه. إلى النص.

النص هو فقط رمز ووعاء لمعنى، لا يحمل في ذاته أي معنى مستقل على الإطلاق. عندما أكتب كلمة مكونة من أربعة أحرف مثل [ح م ا ر] (حمار)، هذه الكلمة لا يكون لها أي معنى على الإطلاق إلا لمن "عرف" الحمار الحيوان ذاته بحواسه نفسه، أو سمع بأوصافه من رواية لغيره حتى إذا لم تسبق له أبداً رؤية حمار؛ في هذه الحالة يستطيع المرء أن يرسم في مخيلته صورة مشابهة للحمار قياساً على أوصاف لحيوانات أخرى عرفها معرفة مباشرة بنفسه أو غير مباشرة عبر آخرين. الحمار الحيوان المحسوس هو الأصل، وحواس الإنسان هي الوسيلة لمعرفته، والحروف الأبجدية هي فقط رموز أو شفرة لغوية لنقل تلك المعرفة، لا تستحدثها ولا تخلقها من العدم. من دون الوجود المادي المحسوس الفعلي لهذا الحيوان، في هذا الزمن أو حتى في زمن قديم، ما كانت ستوجد أبداً الكلمة "الحمار" بمعناها هذا، أو كانت ستقف رمزاً لمعنى آخر مختلف. الحمار شحماً ولحماً أولاً، ثم يصنع له رمزه اللغوي المقابل بعد ذلك، بعد ذلك فقط. هكذا الحال مع كل وأي نص آخر. النص هو فقط رمز لا معنى له في ذاته، المعنى يأتي من التجربة الحسية المباشرة أو غير المباشرة، الحديثة أو السحيقة القدم؛ في جميع الأحوال، المعنى هو خبرة ومعرفة حسية. إلى النص المقدس.

النص المقدس مثل أي وكل نص آخر: شفرة ورموز لمعاني حسية في الأصل. وكما هو الحال مع جميع النصوص الأخرى، الرموز والشفرة اللغوية المقدسة لا تحمل أي معنى في ذاتها، إنما هي مجرد إيحاء وتداعي لخبرات ومعارف حسية، مباشرة أو غير مباشرة. هكذا لا تحمل رموز النص الديني أي قيمة مستقلة في ذاتها، إنما قيمتها الحقيقية في المعاني التي تقف لها. أكثر من ذلك، رموز النصوص الإلهية السماوية المقدسة هي ذاتها بالحرف رموز النصوص البشرية الوضعية غير المقدسة، دون أي زيادة أو نقصان أو اختلاف على الإطلاق. بالنظر إلى هذا التماثل والتطابق التام بين رموز النص الإلهي والبشري، إما أن يكون الله علمها للإنسان كما تزعم النصوص الإلهية ذاتها، أو يكون الإنسان هو الذي استحدثها بنفسه ونسبها إلى الله. في جميع الأحوال، الرمز والنص سواء الإلهي أو البشري ليس له أي قيمة في ذاته، لأنه مجرد شفرة لغوية رمزية لمعرفة أساسها الخبرة الحسية. من هذا المنطلق، لا أهمية تذكر للجدل حول قدم أو حداثة النصوص الإلهية، لأنها في النهاية رموز لا معنى لها على الإطلاق في ذاتها، علاوة على عدم اختلافها أو تمايزها في أي شيء عن منظومة الرموز والنصوص والشفرات اللغوية المستخدمة من قبل البشر في كل مكان وزمان. إلى المعنى.

من المستحيل أن يعرف الإنسان شيئاً غير موجود بالفعل، أو لم يكن موجوداً بالفعل في يوم ما، مع العلم أن حتى تخيلات الإنسان لكائنات غير موجودة فعلاً مثل كائن خرافي بجسد أسد ورأس رجل وذيول أفاعي...الخ هي أيضاً معرفة ذات أساس حسي مباشر وغير مباشر، لكنها مجمعة في تشكيلات مبتكرة غير التي وجدت عليها في الطبيعة. الإنسان يمتلك قدرة خيال واسعة ويستطيع أن يعيد تخليق وتشكيل كل مفردات معرفته الحسية في تخيلات وتصورات ليس ولم يكن لها وجود حقيقي في كليتها، لكنها موجودة بالفعل في أجزائها المكونة. هكذا حتى إذا سلمنا جدلاً بوجود معرفة إلهية سماوية مستقلة يعبر عنها النص الإلهي، لا يزال مما لا يقبل الجدل على الإطلاق أن الإنسان لا يستطيع أبداً أن يفك شفرة (يفهم) ما لم يمر بخبرته الحسية، المباشرة أو غير المباشرة. هكذا إذا كان الله يريد أن يخاطب الإنسان فعلاً، ويريد للإنسان أن يفهم معنى خطابه الإلهي حقاً، ليس أمام الله أي وسيلة أخرى سوى اللجوء إلى استعمال ذات الرموز والنصوص البشرية بذات معانيها البشرية؛ حتى يخاطب الله الإنسان ويفهمه الإنسان، لا بد أن يكون كلام الله كلاماً بشرياً كاملاً، في نصه ومعناه. هذا، إذا تم، لن يضيف أي جديد على الإطلاق إلى النصوص والمعاني في متناول الإنسان بالفعل. الإنسان يخلق المعرفة عبر حواسه نفسه، ولا يستطيع أن يفهمها خلافاً لذلك.

ثمة إشكالية أخرى لا مهرب منها على الإطلاق: النص الإلهي كله نص بشري. لا يوجد حرف واحد ولا كلمة واحدة وردت في النصوص الإلهية غير موجودة ومستخدمة في نصوص البشر، ومن ثم ترمز بالضرورة إلى معنى بشري محدد يستحيل إبعادها عنه، أو جعلها ترمز بجواره بالتزامن إلى معنى إلهي مستقل. في قول آخر، المعرفة الإلهية المستقلة لا يمكن أن تتحقق أبداً دون رموز ونصوص إلهية مستقلة مقابلة، ولا يمكن استخدام رموز وكلمات بشرية في توصيل معرفة ورسالة إلهية. فوق كل ذلك، حتى لو تحققت المعجزة وتوفرت الوسيلة اللغوية الإلهية المستقلة، سيظل الإنسان عجزاً بالمطلق عن فك طلاسمها، لأنه لم يسبق له أن عرف بحواسه عن طريق مباشر أو غير مباشر المعاني التي تقف لها.

حتى لو كان الله موجوداً، لا أحد يملك عنه معرفة مباشرة؛ وحتى لو كان الله يكلم البشر، لا يزال هذا الكلام ومعانية بشرية مطلقة، لا تحمل أي جديد خلاف ما حملها به البشر أنفسهم.



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أم عزباء أم امرأة عانس؟
- في الزواج وممارسة الجنس
- حقيقة الصراع السلمي حتى الآن على الوطن مصر
- الدين والديمقراطية والاستبداد
- شهوة الجسد
- حرية الجسد
- حرية الفكر والاعتقاد والإلحاد
- عدل ظالم...ومساواة حرام
- مساواة في الدين؟
- بكائية الخضيري على البرلمان المسكوب
- مرجعية الأزهر...لبنة في بناء قديم
- يوم الفرقان: الجمعة 28 يناير 2011
- الديمقراطية كفر بالله؟
- المشروع الإسلامي التجريدي وإشكالية الصراع المحتوم
- -حكم بين السلطات-، أضلولة أخوانية
- الدائرة الأخوانية الإسلامية المغلقة
- سلطان الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر
- نصف إله + نصف شيطان = مساواة
- الحرية وتطبيق الشريعة
- امسك...إسلامجية حرامية


المزيد.....




- شاهد حيلة الشرطة للقبض على لص يقود جرافة عملاقة على طريق سري ...
- جنوب إفريقيا.. مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من على جسر
- هل إسرائيل قادرة على شن حرب ضد حزب الله اللبناني عقب اجتياح ...
- تغير المناخ يؤثر على سرعة دوران الأرض وقد يؤدي إلى تغير ضبط ...
- العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان مساعدة إنسانية عاجلة- لغزة ...
- زلزال بقوة 3.2 درجة شمالي الضفة الغربية
- بودولياك يؤكد في اعتراف مبطن ضلوع نظام كييف بالهجوم الإرهابي ...
- إعلام إسرائيلي: بعد 100 يوم من القتال في قطاع غزة لواء غولان ...
- صورة تظهر إغلاق مدخل مستوطنة كريات شمونة في شمال إسرائيل بال ...
- محكمة العدل الدولية: على إسرائيل -ضمان توفير مساعدة إنسانية ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - في معرفة الله...والنص