أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بيرم ناجي - الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا)















المزيد.....



الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا)


بيرم ناجي

الحوار المتمدن-العدد: 3834 - 2012 / 8 / 29 - 20:59
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-
الاسلام السياسي هوذلك التيار الذي يحوي الجماعات و التنظيمات و الأحزاب السياسية الاسلامية الناشطة سياسيا من اجل الوصول الى الحكم- او المشاركة فيه مؤقتا- انطلاقا من المرجعية الأصولية الاسلامية و بهدف اعتماد الشريعة الاسلامية اساسا له بقطع النظر عن الاختلافات المذهبية الدينية( سنة،شيعة،الخ) و الطريقة السياسية المتوخاة لتحقيق ذلك الهدف السياسي /الديني النهائي (دعوة دينية، انتخابات او عنف عبر انقلاب اوثورة اسلامية).
المقدس الديني هو في الأساس، وبصورة شديدة العمومية، كل ما يرتبط بالقوى الماورائية المتعالية على اختلاف انواعها عند شخص او مجموعة او شعب ما حسب التصورات الدينية الخاصة به او بها. و كل مقدس يرتبط بالضرورة بالميل الى الخوف و الرهبة من تلك القوى من ناحية والطمع فيها من ناحية ثانية عبر السعي الى التقرب و التمتع برضا القوة المقدسة وكذلك تجنب غضبها في مختلف جوانب الحياة الفردية و الجماعية و كل تعريف للمقدس هو بالتالي تعريف علائقي بالضرورة.و لأن أي تعريف للمقدس يجب أن يكون علائقيا فربط المقدس بالمتعالي الماورائي ليس راجعا لجوهر و طبيعة الماورائي نفسه بوصفه متعاليا بل لأنه في علاقة بالحياة الفردية و الجماعية و تواصلهما الجزئي (على الأرض) أو الكلي ( الخلود بعد الموت).ويختلف المقدس الديني قطعا حسب اختلاف الأديان و داخلها حسب اختلاف المذاهب و الطوائف والمجموعات الدينية مثلما يختلف عبر الزمن حتى عند شعب واحد له نفس الديانة و نفس المذهب لأن عملية التقديس، رعم ثباتها النسبي في الزمن، تبقى عملية بشرية تتأثر بتحولات المجتمع و الجماعات الدينية في علاقاتها بالعوامل غير الدينية في الحياة و بالشعوب الأخرى و انماط حياتها . (انظر مادة "المقدس" في كل من "معجم العلوم الانسانية" – اشراف جان فرنسوا دورتييه ،باريس-بيروت 2007 و "معجم علم الاجتماع" لبودون و الشرقاوي و غيرهما-باريس 1998 )
و المقدس الديني الاسلامي يرتبط قبل كل شيء بالله- بوصفه القوة الماورائية الأولى- ورسوله محمد و كتابه المقدس القرآن ثم بكل الفاعلين – الماورائيين و الاجتماعيين- و الأفعال و العلاقات و المؤسسات و الأفكارو الأشياء و الأمكنة و الأزمنة التي تستمد قداستها من الله ومن رسوله ومن كتابه المقدس.
و المقدس الديني الاسلامي واحد و متعدد في نفس الوقت بسب واحدية و تعدد الاسلام ذاته الى اسلام سني و شيعي و خارجي و صوفي و عالم و عامي ،الخ. كما انه منفتح على المقدسات الأخرى و خاصة اليهودية و المسيحية- و التي هو في نفس الوقت وصل و قطع معها- و هو مقدس تاريخي – تكون على مدى 23 عاما من الدعوة المحمدية في البداية ثم على مدى حوالي ثلاثين اخرى حتى تدوين القرآم مع عثمان بن عفان ثم على مدى حوالي ثلاثة قرون بعد ظهور مسانيد الحديث الأولى في العهد العباسي ،الخ- و هو متحول نسبيا – كنسبية تحول كل المقدسات- تبعا لتطور المجتمع التاريخي الداخلي و تفاعله مع المجتمعات الأخرى و اقتصاداتها و سياساتها و اجتماعياتها وثقافاتها و خاصة المجتمعات القريبة من المسلمين.
و المقدس الديني ليس هو المقدس الوحيد عند البشر فهنالك مقدس قد لاتكون له اية علاقة بالماورائي و المتعالى بل بفاعلين و أفعال و ممارسات و علاقات و مؤسسات و أفكار اجتماعية صرفة و لكن ليس هذا الصنف من المقدس هو الذي يهمنا هنا رغم اننا سنشير اليه لاحقا.
-2-
تعتبر علاقة الاسلام بالسياسي بالمقدس الديني اشكالية كبرى الآن بحكم و صول الاسلاميين الى الحكم في دول عربية عديدة و هي مسألة على غاية من التعقيد و الحساسية و الخطورة في نفس الوقت سواء من حيث دراستها العلمية النظرية او من حيث كيفية التعامل العملي ، السياسي و الديني، معها.
وفي المدة الأخيرة برزت في مصر و تونس مقترحات من الاسلاميين في تقديم قوانين لتجريم الاساءة الى المقدسات كمدخل منهم لاعادة صياغة العلاقة بين الانسان و المقدس الديني في الدول التي اصبحوا يحكمونها. لقد قررنا أن ننطلق في دراستنا هذه من هذه النقطة تحديدا ومن ثمة دراسة المسألة في عموميتها و أخذنا المثال التونسي الذي نعرفه أكثر من غيره و الذي قد يفيد غير التونسيين من العرب و المسلمين في التعامل النظري و العملي مع المسألة.
ان المثال التونسي خاص و عام في نفس الوقت فهو مثال خاص عن تعامل احزاب سياسية- دينية اسلامية سنية (وليست شيعية...) تقول عن نفسها انها وسطية معتدلة ( وليست متطرفة) مع المقدس الاسلامي. و لكنه مثال قابل للتعميم النسبي لأن حزب النهضة الاسلامية التونسي محاط بالتيار السلفي و بحزب التحريرالموجودين في كل البلدان العربية من ناحية أولى و هو يلتقي مع كل الحركات الاسلامية في كونه يعمل وفق المرجعية الاسلامية لتحقيق دولة الشريعة استراتيجيا من ناحية ثانية.
-3-
في البيان الختامي للمؤتمر التاسع لحركة النهضة الذي انعقد اواسط جويلية(من 12الى 16) من هذه السنة تم اقرار مطلب " تجريم التعدي على المقدسات باعتباره عدوانا على حرية الغير" (البيان الختامي للمؤتمرالتاسع لحركة النهضة) و قد كانت كتلة حركة النهضة في المجلس التأسيسي التونسي افصحت عن مقترح قانون في نفس الغرض في الشهر ذاته .
يطالب مشروع القانون هذا بمعاقبة كل من يتعدى على المقدسات بغرامة مالية و سنتين سجنا مع مضاعفة العقاب عند العود . ونص مشروع القانون على تحديد معنى المقدس بما هو :" الله سبحانه و تعالى و الرسل و الكتب السماوية و السنة النبوية و الكعبة الشريفة و المساجد و الكنائس و البيع(الكنس)" . و أكدت المسودة أيضا ان التعدي يتمثل في " السب أو الشتم أو السخرية أو الاستهزاء أو الاستنقاص أو التدنيس المادي و المعنوي سواء أكان المس بالكلمة أو بالصورة أو بالفعل" و يدخل ضمن ذلك أيضا " تصوير أو تشخيص الذات الالهية و الرسل" .(مشروع قانون لتجريم الاعتداء على المقدسات)

اننا سنحاول دراسة هذه المسودة، و من خلالها عموم مسألة العلاقة بين الاسلام السياسي و المقدس الديني، من زاويتين: زاوية علمية و ليس تيولوجية (كلامية) حتى نقترب من الموضوعية العلمية و نتجنب ما أمكن الأحكام القيمية. و زاوية انسانية – و بالتالي علمانية و ديمقراطية- و ليست سياسية - اسلامية حتى ندافع عن حقوق الانسان عموما و نبتعد عن اي شكل من أشكال التمييز السياسي –الديني الذي يشرع الباب لكل أشكال التمييز الاجتماعي.
و في هذه الدراسة سوف نهتم بمبدأ تجريم التعدي على المقدسات و بمحتوى هذا القانون المقترح و بالظروف السياسية – الدينية المحيطة به لنصل الى النتائج السياسية و الدينية التي تنجر عنه.
-4-
ان جريمة الاعتداء على المقدس موجودة في الدول الديمقراطية المتقدمة ايضا و خاصة في الدول التي لم تختر العلمانية المتطرفة و يعاقب القانون هنالك على هذه الجريمة ، على الأقل نظريا.
ان المشكل الأساسي لا يكمن اذن في وجود القانون نفسه بل في محتواه من ناحية و في المناخ السياسي و الديني الذي يوجد داخله و هو ما يؤثرعلى مدى الالتزام به تطبيقيا بما يضمن الحرية فعليا ام لا. ويظهر هذا المشكل خاصة عندما يتعلق الأمر بالتعدي على مقدسات الأقليات الداخلية أو الشعوب الأخرى اذ حتى في أرقى الديمقراطيات الغربية لا يقع التعامل مع المقدس الوطني مثلما يتعامل مع مقدس الآخرين مع الأسف.
لكن ، بين تلك الدول و بلداننا بون شاسع في مسألة العلاقة بالمقدس الديني و ليس أدل على ذلك من احتماء كل أصناف الاسلاميين بالغرب اختيارا أو دونه عند تعرضهم للاضطهاد الديني-السياسي في العالمين العربي و الاسلامي و هو راجع على الأقل الى الأمور التالية:
أولا: ضمان حرية المعتقد و الشعائر الدينية.
ثانيا: ضان حرية الرأي و التعبير و البحث العلمي و التفكير و النقد حتى في شؤون المعتقدات و المقدسات نفسها.
ثالثا: الفصل الواضح نسبيا بين مجالي المقدس و الدنياوي ( المقدس و المدنس) بسبب الطبيعة العلمانية الديمقراطية للنظام السياسي و ذلك في الفضاء العام و على مستوى المؤسسات المختلفة للدولة و المجتمع مثل المدرسة و المؤسسة العلمية و الاقتصادية و السياسية،الخ.
بالتالي ، وعلى عكس ما قام به البعض من رفض بدائي للقانون، نحن نعتقد انه لا مشكلة مبدئية مع قوانين من هذا النوع انما المشكل مع المحتوى و الغاية الدينية - السياسية التي تقوده في ظرف تاريخي محدد.

-5-
ان العمل على اصدار قانون لحماية المقدسات في تونس يمكن النظر اليه كما يلي:
-أولا: انه أتى في وقت لا يوجد فيه تهديد حقيقي للمقدس الاسلامي تماما باعتبار ان الجميع اتفقوا على صيغة الفصل الأول من الدستورو لا أحد يضع الاساءة الى المقدسات هدفا له و لذلك قدم القانون لغاية سياسية صرفة هي محاولة ايهام الشعب بمخاطر على دينه في الوقت الذي عجزت فيه الحكومة الاسلامية عن تحقيق ما طالب به التونسيون و ذلك لتحريف اتجاه الغضب الشعبي و استفزاز و استدرار عواطفه الدينية لا غير.ان أكبر دليل على ذلك هو اضطرار وزير داخلية حكومة النهضة الى عدم الترخيص في مظاهرات جمعة نصرة المقدسات الاسلامية في تونس كان قد طالب بها زعيمه راشد الغنوشي نفسه.
-ثانيا: يمكن اعتبار هذه المقترحات القانونية بمثابة ردة فعل التفافية على الفشل في فرض اعتبار الشريعة مصدرا أساسيا في التشريع و عدم القدرة على احداث اية تغييرات على الفصل الأول من الدستور الذي بقي على حالته القديمة يِؤكد ان " تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الاسلام دينها و العربية لغتها و الجمهورية نظامها" و قد حاول الاسلاميون احداث تغييرات باتجاه ديني سياسي محافظ يسعى الى أسلمة الدولة و لكن عارضهم حتى حلفاؤهم في الترويكا الحاكمة فكأنما أرادوا الانتقام عبر قانون "التعدي على المقدسات" و العودة الى الهجوم و مغازلة السلفيين و حزب التحرير.
- ثالثا: ان طرح مثل هذه القوانين يعد مثل بالونات الاختبار السياسية و الدينية و هو يحقق اهدافا عديدة في نفس الوقت نذكر منها ، اضافة الى ما قلناه سابقا، قياس الرأي العام و المحافظة على اشتعال جذوة الحماس الديني الضروري لتجييش الجمهور القريب من الحركة الاسلامية و محاولة الايهام بالمخاطر الخارجية لضمان و حدة الحركات الاسلامية و درء احتمال تصدعها بسبب الأزمات الساسية و الاختلافات الداخلية و كذلك محاولة دفع التيارات الساسية الديمقراطية لارتكاب أخطاء ذات علاقة بالمقدس لذبحها سياسيا مما يسهل احتمال تحقيق ضمانات قانونية تعوض الفشل الدستوري و ترك الباب مفتوحا امام عملية الأسلمة السياسية للدولة و المجتمع.


-6-

اقترح مشروع القانون المزمع عرضه على المجلس التأسيسي عقوبة مالية بحوالي ألف دينار و سنتين سجنا و نص على مضاعفة العقاب في صورة العود.
ان هذه العقوبات تدل على توصيف التعدي على المقدسات بوصفة جريمة متوسطة في القانون التونسي.انها ليست مجرد جنحة بسيطة و ليست جناية خطيرة في نفس الوقت.
ان هذا التوصيف يدل أولا على "الوسطية و الاعتدال" المزعومين لحركة النهضة و لكنهما وسطية و اعتدال مؤقتين لأن من اقترح المشروع أخذ في الحسبان ردود الفعل الرافضة له من الجانبين.
لقد رفض المقترح سياسيا – وليس في المجلس بعد- من قبل الاسلاميين الأكثر تشددا من حركة النهضة الذين سخروا منه بقولهم ان من يتعدى على المقدسات ينال عقاب مجرم بسيط او متوسط لا غير و نادى هؤلاء بتشديد العقوبة و هم يتمنون لو طبقوا الحدود عليه فورا. كما رفض المقترح من قبل الديمقراطيين لأنه يهدد حرية التفكير و البحث في المقدسات و حرية الرأي و التفكير و التعبير عموما.
ان صيغة العقاب المطروحة في المقترح تتذاكى لابراز "الوسطية و الاعتدال" و لكنها تهدد حركة النهضة بنبال النقد من كل الجهات بما في ذلك الجناح المتشدد داخلها و هو أقرب الى السلفية و حزب التحرير في تطرفه. لكن لو واصلنا التدقيق في محتوى مسودة القانون المقترح سوف نرى انه ذو محتوى اصولي سلفي سني بامتياز.
-7-
يظهر الطابع السلفي السني الاستبدادي في مشروع القانون عندما نقرأ عبارات " و السنة النبوية و الكعبة الشريفة " و " الكتب السماوية" و "تصوير أو تشخيص الذات الالهية و الرسل" كما يظهر في بعض المسكوت عنه تماما كما سنرى.
ان التساؤلات النقدية الأساسية هنا هي التالية:
لماذا وردت عبارات "السنة النبوية " و لم ترد معها عبارات و" سنن بقية الأنبياء" و الحال ان الاسلاميين في معرض نقاشهم في مواضيع أخرى يقولون ان القرآن يعني بعبارة "الحكمة" معنى السنة النبوية و هم يعرفون ان القرآن ذكر ان الله آتى انبياء آخرين من بني اسرائيل" الكتاب و الحكمة" أيضا ؟
و لماذا وردت عبارات و"الكعبة الشريفة" و غابت الأماكن الشريفة المقدسة الأخرى عند "الديانات السماوية" بل و لم لا و "النجف الأشرف" و "كربلاء المقدسة" عند الشيعة مثلا و الحال ان في تونس يهود و مسيحيون و شيعة؟
و لماذا لم ترد عبارات "مقامات و أضرحة الأولياء و المتصوفة" و الحال ان في تونس حركة صوفية تمارس درجة من التقديس النسبي لهذه الأماكن و هي حرة في ذلك التقديس؟
و لماذا لم ترد عبارة " و المقابر" مثلا باعتبار الهالة المقدسة التي تحظى بها عند المتدين العادي و الذي أصبح يخاف من السلفيين و الاسلاميين عموما على قبور اهله ان تسوى بالأرض كما يفعل المتشددون الاسلاميون في بقاع عديدة في العالم تقليدا لما قامت به الحركة الوهابية عند استلامها الحكم مع آل سعود؟
و لماذا وردت عبارة "الكتب السماوية" فقط و كأنها الوحيدة المقدسة في حين ان التقديس يطال أيضا كتبا غير سماوية- بالمعنى الاسلامي التقليدي- مثل كتب الآمام علي عند الشيعة و كتب الدروز و البهائيين والأباضيين و غيرهم من المسلمين -حتى ان كانت بعض هذه الفرق غير موجودة الآن في تونس- ناهيك عن كتب غير المسلمين الذين قد يوجد من يقدسها لاحقا من التونسيين أو حاليا من المقيمين الأجانب عندنا؟
و هل يعتبر الاسلاميون فعلا "الكتب السماوية " الموجودة حاليا كلها مقدسة و هم يصفون العهد القديم و الأناجيل بالتحريف و الزيف؟
و لماذا اقتصر التقديس على المساجد و الكنائس و البيع( الكنس اليهودية) وكان من الأفضل التعميم بعبارة" كل دور العبادة" حتى لا يحصل محظور لاحقا عندما يختلف حول "الحسينيات الشيعية" ( أو دور العبادة الدرزية ان ظهرت فرضا) ان كانت مساجد ام لا؟
و لماذا " تصوير أو تشخيص الذات الآلهية و الرسل" و المعروف ان بعض المسلمين ، اضافة الى المسيحيين، لا يعتبرون تصوير شخص الرسول اعتداءا على المقدس ؟
فهل يمنع المسيحي من تصوير أو تشخيص رسوله و هل يمنع الشيعي حتى من تصوير الامام على و الحسن و الحسين بحجة ان الاسلام السني يرفض – حسب بعض الأحاديث- تصوير و تشخيص كل كائن حي ذي روح أصلا حتى لو كان حيوانا؟
ألا يدل هذا المشروع المقترح على محاولة فرض تصور اسلامي سني ضيق للمقدس حتى على المسلمين الآخرين- المسلم العادي و الصوفي و الشيعي و الأباضي...- ناهيك عن اصحاب الديانات الأخرى و غيرهم من المواطنين التونسيين أو المقيمين الأجانب في تونس؟
هل هكذا تحمى المقدسات في الدول الديمقراطية؟
و من ياترى يعتدي على المقدسات بصفة ممنهجة و ممأسسة؟
أم ان أول الاختبارات تبرهن ان حركة النهضة و الاسلاميين التونسيين هم في الحقيقة غرباء عن الديمقراطية بل و أعداء لها؟

- 8-
ان تجريم التعدي على المقدسات و اعتباره "عدوانا على حرية الغير" كما ورد في وثيقة البيان الختامي للمؤتمر التاسع للنهضة و كما ورد في مشروع القانون المقدم الى المجلس التأسيسي ينقصه ضمان حرية الغير في التقديس أو عدمه و في دراسة المقدس و نقده .فاذا غاب هذا الجزء من مشروع القانون فمعناه الوزن بمكيالين قانونيين لصالح حرية فئة واحدة من المقدسين و مقدساتهم من ناحية أولى و ضد حرية دارسي وناقدي المقدسات من ناحية ثانية.
ان ما سبب ذلك و يدل عليه هو المحتوى الاسلامي السني الضيق للقانون من ناحية و طابعه غير الديمقراطي في عدم الدفاع عن كل الحريات في نفس الوقت.
ان مشروع القانون المقدم الى المجلس التأسيسي هذا يهدد حتى المسلمين السنة من غير الاسلاميين ناهيك عن الشيعة أو اصحاب الديانات غير الاسلامية أو العلمانيين المؤمنين و اللآأدريين والملاحدة.
تدعي حركة النهضة الاسلامية التونسية انها حزب ديمقراطي و لكنها في هذه المسألة أيضا تكشف على خلاف ذلك. ان الأحزاب الديمقراطية تتبنى الاعلان العالمي لحقوق الانسان باعتباره مرجعا أساسيا –الى جانب المواثيق و المعاهدات الدولية الأخرى- في التشريع.
و في خصوص مسألتنا ينص الاعلان العالمي في المادة 18 على ما يلي:" لكل شخص اﳊق ﰲ حرية التفكﲑ والضمﲑ والدين، ويشمل هذا اﳊق حرية تغيﲑ ديانته أوعقيدته، وحرية اﻹعراب عنهما بالتعليم واﳌمارسة وإقامة الشعائر ومراعاها سواء أكان ذلك سراً أم مع اﳉماعة" و بذلك فان تجريم الاساءة الى المقدسات يصحبه اعتراف و اضح و جلي بحرية الايمان بكل المعتقدات و ممارسة شعائرها و حرية تغيير المعتقد و حرية عدم الاعتقاد و التعبير عن ذلك سواء بشكل فردي أو جماعي و جهرا عبر الوسائل القانونية المشروعة شفويا او كتابيا و بالطرق السمعية البصرية و غيرها من الطرق الممكنة.
ان من حق غير المسلمين و غير السنة و غير المتدينين الاعتقاد و الاقتناع بما يريدونه و ممارسة شعائر معتقدهم بحرية و تغيير ذلك المعتقد بل و عدم الاعتقاد تماما و الايمان بالأفكار الفلسفية و العلمية التي يريدونها.
ان حرية تغيير المعتقد و بالتالي المقدس الديني تصحبها حرية التعبير عن ذلك التغيير بعيدا عن حد الردة غير الديمقراطي تماما - و لكن الأصولي تماما – هذا ان كنا نريد تأسيس دولة ديمقراطية فعلا لكل مواطنيها بقطع النظر عن اختلافاتهم الدينية و ليس دولة دينية قائمة على الشريعة كما يريدها الاسلاميون السنة المالكيون المتطرفون الذين يفضلون المؤمن على الملحد و المؤمن بدين سماوي على المؤمن بدين و ضعي و المسلم على اليهودي و المسيحسي و لكن يفضلون المسيحي على اليهودي كما يفضلون السني على الشيعي و المالكي على انصار المذاهب الأخرى ،الخ.
يدعي الاسلاميون "الوسطيون" أحيانا انهم سيعطون حرية المعتقد و التفكير للجميع و لكن عندما يطرح مشكل الارتداد عن الاسلام يتلعثمون أو يتراجعون لأن منهجهم الأصولي لا يقبل بذلك الا ظاهرا و من باب التدرج في تثبيت احكام الشريعة فيقولون مثلا "من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر" و "لكم دينكم و لي ديني" و "لا اكراه في الدين" ( قرآن) و لكن بما أنهم يعرفون ان ذلك كان في القرآن المكي الأول – عندما كانت الدعوة المحمدية ضعيفة قبل تأسيس الدولة في يثرب- و بما انهم يعرفون حد الردة و السور القرآنية القتالية المدينية اللاحقة (كسور الفتح و التوبة و غيرهما) يضيفون "على شرط ان لا يشرع الكافر في نشر أفكاره و افساد عقيدة المسلمين او يشرع المسيحي –مثلا- في التبشير بدينه الجديد " و ينسون ان المبادئ العالمية لحقوق الانسان تضمن حتى لغير المسلم بل و لغير المؤمن بأي دين تماما ما ورد في الفصل 19 من الاعلان العالمي القائل " لكل شخص اﳊق ﰲ حرية الرأي والتعبﲑ، ويشمل هذا اﳊق حرية اعتناق اﻵراء دون أي تدخل، واستقاء اﻷنباء واﻷفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد باﳊدوداﳉغرافية " و هذا يعني مثلا حرية المرتد عن الاسلام و اللاأدري و الملحد في تبني الرأي الذي يريده و التعبير عنه و ذلك بضمان حرية استقاء الأفكار و تلقيها و اذاعتها- نشرها – بكل الوسائل القانونية الممكنة و دون "التقيد بالحدود الجغرافية" بما يجعل هذا الحق عابرا للدولة نفسها خاصة في عالم اليوم المعولم تماما.
ان حركة النهضة تتناسى كل هذا عمدا و تكتفي بتجريم الاساءة الى المقدسات من منظور اسلامي سني ضيق مما يدل على اصوليتها و سلفيتها و ليس على تحولها المزعوم الى حزب ديمقراطي مدني يحترم منظومة حقوق الانسان الكونية.
-9-
ان مصدر هذه الازدواجية بين الخطابين الديمقراطي المدني و الأصولي السلفي هو كون الحركة تعرف نفسها على انها "حزب ذو مرجعية اسلامية" يريد ان يكون حزبا ديمقراطيا.ان هذا الأمر ليس مستحيلا في المطلق اذا نسبنا مسألة "المرجعية "هذه و لكن ما يجعل الأمر غير ممكن بالنسبة للحركات الاسلامية الأصولية على شاكلة النهضة التونسية هو بالتحديد ما يسمى "التصور الشمولي للاسلام" الوارد في البيان التأسيسي لحركة الاتجاه الاسلامي( انظر دراستنا في الحوار المتمدن: حركة النهضة التونسية:دراسة نقدية) بما يعني انها ترى في الاسلام دينا و دولة بل دينا و دنيا في نفس الوقت و ذلك حسب رأيهم على عكس المسيحية التي بها فصل بين الكنيسة والسلطة و المجتمع و بين" ماهو لله و ما هو للقيصر".
و اذا تم ربط هذا التصور الشمولي للاسلام بتقديس القرآن – الكتاب السماوي- و خاصة "السنة النبوية الشريفة" فانه يكاد يؤدي حتما الى تقديس كل من الاقتصاد و الاجتماع و السياسة و الثقافة بل والطبيعة – المسخرة من الله للانسان- الى جانب الماورائيات الدينية الاسلامية المتعالية.
ان اعتماد "التصور الشمولي للاسلام" يعني في الواقع عدم الفصل تماما – أو بالكاد- بين المقدس و الدنياوي لأن الاسلام وفق هذا التصور ، وخاصة السنة النبوية، يتدخل في كل شيء في الحياة البشرية من أبسط مسائل الأكل و الشرب و النوم الى العلاقة بالكون الفسيح الى درجة ان الاسلاميين لا يجدون سوى "حديث النخل" للاستدلال على "أمور الدنيا" عندما يروى عن الرسول عبارته الشهيرة " انتم أعلم بشؤون دنياكم" بعد فشله في نصح مزارعي النخيل مما اضطره الى التفريق بين ما يأتيهم من أمور الدين و ما يعرفونه أكثر منه في أمور الدنيا .
ان حركة النهضة حركة اسلامية سنية أصولية و سلفية و هي تحاول التأقلم مع العصر و مع المنطق الديمقراطي ولكن تكتيكيا و عبر ما يشبه مبدأ "التقية" الشيعي لكنها لا تستطيع لأنها لا تزال سجينة أصولها و تصوراتها عن "الفهم الشمولي للاسلام و بالتالي للمقدس الاسلامي نفسه.
فاذا كانت لا تزال تؤول حرفيا و ظاهريا آية " و ما فرطنا في الكتاب من شيء" و تتبنى تصورا تقليديا عن السنة النبوية فانها لن تستطيع التخلص من تقديس كل شيء تقريبا و بالتالي التضييق على مساحة الدنياوي الى أقصى الحدود. و لهذا السبب فان تجريمها "التعدي على المقدسات" قد يطال كل شيء بل ان دراسة المقدس الاسلامي علميا و التفكير فيه نقديا قد يصبحان هما الآخران أمرين شبه مستحيلين في ظل حكمها السائر باتجاه "دولة الشريعة الاسلامية".
-10-
يمكن اعتبار جريمة الاساءة الى المقدس، بالتالي، تكتيكا جزئيا مؤقتا للمرور لاحقا الى ما هو أكثر استبدادا .ان جريمة الاساءة الى المقدسات يفترض أيضا – كما قلنا سابقا- أن تنبني ديمقراطيا على الاعتراف الفعلي بالفصل الواضح بين المقدس و الدنياوي حتى نفرق بين الاساءة الى المقدس و بين دراسته العلمية و نقده من ناحية أولى و حتى نطلق حرية التعامل –المسؤول- مع الدنياوي نفسه و ذلك خارج اطار المعايير الدينية المقدسة عند شعب ما.
ان هذا يفترص بناء المجتمع و الدولة بمؤسساتهما المختلفة على أساس العلمنة المعتدلة التي تضمن احترام المقدسات و تطلق الحريات في نفس الوقت. لكن التصور الاسلامي الأصولي للنهضة و مثيلاتها يرفض العلمنة جملة و تفصيلا كما ورد في البيان التأسيسي لحركة النهضة و كما يوجد في كل وثائق الحركات الساسية الاسلامية.ان هذا التصور هو بالتالي غير قادر على الفصل بين المجالين لا نظريا بسبب "التصور الشمولي للاسلام" و لا عمليا بسبب الهدف السياسي النهائي المتمثل في تأسيس الدولة الاسلامية القائمة على الشريعة.
انه يكاد يقدس كل شيء مما يفتح الباب أمام الاستبداد السياسي المقدس باسم دولة الرسول و الخلافة و الاستغلال الاقتصادي المقدس باسم التجارة و خلق الله الناس درجات ليخدم بعضنا بعضا و جعل بعضنا لبعض "سخريا" – اي مسخرا في خدمة الغير- .كما يفتح هذا الباب أمام التمييز الاجتماعي المقدس باسم ان الله خلقنا درجات و فضل بعضنا على بعض ... وأمام الجهل الثقافي المقدس باسم احتواء الكتب المقدسة على أفضل المعارف الصالحة لكل زمان و مكان ...الى درجة التأسيس لاغتراب مقدس حتى عن الطبيعة بحكم النظرة الدينية المعارضة للنظرة العلمية الحديثة عن الطبيعة و التي لا تزال نظرة أرواحية و غائية ميتافيزيقية تماما موروثة عن مرحلة ماقبل العلم الحديث المادي – العلمي ( بقطع النظر عن الماديات الفلسفية المختلفة) و السببي (وليس الغائي) و التاريخي ( وليس الثبوتي الأزلي ولا حتى التطوري) ،الخ.
ان تطور المجتمعات حصل تحديدا ارتباطا بالشروع في الفصل العلماني بين مجالي المقدس و الدنياوي مما فتح الباب أمام فكرة احترام المقدس من ناحية و اطلاق كل الطاقات البشرية المبدعة و المجددة للعمل في مختلف الميادين الفرعية الناشئة مع تطور التقسيم الاجتماعي للعمل بحرية لا تسجنها الأطر السياسية الشمولية الملتحفة بالمقدس الديني و لكن المعرقلة للتقدم الانساني في كل هذه الميادين بما فيها مجال المقدس الديني ذاته.
-11-
بسبب رفض العلمنة تنتقل النظرة الاسلامية الأصولية في الواقع من ثنائية المقدس/الدنياوي الى ثنائية الحلال و الحرام الدينية و ما بينهما من بغيض ومكروه و مستحب و جائز ،الخ ،لأن هذه الثنائية هي التي تعتمدها العقيدة و الشريعة لتنظيم كل شئ وفق المنظور الاسلامي الأصولي.
لقد استغلت الدول الديمقراطية العلمانية (المسيحية) مثلا فكرة التفريق بين " ماهو لله و ماهو للقيصر" الموجودة في الانجيل في اصلاحاتها الدينية و السياسية لفك الارتباط بين الدولة و الكنيسة . كما استغلت الدول الديمقراطية الآسيوية ما يسميه ماكس فيبر "الديانات الطقوسية الأخلاقية" التي هي ليست ديانات يقينية و خلاصية و لاتبالغ بالتالي في تزمت عقيدي أو تشريعي مما جعلها تتصالح بسهولة أكثر مع واقع التقدم العلمي و الاقتصادي و الاجتماعي.
لكن الدين الاسلامي ، كما يراه الاسلاميون المتطرفون ( وليس عموم المسلمين ) يضع العقيدة و الشريعة في قطب رحى المقدس الديني و المجتمع بكامله في نفس الوقت . انه يصبح تبعا لذلك معرقلا للفصل بين المقدس و الدنياوي على الطريقة الديمقراطية العلمانية الحديثة رغم الاضطرار الى التأقلم الذي يمكن ان تعرفه أكثر القوى الدينية تصلبا و انغلاقا و لكن على أمل " العود الى الأصل" في المستقبل كوسيلة للخلاص الأرضي و الأخروي مع خصوصية مفاهيم الخلاص الاسلامية مقارنة باليهودية و المسيحية و غيرهما و هو ما لا يهمنا كثيرا في هذه الدراسة رغم أهميته.
لقد لخص جوليان فروند مثلا في كتابه "سوسيولوجيا ماكس فيبر"(مركز الانماء العربي-دون تلريخ) المسألة عندما أكد ان الديانات اليقينية الخلاصية تخلق بالضرورة توترات مع ستة من النشاطات الاجتماعية الأخرى هي على التوالي: الأطر و الطوائف الاجتماعية و النشاط الاقتصادي ثم السياسي و الفني و مع الجنسانية و مع المعرفة الفلسفية و العلمية. و نقول عرضا اننا نذكر ماكس فيبر لغايتين هنا :
الأولى اجرائية لتسهيل عرض الأفكار أما الثانية فهي علمية و تتمثل في مفارقة عربية غريبة في العلوم الاجتماعية و الانسانية تتمثل في ادعاء أعداء العلمانية العرب المسلمين انهم اقرب الى فيبر و ضد التصورات الوضعية و الماركسية و غيرها و خطأ العلمانيين العرب ( وخاصة اليساريين) الذين يتجاهلون فيبر عن جهل ظنا منهم انه يربط التقدم بضرورة وجود "أخلاق دينية " ملائمة للرأسمالية في حين ان فكره أعمق و أعقد من هذا بكثير لامجال الآن لتوضيحه.
ان سبب هذه التوترات يرجع من بين ما يرجع اليه بالأساس الى اليقين العقيدي و التزمت القانوني في الشريعة مما يجعل مفهوم المقدس اليقيني المتطرف يتصادم مع كل الأنشطة الجتماعية التي تنفصل و تتطور بمنأى عن الدين بفعل تحول المجتمع و حركة العلمنة التدريجية التي يعرفها و تطور مسار ما يسمى عملية "ازاحة السحر عن العالم" الذي يتضاعف بصفة مهولة مع الثورة العلمية و الصناعية.
يرد الاسلاميون عادة على مثل هذه المسائل بقولهم الجاهز "لا كنيسة في الاسلام" و بالتالي لا تعارض بينه و بين التقدم على عكس ما حصل في الغرب المسيحي .
و لكنهم –بل وحتى بعض العلمانيين العرب الشكلانيين- ينسون ان المسألة أعقد من وجود أو عدم و جود كنيسة .ان عدم و جود كنيسة في الاسلام قد يسهل مثلما قد يصعب التقدم حسب الظروف التاريخية الداخلية و العالمية المتوفرة.ان عدم و جود كنيسة قد يفسح الباب أمام الحاكم كي يكون هو نفسه القيصر وممثل الله في نفس الوقت و قد يكون وجود الكنيسة أرحم في بعض الظروف لأن الانفصال والتحالف أو الصراع بين الحاكم و رجل الدين قد يسهل التقدم بينما عدم وجودها يمكن الحاكم من احتكار السلطتين السياسية و الدينية في حكم شمولي تصعب زحزحته.
ان المسألة أعقد بكثير مما يتوهم البعض و التقدم ، بقطع النظر عن وجود كنيسة أو عدمه، مرهون بوجود و نمو القوى الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الامكانيات الطبيعية و الظرف الدولي السانح له و هو ليس مسألة جزئية ترتبط بشكل مأسسة التدين في مجتمع ما. هذا ما يعلمه ابن خلدون و ماركس و فيبر و دوركهايم و غيرهم و ان كان من زوايا نظر مختلفة و لحسن حظنا اليوم.
-12-
تلعب الحركة الاسلامية دورا سلبيا ليس بسبب الاسلام بصفة عامة، هكذا بوصفه جوهرا أو شيئا في ذاته، بل بسبب قراءتها الأصولية السلفية للاسلام اذ ان اسلام المواطن العادي او اسلام العلماء او حتى اسلام المتصوفة أمر آخر.
يعود أصل كل هذا الى المفهوم الاطلاقي للمقدس عند الاسلاميين الأصوليين . فبالنسبة اليهم ، في نهاية المطاف، المقدس الاسلامي هو المقدس الوحيد الأصيل و الصحيح. و بالتالي لا يهمهم لا تعدد المقدس - داخل المقدس الاسلامي- ولا اختلاف المقدسات بين معتنقي الأديان المختلفة ولا تحول المقدس عبر التاريخ. ونتيجة لذلك يبتلع المقدس الاسلامي المقدسات الأخرى أو ينفيها تماما ويفعل نفس الشيء مع مجالات الدنياوي.
ان التصور الاسلامي الأصولي عن المقدس يغلب ثناءية الحلال و الحرام الاسلامية على احترام المقدسات الأخرى و على فسح هامش الحرية لمجالات الأنشطة الاجتماعية الدنياوية حتى ان ثنائيات الصحيح و الخاطئ في العلم و النافع الناجع وضدهما في الاقتصاد و الخير و الشرير في الأخلاق و الجميل و القبيح في الفن و غيرها ، كلها يبتلعها و يخنقها ثنائي الحلال و الحرام الديني فتصبح كل المجالات الدنياوية خاضعة لتصور ضيق و متشدد عن المقدس الديني الذي يقدم نفسه على انه الحقيقة المطلقة و المنفعة المطلقة و الخير المطلق و الجمال المطلق .
ان الحركة الاسلامية بوصفها حركة محافظة تتحول بهذا الى حركة استبدادية شمولية تماما.
كيف تجسد التدرج نحوهذا في تونس في المرحلة الأخيرة؟
لو عدنا الى التوترات الستة التي تحدث بين المجال الديني و المجالات الأخرى لتذكرنا ما يلي:

أولا: في العلاقة بالهياكل و الطوائف الاجتماعية يمكن ملاحظة بدء حركة النهضة و الاسلاميين في العمل على اعادة صياغة جديدة للعائلة التونسية أولا و ذلك من خلال محاولة تطبيق ماسموه في مؤتمرهم التاسع "المناخ الأسري الشرعي" سواء على الأطفال ( رفض التبني و تعويضه بالكفالة ) او المرأة بتهديد حريتها . أما في العلاقة بالطوائف الدينية فان تونس عرفت محاولات اعتداء على كنيس شارع الحرية اليهودي بالعاصمة و على الشيعة التونسيين خاصة. ولكن الاسلاميين أدخلوا توترات أخرى مع مفهوم الوطن بارتباطهم القطري –السعودي – التركي و تغليب مفهوم الأمة الاسلامية على الوطني التونسي وارتباطهم الغربي الأمريكيعلى حساب الاطار القومي العربي كما ظهر أخيرا في الموقف من التدخل الأجنبي في سوريا خاصة.

ثانيا: اقتصاديا يظهر ذلك في نقطتين اساسيتين اولهما التركيز على تطور البنوك الاسلامية الى جانب البنوك القديمة و تضييق الخناق على قروض الاستهلاك الذاتي التي كانت البنوك تسمح بها كأنما لتحضير الأرضية للبنوك الاسلامية التي لاتعطي القرض لتلبية الحاجة بل تشتريها وتعيد بيعها للمواطن مع تحقيق الربح التجاري و هكدا بدأ موسم التجارة بالمقدس. وثاني هذه النقاط التصريحات الفضائحية التي صدرت عن ابي يعرب المرزوقي نائب في كتلة النهضة بالمجلس التأسيسي و مستشار الوزير الأول و ذلك على هامش مؤتمر النهضة الأخير عندما صرح " ان السياحة بغاء سري" مما أدى الى توترات مع اتحاد الشغل و مع نقابات الفندقيين .

ثالثا:سياسيا محاولة فرض الشريعة كمصدر أساسي للتشريع وفشلها المؤقت بفضل المعارضة و التساهل في الاعتداء على رموز الجمهورية وأهمها العلم الوطني و عدم الاحتفال تقريبا بعيد الجمهورية 25 جويلية في الوقت الذي شاركت فيه النهضة و حكومتها في الاحتفال بالعيد الوطني الأمريكي 04 جويلية و الفرنسي 14 جويلية و العمل على فرض النظام البرلماني الذي يسمح من ناحية بسيطرة النهضة على الحكومة و من ناحية ثانية بالتخلص من مؤسسة رئاسة الجمهورية تدريجيا - وهي رمز النظام الجمهوري الأول- الذي يتمنى الاسلاميون قلبه باتجاه نظام اسلامي مافي عصر "الخلافة السادسة" كما صرح بذلك الوزير الأول حمادي الجبالي و اضعاف مؤسسة الرئاسة و ذلك بتجاوز صلاحيات الرئيس مثلا في صفقة تسليم البغدادي المحمودي الى ليبيا و عند تعيين محافظ البنك المركزي الأخير هذا اضافة الى تشويه المعارضين السياسيين بالوسائل الأخلاقية (الشذوذ ، الخمر،الخ) و الدينية ( الالحاد والكفر) .

رابعا: فنيا الاعتداء على الفنانين ابتداءا بالسنمائي نوري بوزيد و مرورا بالرسامين في معرض العبدلية و منع المسرحي لطفي العبدلي من العرض في منزل بورقيبة و تهديد عروضه الأخرى و منع اعتلاء فرقة صوفية ايرانية الركح مع لطفي بوشناق في مهرجان الموسيقى الصوفية و الروحية بالقيروان و آخرها الاعتداء على الشاعر محمد الصغير اولاد أحمد .

خامسا : بدء الحملة ضد المرأة و حريتها بمحاولة تعويض عبارة التكامل بين الجنسين بدل المساواة بينهما في الدستور و القانون و التحرش بالنساء و خاصة الشابات غير المتحجبات و اتهامهن بتهم اخلاقية باطلة للضغط على النساء في لبس الحجاب و التساهل مع المنقبات و تعطيل دروس كلية منوبة لأشهر بسببهن و هذا ما أدى الى احتجاجات عنيفة من أنصار حرية المرأة خاصة في المسيرات التي وقعت في 13 أوت الماضي بمناسبة ذكرى اصدار مجلة الأحوال الشخصية التونسية.

سادسا: تشويه المفكرين و الباحثين و العلماء و البدء بمختصي الدراسات الاسلامية منهم مثل محمد الطالبي و عبد المجيد الشرفي و يوسف الصديق ورجاء بن سلامة و الفة يوسف و غيرهم.و كذلك البدء بتخريب التعليم العمومي بطرح التعليم الديني الزيتوني موازيا له .

هذا هو مسار التوترات منذ اعتلاء حركة النهضة الاسلامية سدة الحكم و ظهور السلفية و حزب التحرير الاسلامي .
ان الخيط الرابط بين كل هذه الأحداث هو تحديدا برنامج الاسلاميين المعلن و غير المعلن في تأسيس مجتمع شمولي بنظام استبدادي يبحث عن شرعية ضعيفة عبر استغلال المقدس الديني ليس فقط كرأسمال رمزي ثقافي بل كمصدر يساعد على مراكمة راس المال التجاري و البنكي و الاجتماعي و السياسي حسب تعبيرات بيار بورديو المشهورة.
و ماهي نتائج ذلك وسط وجود معارضة ديمقراطية و مدنية و نسوية قوية نسبيا ؟
النتيجة هي حلقات متكررة من العنف المعنوي و المادي و تبرير ذلك بالمقدس.
-13-
هكذا اذن تتطور الأحداث و يتطور العنف المقدس لتحقيق الاستبداد المقدس و ينفتح موسم تقديم القرابين على ما يبدو|( انظر مادة " الأضحية-القربان" في المعجمين السابقين).
لا يخفى على دارسي الأديان ان ظاهرة المقدس ارتبطت منذ بدايات التاريخ - في ما يسمى "الديانات البدائية"- بالعنف و بتقديم القرابين البشرية و الحيوانية و غيرها الى الأرواح و الآلهة و غيرها من مواضيع العبادة و التقديس.و مع الأسف يبدو ان العنف المسلط من قبل الحركات الاسلامية على المواطنين ،رجالا و نساء ، وعلى المفكرين و المبدعين و الناشطين السياسيين و النقابيين و الحقوقيين و غيرهم يواصل نفس التقليد البدائي القديم ابتغاء مرضاة الله و دخول الجنة وباسم المقدس الديني الاسلامي .
ومع الأسف أيضا يبدو ان اعداد ممارسي العنف تزداد و معها اعداد و أصناف القرابين لأن قسما من جيل من الشباب الفاقد لأي راسمال اقتصادي و ثقافي يسهل غسل دماغه و املاء جيبه بالمال الخليجي ليقوم بأي شيء .
انها نواقيس الحرب تقريبا ، حرب تبدو انتقامية في وجه من وجوهها، وقد تكون لذلك كارثية. انها انتقامية من قادة "الحرب المقدسة" السابقة التي مورست باسم الحداثة و العقلانية- وكلاهما براء منها- .
ان السلطة التونسية السابقة استغلت شعارات الحداثة و العقلانية و الاعتدال و التسامح للسيطرة و النهب و وقامت لأجل ذلك بكل اصناف التعذيب و التهجير و لم تؤسس سوى للخراب الذي ذهب بها و يكاد يعصف بالبلاد بكاملها الآن.
لكن بعض العقلانيين و الحداثيين ، تأثرا بالوضعية المتطرفة و المادية المتطرفة و بتجارب اللائكية المتطرفة الفرنسية و السوفياتية و الألبانية قد يصبون الزيت على النار دون وعي لأنهم لم يفهموا بعد ان العقلنة ليست بالضرورة العقلانية المتطرفة التي تقيم كل شيء وفقا لثنائية الصحيح و الخاطئ العلمية الأداتية.
كما لم يفهموا بعد ان العلمنة ليست بالضرورة العلمانية المتطرفة التي تقمع المؤمنين في حرية اعتقادهم و ممارسة شعائرهم و تتلذذ بتحويل دور عبادتهم الى متاحف و مدارس باسم العلم و التقدم هذا ان لم تهدم أو تحول الى سجون أو اصطبلات.
كما لم يفهموا ان الأنسنة لا تعني ان يصبح جميع البشر متشابهين كالقطيع بتعلة المساواة و بحثا عن جنة أرضية تعوض جنة السماء التي تبشر بها المقدسات الدينية كما عبر عن ذلك لينين ذات يوم وهو يناقش مسألة الالحاد و الانتماء الى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي عندما قال" ان الالحاد لا يجب أن يكون جزءا من برنامج الحزب , لأن الوحدة في النضال الثوري الذي تخوضه الطبقة المقهورة من أجل خلق فردوس على الأرض أهم بالنسبة لنا بكثير من وحدة الرأي البروليتاري حول الموقف من فكرة الفردوس في السماء. "( لينين _ الاشتراكية والدين 1905
و ياليت الاشتراكيين توقفوا عند الجزء الأول من الفقرة و تركوا الجزء الثاني الذي ،حتى و ان بدا بمثابة المجاز فانه، ارتبط في الأذهان برد فعل عنيف على المقدس الديني خاصة في البلدان الكاثوليكية( فرنسا) و الأرثوذكسية(روسيا) و من السهل انتقاله بحماسة أكبر الى البلدان الاسلامية.
ان الأنسنة ليست نزعة عقيدية خلاصية جديدة و اذا تحولت الى ذلك سوف تؤدي الى كوارث لا محالة مهما كانت النوايا الديمقراطية أو الاشتراكية أو الشيوعية حسنة.
ان العقلانيين و العلمانيين يفترض فيهم ان يكونوا اكثر الناس دفاعا عن حرية الاعتقاد و بالتالي اكثرهم احتراما للمقدسات و لكن لحرية دراستها ونقدها في نفس الوقت.انهم أكثر من يفترض فيه الدفاع عن المشروع الانساني الحديث الضامن للحقوق و الحريات للجميع دون ادنى تمييز لأي سبب من الأسباب بما في ذلك المعتقد الديني .
كما ان العقلانيين و العلمانيين العرب و المسلمين تحديدا عليهم مهمة شاقة جدا ، خاصة في الوضع الحالي ، ألا وهي الدفاع عن تصور جديد للعلمنة و العقلنة و الأنسنة في مجتمعاتنا يجعل منهم ورثة شرعيين لخيرة من أبدع في الثقافة العربية و الاسلامية و ما قبلهما في المنطقة.
نحن من علم البشرية الزراعة و الكتابة و نحن من أعاد اليها مشعل الفكر اليوناني الذي خبا نوره لقرون بعد تحالف الامبراطورية الرومانية مع الكنيسة المسيحية.
أجدادنا هم من صنع عصرا ذهبيا للثقافة و العلم و الأنسنة خاصة في العصر العباسي و لا يتوهم الاسلاميون ان ذلك من صنع سلفهم اذ تم الأمر بعد تحول الخلافة الى ملك اضطرأن يتعلمن شيئا فشيئا خدمة لمصالحه في حكم امبراطورية متنوعة "الملل و النحل" و عندما كان سلفهم يأتون على الأخضر و اليابس لخصه بعض النشطاء التونسيين في الشبكات الاجتماعية بنص تم تداوله كثيرا في المدة السابقة أضمنه في الفقرة التالية مضيفا عليه بعض الشئ :
باسم المقدس الديني قتل عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان و علي بن أبي طالب و عمر بن عبد العزيز.
و" باسم المقدس الديني قتل الطبري، وصلب الحلاج، وسجن المعري، وسفك دم أبن حيان، وأحرقت كتب الغزالي وابن رشد والأصفهاني، وكفّر الفارابي والرازي وابن سيناء وابن الفارض والكندي والغزالي، وذبح السهروردي وطبخت أوصال ابن المقفع في قدر، ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه بأبشع أنواع التعذيب، وذبح الجعد بن درهم وعلّق رأس (أحمد بن نصر) وداروا به في الأزقة، ومات لسان الدين بن الخطيب خنقا وأحرقت جثته."
و باسم المقدس الديني قتل علي محمود طه و فرج فودة و حسين مروة و مهدي عامل و علي شريعتي و علي الدشتي و غيرهم .
و باسمه كفر طه حسين و الطاهر الحداد و طعن نجيب محفوظ وهجر نصر حامد ابي زيد و حوكم مرسال خليفة ،الخ.
ويبقى السؤال: ما المقدّس ؟
و هل لهذا الجحيم من نهاية ؟



#بيرم_ناجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس : من أجل جبهة جمهورية ديمقراطية مدنية وتقدمية.
- حركة النهضة الاسلامية التونسية: دراسة نقدية.
- ضد التيار في تونس: قوة ثالثة جديدة صعبة و لكنها ممكنة ( رؤية ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...
- الاسلام و علوم الاجتماع : محاولة في الدفاع عن العلم ضد -المن ...


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بيرم ناجي - الاسلاميون و المقدس الديني:نقد الاستبداد المقدس ( تونس مثالا)