أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مازن صلاح الأمير - العلمانية في السودان : الطريق نحو الأنسنة-*















المزيد.....

العلمانية في السودان : الطريق نحو الأنسنة-*


مازن صلاح الأمير

الحوار المتمدن-العدد: 3833 - 2012 / 8 / 28 - 21:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


(نحن ننطلق من عُلوية الإنسان)
الخاتم عدلان

السودان الوطن المسكون بالنزيف و الظلام الذي يأتي بأحايين من الدهر لم يكن الإنسان فيها شيئا مذكورا ، يهتز دوماً كأشرعة تواجه رياحاً هوج و لا يمسكها من الإفلات من سياق التاريخ و محطات الكون إلا الأنواء الفكرية التي لا تشتد قدرتها إلا لماماً ، و بالرغم من العدائية التي تواجهها من قبل قوى التخلف و التقليدية تظل هي وحدها الرؤي الأكثر قابلية للتطبيق و التصديق العقلي و هذا ما يستدعي على الدوام مزيداً من التنظير بغرض إستجلاء الطريق نحو المستقبل الذي لن ندرك غده القريب و وطننا يئن تحت قعقعة المدافع و فوضى اللحى التي تسلقت إلى السلطة بليلٍ سرق فيه العسس ديمقراطيتنا،
هذه اللحى التي لم تبرح موقفها البدائي من الديمقراطية و المتخوف من الحداثة و المعادي للإنسانية ، و إن كان الضد بالضد يبرز فمن الطبيعي صعود الأصوات المطالبة بالعلمانية في السودانية و ذلك لسببين أولهما أن العلمانية أصبحت الخيار الموضوعي لضمان وحدة ما تبقى السودان و لتطوره و رفاهية شعبه و الأخر لأن السقوط المريع لكل المشاريع الدينية في السودان لم يدع أي خيار غير العلمانية و هذه الحتمية يجب عدم التعامل معها إلا بالأعين التي تكشف أضابيرها و تحلل أبعادها.
لقد ظل خطاب العلمنة و طوال تاريخ تسلله إلى الواقع المعرفي و السياسي في السودان مجابهاً بكم هائل من التحديات و التساؤلات في مدى أصالته و ضرورته في مجتمع مثل المجتمع السوداني و ماهي النتائج و الإيجابيات التي يستطيع تقديمها للفرد السوداني ، وهذا التساؤل ينفتح على تنظيرات و آليات لم تجرب بعد لتستقصى مدى فعاليتها في حفر هذا العمق العقلي المحاط بأسوار عالية من الأسطورة و الخرافة و الإيمان الوراثي من الصعب أو المستحيل إختراقها بخطاب هش و هذا ما يحتم علينا نحن - العلمانيين- أن نعيد النظر لأنفسنا و لأرضيتنا التي نقف عليها و مراجعة أساليبنا بكل صرامة نقدية .

وهذه المراجعة يجب أن تبدأ من تفكيك العقل السوداني وهز مسلماته و إستنطاق من أصمت الدين منه في سبيل دفعه للإنفتاح العلمي و المعرفي لرده من غربته الأخروية ، وهذا فيما أري لن يعجل منه إلا الدفع بخطاب الأنسنة في الواجهة المعرفية ليكون المحرك الأساسي هو جعل الإنسان غاية كل الغايات و مركز العالم و السبب الرئيسي للتواصل بين البشر و المجتمعات أي بإحلاله محل الله في العقل الجمعي ، و إن كان مثل هذه الأراء على حيويتها قد تواجه تعنتاً منقطع النظير من أشخاص يتضررون بشكل يومي و مباشر من محاولات إذلاله على حساب تدليل السماء و هذه الأمر مرده إلى عدة أمراض تفكيرية تصيب العقل البشري و تحد من أماله وتصوراته أولها السياجات الدوغماتيكية التي تضربها الأديان دفاعاً أو حماية لقدسيتها التي تضخم دائرة المستحيل التفكير فيه كما يسميه أركون ففضاء الأسئلة محدود جدا و خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمسائل التي يتلقاها الفرد عن طريق الإيمان الوراثي ، فمناطق المستحيل التفكير فيه خُلقت عن طريق المسائل المتاحة التفكير و ذلك لتبيان حدود المعقول من اللامعقول ليفرض سلطته على هذا النحو ، و من الوسائل التي تتبعها الأديان في بعض المرات بأن تصبغ بعض الأسئلة التي لا تستطيع الإجابة عليها بأنها طفولية و غبية حتى إن جاءت من طفل لأنها ببساطة لا تمتلك أجوبة منطقية وكافية فضرورة وجود إله على حد ذاته إن طرحت كتساؤل يغض الطرف عنها لأن السائل سيرمى على الفور بجريرة السذاجة و الإلحاد .

و أيضا من الأسباب التي تقف أمام خطاب الأنسنة هي نزعة الأرثوذكسية التي لا تعتقد بتعدد الطرق الموصلة للحقيقة و تستبعد كل أخر من الصراط المستقيم الذي تنتهجه و لوحدها و تحاول أن تطرح نفسها كحقيقة مطلقة و محاولة وضح أطر للتفكير و تحديد الحقول التي يجب عليه أن لا يبرحها و فيما يخص مسألة الأطر هذه تحضرني مقولة لكارل بوبر في كتابة (أسطورة الإطار) حيث يقول (إن السجون هي الأطر ،و أولئك الذين يمقتون السجون سوف يعارضون أسطورة الإطار) ، و هذا ما يجب إدانته بكل قوة لأن التهاون في مسائل مثل هذه تجعل من أنسنة الأديان ضربا من المستحيل ، الذي ستسفيد منه المجتمعات بإخماد صوت التطرف المتعالي و المتزايد ، أنسنة الدين ليست إيجابية للمجتمعات وحدها بل لأديان ذاتها التي ستكون مضطرة لمجابهة سؤال الحداثة و تجديد الذات تماشياً مع روح العصر ومتطلبات الإنسان .

و إن كانت النزعة الإنسية للأديان تبحث في أنسنة المنظومة الدينية كان لزاماً فرض ضوابط ذاتية لعملية الأنسنة تأنسن الفرد البشري في حدود سلوكه و هي ما يمكن تسميتها بالأنسنة الكونية (Universal Humanize) ، و الأنسنة الكونية ترتكز على شقين أساسين هما الأنسنة الفلسفية و التي تعمل على تصوير الإنسان كعقل مسؤول و مستقل و متواصل مع العقول الإنسانية الأخرى ، و الشق الآخر هو الأنسنة الإجتماعية و هي التي تشمل جميع أفراد الجنس البشري غض النظر عن جغرافيتهم و دينهم و عرقهم ، و تقوم الأنسنة الكونية لتعزيز مكانتها بإشاعة قيم التسامح و نبذ العنف المقدس و الدنيوي و تعزيز التواصل و الإنصهار بين الشعوب و القوميات و هذا ما يستحيل إيجاد مثال له في السودان على نطاق واسع ، أولاً لأن العنف المقدس هو أكثر بوابات الموت إنفتاحاً في السودان من حيث تديِن الحروب الأهلية و إخراج التنافس الفكري من صياغه التحاوري و إقحام القداسة فيه ، و أيضا لأن العنف الدنيوي في تزايد مستمر و مرد ذلك للوضع الإقتصادي المنهار كلياً ، أما ما يخص مسألة تواصل القوميات فالعزف على الوتر القبلي و محاولة إعلاء صوته لصالح التنافر الذي تستفيد من الدكتاتوريات بطريقة أو بأخرى للحفاظ على سلطاتها و هو ما يؤدي بالفعل دون إزدهار التعايش . ومن الأشياء التي يجب ملاحظتها هي مسألة أنسنة السياسة و هو محاولة ردها إلى شروطها الإجتماعية و التاريخية أي إبعاد ميتافيزيقيا التفكير و القداسة و مسوح التبرك من سوح المعترك السياسي ، فعلى سبيل المثال في أوروبا لم نعد تتحدث عن آلية إنتقال السلطة و لا عن مصادر التشريع المتعالية ، لأن النضج الذي تمر به التجربة السياسية في أوروبا هو نتاج نقد و تقييم التجربة البشرية مما حط بالضرورة من القوانين الإلهية التي تحاول إنتاج تعميمية خاوية لذا نجد أن كل من يدعم الخط التديني للسياسة لا يصنف القراءات التي تتم للنصوص الإلهية بحسب ثقلها الإبستمولوجي بل بمدى قربها من حقيقتهم الأحادية التي يرون أن كل الذي سبقها يؤدي لها و كل الذي يلحقها شارحاً لها ، لذا فمن الطبيعي أن يعتبر كل مجدد زنديق أو هرطوقي ، و إقحام القداسة في السياسة هي إحدى العوامل التي أقعدت السياسة عن نهضة فعلية فكلتا الديمقراطيات التي أعقبت الإنتفاضات الجماهيرية صعدت بالطائفية إلى سدة الحكم و التي من السهل تقييم تجربتها الديمقراطية آنذاك و وصمها بالفشل لكن من لوازم الحقيقة الإعتراف بأن ضعف قوى التقدم و إرتفاع نسبة الجهل هو الذي صعد بها لكن هذا لا يعفيها من المساءلة لإضاعة و هدر الإنتفاضات الجماهيرية بديمقراطيات كسيحة و غير مدعومة جماهيريا و يتبين ذلك من دعم الشارع للإنقلابات العسكرية سواء كانت مايو أو الحالية في وقت صعودها ، و فيما أعتقد أن هذه الديمقراطيات التي أنتجت سبب ضعفها هو عدم جدية القائمين عليها آنذاك و عدم الحساسية الديمقراطية في تنظيماتهم من ذلك الوقت و حتى هذا الزمن الحاضر بيننا ، و لا يمكن لأي من يريد الحديث عن ضرورة أنسنة السياسة أن لا يذكر التجربة الإسلامية القاسية التي تمر بها البلاد و التي أفضت لتقسيمها بعد حروبات في الجنوب و دارفور و غالبية أقاليم السودان أعطيت الصبغة الدينية مما ضمن لهم الدعم و السند من سفلة الدهماء ليصبحوا ضحايا لأوهام عرابيهم و يزيدوا من الحنق و الكراهية المتراكمة حول ما يعتنقون وهذا ما يجعل البعض يجهد نفسه في إيجاد تبريرات أو تربيئات للدين من ما يفعله الآخر ، ليقحم نفسه و الآخرين بغير وعي في صراع حول السلطة الدينية قد ينتهي بهدر الدماء فيما بينهم ، و هذا ما يعيدني لأول النقاط التي تحدثت عنها و هي ضرورة العلمنة لضمان وحدة السودان .



#مازن_صلاح_الأمير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مازن صلاح الأمير - العلمانية في السودان : الطريق نحو الأنسنة-*