أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد التهامي - العاهل والريشة دور النخبة المثقفة في مراحل التحول الديمقراطي: التفكير في مستقبل البلاد واستراتيجيا تصعيد الصراع الاجتماعي.















المزيد.....


العاهل والريشة دور النخبة المثقفة في مراحل التحول الديمقراطي: التفكير في مستقبل البلاد واستراتيجيا تصعيد الصراع الاجتماعي.


احمد التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 3833 - 2012 / 8 / 28 - 16:53
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


العاهــــــــــــــل والــــــــريشــــــــــــــة
دور النخبة المثقفة في مراحل التحول الديمقراطي:
التفكير في مستقبل البلاد واستراتيجيا تصعيد الصراع الاجتماعي.
بقلم: أحمد التهامي
الجــــــــــــــــــــزء الأول:
1. توطئة: لماذا الان؟!
في ذروة الانهماك اليومي المستعر رأيت الى اين قادنا الصمت الرهيب المطبق حول الافكار الكبرى التي كنا نظن انها تضمن حركة المجتمعات العربية في خروجها و الدامي من ربقة ديكتاتوريات العسكر على اختلاف مسمياتها و تنوع سيل ارتباطها بالقوى المجتمعية في الداخل ومجريات الصراعات الدولية في الخارج رأيت كيف تم تأجيل النقاش بدعوى حرارة المعركة العسكرية و نزف الدم ثم حين جاء النصر واحتفلنا به تحولت مطالب الديمقراطية والدولة المدنية والتعددية السياسية وحرية الاعلام واستقلال القضاء الى مكان جانبي هامشي و تصدر الصورة نقاش محتدم قاده سياسيون شبه عجز حموا على انفسهم بالموت البيولوجي قبل المعنوي حين اصروا بملء إراداتهم على اجترار ذكريات الماضي البعيد او بوعود الرخاء الاقتصادي المظنون والغامض او ذلك النقاش الذي حين يحتدم فانما يعبر بوضوح عن عقلية ضيقة ترى في القوانين و الورق المكتوب تعبيرا حيا عن إرادة المجتمع؛ عقلية الخياطين ( القانونيين) التي حين تفكر تشترط من تلقاء نفسها غياب الشعب أي غياب الارادة نفسها وهنا فقط ظهرت الحاجة الى تلك القوى القادرة وحدها على توليد الافكار الكبرى واستراتيجيات مقاربة الشأن العام دون عجز الماضي وضيق تفاصيل المواد ..هنا فقط ولد السؤال عن دور النخبة المثقفة في مراحل التحول الديمقراطي؟! فبالرغم من تخلق حالة اتزان اولى يعلن فيها الجميع من مختلف الاتجاهات والقوى عجزهم وقلة حيلتهم تجاه مسألة بناء الدولة (و الوهم فقط قد يسول لقوة ما انها قادرة على اخضاع بقية القوى) وانتشار حالة التفتت الشديد في كل التجمعات التي كانت تبدو سابقا ككتل متراصة متماسكة إلا أن سريان جملة من الافكار الكبرى التي تسمح للجميع بالمشاركة في لعبة سياسية علنية واضحة هو الشرط الكافي واللازم في ان لتقليل المدة الزمنية التي قد نستهلها في صراعات جانبية سوف تنتهي لاحقا بتكرار الاعتراف بالعجز ويتمثل الخطر الاكبر الذي يواجه عملية التحول نحو الديمقراطية في طبيعة الفئات الوسطى الميالة الى التشتت والى المحافظة على الفتات القليل الذي قد تحصل عليه والتي يسهل احيانا جرها الى صراعات فئوية ضيقة تلهيها لسنوات عن حقوقها ( كشرائح وفئات لا كأفراد) في الدولة و مؤسساتها ويتمثل اكثر في ضعف نقاباتها لغياب قيمة العمل يالذات فالمرتبات الحكومية ليست اكثر من مكاسب صدفوية قدرية اكثر منها عوائد انتاج حقيقي اذ مالذي ينتجه هذا البلد غير مخزون النفط؟! وهذا جزء من تفسير انتشار النزعات الدينية على اطلاقها في هذه الفئات و مع ذلك يظل هناك هامش صغير جدا من الضغط العام والمطالب الواسعة القادرة على اتاحة الفرصة لكل دور- وتبين اهمية الخطاب الثقافي في الحراك المجتمعي وبالذات خطاب النخبة- يعمل على توفير خيارات نظرية تعمل لمصلحة اوسع عدد ممكن من السكان او على الاقل انتاج خطاب يحذر من التنازل والتردد ويسرع استنتاج العبر والحكم لهذه الفئات.

2. انبثاق الدور:
لن أخوض في المفاضلة طويلة الأمد بين التعريفات المختلفة لكلمة ثقافة لأنها استنزاف عديم الجدوى للفكر وتكرار ممل لمشكلة مصطنعه لا فائدة عملية ترجى من ورائها... ذلك التزام أول لكنه لا يعفيني من الإشارة التفصيلية إلى الحقل المستهدف بهذه الدراسة من حيث الحدود العامة الخارجية له وإن كنت اعتقد انه لا يمكن تحديده بالتعريف فقط بل يحد بالإشارة إلى نقاط تمفصله مع الكثير من الحقول المجاورة له بل وأحيانا الداخلة في تركيبه ( 1 )ولكنني مع ذلك أعتبر مجموعات التعريفات التي تنظر إلى حقل الثقافة كحقل يتضمن كافة الأشكال المعنوية للحضارة البشرية أكبر من الحقل الذي أستهدهف بالنظر والفكر.( 2) ومن ناحية أخرى فإن كل التعريفات التي ترى حقل الثقافة متعلقا بدراسة أنماط إنتاج الادب الشعبي و والفن الترفيه والسينما والمسرح أقرب إلى مجال اهتمامي وألصق ( 3) مع اشتراط مبدئ وأساس هو أهمية معرفة أنني أركز بشكل شبه كامل في هذه الدراسة بالذات على اعتبار مجال تفضيلات الأفراد في المجتمع واتجاهاتهم عاملا ثابتا لا متغيرا وذلك ما يجعل منها بشكل أو بأخر دراسة تتعلق بالخطابات الثقافية المنتجة نفسها وبالقائمين بإنتاجها كما أن التعريفات الأساسية إجراءات برسم المعرف تتوقف عملا وحيادا على رغبة مقتطع العينة وحدود تعيينه للحقل الخارجي (4) من هذه الحدود الخارجية يمكن ان اشير إلى حقل أصغر بكثير من حقل الممارسات الخطابية المجتمعية واكبر بكثير من حقل الإنتاج الأدبي والفكري والفني وحتى العلمي تتنضم فيه بحكم الموقع التاريخي للبلاد مجموعة من المهن والانشطة منذ إنتاج الموسيقى ونشاط المسرح والدراما حتى المحاضرات العلمية وندوات النخبة مع إهمال مقصود لفرضية حاصل الجمع إذ الحقل الذي اعنيه يشمل كل هذه الأنشطة والمهن ولكن بشكل أخر يمارس عمليا دورا أوسع من حدود كل حقل فرعي فيه؟ وهو واقع على شيء من الخصوصية والغرابة في أن؛ فنمط الإنتاج الاقتصادي ومستوى تطوره لا يسمحان بحال من الأحوال و ربما لسنوات أخرى قادمة بالتمايز الشديد في المجالات والتخصصات والأنشطة ولا حتى بتقسيم العمل فيها فتجد المغني هو نفسه الكاتب والملحن والبطل الممثل هو نفسه كاتب ومخرج وربما لاحقا محاضرا في الشؤون العامة والسياسية !! فقانون دوران المهن والأنشطة وانفتاح مجالاتها واتساعها أو تقلصها وانحسارها مرهون وربما لسنوات قادمة وباشكال مختلفة مباشرة اة غير مباشرة لتوفر الربع الحكومي النفطي مع غياب لافت وظاهر لقيمة العمل - اذا ماجدوه العمل علي تكديس الثروة الوطنية اذا كانت اصلا موجودة في باطن الارض وتم سحبها بفعل الخبرات العالمية وان اوان تقاسمها بشكل او بأخر – ومع سقوط الدكتاتور وتحول الشارع والاعلام والكلام بشكل عام الي قوىضغط سياسيه ونقابية والحيوية الشديدة والحراك المجتمعي الظاهر اصبح من المؤكد اننا نمضي بسرعة تكاد تصيبنا بالإرهاق نحو استمرار نفس نمط التعامل الذي ارسته سنوات العقد الاخير من الحكم الديكتاتوري (5 ) مع توسيع اكيد وكبير لحدود الريع وحصة المثقفين فيه واندراس شبه اكيد لقيمة العمل .......وذلك يعني تكاثر لا محدود في عدد المؤسسات الثقافية وتباين في مهامها وازدياد في عدد العاملين فيها وهو تكاثر لا بد يوما من ان يؤدي مع الاستمرار وطول المدة الي نتائج مرغوبة من قبل الكثيرين من العاملين بالحقل وبالدرجة الاول فان اطراد هذه الالية دون توقف قد يؤدي الي استقلال تام للحقل واستغنائه اخيرا عن الحبل السري الذي يربطه بالحكومة وريعها النفطي ( 6 )و هنا تجدد الاشارة الي ان عكس هذا التوقع الي تراجع الدعم الحكومي عن الحقل الثقافي سيؤدي الي ولادة حقل يستغني عن الدعم الحكومي فعلا لكنه ايضا ضعيف ومشتت ومحصور جغرافيا في مراكز بعض المدن ويستغرق مدة اطول بكثير من الافتراض السابقة في تحقيق معدل تراكم رأسمالي يسمح بازدهاره وتطوره الذاتي (7 ) وان كان الافتراض الثاني برمته مستبعدا بالنسبة لي الا انه مثير للأهتمام وجدير بالملاحضة لانه يضع المساهمة الحكومية في ازدهار الحقل وتوسعة وانتشاره في حجمها الطبيعي ويسلب منها احساسها بتفوق لحضوي زائل....ويعيد توصيف ميزان القوى من جديد اذ الدعم الحكومي ليس اكثر من مرحلة مؤقتة سواء كانت توقعاتنا متفائلة او متشائمة حيال الاداء الثقافي للدولة الليبية!! ومن ناحية اخرى يكشف عن حدود القدرة الذاتية للحقل والعاملين فيه اللذين نجحوا في اكثر الظروف قساوة وخطرا في العمل والاستمرار بل والاجابة الجزئية علي اسئلة العصر وتحدياته وخدمة المجتمع (8) ومن هنا بالذات ومع اعمال المراجعة التاريخية لاحوال هذا الحقل يمكن القول ان الحوادث التاريخية دون اي تدخل ارادي او سياسي فعال بل وفي غيابه بالذات اخرجت وولدت الي حيز الوجود مفهوم الدور ... دور النخبة المثقفة واصبح الرهان اليوم مقتصرا لا علي برهان وجوده بل النظر في حدود القصوى ورسم الافاق الواسعة اماهم ليكتسح حواجزه ويحرر نفسه من اسر الصدفة والعمل التطوعي وتضامن القبيلة ! وينفتح علي المجتمع الواسع ولكن بحسابات دقيقة هذه المرة !!! وهذا بالذات ما نطمح الي المساهمة بجزء يسير في صنعه وهو لحسن الحظ متوقف علي ومرتبط بالجهد الفكري البشري ... ويعاني فيه الخطاب الثقافي في العام من اشكالية اختزاله في الشعارات وتلخيصه الشديد الي درجة تبعث علي التساؤل عن مبعث هذا الهزال؟ وهل يعقل ان تنتج نخبة مجتمع ما مجموعة من التهم السيارة والتهم المضادة فقط؟! كما انه وفي انعكاس الي لحالة خطاب الشؤن العامة للمجتمع والدولة ((خطاب النشطاء والسياسيين)) يستهلك الوقت والجهد في صراع اني ضيق الافق تبدو فيه اولوية توزيع المغانم متقدمة على المهام الاكثر ضرورية ونفعية للحقل بشكل عام.
اعتراضات ذرائعية مضادة للدور:.3
1-3- منطق العصر واتساع الحقل:-
هناك الكثير من مقولات الاعتراض على مفهوم الدور وابرزها و أكثرها اهمية وربما حتى اكثرها لمعانا خطاب الحداثة المفتعلة الضيق الافق ! ذلك الذي تبهره الاضواء الساطعة فيعجز للوهلة الاولى عن الإتيان باي فعل الا ممارسة الاندهاش والاعجاب واعلان العجز عن تصور ما هو خلف هذه الاضواء( 9) فالاعتقاد بان انفجار التقنيات وتعددها وتداخلها وترابطها وسهولة الاتصال الفردي والمجتمعي التي تحولت الي سيولة اتصال ادي في احدى نتائجه المباشرة الي اشراك عدد هائل من الافراد في النقاشات المجتمعية العامة وبالتالي فجر مفهوم النخبة الكلاسيكي وجعل من النخبة شيئا او كيانا واسعا مهلهلا هذا الاعتقاد صحيح في نصفه الاول فقط بالنسبة لي !! صحيح مقبول عندي في حدود توصيفه لاتساع حقل الممارسات الكلامية وانتشار التدوين في الشؤن العامة بشكل لا يحد ولا يحصر ولكن فيما يخص مسألة النخبة ودورها المحوري فأمر فيه نظر واعادة نظر !! بل فيه حاجه ماسة لتريث ومهله قد ينتج عنها انقلاب تام كامل في المفاهيم كما في الاعتقاد نفسه !!! فالتغير الكمي امر واقع لاراد له لكن معدلات انتاجه للتغيرات الكيفية تخضع لعوامل كثيرة اخر منها مرور الزمن الكافي وحجم التراث الفكري المتراكم والمختلف من بلد لاخر ذلك ان الاتصال العالمي امر واقع ولكن الاقتصاد العالمي خريطة متمايزة بشدة من حيث التطور والختلف الي حود البدائية مما يسمح لبعض البلدان باستهلاك معدات الاتصال دون ان تكون في قلب النشاط الاقتصاد العالمي وليبيا بالذات اكبر مثال علي هذا التناقض الصارخ (10) وبالتالي فان معدل انتاج خطاب ينجح في تجاوز المعضلات الرئيسية للحقل الثقافي المجتمعي العام لا يتساوق بالضرورة مع انتشار تقنيات الاتصال بل قد يتخلف عنها بمراحل كما ان الانتشار التفني ذاته يعيق من تلقاء وجوده احداث تراكم فكري و معرفي يكفل تجاوزا للظرف الاتي فالاتساع والانتشار يضمنا ن حدا اعلى من التشويش المنتظم علي كل رسالة وبالتالي علي مجمل الخطاب (11) بل يشترطان التكرار طويل الامد لملخصات سابقة تم انجاز اغلب مقولاتها ضمن العصر السابق لدخول التقنية (12) وهذا يعني ان انتاج الافكار الرئيسية للخطاب الثقافي العام وطرح الاستراتيجيات الرئيسية والقدرة علي تسويقها بحيث تتحول في زمن قصير الي اليات لانتاج النصوص (13) هي محصورة فقط في حيز قليل من الافراد المشاركين في عملية الاتصال وذلك طبعا يحدث في ظل الاعتراف والاقرار المؤكد ان تغيرا كيفيا قد نشأ وتمكن وربما حتى استقر ولا تبدو حتى الان بوادر التراجع عنه ... بل اتوقع تماشيا مع ذات القانون – تناميه وتكاثره وهو تعدد القيادات داخل هذا الوسط المفتوح وهو أمر يرتب تلقائيا انفصالا اوليا يعطي لمفهوم دور النخبة في عمليات التحول نحو الديموقراطية عمقه ومداه وربما الكثير من معناه!! اذ فيما يتباطأ معدل انتاج الافكار يتسارع معدل النتاج القيادات فتصبح المقولات لندرتها رأس حربة لأي مشروع يعتمده التأثير في المجتمع فلا حرب بدون أسلحة !! وهنا أهمية هذه الدراسة الى بين ايديكم اليوم.
3.2 الخبرة العالمية والحقل المحلي:
نحن لا نخترع شيئا من الصفر, ولا نولد أفكارا نبتدعها من عند أنفسها هذا أمر مؤكد نحن نحتاج الى ادماج خلاصة الخبرات العالمية في مجال ادارة الشؤون العامة في كل خطاباتنا التي تنتج حول مشكلاتنا وازماتنا وعمليات التحول التي نمر بها فما أكدته ثورات عام 2011م ان وهم تميزنا بقبول الديكتاتورية العسكرية قد زال ولكنه لم يزل فقط بمجرد احتكاكنا بخطابات الآخرين عن بعد بل بدمنا وجهدنا وعرقنا كمجتمع ... اذن لا يمكن ان ننتظر ان مجرد وجود الخبرة العالمية سيوفر علينا المعركة ضد وهم اخر(وهم آخر يظن ان خصوصيتنا تكن في قبولنا الديكتاتورية دينية) ضد وهم مشاريع الديكتاتوريات القادمة خاصة تلك التي ترتدي لبوس الدين وتشهره كسلاح يكفل تجميد حركتنا بل ان نعرف ان هزيمة مشاريع الديكتاتوريات الجنينية رهن ايضا بجهدنا ودمنا وعرقنا ..فالخبرة العالمية لا قيمة حقيقية لها ان لم يعد انتاجها محليا.. وقد توفرت امامنا لذلك فرصة كفيلة بترجيح أفكار التحديث والديموقراطية .... وهي فرصة المثال القريب و الحي في ذاكرة المجتمعات لمساوئ الدكتاتوريات العسكرية و إدعاءاتها الأيديولوجية التي ذهبت هباءً اذا لم تقم دكتاتوريه واحدة في العالم قديمه و حديثه إلا وقد مررت أمامها عروض زاهيه ولماعه لأهداف إنسانيه و نبيله أو إشترطت على مجتمعاتها القبول بخصوصيه ما ومفارقة العالم .. وفي ليبيا بالذات صنع نموذج فريد من نوعه فسقوط النظام و إنهياره كان كاملاً تاماً بل كان مؤكداً على المستوى النظري منذ اللحظات الأولى لإندلاع احداث فبراير 2011 م وذلك يعني ان الاستفاده التامة من الخبرات العالميه و الأقليميه لا تؤدي إلى تقليد اعمى لما فعله الآخرون بل أن هناك مسافة تناسب الوضع التاريخي و الاجتماعي لكل مجتمع على حده ... فقانون سقوط الدكتاتوريات عام لكنه تجلياته مختلفه من بلد لأخر ... ومن جملة الأوضاع الخاصة المؤقته ولد في ليبيا خلال فترة الحرب تعويل على وهم إستخدام القوه في إزالة النظام و تكبير لشأن العنف في عملية التحول الديمقراطي فظن جزءٌ من المشاركين في عمليات إسقاط النظام ان السقوط هو حدث مادي يتعلق بنتائج الحرب فقط و تناسوا العمل الشعبي الواسع الذي سبق إندلاع الحرب ورافقها ايضا... وهنا يظهر وجه آخر لأهمية دور النخبه المثقفه في المشاركه في عمليات التحول الديمقراطي بإنتاج خطاب يشرح بتبسيط و توسع في آن كيف سقط وهم القوه العسكرية مرة بعد أخرى خلال الفترة التي بدأت منذ 17 فبراير 2011 م وحتى 21 اكتوبر 2011 م و يفسر الأسباب الموضوعية التي تجعل المشاركين في الحلبه ( المقاتلين ) غير قادرين لوحدهم على إستنتاج خلاصات المعركة ذلك ان هذه النخبة بالذات تمثل دور مراقب مطلع مزود بالمعرفه اللازمة للحكم على الأحداث وتوقع نتائجها المستقبليه ... وهذا بحد ذاته يفرض آداءً كمياً طويل المدى و الإنتشار يحدث لاحقاً تفييراً أساسياً في مقولات مابعد الحرب في ليبيا ...
.العقبات و التحديات الخارجية:4
4.1: تركة حائرة و ثقيلة:
منذ العام 78م شرع النظام السابق في تكبير حجم جهاز الدولة الليبية حتى اصبح مع نهاية العام 87م رب العمل الوحيد في لييبيا تقريبا و دون ادنى منافسة وهو وضع استثنائي بكل المقاييس و كانت له وستكون لاحقا نتائج كارثية على البلاد و العباد ليس اولها انتفاء قيمة العمل وولاده مفهوم الغنيمة و الحصة و لايمكن مقارنة هذا العمل لكبر حجمه الاستثنائي لا بتجربة عبد الناصر الاشتراكية في مصر الستينيات و لا الفترة القصيرة الاشتراكية التونسية فكل هذه التجارب لم تحصل على هذا الكم الهائل للايراد النفطي الذي توفر فقط في ليبيا ومنذ بداية العام 88م و حتى لحظة سقوطه كان الخطاب العلني للنظام يعلن بوضوح انه يعان ازمة في التعامل مع هذا الجهاز و مع سقوطه اصبحت ازمة التعامل مع هذا الحوت الهائل المسمى (( دولة )) لوياثان مشكلة و ازمة ستعرفها و تكتوي بنار لوعتها كل حكومة قادمة مهما تظاهرت بالتمسك وعدم الاهتمام و مرد هذا التوقع القدري الهوى هو هو حجم التوقعات الشعبية المرتفعة حيال ما يمكن ان تقدمه الحكومات القادمة من حلول مالية و توظيفية تعاكس تماما الاعتراف بوجود ازمة بل لقد تقديم الاعتبارات الانية اللحظوية في سياسة ما بعد السقوط باعتماد استراتيجية في منتهي الخطورة و التكلفة الاقتصادية و هي إستراتيجية يمكن وضعها باللهجة الشعبية استراتيجيك ( اربط تلقى ما تحل) ومن التناقض الناشئ عن حجم المطالب الشعبية الواسعة والرغبة الجامحة لتحالف التجار وكبار الموظفين وممثلي قبائل المناطق غير الحضرية سترسم لاحقا حدود كل تحرك سياسي او مجتمعي في ليبيا القادمة لسنوات( 15 )

:غياب القوى الاجتماعية الحاضنة للدور :4.2
وهنا تتركك المصادر النظرية لقراءة مشروطة لقوى الواقع (16 ) فلابد ان تعتبر من ملاحظة الطابع الانتقالي للفئات الوسطى كما يجب ملاحظة إن إمكانيات تبني قيم عليا حضارية تتناسب و جريان العملية الديمقراطية و سيرها نحو التأكد و الترسخ ترتبط شرطا بوجود طبقة عاملة اذ بوجودها فقط تنشا رابطة شديدة التماسك بين مجموعات كبيره من السكان قائمة على ادراك واضح لاهمية قيمة العمل و احساس بمصلحة مشتركة في ضمان الحريات الواسعة الاساسية كحرية الاحزاب و الاعتصام و مختلف اشكال التعبير الحر و لايمكن لهكذا رابطة متماسكة ان تنشا في وجود اتساع لا محدود لشرائح الفئات الوسطى و لكن حتى الوصول الى تلك اللحظة المثالية التي ترتبط فيها قيم الحداثة و الديمقراطية بقوى عمالية واسعة وفاعلة لا مفر من ان تعمل النخبة المثقفة على التحالف مع قطاع واسع من الشرائح و الفئات الاجتماعية الباقية في اسفل سلم التدرج الاجتماعي المؤقت الذي افرزته دول الثمانينات في ليبيا و اقصد هنا شرائح صغار الموظفين و التقنين و سكان العشوائيات و الضواحي البعيدة عن مراكز المدن كما لابد لها من ربط صلة واسعة بالشرائح العمرية الشابة و المراة لقدرة هذين الشريحتين على التبني الشباب السريع لقيم الحداثة و الديمقراطية لكون الشباب اكثر انفتاحا و استعدادا للتغيير و النساء اقدر على تلمس نواحي الاضطهاد والظلم الناجمة عن هذا التوزيع المنظم للثروة باليات الفساد وذلك ما ينقلنا الى النقطة التالية في الدراسة .
نمط المقاربة : .5
لن اتوسع في شرح الاليات التي يجب اعتمادها ليصبح للنخبة دور في واضح في المراحل المقبلة من حياة المجتمع و الدولة في ليبيا و لكن يمكن الان الاشارة الى عنوان واضح لهذه المقاربة يشكل استثمارا هاما للمستقبل وهو تصعيد الصراع الاجتماعي الى اعلى مستوياته حدة لان اللحظة الراهنة في ليبيا لحظة فارقة و حاسمة و مؤسسة لما بعدها و هناك طريق واحد لضمان توفر معارف كافية عن طرق و اساليب الصراع الاجتماعي السلمي في البلاد من ناحية تكوين وعمل النقابات و الجمعيات المدافعة عن الحريات و الحقوق و أي انتكاسة او تراجع عن هذه الطريقة بدعوى المساهمة في بناء الدولة و حفظ الامن و الارواح و ما الى ذلك من الشعارات التي تروج لها كل حكومة جديدة لحظة استلام الحكم تعني التفريط في فرصة تاريخية تسمح للمجتمع اليوم بالتفاوض من موقع القوى مع الدولة الناشئة و تعني مزيدا من الوقت قبل تحول دور النخبة الى الفعالية و التاثير و ذلك طبعا اذ نجحت هذه النخبة في اجتياز عقباتها الداخلية الذاتية التي سنتعرض لها بالتفصيل في الجزء الثاني من هذه الدراسة .

الهوامش والاحالات:
1.ميشيل فوكو؛حفريات المعرفة؛ترجمة:سالم يفوت؛ط1؛المركز الثقافي؛ الدار البيضاء؛ المغرب؛1986م؛ص65.
2.مجموعة كتاب؛ نظرية الثقافة؛ ترجمة علي الصاوي؛ سلسلة عالم المعرفة؛ المجلس الوطني للثقافة؛ الكويت؛ 1997م.
3.باللغة الانجليزية- معجم اوكسفورد للمصطلحات الادبية؛ ص75.
Chris baladick ,the dictionary of literary terms, oxford university press ,new York,2008,pag:75.
4. توماس كون؛ بنية الثورات العلمية؛ ترجمة: شوقي جلال؛ سلسلة مكتبة الاسرة؛ القاهرة ؛مصر؛ 2003م ؛ ص82.
5. لقد كانت الممارسات الاقتصادية المؤدية الى كبر حجم جهاز الدولة واستخدامها في حل المشكلات الاجتماعية استمرار وتوسع لسياسة سابقة بدأت في الظهور منذ منتصف الستينات انظر:تاريخ ليبيا من نهاية القرن التاسع عشر وحتى عام1969م؛ن.إ . بروشين؛ ترجمة: عماد حاتم؛ ط2؛دار الكتاب الجديد؛ بيروت؛2001م؛ص408.
6.موجز تاريخ الفلسفة؛جماعة من الاساتذة السوفيات؛ترجمة:توفيق سلوم؛دار الفارابي بيروت؛1989م؛ص428.
7. منذ اواسط التسعينات و حتى اواسط العقد الاول من الالفية الجديدة ازدهرت في بنغازي حركة مسرحية مستقلة تماما عن القرار السياسي بل ربما تعرضت لتضييق وإزعاج الحكم لاكثر من مرة و في تصورنا ان السبب الرئيس في نموها وازدهارها هو بعد الموارد المالية للحكومة عن بنغازي وبالتالي عمل ابناء القطاع على تدبر امورهم في الحدود الدنيا للانتاج ثم التراكم والملاحظ ان هذه الحركة خفت بمجرد شروع الدولة في التعاقد مع النجوم الممقلين مظطرة غير مرتاحة.
8.كمثال حي على قدرة النخب على العمل خاصة الثقافي لا يمكن لاحد تجاهل النشاط المحموم الذي مرت به بنغازي في الفترة التي تلت 17 فبراير وسبقت تحرير العاصمة وضم مختلف الفعاليات من ندوات وانشا صحف وإذاعات و نقابات وجمعيات وحملات توعية الخ.. في وقت قصير جدا وبارقام مذهلة وفي ظل غياب واضح للمؤسسات الحكومية.
9. انسقت شخصيا لهذا المأزق في كتابات سابقة و دعوت و دافعت عن حيادية مزعومة تجاه السياسة واليوم اعدل هذا الموقف فالثقافة ليست تابعة للسياسة لكنها في حال استقلال نسبي يسمح لها بانجاز افق مستقبلي لكل حراك مجتمعي دون تورط شديد في الاني!.
10. ربما وجدت الكثير من الشبة بين الحالة التاريخية لروسيا القيصرية في بدايات القرن العشرين مقارنة بالمانيا و فرنسا والحالة الليبية 2011م مقارنة بمصر وتونس وعموما مابحث عنه ليس التشابهات بل الاختلافات في قلب كل تشابه!.
11.يمكن فهم التشويش الذي تحدثه وسائل الاتصال ذات الطابع التفاعلي الواسع مع انتشارها الكبير بمراجعة نموذج ياكبسون للاتصال وخاصة الجمع بين الوظيفةالانتباهية للخطاب المتولدة عن القناة المادية للاتصال والوظيفة المعجمية المتولدة عن اللغة كما يشرحها المسدي: انظر: عبدالسلام المسدي؛ الاسلوبية والاسلوب: نحو بديل السني في نقد الادب؛الدار العربية للكتاب؛ليبيا- تونس؛1977؛ص156. وكذلك انظر:سيزا قاسم و نصر حامد ابوزيد؛ أنظمة العلامات في اللغة والادب والثقافة: مدخل الى السيميوطيقا؛ دار الياس العصرية؛د.ت؛ص59.
12.المقصود هنا سنوات ماقبل العام 1999م في ليبيا أي قبل انتشار شبكة الانترنت بشكل واسع فيها.
13. انظمة العلامات في اللغة والادب والثقافة ؛ مصدر سابق؛ص302.
14 - استخدم هنا مصطلح مقولات ذي الخلفية الفلسفية الارسطية للاشارة الى افكار قد تولد فر دية و منعزلة لكنها ما تلبث ان تتحول الى ثيمات واسعة الانتشار تمارس بعد ذلك دورا في انتاج حتى نصوص الحديث اليومي في المجتمعات .
15- موجز تاريخ الفلسفة؛ مصدر سابق؛ص 457.
16- بوتومور؛ الطبقات في المجتمع الحديث؛ ترجمة جماعية؛ ط2؛دار الكتاب للتوزيع؛القاهرة؛ 1979؛ ص 33.



#احمد_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- في ذكرى 20 و23 مارس: لا نفسٌ جديد للنضال التحرري إلا بانخراط ...
- برسي کردني خ??کي کوردستان و س?رکوتي نا??زاي?تيي?کانيان، ماي? ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 28 مارس 2024
- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - احمد التهامي - العاهل والريشة دور النخبة المثقفة في مراحل التحول الديمقراطي: التفكير في مستقبل البلاد واستراتيجيا تصعيد الصراع الاجتماعي.