أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب مهدي - -في السوق القديم بين الريادة والقراءة الجديدة-















المزيد.....


-في السوق القديم بين الريادة والقراءة الجديدة-


زينب مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3832 - 2012 / 8 / 27 - 22:42
المحور: الادب والفن
    



البحث الفائز بالمرتبة الاولى ضمن مسابقة البحوث الادبية التي اجرتها جريدة بصرة BUSINESS


"في السوق القديم بين الريادة والقراءة الجديدة"

**دراسة فنية وم

إن أبعاد الريادة بدأت تتجلى بوضوح في شعر سنة1948 ومن هنا أولتها الدراسات الحديثة شرحاًوتحليلاً وتعقيباً وهالة الوصف التي تطالعنا في كتب النقد والدراسات الادبية كافية لمعرفة ماتميزبه السياب من جودة في الاسلوب والتصويروالموسيقى بعد تدفق تلك الاصوات المركبة والالوان التي امتزجت وكونت لونا مستحدثا تشابكت فيه الرومانسيه والرمزية والانطباعية وتلألأت الطبيعة الصافية في شعره الذي يطلقه على سجيته وقدرته على رصف الصور ولعل قول الدكتور علي جواد الطاهرخير دبرهان على ان شعر السياب حظي باهتمام كبير في تلك المرحلة فيقول الدكتور"ظاهرة حية وعلامة بارزة في الشعر العربي الحديث ولا نقاش في ذلك فقد اعترف به معاصروه ودارسوه ومن معجزته انه نال هذا الاعتراف على دائرة واسعة من الناس لايفترض بهم كثيرا ان يعترفوا له" لقد فتحت مثل هذه الاراء التي ادلى بها ادباء متظلعون امام دراسة قصائد السياب كلا على حدة لتلمس عناصر الابداع ولمعرفة الوسائل التي ساعدته على الظهور فوق مسرح الشعرالذي اظهره الى الحياة لتتلقفه ضمائرالجمهور ومن هنا اشتهرت قصائد كثيرة للسياب عدوا اول ما خرج منها على الشكل التقليدي (القصيدة الرائدة )وان كنت لاارى فيها ذاك الخروج الجرئ على التقليد ولا يخفى على احد ان قصائد السياب التي التصقت باسمه وتميزت بنفس ملحمي او اسطوري انتظاري او تلك التي تخفي ظلال الشيوعية لاتمثل كل طموح السياب على الرغم من روعتها وكفائتها فالسياب يبدوظامئافيها عقب كل زخة مطر يذخر بها العراق فالعامة من الناس بمجرد ان تسمع ا(لاسلحة والاطفال)او(مرحى غيلان )(انشودة المطر )(المومس العمياءومدينة بلا مطر غريب على الخليج )تتداعى معها معاني السياب الاخرى ،ولكي نكون اكثر عدالة علينا ان نعد قصيديتنا موضوع الدراسة بصاف القصائدالعظيمة التي تؤهلهاريادتها لتكون بهذه المرتبة ’ومع اننا لسنا بصددالمقارنة بين قصيدتي هل كان حبا وقصيدتنا موضوع الدراسة وثمة مبدأ يلح بالتنويه باشياء قد يجهلها القارئ عن قصيدة هل كان حبا لكي تكتمل الصورة عندهويكون المجال واسعا امامه للحكم فيما يراه تتكون قصيدة هل كان حبا من 28سطراشعريا لم يتجاوزالسياب فيها تفعيلات بحر الرمل في الكامل والمجزوء منه فأنت تجد القصيدة في الديوان مكتوبة بالشكل الاتي
هل تسمين الذي القى هياما؟
ام جنونا بالاماني أم غراما ؟
مايكون الحب نوحا وابتساما؟
وان كتبناها بطريقة الصدر والعجز الطريقة التقتيدية لما اعجزنا ذلك وهو يستخدم تفعيلات هذا البحر الراقص كما وردت كاملة من دون زحاف الا ماندر
هل تسممي/نل لذي ال/قى هياما ام جنونن / بالاماني/ ام غراما
فاعلاتن /فاعلاتن/فاعلاتن فاعلاتن /فاعلاتن /فاعلاتن

ثم يستخدم مجزوء الرمل بعد استخدامه اربع تفعيلات أي بزيادة تفعيلة واحدة على تفعيلات البحر الاصلية وكانه يحاول ان يوازن بين التفعيلات لتكون النتيجة في كل مرة ست تفعيلات سواء جمعت الثلاث الاولى مع الثلاث الثانية او جمع اربع تفعيلات يعقبها بتفعيلتين اثنتين و تكون النتيجة ست تفعيلات ايضا كقوله :

تتلاقى فيه يوما شفتانا
في خفوق والتهاب / تفعيلتان
وابتعاد شاع في افاقه ظل اقتراب / أربع تفعيلات

فصورها مباشرة وبسيطة ولا اقصد بالبساطة فقر البناء او اختلال النظم بل اتسامها بالوضوح والبيان فهي رومانسية بحتة تتخللها سمات اليأس والإحباط ومن المعروف ان الرومانسيين هروبيون ينسحبون من ملحمة الحياة اليومية ويلجئون الى جنان مفقودة ويضخمون عواطفهم كبديل للواقع المادي وربما كانت ( اخت
روحه )*قد نثرت بذور الاحباط في نفسه بعد ان اوقعته شراكها وبذلك فقد الامل وكانت حكما انفعاليا متسرعا كما كانت قصة الحب انفعالا مشابها لموضوع القصيدة ولا تكاد فكرتها تتجاوز ذات الشاعر التي تعاني من الجور رغم الحب الكبير الذي يمنحه في كل كلمة من كلمات القصيدة ويوحي العنوان بسؤال يضعه الشاعر 0ثم يجعل الثماني والعشرين سطرا (القصيدة) الجواب الذي يحدد طبيعة السؤال
ولعل مايؤكد هذا القول هي الاسئلة التي تنثال في القصيدة منذ بدايتها وحتى النهاية ‘وماذا يفعل المتاكد من طريقه بالسؤال فيقول:
هل يكون الحب اني
بت عبدا للتمني ؟ ثم يقول
أي ثغر مس هاتيك الشفاه؟ويعود ليسال ؟اهي حب كل هاتيك الاماني ؟ ويقول اهو شئ من هواها ياهواها ؟حتى يختتمها بسؤال باتت اجابته معروفة في ذهن السياب وهي ان كل ذلك لم يكن حبا فيقول اهو حب كل هذا خبريني ؟طبيعي ان القارئ الواعي قد لمح ان (المبدع )لم يحظى حتى بنظرة حب واحدة وبذلك يمكنه الاجابة عن سؤال امرئ يروق لكبرياء امراة مثل (اخت روحه)* ان تجعله اسيرهواها .
ولا تعدو النتيجة التي يخرج بهاالقارئ هذا المخطط
س هل كان حباً؟ القصيدة ج لالم يكن حباً
العنوان البيانات النهاية التي تخلص اليها القصيدة
ويبدو ان القصيدة الحديثة عندما انبثقت بداياتها الاولى في العراق كانت تعد الشكل هو الفارق الاساس بينها وبين القصيدة الملتزمة بالشكل العمودي المالوف وهذا على ما يبدوما فهمه السياب للوهلة الاولى ولكن حين فتحت فترة 46/48افاق التمييز والتناص وعملية التاثر وخلق قصيدة من فكرة معينة تبدو كومضة والشاعر الحاذق هو من لايترك الفرصه تفوت من امامه دون خلقها وإستغلالها الاستغلال الامثل وبما إن السياب حاذق جدا في تبني الافكار وبلورتها فالقصيدة التي تستحق لقب الريادة يجب ان تكون ثورة على الكلاسيكية في القوانين الصارمة التي تفرضهاعلى عملية الابداع الادبي كما انها ثورة على الرومانسية في انسياقها العاطفي وانشغالها بالهموم الفردية فهي مغروسة في القضايا القومية والانسانية ملتزمة بها لامنزوية في ابراج عاجية يهرب اليها الشاعر مستعليا عن الواقع هائم في عالم خاص به ومع ذلك فهي ليست خطبة سياسية او اجتماعية لانها رؤيا تعبر عن ذاتها بالصورة والرمز لابعبارة تقريرية منطقية وبعد فقد اتضح الى أي مدى انطبق ذلك القول على قصيدة (هل كان حبا ؟)ومن المنصف الان توضيح قصيدة (في السوق القديم )لمعرفة ما اذا كانت قد احتوت على رؤيا الحداثة ومن ثم استحقاقها الريادة او لا
كتب السياب هذه القصيدة بعد تخرجه من دار المعلمين وكان حينها قد عين مدرسا في ثانوية الرمادي ‘واستقر به الشعور ان تلك التي كانت يدعوها (المنتظرة )في اشعاره ماهي الا( لميعة )تلك الفتاة الصابئية التي احبها كمالم يحب من قبل ولكن التقاليد وقفت حائلابينهما كما قال في مقدمة قصيدة اساطير
وهو بين البعد عن جيكور ومد الشيوعية وجزرها وحبه للميعة وذكرياته القديمة وبين عيون السلطات انذاك ورائحة التخرج والعمل الجديد ونفسيته المظطربة ووضعه الاقتصادي الردئ يعلن لنا عن ولادة سيل من ما ساة روحه وربما هي ملحمة باكملها لايحبذ الفصل بين شكلها الذي خدم المضمون ومضمونها الذي صب في احد عشر مقطعا تداخلت فيهااكثف واكبر صور الحياة واجزم ان ذلك ينطبق على معظم قصائد السياب التي كتبت في 1948ان لم تكن كلها ولذا لن يكون نقادنا مخطئين ان طبقوا المنهج النفسي او التاريخي او الاجتماعي او حتى البنيوي على هذه القصيدة فهي غنية كتطبيق لدرس النقد واذاما حاولنا ادراجها ضمن الانساق البنائية للعمل الادبي فانها ستندرج تحت نسق الخلط الذي هو نسق هجين من كل الانواع الاخرى وقد يكون مبررا وجميلا في القصائد المقطعية لان المقطعية تفرض استقلالية معينة لكل مقطع اذ لاضير في اعتماد الشاعر نسقا معينابكل مقطوعة مما يوش قصيدته بالتالي بالنسق العام المهيمن الذي يمكن ان نطلق عليه بنسق الخلط
ويبدو ان العمل الادبي الذي تتنوع فيه الرؤى هو الذي اعطى بوضوح ابعادمقولة السيدة نازك الملائكة (اللاقاعدة في الادب هي القاعدة الذهبية )وهذا يجعلنا مطمئنين نقول ان قصيدة (في السوق القديم )قد تعددت فيها الرؤيا وتنوعت بفضاءاتها القراءات ومامحاولتناهذي الا قراءة جديدة للقصيدة
التحليل **** لعل الشئ الاول الذي يلحظه أي قارئ للقصيدة كتابتها بطريقة المقاطع stanzaحيث تركبت من احد عشر مقطعا انحصرت بؤرة النص الرئيسية فيها بالمقاطع الاخيرة (8ـ11)بينما شكلت البؤرة نواة القصيدة متفرعة منها الاسطر المتقدمة والمتاخرة ويطالعنا بالشكل اول ما يطالعنا المستويات التالية 1
1ـالمستوى الصوتي والموسيقي
2ـالمستوى التركيبي (النحوي والصرفي )
3ـالمستوى البلاغي
ففي المستوى الاول نجد ان القصيدة من بحر الكامل وتفعيلتها الاساسية (متفاعلن ) وهو من البحور الصافية التي تصلح لسرد الحوادث وقديما كان يوحي برزانة النص وبالنفس الملحمي وبهدوء وفتور ايضا خاصة وان (علة التذييل) وهي اضافة حرف ساكن بعد مدالى اخر التفعيلة يسم القصيدة بالتراخي والبطئ الموحيين بحزن دفين
فيقول : الليل والسوق القديم
خفتت به الاصوات الاغمغمات العابرين
وخطى الغريب وماتبث الريح من نغم حزين في ذلك الليل البهيم
ان انتهاء الاسطر جميعا باصوات انفية ذات وقع تنغيمي وكلها ساكنة توحي بخفوت الاصوات وتلاشيها كما انه استخدم حروف اللين بشكل ملفت للنظرفي المقطع الاول اذ يقول :
النور تعصره المصابيح الحزانى في شحوب
ولا ادعي ان كل مقطع يتفرد بقافية معينة فقد يكون هنالك حرف مهيمن على كل مقطع من مقاطعها وقد تشترك فيه المقاطع الاخرى كما هي الحال لحرف الباء الذي يسبقه حرف مد ساكن في المقطع الثاني فيقول :

كم طاف قبلي من غريب
في ذلك السوق الكئيب
فراى واغمض مقلتيه وغاب في الليل البهيم
ثم يعود في المقطع الثالث ليركز على نفس الصوت بعدما يكرر صوت اللام ويتبعه الراء ويبدو ان هذين الصوتين يمتازان بكيفية نطق خاصة لان اللسان ينحرف فيهما وهما بذلك يكونان بنفس المستوى من حيث الشدة والرخاوة فاي نسق هذا الذي استطاع به السياب التوفيق بين الاصوات ورسم تناسبا خاصا من تكرارها ففي الاسطر الخمس الاولى من المقطع الثالث يتكرر حرف الراء 10 مرات تباعا بينما يكون مجموع الضاد والظاء خمسة وحرف اللام خمسة ايضا الامر الذي قادنا الى تشكل نسبة من هذا الترتيب وان يكن غير مقصود ولكنه ينم عن مقياس غاية في الدقة وسليقة جبلت على رصف هدير الاصوات دون تكلف او اخفاق واذا ماعرفنا ان مخرج اللام والضادقديما هو نفس المخرج وان الضاد ـفي العصر الحالي تنطق ظاءا كما ذكرنا ان الراء واللام من الاصوات بين الشديدة والرخوة ستنتج لنا علاقات تشابك منسقة توحي لسامعها بنسق واحد واصوات منسجمة علما اننا استثنينا ما اقترن منها باللام الشمسية او القمرية فستكون وفق النسبة الاتية *****
10 (حرف ر) (10 حرف ر)
ـــــــــــــــــــــ = ــــــــــــــــــــــــــ
5(ظ+ض) 5 (ل)
كما ستقرا بالمقطوعة الاتية
وتناثرالضوء الضئيل على البضائع كالغبار
يرمي الظلام على الظلال كانها اللحن الرتيب
ويريق الوان المغيب الباردات على الجدار
بين الرفوف الرازحات كانها سحب المغيب
الكوب يحلم بالشراب وبالشفاه
ان تناسق وتناسب حروف هذه المقطوعه جعل من شاعرها موسيقيا بارعا لم يتمكن احد بوجه عام مجاراته كما لم تتمكن قصائد الريادة على النحو الخاص ان تلج هذه الجادة فشعراء الشعر الحر كما وصفتهم السيدة نازك شاعرة الحلم والرومانسية "يلعبون بالاوزان كما يلعب طفل غيرمسؤول بحزمة اوراق مالية عالية القيمة ،انه فرح بملمسها الناعم بخشخشة ورقها وبالوانها ورسومها ‘انه يكدسها ويدعكها ويبعثرها ويمزقها ثم يقف متفرجا منتشيا بما صنع غير متنبه الى ما بين يديه من ثروة "
كانت قضية القافية التي يقول عنها العقاد ((انها لم تـــكن قط قد عرفت في العصر الحديث قبل استفاضة العلم بالأداب الأوربية وأطلاع الشعراء على القصائد المطولة التي تصعب ترجمتها في قصيدة من قافية واحدة كما يصعب النظم في معناها مع وحدة البحر والقافية ))وهذا القول يوضح أن الشعراء قد ضاقوا ذرعاً بمسألة القافية الواحدة التي تحويها قصيدة طويلة فعمد بعضهم الى تغيير القافية للتخفيف من وطأة الرتابة مع الأبقاء على نفس البحر. ولا حظ كيف استعان السياب بالقوافي الداخلية التي لعبت دورا في جمالية الموسيقى وبالتالي استطاع ان لا يلتزم بقافية واحدة لكل stanza ) )مقطع اذ يقول:
ويريق الوان المغيب (الباردات)على الجدار
بين الرفوف (الرازحات )كانها سحب المغيب
2ـبالامس كان وكان ـثم خبا وانساه الملال
واليأس؛ حتى كيف يحلم (بالضياء)فلا حنين
يغشى دجاه ولااكتئاب ولا( بكاء) ولاانين
الصيف يحتضن (الشتاء )ويذهبان ....وما يزال
كالمنزل المهجور تعوي في جوانبه الرياح
اما تراكيبها فهي زاخرة بالتكرارالذي فاض بالايحاءات والتصويرمبتعدا عن الحشواوالاطناب فهو ليس ذلك التكرار المعيب بل نكاد نسمع قطرات الدم التي تسقط من خلالها الحياة وتنزل مع نزول كل قطرة دم كما ان طوبغرافية النص قد ساعدت كثيرا على منح القارئ هذا الشعور فيقول:
يخبو ،ويسطع...ثم يحتجب
دم ...يغمغم ...وهو يقطر ثم يقطر: مات ...مات
ثم يقول :مازال يخترق الحياة ,وكان عام بعد عام
يمضي، ووجهبعد وجه مثلما غاب الشراع بعدالشراع ــوكان
يحلم في سكون في سكون
بالصدر والفم والعيون
ان القارئ الواعي يعلم ان التكرار يكون لاغراض متعددة وما اجل من تكرار سورة الرحمن الذي جاء للاستفهام اذقال وقوله الحق جل وعلا"فباي الاء ربكما تكذبان "
ونستطيع الجزم ان التكرار اعلاه الذي ورد تباعا في القصيدة كان يوحي بافول الاشياء وتلاشيها وهو بذلك ينصب في نقطة واحدة رغم اختلاف المكان والزمن ضمن درج السياق كما ان تكرار لازمة معينة كجملة "انا من تريد "التي تكررت في المقطع السابع ثم يكررها في المقطع الثامن ثلاث مرات ويعود ليكررهافي المقطع الحادي عشر وهي في كل مرة تؤدي معنى مغايرا للمعنى الاخر ففي الاولى نجد رمز المراة التي يريد يحمل معنى الالوهية في بناء مخدعين منفصلين يجسد معنى العذرية الخالصة اذ يقول :
سالقاها هناك عند السراب
وسوف ابني مخدعين لنا هناك
قالت ورجع ماتبوح به الصدى "انا من تريد "
بينما وضحت الثانية الحب الحسي الذي ينشده عند الحبيبه رغم ضياعه فيقول :
انا من تريد فاين تمضي ،فيم تضرب في القفار
مثل الشريد ؟انا الحبيبة كنت منك على انتظار,
انا من تريد....وقبلتني ثم قالت والدموع في مقلتيها


بينما نجد لازمة (انا من تريد )في المقطع الاخير تاخذ بعدا آخر فيه رائحة عطف الام الداركة بحدسها خطرا محدقا بولدها وضحته (عيون الذئاب) بينما وضح تكرار اللازمة نفسها رمزين لمراتين تتشبث الاولى به لمنعه من الرحيل للثانية اذ يقول :
انا من تريد....فاين تمضي بين احداق الذئاب مستخدما اسلوب الحوار المباشر في الجواب فيقول :دعيني اسلك الدرب البعيد
حتى اراها في انتظاري
ومثل براعته في التكرار نجح في دمج الاخير باسلوب التقديم والتاخير لاسباب فنية وابراز اكبر قدر من الاهمية للمعنى القريب البعيد اذ يقول :اناـ ايها النائي القريب ـ
لك وحدك ,غير اني لن اكو ن ,لك وحدك
وبصورة عامة فان القصيدة مقطعات لوحدة موضوعية تموج بتراكيب الاشتقاق وتعج باساليب النفي المساقة لعدم الرضا سواء نفيا ظاهريا او ضمنيا ثم انتقاله الموفق لاساليب التاكيدالمربوطة بحروف العطف التي وشت مقطوعته الاخيرة بكثرة الهموم وتزاحمها واجتماع النوائب وترابطها فيقول :
ليس احداق الذئاب
اقسى علي من الشموع في ليلة العرس التي تترقبين
ولاالظلام والريح والاشباح اقسى منك انت او الانام
اما في المستوى البلاغي فقد احتشدت قصيدة (في السوق القديم )بالاساليب البلاغية المختلفة واول ما يطالعنا في هذا الباب مسالة الاطناب التي هاجمها الاستاذ ايليا الحاوي ود.احسان عباس وزاوية نظري لاتلتقي مع استاذيي الفاضلين في كون المقاطع الثمانية الاولى هي عبارة عن رصف الواح من الخشب واستغراق زائد في الحلم او تداع غير ناجح ولكني اعتقد ان اللغة ليست زادا معرفيا بقدر ماهي افق واسع من الوصف فكيف اذا كانت لدنيا سوق عربية (عراقية قديمة )وهي (في الوعي الجمعي العربي )تختلف عنه في الاداب الاخرى ومن هنا كانت مسألة تناول الوصف مسألة حتمية ان لم تكن ضرورية والشاعر الناجح هو الذي يستطيع الربط بين كل اشياء السوق الرازحة فوق رفوف البائعين وبين افكارنفسه التي تضيئها القصيدة بتشبيه ضمني غريب فالاكواب ظماى كروحه تحلم بالشفاه والمصابيح منطفئة والمناديل عرضت لتومئ بالوداع وتشرب الدمع الثقيل والعطور مضاعة كفكره الهائم وهناك الاريكة الغارقة بالظلال والشموع المباعة لمنزل مهجور ودخان وغمغمات العابرين واصداء لعبارات الدرابك الدارجة يظلله حزن الغريب وارى ان المقاطع الثمان الاولى ماهي الا بداية ناجحة لخدمة ماتبقى من المقاطع وبالتالي سيعول عليها الامر الاهم الا تر نجاح قصيدة عبد الوهاب البياتي (في سوق القرية )اذ حذا فيها حذو الاولى في رصف الصور اذيقول :
الشمس والحمر الهزيلة والذباب
وحذاءجندي قديم
يتداول الايدي وفلاح يحدق في الفراغ
في مطلع العام الجديد
يداي تمتلئان حتما بالنقود
وساشتري هذا الحذاء
وصياح ديك فر من قفص,وقديس صغير .
بلاغيا نقول (شاخ النهار)اذا صار وقت الليل وما شيخوخة النهار الا دلالة لمرور وقت طويل عليه وبدهشة الترابط العجيب نلاحظ حرف العطف بين الكلمتين فالسوق قديمة والليل شيخ كبير واشتراكهما بنفس الزمن يعطيك احساس بتوحد الاشياء
كما ان لغة الشعر (المجاز)تسحر الاشياء فالغبار هو الذي يتناثر لاالضوء فتلمس السحر في ذلك حتى توحي كلمة الرتابة بالملل فيقول :
وتناثر الضوء الضئيل على البضائع كالغبار
يرمي الظلال على الظلال كأنها اللحن الرتيب
ثم ترزح الرفوف وفي (اساس البلاغة)بعير رازح إذا القى بنفسه من الاعياء وقيل هو الشديد الهزال وبه حراك وهذا كله يوحد الجو النفسي الذي نراه عاملا مهما في انجاح القصيدة ألا تر ان شوقي قد عيب عليه وصفه قصور اسوان الغارقة في الطوفان بانها عذارى تسبح في الماء
وفيها يحلق الخيال بعيدا وتسوق صورها للمتلقي تاملات عدة اذ يبدو السراج تعبا من السهر ثم اطفئه الصباح والحقيقة ان الصباح بنوره ابطل مفعول السراج وبذلك تشكلت صورة المجاز المرسل ذي الغلاقة السببية فالصباح سبب جعل السراج ينطفئ لانتفاء الفائدة وللامانة فقصيدتنا موضوع الدرس لازالت تزخر بتداعيات اخرى قد تكون وجهة نظري المتواضعة قصرت في ابرازها وربما تجدون قراءات جديدة تؤهلها لمصاف القصائد الرائدة ولكم الراي ايضا

* (لقب اطلقه السياب على فتاة ثرية تعرف اليها في السنة الدراسية الثانية في معهد المعلمين ويبدو انها كانت غير جادة في هذا الحب فتزوجت برجل ثري )
************************************************************************ بقلم زينب مهدي
المصادر والمراجع
1ـ بدر شاكر السياب /ديوان ازهار ذابلة
/ديوان ازهار واساطير
2ـ جعفر صادق حموي /معجم الشعراء العراقيين /ط/91
3ـ د.حسام النعيمي الدراسات اللهجية والصوتية عند ابن جني
4ـ ريتا عوض/اعلام الشعرالعربي الحديث
5ـ عبد الدايم الشوا /في الادب المقارن دراسة تطبيقية بين الادبين العربي والانكليزي / جامعة الجزائر
6ـ عبد الوهاب البياتي /اباريق مهشمة
7ـ عيسى الناعوري /نحو نقدادبي معاصر
8ـ د.فهد محسن الفرحان /الشعر الحديث في البصلرة من عام 46ـ94رسالة دكتوراه
مجموعة محاضرات في النقدالادبي/98
9ـ نازك الملائكة /قضايا الشعر المعاصر
10ـ وفيق خنسة / دراسات في الشعر الحديث
الدوريات *********************
1ـ الاقلام /ع/5
2ـ الاقلام /ع/ 9
3ـ آفاق عربية /ع/3/4



#زينب_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- يتصدر السينما السعودية.. موعد عرض فيلم شباب البومب 2024 وتصر ...
- -مفاعل ديمونا تعرض لإصابة-..-معاريف- تقدم رواية جديدة للهجوم ...
- منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - زينب مهدي - -في السوق القديم بين الريادة والقراءة الجديدة-