أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - جهاد الطائش















المزيد.....

جهاد الطائش


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3828 - 2012 / 8 / 23 - 22:38
المحور: سيرة ذاتية
    


أنا طائش فوق سنين العمر كالخشب الطائش فوق مياه البحر,تأخذه الأمواج بعيدا ثم تقربه قريبا ثم تحمله التيارات إلى أبعد مدى ثم يتحكم فيه موج البحر ومده,وأنا أفكاري جعلت مني رجلا طائشا تأخذه الأحلام بعيدا ثم يعود به الواقع إلى الأرض التي لا يوجد فيها ماءٌ أو مطر.. كل شيء خسرته, عمري ومالي وشبابي وأنا أركض هنا وهناك أطارد السراب وأوهامي الكثيرة,ولستُ أدري بما أعنون مقالتي هذه وبما أسمي نفسي؟هل أسمي نفسي جهاد الطائش! أم أسمي نفسي جهاد الذي لا تعوض خسارته! أشعرُ بهذا منذ سنةٍ على الأقل ولكني أُخفي مشاعري كأي إنسانٍ غامض لكي لا يشمت بي أحدٌ من الناس وخصوصا أقرب المقربين مني,وأنا مستمرٌ في خسارتي التي تتلاحق تباعا واحدة تلوى الأخرى حتى أني لم أكسب الأصدقاء فكلهم هجروني وكلهم تركوني وحدي على قارعة الطريق بسبب طيشي الكبير والكثير فأنا حتى اليوم لا أعرف لي وطناً أو بيتا أستقرُ تحت سقفه من مياه المطر وحرارة الشمس, طيشي قتلني ودمر حياتي إلى الأبد وأهملتُ نفسي كثيرا فلم أنتبه إلى أنني كبرت وتقدمت في العمر كنت أظن بأنني ما زلت شابا قويا ولكن الأيام أثبتت لي بأنني ما زلت طائشا وبأن خسارتي بسبب طيشي لا يمكن أن تُعوض,وخسارة المال من الممكن أن تُعوض لأن المال يأتي بأي لحظة ويذهب بأي لحظة ولكن صدقوني أنا ما أخسره كل يوم لا يعود مطلقا ولا يمكن تعويضه ولا حتى بالذهب الأسود فمن ذهب شبابه لا يمكن أن يسترده مرة أخرى والسنة التي تمضي من العمر لا يمكن أن تعود,وكل شيء قد احترق الأخضر منه واليابس وحتى المصنوع من الفولاذ المقوى والمصنوع ضد البرودة وضد الحرارة وأكوامٌ من الأوراق والتلال التي تكومت حولي من كثرة ما كتبته من أوراق والسر الخطير وكلمة السر التي احتفظت بها وحدي كل هذا تحول إلى كابوس والكابوس تحول إلى حقيقة والحقيقة تحولت إلى سلعة تجارية فكل الناس من بعدي سوف تكسب النقود الكثيرة وهم يبيعون قصصي وكتبي وأوراقي بالمزاد العلني ,إنها يا صديقتي بداية القصة وليست نهايتها.

وكم حاولتُ أن أبدأ حياتي من جديد وأن أنسى طيشي وهذياني وفضولي المعرفي ومغامراتي الفكرية ولكنني كنت أفشل في كل مرة لأن ما تعلقتُ به من كتبٍ ومن أوراق أصبح جزء من حياتي مثله مثل الدماء التي تمشي في عروقي ومثل الخلايا التي تنبتُ في شحمي ولحمي وعظمي وكل كياني ,وكم قلت لنفس :يا رجل دع الخلق للخالق,ولكن نفسي لم تكن تستجب لنصيحتي وكنتُ وما زلتُ أستمر بطيشي, وكم قلت لنفسي:يا ولد أقعد واهدأ ولا تهلك نفسك وجسمك وأعصابك فيما لا يضرُ ولا ينفع, وكم قلت لنفسي: استرح يا رجل من كثرة القراءة والكتابة,وكم قالت لي أمي: أتمنى أن أشاهدك يوما لا تقرأ فيه ولا تكتب..يا رجل توقف عن طيشك وانتبه لنفسك قليلا وعلى الأقل قم من مكانك واحلق ذقنك أنت منذ عشرة أيام لم تحلق وجهك ولم يمس الماء جسدك ,كنتُ وما زلتُ لا أستمع لنصائح أحد وخصوصا نصائح أمي التي تراني مبعثرا هنا وهناك ,ومع ذلك غامرت بعمري وبشبابي وركبت رأسي وعنادي وتقلدت سيفي المصنوع من الخشب والأوهام وهددت به الكثير رغم أني لا أجرؤ على قتل صوصٍ أو دجاجةٍ أو حتى حشرة صغيرة, لقد كنت وما زلت كلما رأيتُ في منزلي حشرة صغيرة أنادي أمي أو زوجتي لتقتلها أو لتفعل فيها ما تراه مناسبا وأمي تقول لي:مالك ليش ما قتلتها شو ؟ إنت مش زلمه؟ فأقول بلا أنا رجل ولكني لا أخاف منها بل أخاف عليها وأعتبر هذه الحشرة مثلي طائشة تحب طيش الشباب والمراهقة وأخاف بأن تتعلم يدي على القتل وبأن يتعلم قلبي على منظر الدماء وهي تسيل,وأن أكون إنسانا طائشا أفضل عندي من أن أكون إنسانا مجرما وقاتلا ومحبا لسفك الدماء إن رقة مشاعري ورقة أحاسيسي قد جعلت مني رجلا لا يجرؤ على أي شيء وتاجرت بمشاعري وبقلبي الرقيق لكي أجد يوما من يشتريهما مني ولكني خسرت كل شيء وخسارتي لا يمكن أن تعوض,وقلبي الذي يخفق دائما وباستمرار, وعيوني التي تمطر في كل مرة أضع فيها رأسي على وسادتي المصنوعة من أحلام السنين والتي تتطاير أمامي كالرماد,والاحمرار الذي لا يفارق بياض عيوني, ورئتي التي تستنشق الهواء بصعوبة بالغة في أغلب الأوقات وعمري الذي عشته وأنا بين المطرقة وبين السنديان,والهدية التي كنتُ أنتظرها من السماء وخوفي على كلماتي أن تضيع في غمرة التكنولوجيا والتطور كل ذلك خسرته للأبد وكل ذلك أضعته وللأبد رغم أني كنتُ أحرص طوال العمر على أن لا أخسر منه شيئا وعلى أن لا يفوتني منه شيئا,كنتُ حريصا على طيشي,والسباق الذي دخلته مع الزمن والأساطير التي صنعتها من أفكاري والقصص القصيرة والمقالات الطويلة وعنفوان السنين والأيام كلها في نهاية المطاف رمتني في عالم لا أعرف عنه شيئا,آهٍ مني كم أنا طائش وكم أنا أضحوكة للناس وكم أنا رجلٌ طائش لم يبلغ بعد سن الرشد والبلوغ العقلي ,والمركبة الفضائية التي صنعتها من الورق المقوى والسفن الصغيرة التي صنعتها من الأوراق الخفيفة الوزن والقصر الكبير الذي بنيته على رأس دبوس صغير والمرجوحة التي ربطتها بين شجيرات الزيتون كل هذا فقدته في لحظة ضعفٍ مني, ومشواري الطويل ورحلتي الطويلة وكل جهودي وكل ما أملكه من مكونات عاطفية وأحلامي الكبيرة والصغيرة كل ذلك اعتبره قد ذهب في مهب الريح, إن خسارتي لا تعوض وكلماتي لا يمكن أن أعيدها بسرعة وما نطقت به عن الهوى أو عن غير الهوى كل ذلك خسرته في رمشة عين, والسكين التي تسافر في خاصرتي كل مساءٍ وكل صباح والصراخ الذي أصرخه بأعلى صوتي من شدة الحزن والألم لا يمكن أن يسمعه أحدٌ غيري والصبر الطويل على الجراح المريرة والطويلة وطعم المرارة في فمي وطعم الدُفلى وضميري الذي يؤنبني على أتفه الأخطاء التي ارتكبتها في حياتي ورحلة الذهاب إلى المجهول والعودة من المجهول دون أن أعرف عنهما شيئا كل ذلك خسرته وللأبد وخسارتي لا تعوض لا بالمال ولا بأكوام الذهب,وكل تصرفاتي جعلت مني إنسانا طائشا أو مراهقا ما زال يتشبث بأفكار الطفولة, وشبابي الذي أضعته بين الكتب وبين الأوراق وبين عجاج السنين وعجاج المطر فأين شبابي اليوم؟ومن أخذه مني ومن سرق ربيع العمر ومن الذي أحرق كل مراكبي وأنا ما زلتُ في منتصف المحيط!! والتاريخ الذي دخلته بكل ما أملكه من أعصاب قوية كل ذلك خسرته فلم تعد أعصابي قوية كما كانت من ذي قبل ولم أعد قويا أو فتيا كسابق عهدي أصارع الأيام وطواحين الهواء وأقتلُ الليل والوقت والكتاب جاثيا على صدري,أنا فعلا ما زلتُ طائشا,واللوحة الزيتية التي رسمتها بكلماتي لرفيقة العمر,يا لها من لوحةٍ فنيةٍ رائعة لم أر مثلها ولم أعرف فنانا أو شاعرا أو كاتبا أو كذابا رسم لحبيبته مثلها والكلمات الشاعرية التي كتبتها لها مرة بأحرفٍ من ذهب ومرة أخرى بأحرف من دمي القاني,والحصان الذي خلقته من خيالي وخطفتها عليه تحت ضوء القمر الخافت وروحي التي تلعب في جسدي وتقفزُ أمامي كطائر الحجل فوق جبال قريتي الكبيرة وزجاجة العطر التي ابتعتها لها ودفعت ثمنها من عرق جبيني وزجاجة النبيذ التي ما زلتُ أخبئها لها لكي أشربها معها حين يتحول الحلم إلى حقيقة والحقيقة إلى واقع والواقع إلى قصة خرافية أو بازارٍ خيري ورحلةُ الموت للوصول إليها بلا رجعة والثياب التي طرزتها لها,والتنورة القصيرة والبنطال الجينز اللذان صنعتهما من وحي الكلمات كل هذا خسرته وللأبد مع السهم الطائش الذي انطلق من عيونها ليقتلني.

قصتي عجيبة وحكايتي ظريفة ما زالت تقول لي بأنني ما زلت رجلا طائشا لم تهدأ نفسه بعد وسيستعجبُ منها العظماء وسيضحك عليها طلاب المدارس,والمد الأخير الذي امتد في داخلي ليعصرني كحبة زيتونٍ أو كحبة ليمونٍ أصفر,والحياة الطويلة التي عشتها بمرارة بالغة والذكريات الأليمة والمسارات الطويلة والأيدي الخفية والسماء التي هبطتُ منها إلى الأرض وسحب الدخان التي خرجت من فمي وأنا أقرأ وأكتبُ وأُفكرُ كل هذا كنت أنتظر ثماره بأن يعود عليّ ولكنني خسرتُ كل شيء ولم يعد عندي ما أخسره.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شخصية محمد اليتيم
- القانون المدني أفضل من الدين
- أسباب الطلاق في الإسلام ليست منطقية
- لماذا لم يأتِ جبريل بالنسخة الأصلية من الإنجيل؟
- تعليم المسلمة على الرقص
- فضل المسيحيين على المسلمين
- أزمة الإنسان العربي المسلم
- سيدة فاضلة
- الجهل قابل للزيادة
- الأخلاق الإسلامية بين القوة والضعف
- ثلاثة شروطٍ للتغيير وخمسةُ شروطٍ للثورة
- الإسلام يعذب المرأة نفسيا
- قصة معراج وكالة ناسا
- كيف كنا وكيف أصبحنا
- خادم السيدين
- الإسلام نظرة من الأفق
- عائلة آل برونتي الشهيرة في الأدب
- لماذا لم يقاتل عمر بن الخطاب في معارك الرسول؟
- بين المرأة والبيئة
- الثقافة المنزلية


المزيد.....




- أضرار البنية التحتية وأزمة الغذاء.. أرقام صادمة من غزة
- بلينكن يكشف نسبة صادمة حول معاناة سكان غزة من انعدام الأمن ا ...
- الخارجية الفلسطينية: إسرائيل بدأت تدمير رفح ولم تنتظر إذنا م ...
- تقرير: الجيش الإسرائيلي يشكل فريقا خاصا لتحديد مواقع الأنفاق ...
- باشينيان يحذر من حرب قد تبدأ في غضون أسبوع
- ماسك يسخر من بوينغ!
- تعليقات من مصر على فوز بوتين
- 5 أشخاص و5 مفاتيح .. أين اختفى كنز أفغانستان الأسطوري؟
- أمام حشد في أوروبا.. سيدة أوكرانية تفسر لماذا كان بوتين على ...
- صناع مسلسل مصري يعتذرون بعد اتهامهم بالسخرية من آلام الفلسطي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جهاد علاونه - جهاد الطائش