أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - (( الدين )) الفطرة و الحاجة















المزيد.....


(( الدين )) الفطرة و الحاجة


سلمان مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 3827 - 2012 / 8 / 22 - 21:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ان ابسط تعريف للدين : بانه مجموعة من المعتقدات التي يعتقد بها الفرد ، و المتعلقة بالكون و العالم و الحياة ، وحتى و بالفرد ذاته ، و ان تلك المعتقدات انما هي تاتي عن مصدرين : الاول / العامل الخارجي ، و الذي يتمثل بالافكار و الطقوس و المعتقدات بشكليها المعنوي و المادي و بالرموز و الاشياء التي يتم تقبلها من الخارج عن طريق ( النبي ) او ( الرسول ) ان كان دينا سماويا ، او من قبل اشخاص كالفلاسفة او المصلحين او السحرة او المدعين ، ان كان دينا ارضيا ( اي دينا بدائيا او وثنيا ) و هناك عاملان يجعلان الفرد يتقبل هذه الاديان ، الاول / يتمثل ( بالفطرة ) و الثاني ( الحاجة ) ، فالفطرة هي حالة داخلية ، يجد الفرد نفسه تميل نحو شئ ما ، كان ماديا او معنويا ، دون ان يدرك بشكل واضح سبب هذا الميل ، بل يجد نفسه مندفعا نحو هذا الشئ بمجرد ظهوره ، او علامات ظهوره ، وان لم يظهر ، فانك تجده مشتتا و مبعثرا في حياته ، وخاصة الروحية كانه التائه الذي يبحث عن ضالته ، و قد تظهر هذه المظاهر من خلال هواجسه و احلامه الليلية . اما العامل الثاني / الذي يجعل الفرد يتقبل ( الدين ) هو الحاجة ، مادية او معنوية وهي اقرب الى المفهوم الطبيعي او الاقتصادي للحاجة ، فالحاجة (( هي كل شئ يرغب الفرد في الحصول عليه ، بصرف النظر عما اذا كان هذا الشئ ضارا او نافعا ، ممنوعا او مسموحا به من النواحي كافة ، و الحاجة هي اسا سا حالة نفسية ، يشعر الفرد بموجبها ميلا نحو شئ ما ، من اجل القضاء على الاحساس بالالم )) ، و بالعودة الى ( الفطرة ) كعامل من عوامل بحث الفرد او تقبله للدين لابد ان يكون هناك فعل حيوي يكمن داخل كيان الفرد ، يجعله يتقبل الاشياء ، واني اجد ان العقل هو مكمن لتلك الفطرة التي تعمل على تقبل شئ ما ، لانها تتعلق بالعاطفة ، و العاطفة جزء من العقل ، وليس التعقل بالرغم من ان التعقل هو حصيلة فعل العقل ، لان عملية التعقل ليست متطابقة في جميع العقول ، والا لوجدنا عملية التعقل ( اي موقف العقل من موضوع ما ) ستكون متطابقة في جميع عقول البشر . و الدين حتى يكون حالة فطرية لابد ان يلبي شيئا او اشياء معينة في كيان الفرد ، وما الفطرة الا تلك الوسيلة لتحقيق ذلك الشئ ، وقد يكون ذلك الشئ هو الخوف ، و الخوف يتولد عن المجهول ، ولكن ليس كل مجهول يستدعي الخوف ، فهناك مجهول يمكن ادراكه من خلال التصور ، مع انه ليس كل شئ قابل للتصور ، حتى لو تم بالعقل ، ف ( الله ) سبحانه و تعالى ، نحن ندركه بالعقل ، و لكننا غير قادرين على تصوره ( اي تحديد صورة او هيئة له ) مع ان بعض الفرق و الاديان يتصورون ان ( لله ) هيئة صورية ، ومنهم المجسمة و المشبه ، وهؤلاء موجودون في بعض الاديان ، وحتى السماوية منها ــ و اني من الذين لا يعتقدون بذلك ــ لانه ( ليس كمثله شئ ) و قد يظهر هذا الموقف ( اعني التجسيم و التشبيه ) باجلى صوره في الاديان الارضية غير السماوية ، و التي تعمل على تجسيد من يعتقدون بالوهيته ، بصنم او وثن . ومع ان الخوف جزء من فطرة الانسان ، الاانه ليس المسؤول عن الشعور بضرورة الدين ، و الا كيف بقت الحاجة الى الدين ، بعد ان تشتت مخاوف الانسان من الظواهر الطبيعية التي كانت تثير مخاوف الانسان قديما ، و كانت سببا لظهور معتقدات دينية ، كعبادة الشمس و القمر .... وغيرها ، حيث اصبحت الان تمثل متعة له ، تستحق ان يصرف المال و الجهد و الوقت للتمتع بها ، كثوران البراكين و الزلازل و هيجان البحار و الاعاصير و التقرب من الكواكب البعيدة و النزول على القمر و اخيرا انزال مركبة على سطح المريخ لترسل من هناك صور لما يحيط به ومنها الارض . و الفطرة لابد ان تلبي حاجة حقيقية ، والا ما هي ضرورتها ، وهل ان الفطرة شئ افتراضي ؟ ان الفطرة حقيقة موضوعية ، والا لاصبح الانسان هو هو متطابقا مع اي انسان اخر ، و لضاعت حقيقة التنوع ، الذي يعد ابرز سمات الحياة ، وحتى تكون الفطرة الدينية حالة موضوعية ، لابد ان تكون قابلة للانتقال خلال الاجيال ، ومن شخص الى اخر ، هنا يتبادر السؤال التالي ، هل للوراثة دخل في ذلك ؟ و ما هو الوسط الذي تمر عبره الخصائص الوراثية ؟ ام هناك شئ اخر ؟ قد يساعد على هذا الانتقال ، وان وجد هذا الشئ ، فلا بد ان يكون موجودا في كيان كل البشر على حد سواء ، اليس بالامكان ان يكون ( الماء ) هو الوسط الناقل لتلك الفطرة ، لان المعتقدات الدينية ترى بالماء اساسا لوجود الحياة ، كما جاء في القران الكريم (( .. وجعلنا من الماء كل شئ حي .. )) اية (30 ) من سورة الانبياء ، وحتى العلم ــ مؤخرا ــ يبحث في فرضية ، بان الماء يمتلك خاصية نقل خصائص الاشياء التي يمر بها ، او تمر به كالاحداث و المشاعر ، سلبية كانت ام ايجابية ( يرجى الرجوع الى موضوع سابق في الحوار المتمدن بعنوان ــ الماء و طبائع البشر ــ ) حيث يشار فيه الى احتمالية ان يكون للماء قدرة على نقل خصائص الاحداث و الاشياء و الاحداث و الافكار و المشاعر ، التي عايشها او عايشته ، اذن الايمكن ان ( الله ) سبحانه وتعالى وهو خالق ( الماء ) بان يجعل منه رسالة للبشر و لسائر المخلوقات الاخرى ، التي يكون الماء اعلى نسبة من تركيبها البايولوجي ، لكي يتاثروا بمن اوجده و اوجدهم ففي الايتين ( 16 و 17 ) من سورة ( الجن ) المباركة ، و الواردة في القران الكريم ، قد تلمح فيهما اشارة لدور الماء في حدوث ردود فعل عند الانسان ، فهو قد يكون ( فتنة ) و اليك الايتين : (( وآ لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا )) (16) (( لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا )) (17) ، انه مجرد افتراض . و من مظاهر التعبير عن الفطرة ، حالة ( التفلسف ) التي خلقت مع الانسان ، من خلال و ظيفة ( العقل ) و المتمثلة بالتساؤل و السؤال عن الكون المحيط بذلك السائل ( الانسان ) و من اوجده ، وما يثبت هذه الفطرة ( فطرة التفلسف او التسآؤل ، ما ورد في القرآن الكريم عندما بدآ النبي ابراهيم (ع) ــ قبل معرفته بالله سبحانه و تعالى ــ و بمعنى القرآن : يقلب وجهه في السماء ، باحثا عن من يستحق العبادة ، كآن يكون القمر او الشمس او اي كوكب اخر ، ولكن افولهما الذي يعبر عن العجز و الاحتياج و النقصان ، جعله ينفر منها جميعا ، حتى استدل عن ما يبحث عنه ، بعد ان اطمآن قلبه ، بآن جاء باربعة من الطير فصرهن اليه ، ثم دعاهن فجاءته سعيا . اما ان يكون الدين حاجة ، اولا / ما هي الحاجة ، غير كونها مطالب جسدية و روحية و نفسية ، تحتاج الى ان تطمآن ، فان من خصائصها ــ حسب المفهوم الاقتصادي ــ انها متعددة و انها قابلة للاشباع و انها متجددة ، هل يعني هذا ان كل خاصية من تلك الخواص ــ حتى تلبى ــ ان يكون لها ( دين ) خاص بها ؟ ان كان هذا حاصل ، عندها ستتعدد الاديان بعدد هذه الحاجات ــ ان ذلك موجود فعلا بالنسبة للاديان الوثنية ــ فهناك اله للحرب و اله للحب و اله للجمال و اله للمطر .... الى غير ذلك ، و ان كان كذلك ، فهل سيتم الاستغناء عن ( الدين ) او الالهة ، ام يتآجل دورها الى حين تجدد تلك الحاجات ــ باعتبار انها متجددة ــ وهذا الاحتمال غير وارد البتة ، وخاصة بالنسبة للاديان السماوية ، لانها باقية على عكس الديانات الوثنية ، فكان البدوي قبل الاسلام يآكل الالهة المصنوعة من التمر ــ عندما يجوع ــ على ان يصنع له اله اخر ليكون جاهزا لوجبة اخرى ، و كذلك بني اسرائيل ايضا طلبوا من نبيهم القثاء و الفوم و البصل ، مفضليها على ( المن و السلوى ) الذي هو الاعلى ، على الادنى الذي طلبوه ، او ان تكون الحاجة للولد ، كما جاء في القران الكريم ، عندما طلب ( زكريا ـ ع ـ ) ان يكون له ولد ، كذلك ( ابراهيم ـ ع ـ ) الذي بشر بالولد ، فكان ( اسماعيل و اسحاق و يعقوب ) ، او طلبه بان يكون ذلك البلد امنا بالارزاق و الطيبات ، مع ان ذلك البلد ليس بذي زرع ، وكان طلب الماء بين ( الصفا و المروة ) معاناة و مشقة ، كل تلك مطالب و بشارات ، لاشك ان للدين دور في تحققها ، حيث يمثل ضرورة لها ، وان هذا لايقتصر على المطالب ، او ما تحدث النفس به ، كرغبةاو حاجة بل يصل الامر الى القبول بالتخلي عن ما يقع في النفس كموقع القلب من الجسد ،فهذا ( نوح ـ ع ـ ) يتخلى عن ولده ، ليغمره الموج ، لانه اصبح ليس من اهله ، او استجابة ( ابراهيم ـ ع ـ ) لرؤيا يجد نفسه فيها وهو يذبح و لده ( اسماعيل ـ ع ـ ) ، او ان تكون الحاجة لمائدة ، كما طلب ( عيسى ـ ع ـ ) من ربه ان ينزلها ، استجابة لطلب تلاميذه لكي تكون له و لحواريه عيدا . ان كل هذه المطالب و الحاجات و البشارات التي طلبها انبياء الله ــ وبعد تحققها ــ ما زادهم الا تمسكا بدين الله ، الذي يؤمنون به ، اذن المطلبين ، الفطرة و الحاجة يكمل احداهما الاخرى ، وليس ذلك فقط بل انهما وجدا سوية مع وجود الخلق ، ولو لم تكن هاتان منسجمتان ، او تكمل احداهما الاخرى لما استقر قوام الانسان على حال واحدة في مواقفه من ( الدين ) ، ولو كانتا ( اي الفطرة و الحاجة ) مستقلة الواحدة عن الاخرى في ضرورة ( الدين ) لاصبح هناك اديان متعددة ، بعدد تلك الحاجات ، ولاصبح الصراع بين الاديان على اشده ــ مع ان الصراع حاصل فعلا بين الاديان القائمة ــ الا اني ارى ان هذا الصراع القائم حاليا ، ليس بين اصل او جوهر الاديان ، و خاصة السماوية ــ لان جوهرها واحد ــ بل الصراع قائم على المصالح غير الدينية ، و انما على المصالح الدنيوية ، من سياسة و اقتصاد ، مغلفة بلبوس ( الدين ) ، منها مثلا في عصرنا الحالي ، منطلقات الحركة الصهيونية في صراعها مع الاخرين ، كذلك توجه الادارة الامريكية في عهد ( بوش الابن ) ، و قديما الحروب الصليبية ، التي تمثل ذروة الصراع بين الشرق و الغرب ، ذا المظهر الديني ، الذي يضمر الاغراض السياسية و الاقتصادية ، اضافة الى كل ما تقدم ، هناك من يرفض الدين ممن لا دين لهم ، و اجد من يدعي هذا ما هو الا تعبير عن حالة من حالات ( الانفصام ) الفكري ، الذي يتجسد بشكلين : الاول / يتمثل ب ( النفاق ) الذي يظهر صاحبه ما لا غير يبطنه ، او يبطن ما لا يظهره ، وان هذا النوع من البشر قد تم توصيفه في القران الكريم بكل وضوح ، و حتى ان هذا يظهر في الحياة العملية ، من خلال التعامل اليومي بين البشر ، في السياسة و الاقتصاد و الاجتماع . و النموذج الثاني / يتمثل بفقدان الحالتين ( الفطرة و الحاجة ) مما يجعل شخصياتهم و كياناتهم الاجتماعية و النفسية و الطبيعية ، و كانها تنتمي الى نوع اخر من البشر ، بعاداتهم و تقاليدهم و سلوكهم ، الذي يعد خروجا على المآلوف ، مبررين ذلك بانه تجديد ، مع انه يعتبر نكوصا عن ذلك التراكم الحضاري ، في جانبيه الاخلاقي و الاجتماعي ، الذي ناضلت البشرية على مدى تاريخها ، من اجل تآصيل الاخلاق و القيم السامية ، التي توحد البشر بالوانهم المختلفة ، فتجعلهم نسيجا متجانسا ، يرنو الى ( الله ) بعين الحب و السلام ، لا ان تصبح البشرية شكلا هندسيا ، بزوايا حادة متباعدة بين اسوار و قلاع الحديد و الصلب ، مستنشقا ما تنفثه قاذفات القنابل النفاثة من عوادمها ، دخان اسود يزكم الانوف ، و مقتاتا على المعلبات المشبعة بالمواد الحافظة ، و المسببة بنشر السراطانات بانواعها و خاصة لدى الاطفال الصغار ، و من المباركين لهذه الصورة ( الشوهاء ) كالذين يدعون الى عبادة الشيطان ، او بعض الجماعات الغريبة التي قد يصل الحال بها ــ احيانا ــ الى تنظيم عمليات الانتحار الجماعي ، كما تم الكشف عنه في امريكا قبل اكثر من عقد من الزمن ، و لا شك ان هذا الامر قد يحدث مجددا ، ما دامت القيم الاخلاقية ذاتها . فالذين يدعون بان ( الدين ) لا يمثل ( فطرة و حاجة ) ، دعواهم هذه تمثل الدليل العقلي على عكس ما يدعون ، لانه فلسفيا يمكن القول : (( ان العجز عن تصور حقيقة الشئ الذي قام الدليل العقلي على وجوده ، لا ينافي الاعتقاد بوجوده )) . و الدين كحاجة يساعد العقل على ترتيب اولياته ، مهما كانت بسيطة او معقدة ، و التي لا يعترف البعض بها ، لانهم يقيسون الاشياء حسب مقاساتهم ، لا على اساس ( الفطرة ) التي تعد من الاشياء المشتركة بين البشر ، مما يجعلها مع ( الحاجة ) مكملان لبعضهما ، لتكتمل صورة الانسان المتوازن بين العقل و العاطفة ، اضافة الى ان الحاجة للدين لا تقتصر على المطالب الروحية و الاستقرار العاطفي ، بل تصل حتى الى الحاجات المادية ، و هنا لا اعني ان يطلب تنزيل الخيرات المادية من المعبود ، بل الوصول الى المبادئ العملية التي تعمل على تنظيم الحياة المادية للعابدين ، ونحن لا نجد دينا من الاديان لا يدعو ـ مثلا ـ الى الصدق و الامانة و عدم الغش في المعاملات المادية و عدم الاعتداء على المال العام و على الناس اجمعين ، و الا ما وجدنا هذه الصروح التي تمثل رموزا مادية و معنوية لهذه الديانةاو تلك ، حيث تظهر خلال مناسبات معينة يتم فيها تلبية احتياجات البشر المادية ، الا ان المشكلة تكمن ليس في ذلك ، بل باتخاذ البعض ــ قلوا او كثروا ــ من القيمين على تلك الديانة او غيرها ، في تصريف تلك الممارسات لصالحهم ، دون النظر الى مصلحة الاخرين و المجتمع بوجه عام ، وهذا يظهر في الديانات كافة ، دون استثناء وخاصة في الديانات الوثنية ، حيث يعملون على تاصيل بعض الطقوس الى حد القدسية ، لكي تصبح حارسا داخل نفوس التابعين على مدى الزمن ، و قد تصل البعض من هذه الطقوس حد الاستهانة بعقل ابسط انسان ، كما هو الحال في بعض الديانات في الهند و غيرها من بلدان جنوب اسيا و شرقها ، كنظرة الهندوس في تقديسهم ( للبقر ) الذي يحرم المساس بها ، فحسب البديهيات الاقتصادية ، انه لو تم تقليص عدد الابقار في الهند الى اي نسبة ( تشاء ) لادى ذلك الى رفع مسوى الاستثمار في هذا المجال الى مستويات مذهلة ، و كذلك البعض الذي يقدس بعض الحيوانات ( كالفئران ) او غيرها ، و التي ليس فقط تعد استهانة بالعقل البشري ، بل عملية الغاء له ، و التوهان في انفاق و جحور تلك الكائنات ، التي تنبعث منها رائحة العفن الذي هو ــ لاشك ــ من تعفن عقول الذين جعلوا هذا الامر سنة يسير عليها الاحقون . كذلك يعد الدين تعبيرا عن الحاجة الى ( النظافة ) ، ليس فقط للجسد بل للروح ايضا ، ومع شحة الماء و ندرته في بعض الاماكن ، فقد شرعت معظم الاديان و خاصة السماوية منها ، باتخاذ الماء ( طهورا ) و لعدة مرات يوميا ، حتى تتهيآ الروح لتسرح في ملكوت الله . و الملاحظ ان الاديان بصورة عامة تركز على الجانب الروحي ، مرجحة له على الجانب المادي ، مع عدم اغفال التوازن بينهما حسب الظروف ، بشكل يعد اكثر احتراما للمادة عن ماهو موجود في كثير من الافكار عند كثير من الانظمة و المجتمعات متخلفة كانت ام متحضرة ، ــ و اني افهم هنا الفرق بين المفهوم العام للمادة عن المفهوم المعرفي و الفلسفي المتخصص ــ فنرى من خلال بعض الامثلة ، كيف ان بعض المجتمعات تحط من قدر المادة ، بل تجعلها مصدرا للسوء ، فتعمل على الاستغناء عنها ، او عدم الاكتراث بها ، ففي رواية ( شمران الياسري ــ ابو كاطع ــ الرباعية ) حيث يستعير ( الشيخ ) ذو المكانة المعنوية العالية عند عشيرته و الاخرين ، يستعير حذاء( قندرة ) الراعي ــ لانه لا يمتلكها ــ من اجل الذهاب الى المدينة ، لقضاء امور تخص اهل العشيرة ، السؤال هنا ، الم يكن للشيخ مصدر من المال ؟ الجواب كلا ، له و انه مصدر كبير ، الا ان وظيفته الاجتماعية تحتم عليه ان ينفق كل المال الذي يصل اليه ، لدعم مكانته الاجتماعية في نظر عشيرته و العشائر الاخرى ، مثال اخر عن استهانة المجتمعات ( المتخلفة ) للمادة ، ففي بعض القبائل البدائية في افريقيا ، تنظم مناسبات موسمية ، توقد فيها النيران لكي ترمى الاموال و المقتنيات الثمينة فيها ، حتى يحوز المكانة المعنوية و الاجتماعية الائقة من يلقي في النار الاكثر من الاموال ، مع انه قد يكون اصبح اكثر فقرا من افقر فردا في قبيلته ، ومثال اخر عن الاستهانة بالمادة و المال ، ففي العرف العشائري في العراق ، يتحتم تقديم الطعام في مناسبات معينة ، بكمية لا تستوعبها بطون المدعوين ، بل حتى دود الارض غير قادر على تحليل الزائد من ذلك الطعام ، على مدى حين من الزمن ، فترى اثاره باقية ، تنبآ بانه قد كان هنا وليمة قد حصلت قبل حين . اخيرا ، اني لاعجب من الذين يعممون التاثير ( السلبي ) لبعض الاديان و المعتقدات الدينية على ( العلم و تقدمه ) دون البحث عن الاسباب الحقيقية لذلك التاثير ، ولا ننكر ان لبعض رجال الدين ــ من كل الاديان ــ و بعض الفرق الدينية و ما تحمله من عقائد ــ لا الدين كجوهر انساني فطري ــ لهم دور سئ على العلم و العلماء ، ولنا في محاكم التفتيش و الكنيسة في القرون الوسطى ، المثال الاوضح في اضطهادهم للعلماء و تحريقهم و اتلاف اثارهم العلمية ، و لكن هناك وجها اخر للحقيقة ، يؤكد على عدم صدقية هذا الربط ــ دائما ــ او التعميم ، بين الدين و تخلف الامم ، ففي احد مراحل الحقبة العباسية ، حيث اوربا كانت تائهة في ظلماتها و الشرق كان يتفجر علما و معرفة ، في الطب و الفلسفة و البصريات و الكيمياء و الرياضيات ... الى غير ذلك الكثير من فروع العلم و المعرفة ، و لا اعتقد ان مسلمي هذا الزمان اكثر التزاما بالدين من مسلمي ذلك الزمان ، حيث كانت ــ انذاك ــ اماكن العبادة كانها جامعات هذا الزمان ، ا وان تكون اماكن الدراسة هي اماكن للعبادة ايضا ، فهذه المدرسة المستنصرية و المدرسة النظامية و جامع القيروان ..... وغير ذلك الكثير و المنتشرة في معظم البلاد الاسلامية انذاك ، حتى كانت على مشارف غرب اوربا في الاندلس ، وبمحاذاة جنوبها في قبرص و صقلية و الى اصقاع الشرق الممتدة بين البحار و السهول و الجبال ، في الهند و الصين وغيرها ، ومن معالم تلك المرحلة نبوغ الفلاسفة و العلماء الموسوعين ، كابن رشد و الفارابي و الكندي و الزهراوي وجابر بن حيان و اخوان الصفا و ابن خلدون و غيرهم الكثير ، وعدد كما تشاء ، حيث كان هؤلاء يؤلفون نسيجا متناغما من العلم و المعرفة و الايمان ، كل يتفاعل مع الاخر اتفاقا و اختلافا ، بابهى صور الانسانية ، جعلت الغرب ينبهرون بهذا الاشعاع ، الذي استحوذوه لانفسهم ، بعد ان انطفات شعلته في الشرق ، بفعل الغزاة البرابرة و المتعاونين معهم من طلاب المال و الحكم . فاذن لابد من ان يكون هناك سبب اخر لتخلف الامم في النواحي العلمية ، وقد يكون لبعض مدعي ( الفهم بالدين ) اثر في ذلك التخلف ، فانهم الغوا العقل الذي يعتبر من اهم الركائز التي يعتمدها ( الدين الحق ) ، فهناك مقولة عقائدية مفادها ، بان ( الله ) سبحانه و تعالى عندما يخاطب ( العقل ) يقول له ــ بما معناه ــ بك اجزي و بك اعاقب ، انظر كيف اعطى ( الله ) العقل تلك المساحة من الحرية التي لم يعطيه اياه اي مدعي الحرية و الديمقراطية ،من انظمة او افراد لا في حاضرنا و لا في ماضينا و حتى في مستقبلنا القادم .



#سلمان_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (( السرعة و التسارع )) و نقيضيهما ، واثرهما في مستقبل الامم ...
- (( شاي العروس )) و ثنائيات الحياة .
- (( الماء )) وطبائع البشر
- اشكالية (( الفقر ))
- (( غيبوبة ))
- عناوين ثقافية
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثالث / السيا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية ) القسم الثاني / ثالثل ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / ثانيا ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية )) القسم الاول
- الفلسفة : ( حب ) و ( حكمة )
- الحزب يساوي العشيرة
- الزعتر تحت الشوك
- مفهوم المساواة في السياسة والاقتصاد و الاجتماع
- صفحات من شخصية محمد (ص) زواجاته و حروبه
- الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الثاني )
- الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الاول )
- سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية الفن
- المجتمع : المتهم دائما


المزيد.....




- وزير الداخلية الفرنسي يزور المغرب لـ-تعميق التعاون- الأمني ب ...
- قطعها بالمنشار قبل دفنها.. تفاصيل جديدة تُكشف عن رجل قتل زوج ...
- فك شفرة بُن إثيوبي يمني يمهد الطريق لمذاق قهوة جديد
- الشرطة الهولندية: عصابات تفجير ماكينات الصرف انتقلت لألمانيا ...
- بعد موجة الانقلابات.. بقاء -إيكواس- مرهون بإصلاحات هيكلية
- هل يحمل فيتامين (د) سر إبطاء شيخوخة الإنسان حقا؟
- وسائل إعلام أوكرانية: انفجارات في مدينتي أوديسا وتشيرنومورسك ...
- الاحتلال يتحدث عن معارك وجه لوجه وسط غزة ويوسع ممر -نتساريم- ...
- كاتب أميركي: القصة الخفية لعدم شن إسرائيل هجوما كبيرا على إي ...
- روسيا تصد أكبر هجوم بالمسيّرات الأوكرانية منذ اندلاع الحرب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - (( الدين )) الفطرة و الحاجة