مجدى زكريا
الحوار المتمدن-العدد: 3826 - 2012 / 8 / 21 - 23:38
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
" فى كل اللغات , احدى ابكر عباراتنا هى أرنى " - وليم وايت الاصغر.
الولد الصغير الذى يحدق الى الفراشة التى تخفق بأجنحتها. الزوجان المسنان اللذان يتأملان غروبا رائعا للشمس , ربة المنزل التى تنظر باعجاب الى الورود التى احسنت تنسيقها - كلهم يركزون انتباههم برهة قصيرة على شئ جميل.
بما ان جمال خليقة الله موجود فى كل مكان , فليس من الضرورى السفر مئات الاميال للتفرج عليه. قد تكون المناظر الطبيعية الخلابة بعيدة ولكن يمكن ايجاد الفن الرائع فى جواركم اذا بحثتم عنه - والاهم- اذا عرفتم كيف تبحثون عنه.
غالبا مايقال ان " الجمال يكمن فى عين الناظر. " ولكن مع ان الجمال موجود فلن يراه الجميع. وقد تلزم لوحة او صورة فوتوغرافية لكى تسترعى انتباهنا. وفى الواقع . يعتقد فنانون كثيرون ان نجاحهم يعتمد على قدرتهم على رؤية الجمال اكثر مما يعتمد على قدرتهم على الرسم. يوضح كتاب عين الرسام بقلم موريس غروسر ان " الرسام يرسم يعينيه لا بيديه. وكل مايراه , اذا راه بوضوح , يمكنه ان يرسمه . . . فوضوح الملاحظة امر هام.
وسواء كنا فنانين او لا , يمكننا ان نتعلم الرؤية بوضوح اكبر , ملاحظة الجمال حولنا , وبكلمات اخرى , يجب ان نخرج وننظر الى الاشياء بمنظار جديد.
وفى هذا المجال يشدد جون بارت , وهو كاتب فى مادة التاريخ الطبيعى , على قيمة الانهماك شخصيا فى ذلك. يقول : " لا شئ يحل محل الرؤية بالعين , اللمس , الشم والاستماع الى الحيوانات والنباتات الحية عندما تكون فى بيئتها الطبيعية. " ويتابع : " دعوا الجمال يبلغ اعماق كيانكم . . . وحين كنتم , القوا نظرة اولا , تمتعوا بما ترونه , ثم عودوا وانظروا من جديد. "
ولكن عم يجب ان نبحث ؟ فى البداية يمكننا تعلم ملاحظة عناصر الجمال الاساسية الاربعة. ومن الممكن رؤية هذه العناصر فى كل وجه تقريبا من اوجه خليقة الله. وكلما توقفنا اكثر لملاحظتها تمتعنا اكثر بفنه.
تحديد عناصر الجمال
الاشكال والنماذج. نحن نعيش فى عالم من الاشكال المتعدده. بعضها خطى كشكل اعواد مجموعى من نباتات الخيزران , او هندسى كنسيج العنكبوت. فى حين ان بعضها الاخر لا شكل محددا له كالسحابة التى تتغير باستمرار. وهناك اشكال كثيرة جذابة , سواء أكانت زهرة سحلبية غريبة , الشكل الحلزونى لصدفة بحرية , ام حتى اغصان شجرة تساقطت اوراقها.
عندما يتكرر الشكل نفسه , يخلق نموذجا يمكن ان يكون هو ايضا بهجة للعين. مثلا , تخيلوا مجموعة من جذوع الاشجار فى غابة. فأشكالها - التى يختلف واحدها عن الاخر مع انها متشابهة - تؤلف نموذجا جميلا. ولكن لتمييز الاشكال والنموذج الذى تؤلفه , يجب ان يكون هنالك ضوء.
الضوء , ان طريقة توزع الضوء تعطى الاشكال التى نجدها جذابة ميزة خاصة. فتبرز التفاصيل , وتتجلى الالوان , ويخلق انطباع معين. يختلف الضوء حسب الوقت من النهار , الفصل من السنة , الطقس , وحتى المكان الذى نعيش فيه. فالنهار الغائم , عندما يكون النور منتشرا , مناسب جدا للتمتع بظلال اللون الدقيقة فى الزهور البرية او اوراق الخريف , فى حين ان النتوءات الصخرية والقمم فى سلسلة من سلاسل الجبال تعرض جمال اشكالها المذهل عندما يرسمه شروق الشمس او غروبها. وضوء الشمس الخفيف فى شتاء النصف الشمالى من الكرة الارضية يضفى على المناظر الريفية جاذبا عاطفيا. ومن ناحية اخرى , تحول الشمس الساطعة فى المناطق المدارية البحر القليل العمق الى ارض عجائب شفافة للغطاسين.
ولكن لا يزال هنالك عنصر مهم ايضا.
اللون. انه يبعث الحياة فى مختلف الاشياء التى نراها حولنا. وفى حين ان شكلها قد يميزها , فلونها يبرز كونها فريدة. وبالاضافة الى ذلك فان طريقة توزع الالوان فى النماذج المتناسقة تبرز جمالها الخاص. وقد يكون اللون صارخا كالاحمر او البرتقالى الذى يستأسر انظارنا و او مريحا كالازرق او الاخضر.
تخيلوا بقعة نمت فيها ازهار صفراء فى وسط الاشجار. يدرك الضوء التويجيات الصفراء التى تبدو زاهية مع نسيم الصباح , فى حين ان جذوع الاشجار الغامقة اللون التى تحف بها شمس الصباح تشكل خلفية رائعة. الان صارت لدينا صورة. كل ما يلزمنا فعله هو " بروزتها " وهنا يأتى دور التركيب.
التركيب. ان الطريقة التى تتحد بها هذ1ه العناصر الثلاثة - الشكل والضوء واللون - تحدد التركيب. وهنا تلعب نحن المتفرجين دورا حاسما. فبالتحرك قليلا الى الامام , الى الوراء , نحو احد الجانبين , الى الاعلى , او الى الاسفل , يمكننا ان نعدل العناصر او الاضاءة فى الصورة التى نراها. ويمكننا ان نحصر الصورة بحيث تشمل العناصر المرغوبة فقط.
غالبا مانقوم نحن بتركيب صورة عندما نشاهد منظرا خلابا مبروزا بالاشجلر او النباتات المجاورة. ولكن يمكن ايجاد صور رائعة كثيرة , على نطاق اصغر , حيثما كنا.
ملاحظة صغائر الاشياء وعظائمها
الجمال باد فى اعمال الله الصغيرة والكبيرة على السواء , وستتضاعف متعتنا اذا تعلمنا رؤية التفاصيل التى تتحد هى ايضا وتخلف تأثيرا ممتعا. انها تشكل رسومات صغيرة متناثرة فى ارجاء لوحة الطبيعة الكبيرة. ولنتمتع بها , كل ماعلينا فعله هو الانحناء والقاء نظرة عن قرب.
هذه الصور الكثيرة ضمن الصورة الواحدة يصفها المصور جون شو فى كتابه الصور القريبة فى الطبيعة : " ان مايدهشنى دائما هو ان نظرة قريبة الى تفصيل طبيعى تدفعنى الى القاء نظرة اقرب . . . فنحن نرى اولا المشهد الكامل. ثم بقعة ملونة فى احدى زوايا الصورة. وعند القاء تظرة اقرب نرى ازهارا , وعلى احدى هذه الازهار فراشة. وتكشف اجنحتها عن نموذج مميز , النموذج الناتج من تناسق دقيق فى قشور الاجنحة , وكل قشرة هى متقنة بحد ذاتها. واذا تمكنا فعلا من فهم الاتقان الذى يؤلف تلك القشرة الواحدة من اجنحة الفراشة , يصير ممكننا ان نبتدئ بفهم اتقان التصميم الذى يميز الطبيعة. "
وبالاضافة الى المتعة الجمالية التى ننالها , يمكن لفن الطبيعة - فى الاشكال الصغيرة والكبيرة على السواء - ان يقربنا اكثر من خالقنا. فعندما نتوقف لننظر , لنحدق , ولنعبر عن اعجابنا . سواء امعنا النظر فى السموات المنجمة او فى اى شئ اخر من خلائق الله نتذكر " من خلق هذه " اليس فعل تلك الامور هى افضل مما نصرفه طيلة ايام حياتنا من سماع خطب ومواعظ لرجال دين سفهاء.
فى ازمنة الكتاب المقدس كان لدى خدام الله اهتمام خصوصى بخليقته. وبحسب الكتاب المقدس " فاقت حكمة سليمان حكمة جميع بنى المشرق . . . وتكلم عن الاشجار من الارز الذى فى لبنان الى الزوفا النابت على الحائط. وتكلم عن البهائم وعن الطير وعن الدبيب وعن السمك. "
ربما كان اهتمام سليمان بروائع الخليقة يعود جزئيا الى مثال ابيه. فداود , الذى قضى الكثير من سنوات تكونه الباكرة كراع. كان يتأمل كثيرا فى اعمال يدى الله. وكان لجمال السموات خصوصا وقع كبير فى نفسه " السموات تحدث بمجد الله والفلك يخبر بعمل يديه. " هكذا كتب. ومن الواضح ان قربه من الخليقة جذبه اكثر الى الهه. ويصح الامر عينه فينا.
عندما لا نكتفى برؤية الفن حولنا بل ندرك ايضا صفات الفنان البارع الذى صنع كل ذلك , نندفع دون شك اللى ترديد كلمات داود : " لا مثل لك يارب ولا مثل اعمالك. "
#مجدى_زكريا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
