أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سمير أمين - في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي ألامبريالية الامريكية، أوروبا والشرق الاوسط















المزيد.....


في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي ألامبريالية الامريكية، أوروبا والشرق الاوسط


سمير أمين

الحوار المتمدن-العدد: 1115 - 2005 / 2 / 20 - 11:32
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


*لقد مر عقد منذ بدأت الولايات المتحدة في دفع فكرة "السوق المشتركة في الشرق الاوسط" التي كان من المقرر من خلالها ان تقدم بعض دول الخليج رأس المال، وان تقدم دول عربية اخرى الايدي العاملة الرخيصة، الى جانب تخصيص السيطرة التكنولوجية لاسرائيل، بالاضافة الى دور اداة الوصل المفضلة* على الرغم من قبول مصر ودول الخليج لهذا المشروع، فقد عارضته كل من سوريا والعراق وايران. ولذلك اقتضت الضرورة اسقاط هذه الانظمة لدفع هذا المشروع وقد نجحت الولايات المتحدة في اسقاط النظام العراقي!!*
التحليل المطروح في هذا المقال، بخصوص موقع اوروبا والشرق الاوسط في الاستراتيجية الكونية الامريكية، يقع في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي التي طورتها في موقع آخر. هذا الطرح يقول ان الرأسمالية كانت طوال الوقت، بطبعها، ومنذ بدايتها، نهجا تزيد التقاطب، أي انها امبريالية. هذا التقاطب موجود في طريقة تراكم رأس المال، الامر الذي يجري في المستوى الكوني – بناء مراكز مسيطرة وضواح واقعة تحت السيطرة، وخلق هذه المراكز من جديد، وبعمق اكثر في كل مرحلة جديدة.
في نظرية التوسع الكوني هذه للرأسمالية، تميّز التغييرات الكيفية في طرق التراكم بين مرحلة واخرى في التاريخ، مراحل التقاطب غير المتوازن بين المركز والاطراف، أي انها تميز الامبريالية بعينها. وهكذا، فالنظام العالمي الحالي سوف يبقى امبرياليا، أي قطبيا، في المستقبل القريب ما دام المنطق الذي يستند اليه هو علاقات الانتاج الرأسمالية. هذه النظرية تربط بين الامبريالية وبين تراكم رأس المال على المستوى الكوني، التي اتطرق اليها كحقيقة واحدة: حقيقة ان الاطراف المختلفة غير خاضعة للفصل. وبهذا فهي تختلف عن الصيغة العامة للنظرية اللينينية عن "الامبريالية، أعلى مراحل الرأسمالية" (وكأن المراحل السابقة لتوسع الرأسمالية الكوني لم تخلق التقاطب)، وعن نظريات ما بعد الحداثة الحالية، التي تصف العولمة الجديدة بانها "ما بعد الامبريالية".

* ألشرق الاوسط في النهج الامبريالي:السيطرة الاقليمية الامريكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي على الشرق الاوسط، الذي ساتطرق اليه مع التطرق للمناطق المحاذية له – القفقاز ومركز آسيا السوفييتي سابقا – له مكانة خاصة في الجيو – استراتيجية والجيو – سياسية الامبريالية، وخاصة في مشروع الهيمنة الامريكي. اهمية مكانة الشرق الاوسط الخاصة تعود الى ثلاثة عوامل: العامل الاول هو كونه غنيا بالنفط؛ العامل الثاني هو موقعه الجغرافي في مركز "العالم القديم"؛ اما العامل الثالث فهو حقيقة انه يشكل المنطقة الحساسة في النظام الدولي.
ان السيطرة على النفط باسعار منخفضة نسبيا، هو حاجة هامة للثالوث الاقتصادي الرأسمالي المسيطر: الولايات المتحدة والدول التابعة لها: كندا، دول غرب ومركز اوروبا، واليابان. والطريقة المثلى لضمان الوصول الى هذا النفط هو بناء سيطرة سياسية على المنطقة. لكن اهمية الشرق الاوسط تنبع بدرجة كبيرة ايضا من موقعه الجغرافي في مركز "العالم القديم" ببعد متساو عن باريس وبكين وسنغافورة ويوهانسبرغ.
في ايام مضت، اعطت السيطرة على هذه المنطقة الهامة للحلفاء حقوق قطف ثمار التجارة طويلة الامد في تلك الفترة. وكانت هذه المنطقة الواقعة في الجهة الجنوبية للاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، ، منطقة هامة للاستراتيجية العسكرية العاملة على محاصرة القوة السوفييتية. لكن الشرق الاوسط لم يفقد من اهميته مع انهيار "العدو" السوفييتي، لأن السيطرة الامريكية عليه تضع اوروبا المتعلقة بمصادر الطاقة فيه، في الموقع المتعلق بالولايات المتحدة. وبعد "النصر على روسيا"، وُضعت الهند والصين في موضع الابتزاز في كل ما يتعلق بالطاقة. اذن فالسيطرة على الشرق الاوسط تضمن استمرار مشروع السيطرة الامريكي، لكن المجهود المستمر والمتواصل الذي تبذله واشنطن منذ 1945 لضمان سيطرتها على المنطقة، بالاضافة الى تنحية البريطانيين والفرنسيين، لم يتكلل حتى الساعة بالنجاح. ويجب ان نذكر محاولة ضم المنطقة لحلف شمال الاطلسي(ناتو) بواسطة حلف بغداد، وسقوط احد حلفائها المخلصين، الشاه الايراني.
السبب البسيط لذلك هو ان مشروع القومية العربية (والايرانية) دخل في مواجهة مع اهداف الهيمنة الامريكية. بواسطة هذا المشروع العربي، حاولوا فرض الاعتراف بالعالم العربي على الدول العظمى. حركة دول عدم الانحياز التي اقيمت في العام 1955، خلال مؤتمر باندونغ على يد مجموعة من حركات التحرر الافريقية والآسيوية، كانت التيار الاقوى في فترتها. السوفييت فهموا بسرعة انه بواسطة تقديم الدعم لهذا المشروع، يستطيعون عرقلة مخططات واشنطن العنيفة.
هذه الفترة بلغت نهايتها، اولا لان مشروع القومية في العالم العربي حقق التغيير الذي ابتغاه بسرعة، والقوى القومية تراجعت نحو الدكتاتورية التي اعدمت الامل في التغيير. وقد فتح الفراغ الذي خلقه هذا التراجع، الطريق للاسلام السياسي وللانظمة الظلامية في منطقة الخليج العربي، حلفاء واشنطن المفضلين. وتحول الشرق الاوسط الى احدى نقاط الضعف في النظام الدولي، معرَّضا للتدخل الخارجي (حتى العسكري فيه) الذي لا تستطيع الانظمة الحالية وقفه بسبب عدم شرعيتها.
لقد كانت هذه المنطقة، ولا زالت منطقة ذات افضلية اولى (مثل منطقة البحر الكاريبي) في التقسيمة الجيو – عسكرية الامريكية للكرة الارضية – حيث تكون امكانية التدخل العسكري مكفولة للولايات المتحدة في الشرق الاوسط. ومنذ العام 1990 بقي الشرق الاوسط في المكان الاول في ميزان الولايات المتحدة!!
الولايات المتحدة تعمل في الشرق الاوسط بتعاون وثيق مع حليفيتها المخلصتين دون أي شرط – تركيا واسرائيل. اوروبا مُبعدة عن المنطقة واجبرت على قبول "حماية" الولايات المتحدة لمصالح الثالوث الرأسمالي (المذكور سابقا) – أي النفط. وعلى الرغم من العلامات الواضحة للغليان الاوروبي في اعقاب العدوان على العراق، لا تزال الدول الاوروبية تبحر بحسب الرياح الآتية من واشنطن.

* دور اسرائيل والمقاومة الفلسطينية:التوسع الاستعماري الاسرائيلي يضع تحديا حقيقيا. اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي ترفض الاعتراف بحدودها كحدود نهائية (ولهذا السبب يجب الغاء عضويتها في الامم المتحدة) مثل الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، فهي تدعي لنفسها الحق في احتلال اراض بهدف التوسع الاستعماري، والتعامل مع الشعوب التي عاشت في هذه الاراضي لآلاف السنين على اساس انهم ذوو "الجلد الاحمر". ولا تزال اسرائيل هي الدولة الوحيدة التي تصرح علنا انها غير مضطرة لتنفيذ قرارات الامم المتحدة.
حرب 1967، التي خطط لها بالتعاون مع واشنطن في 1965، اندلعت لتحقيق عدة اهداف: بدء مسار انهيار الانظمة القومية، وضرب حلفها مع الاتحاد السوفييتي، وفرض الشروط الامريكية عليها، بالاضافة الى توفير اراض جديدة للاستيطان الصهيوني. في الاراضي التي احتلت في العام 1967، أرست اسرائيل نظام الفصل العنصري بايحاء هذا النظام في جنوب افريقيا.
في هذه النقطة تلتقي مصالح رأس المال المسيطر مع مصالح الصهيونية. عالم عربي غني وحديث وقوي يضع علامات سؤال على "حق" الغرب في سرقة كنوزه النفطية، اللازمة لاستمرار التبذير المرتبط في تراكم رأس المال الرأسمالي. ولهذا فالقوى السياسية في دول الثالوث – التي تخدم جميعها باخلاص رأس المال دوليا – لا ترغب بوجود عالم عربي قوي.
الحلف بين القوى الغربية واسرائيل يستند على بنية تحتية ثابتة من المصالح المشتركة.
هذا الحلف ليس وليد الشعور بالذنب الاوروبي بسبب "اللاسامية" وجرائم النازيين وليس وليد ذكاء "اللوبي اليهودي" في استغلال هذا الشعور. ان اعتقدت القوى العظمى للحظة ان مصالحها تتضرر من التوسع الاستعماري الصهيوني، لوجدت السبل للتخلص من عقدة الشعور بالذنب ومن اللوبي المذكور. انا لا اشك بذلك، لانني لست من اولئك الذين يعتقدون ان الرأي العام في الدول الدمقراطية، يفرض نفسه على القوى العظمى. نحن نعرف ان الرأي العام هو شيء يتم انتاجه. اسرائيل لن تستطيع الحياة اكثر من ايام معدودة تحت حصار كالذي فرضته القوى الغربية على يوغوسلافيا والعراق وكوبا. فلم يكن صعبا اذًا خلق الشروط للسلام الحقيقي ان كانوا يريدونه بالفعل وهذا ليس هو الوضع!
بعد هزيمة الدول العربية في 1967 بسنوات قليلة، اعلن الرئيس المصري انور السادات، انه بسبب كون الولايات المتحدة تمسك بـ 90% من الاوراق حسب تعبيره، يجب الانفصال عن الاتحاد السوفييتي وتجديد الارتباط بالمعسكر الغربي. وادعى السادات ان هذا الارتباط سوف يساهم في تشكيل ضغط امريكي كاف على اسرائيل، لاعادتها الى طريق الصواب. بالاضافة الى الافكار الاستراتيجية المشابهة التي كانت خاصة بالسادات – التي اثبتت فيما بعد عدم جدواها – بقي الرأي العام العربي عديم القدرة الحقيقية على فهم حركة رأس المال الكوني التوسعية، وعلى فهم ضعف رأس المال وتناقضاته الحقيقية. الا يُسمع اليوم حتى الادعاء بأن "الغرب سوف يفهم ان مصلحته بعيدة النظر هي الحفاظ على علاقة طيبة مع اكثر من 250 مليون عربي، ويختار ان لا يضحي بهذه العلاقات على مذبح الدعم غير المحدود لاسرائيل"؟! هذا المنطق يعتقد بان "الغرب" المذكور الذي يشكل المركز الامبريالي لرأس المال، يطمح لخلق عالم متطور ولا يريد ابقاء هذا العالم متخلفًا، ويعتبران دعم اسرائيل ضروري لخلقه.
خيار الانظمة العربية – ما عدا سوريا ولبنان – من خلال طريق المفاوضات في مؤتمر مدريد واتفاقيات اوسلو، بدعم البرنامج الامريكي المسمى "سلام قابل للحياة" لم يكن ليحقق نتائج سوى تلك التي تحققت: تشجيع اسرائيل على تدعيم مشروعها التوسعي بواسطة رفض علني لشروط اتفاقيات اوسلو. وهكذا فإن شارون يكشف اليوم ما كان واضحا منذ البداية – ان الحديث لا يدور عن مشروع لتحقيق سلام قابل للحياة وانما عن بداية مرحلة جديدة في مشروع التوسع الصهيوني الاستعماري.
فإسرائيل والدول العظمى الغربية التي تدعم مشروعها، فرضت حالة من الحرب الدائمة على المنطقة، وحالة الحرب تقوّي بالتالي هذه الانظمة العربية الاوتوقراطية.
هذا العائق امام أي تطور دمقراطي في الدول العربية يضعف احتمالات الانبعاث العربي ويقوي بالتالي علاقة رأس المال المسيطر على استراتيجية الهيمنة الامريكية. وهنا تكون الدائرة قد اكتملت: الحلف الاسرائيلي – الامريكي يخدم بشكل مطلق مصالح الطرفين.
في البداية تشكل الانطباع ان بامكان نظام الابرتهايد، الذي طبق بعد 1967 تحقيق اهدافه وهي ادارة الحياة اليومية في الاراضي المحتلة بواسطة الارستقراطية الخائفة والبرجوازية التجارية بموافقة الشعب الفلسطيني ظاهريا. ففي منفاها في تونس ظهرت قيادة منظمة التحرير بعد طردها من لبنان عام 1982، عديمة القدرة على زعزعة سياسة الضم الصهيونية.
ولكن الانتفاضة الاولى اندلعت عام 1987، وعبرت عن ظهور الطبقات الشعبية الفلسطينية المفاجئ وخاصة تلك الافقر، من سكان مخيمات اللاجئين. هذه الانتفاضة حجّمت القوة الاسرائيلية عبر تنظيم عصيان مدني منظم. الرد الاسرائيلي كان عنيفا ولكن اسرائيل لم تنجح في اعادة تنظيم قواتها الفعالة، وفي اعادة الطبقة الوسطى الفلسطينية الخائفة على الحكم. وبعكس ما ارادت اسرائيل فان الانتفاضة ادت الى عودة مكثفة لقوى سياسية من المهجر والى تأسيس تنظيمات محلية جديدة والى التصاق الطبقة الوسطى في النضال من اجل الاستقلال.
الانتفاضة اندلعت بايدي الشباب، شباب الانتفاضة، الذين لم يكونوا منظمين في البداية في مؤسسات منظمة التحرير الرسمية لكنهم لم يشكلوا متنافسا معاديا لها. مركبات منظمة التحرير الاربعة (فتح، الجبهة الدمقراطية لتحرير فلسطين، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والحزب الشيوعي) وضعت انفسها في قلب الانتفاضة ولذلك تلقت غالبية "الشباب" الاخوان المسلمين الذين تحولوا الى هامشيين في اعقاب انعدام نشاطهم في سنوات ما قبل الانتفاضة، رغم عدد من النشاطات التي قام بها الجهاد الاسلامي (الذي ظهر بداية في 1980)، وتحولوا الى صورة جديدة من النضال بواسطة حركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي تأسست في العام 1988.
مع ظهور العلامات الاولى لنهاية الانتفاضة الاولى، بعد سنتين من النضال، وتحول الاحتلال الاسرائيلي الى أكثر عنفًا (استخدام الرصاص ضد الاطفال، واغلاق معابر الخط الاخضر بشكل ادى الى انقطاع مصدر الدخل الوحيد تقريبا للعمال الفلسطينيين)، تم تحضير المسرح "للمفاوضات". الولايات المتحدة كانت هي المبادرة ونظمت بداية مفاوضات مدريد 1991، وبعد ذلك ما اطلق عليه اسم اتفاقيات اوسلو 1993. هذه الاتفاقيات سمحت بعودة منظمة التحرير الى الاراضي المحتلة، وتحويلها الى السلطة الفلسطينية. اتفاقيات اوسلو سعت الى تحويل الاراضي المحتلة الى شبه دولة، تكون عمليا لعبة في يد النظام الصهيوني.
مع عودة منظمة التحرير الى فلسطين، اسست سلطتها، لكن ليس بدون اشكاليات. السلطة استوعبت في مؤسساتها القسم الاكبر من "الشباب" الذين قادوا الانتفاضة. وحصلت السلطة على الشرعية في انتخابات عام 1996، التي شاركت فيها غالبية ساحقة من الفلسطينيين، أي ما نسبته 80%. غالبية المصوتين الساحقة انتخبت ياسر عرفات رئيسا للسلطة. لكن السلطة مع ذلك بقيت في وضع غير واضح، هل ستكون مستعدة للعب الدور الذي ارادته لها اسرائيل والولايات المتحدة واوروبا، ام انها ستنضم للشعب الفلسطيني الذي رفض الانصياع لهذه الارادة؟
عندما رفض الفلسطينيون هذا المشروع، قررت اسرائيل القضاء على اتفاقيات اوسلو، على الرغم من انها هي التي وضعت شروطها، واستخدمتها كبديل عن استخدام القوة العسكرية المباشرة. الاستفزاز في الاماكن المقدسة في القدس، الذي خطط له مجرم الحرب شارون عام 2000 (بمساعدة حزب العمل) وفوز هذا المجرم في الانتخابات وتوليه منصب رئيس الحكومة (وانضمام "حمائم" على شاكلة شمعون بيرس الى هذه الحكومة)، كانت جزءا من اسباب اندلاع الانتفاضة الثانية.
هل ستنجح هذه الانتفاضة في تحرير الشعب الفلسطيني من كبته بأيدي نظام الفصل العنصري الصهيوني؟
من المبكر الاجابة على هذا السؤال. في كل الاحوال الفلسطينيون يملكون الآن منظمة تحرر قومي حقيقية، لها مميزات خاصة، هذه المنظمة ليست احادية الحزب (على الرغم من ان واقع الدول ذات نظام الحزب الواحد معقد اكثر). في هذه المنظمة مركبات تحافظ على هويتها الخاصة، ومن ضمنها رؤيتها المستقبلية، ايديولوجيتها، التنظيمات المسلحة مع انه من الواضح انهم يعرفون كيف يتعاونون في قيادة النضال.

* المشروع الامريكي في الشرق الاوسط:تآكل الانظمة القومية الشعبوية واختفاء الدعم السوفييتي، منحا الولايات المتحدة الفرصة لتنفيذ مشروعها في المنطقة. فالسيطرة على الشرق الاوسط تشكل حجر الاساس لمشروع واشنطن لتحقيق الهيمنة العالمية. اذا كيف ترى الولايات المتحدة هذه السيطرة؟
لقد مر عقد منذ بدأت الولايات المتحدة في دفع فكرة "السوق المشتركة في الشرق الاوسط" التي كان من المقرر من خلالها ان تقدم بعض دول الخليج رأس المال، وان تقدم دول عربية اخرى الايدي العاملة الرخيصة، الى جانب تخصيص السيطرة التكنولوجية لاسرائيل، بالاضافة الى دور اداة الوصل المفضلة. وعلى الرغم من قبول مصر ودول الخليج لهذا المشروع، عارضته كل من سوريا والعراق وايران. ولذلك اقتضت الضرورة اسقاط هذه الانظمة لدفع هذا المشروع وقد نجحت الولايات المتحدة في اسقاط النظام العراقي.
السؤال هو، أي نظام سياسي يجب ان يقام من اجل اتمام المشروع؟ الدعاية الامريكية تتحدث عن "الدمقراطية". وعمليا لا تتعامل واشنطن مع أي شيء سوى انها تبدل ما يسمى الاوتوقراطيات الاسلامية الظلامية، باوتوقراطيات شعبوية قديمة متآكلة (مع تغليف العملية باحاديث مزيفة عن احترامها لتميز هذه الشعوب الحضاري). الحلف المتجدد مع ما يسمى الاسلام السياسي المعتدل (ذلك القادر على السيطرة وحفظ النظام، من اجل القضاء على الميول الارهابية – وتعريف "الارهاب" كذلك الموجه ضد الولايات المتحدة فقط)، يشكل الآن المحور الاساسي الذي يرتكز عليه فكر واشنطن السياسي. وعلى اساس وجهة النظر هذه، تبحث الولايات المتحدة التصالح مع الاوتوقراطية القديمة في النظام الاجتماعي الشرق اوسطي.
عندما ظهرت امام الاوروبيين حقيقة بدء تنفيذ المشروع الامريكي، اخترع هؤلاء مشروعا جديدا، تحت اسم "الشراكة الاوروبية – حوض المتوسطية"، وهو مشروع "جبان" مليء بالكلمات، يعرض "صلحا" بين الدول العربية واسرائيل. وبواسطة ابعاد دول الخليج عن الحوار الاوروبي الحوض متوسطي، تنازلت اوروبا عن السيطرة على هذه الدول، ووافقت على وضعها تحت سيطرة واشنطن الحصرية. وهذا التناقض بين قوة المشروع الامريكي، وضعف المشروع الاوروبي هو دليل جيد على انه شراكة حقيقية بين طرفي المحيط الاطلسي، لا مكان لمسؤولية مشتركة في اتخاذ القرارات، الامر الذي قد يضع الولايات المتحدة واوروبا في درجة متساوية. طوني بلير، الذي تحول الى داعم لفكرة خلق عالم احادي القطب، يعتقد ان باستطاعته شرعنة ذلك بان حلفا من طرفي الاطلسي سترتكز على الشراكه.
ان الواقعية في تصريح ستالين بأن النازيين "لم يعرفوا اين عليهم التوقف" تنطبق ايضا على حكام الولايات المتحدة. بلير هو مركز آمال مشابهة لآمال الذين اعتقدوا ان موسوليني ينجح في كبح جماح هتلر.
فهل البديل الاوروبي فعلا ممكن؟ هل بدأ هذا البديل بالتشكل؟ هل خطاب شيراك المعارض لعالم "اطلسي احادي القطب" (الذي من الواضح ان شيراك يتحدث عنه كعالم تسيطر عليه الولايات المتحدة) هو البادرة التي تبشر ببناء عالم متعدد الاقطاب، وبنهاية الاطلسية؟
من اجل تحول هذه الامكانية الى واقع على اوروبا ان تحرر نفسها بداية من الرمال المتحركة التي تغرقها!

(تعريب: الاتحاد)
(مفكر وباحث ماركسي مصري، يقيم وينشط في فرنسا)



سر هذا الحلف!
الحلف بين القوى الغربية واسرائيل يستند على بنية تحتية ثابتة من المصالح المشتركة. هذا الحلف ليس وليد الشعور بالذنب الاوروبي بسبب "اللاسامية" وجرائم النازيين وليس وليد ذكاء "اللوبي اليهودي" في استغلال هذا الشعور. ولو اعتقدت القوى العظمى للحظة ان مصالحها تتضرر من التوسع الاستعماري الصهيوني، لوجدت السبل للتخلص من عقدة الشعور بالذنب ومن اللوبي المذكور. انا لا اشك بذلك، لانني لست من اولئك الذين يعتقدون ان الرأي العام في الدول الدمقراطية، يفرض نفسه على القوى العظمى. نحن نعرف ان الرأي العام هو شيء يتم انتاجه. واسرائيل لن تستطيع الحياة اكثر من ايام معدودة تحت حصار كالذي فرضته القوى الغربية على يوغوسلافيا والعراق وكوبا. فلم يكن صعبا اذًا خلق الشروط للسلام الحقيقي ان كانوا يريدونه بالفعل. وهذا ليس هو الوضع!



#سمير_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبدأ بالعنف وتنتهي بالهيمنة الأمريكية د. سمير أمين يحدد 3 مل ...


المزيد.....




- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سمير أمين - في إطار الرؤية التاريخية للتوسع الرأسمالي ألامبريالية الامريكية، أوروبا والشرق الاوسط