أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - نعيم عبد مهلهل - نهار في دهوك















المزيد.....

نهار في دهوك


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 1115 - 2005 / 2 / 20 - 10:52
المحور: القضية الكردية
    


من أسوار نينوى ..حتى ذاكرة حسن سليفاني
محمود جنداري ..حديثه ألي في 5نيسان 1993 ـ ملتقى القصة في الموصل
أبعدني كي لأنهي سؤالي بالتهجين فأعود إلى غربتي في بلاد أشعر أنها لاتمت ليومي بصلة سوى أني رغبت برؤية ما يحدث هناك بعد ليلة رائعة من النوم على سطح بيت طيني في قرية بعاذرا .
أفترض أن مدينة كدهوك نشأت من خلال خيالات الرعاة وناياتهم . أو أنها نظمت وجودها من خلال رغبتها لتكون .
في بدايات القرن الماضي .كانت دهوك مكانا سرياً لاختباء نسائم الجبل .وفي الشتاء هي مؤى لعاطفة من يريد أن لا يصاب بالزكام ويقول أحد مؤرخيها : أن دهوك مدينة تستيقظ أو لا تستيقظ فأن الحياة فيها على ذات النمط . حيث هي بوابة للذاكرة الكردية توصلنا الى ديار بكر والقامشلي . وتتعداه لتصل دير الزور .
اليوم هذه الذاكرة تشتت .
قال لي أحدهم : أن جماعة أوجلان سهلوا سفر الكثير من أهل المدينة الى أوربا ، ولكن بأثمان قد تصل إلى ثلاثة آلاف دولار للشخص الواحد . وغير ذلك ، فأوجلان من خلال ربايا جماعته المنشرة في قمم لا تحصى من جبال منطقة دهوك يمارسون شتى المعاملات التجارية من الخشخاش وحتى بيع محركات الأوبل ، وهي سيارة ألمانية تجلب عن طريق تركيا مرغوبة كثيراً في دهوك وباقي مناطق كردستان.
ورغم هذا فالمدينة التي لاتعرف عنوان حسن سوليفاني تستطيع أن تظهر لزائرها بعض أغراءات الحضارة ، وكنت في سيري قد صادفت مكتبة صغيرة . لاوجود للحرف العربي فيها إلا ما ندر ، غير أن فرحتي نضج فيها الأمل عندما وجدت أستنساخاً لكتيب فيه قصائد مترجمة لشاعرة كردية أعشقها كثيرا وهي ربما < كردية سورية > تدعى خلات أحمد .
قلت . بيش ؟
قال رقما بلهجة البهدنان ربما .
قلت : يعني بالعربي كم ؟
أبتسم . عربي وتريد قصائد كردية!
قلت : هذه الشاعرة أحبها .
ـ عشك يعني ؟
ـ لاياسيدي ، أحب أقرأ لها .
ـ وين يعرفاها . هي حتى مو كردية عراقية .
ـ يعني أكو أكراد عراقيون . وأكو مو عراقيون .
ـ طبعاً .
ـ الحمد لله .
ـ من وين ؟
ـ من الناصرية .
ـ عجيب . وشعدك هنا .!
ـ لا أدري ، سياحة ، تسكع ، شغل . المهم . نهار كامل أدور في المدينة مثل سنونو ، ولم أكتشف ما يجعلني أشعر براحة وطنية ، إلا معك .
ـ أجلس لأجلب لك غداءاً ، أنت ضيفنا .
ـ شكراً ، هذا دكانك الصغير قد لا يسمح دخله لأثقل عليك بغداء ، ثم أني أملك نقوداً كثيرة .
ـ أذن الكتاب مجاناً .
ـ أحب خلات أحمد ولا أريد أن أشتريها بالمجان .هل تعرف حسن سوليفاني .؟
ـ ماذا يشتغل ؟
ـ أديب .
ـ وأنت أديب ؟
ـ نعم كلانا نرأس أتحاداً في وطن ولكننا لا نجلس تحت ظل واحد .
ـ أنا يا ولدي أفهم قصدك .هناك في المقهى يجلس أفندي ، دوم بيده كتب وجرايد ، حتما سيعرفه ، ولكنه غادر مكانه قبل ساعة ولن يعود إلا غداً .
ـ أذن أشكرك .
ـ أعطيته ورقة من فئة عشرة آلاف دينار . نظر إلى صورة المهيب .وقال مبتسماً : هازه راح بعد ما يرجع .
ـ قلت : تحبه ؟
ـ صراحة هو عذب الكورد كثيراً . ولكني لا ألومه في بعض التصرفات الأخرى .
ـ ولكنكم تقولون أنه قتلنا بشكل جماعي ؟!
ـ نعم هو ما يحب إلا عشيرته . وقتل وحرق قرى بإكمالها ، أنا شاهدتها من جهة كفري بالأنفال . ولكن له مواقف يعرف يتصرف بيها . والله أبني أنت يعرف شي ، وأنه يعرف شي .صح الحياة هنا هادئة ومستقرة . لكن الفقر ينخر عظامي ..
عرفت حجم جملته اللاهبة وأيقنت أن مدينة مثل دهوك قد تأوي شيئاً من سعادة الحياة ولكن هي كأي مدينة من مدن الأرض لن تكون جنة عدن أو عاد .
في المقهى . قرأت خلات أحمد فأتذكر جملتها الشعرية الهائلة : يا أميري علمني كيف أكون لك أكثر.
أرتبط بالمكان وبقصائد هذه الأنثى . تفتح لي المدينة أذرعاً من بقايا حلم قديم لحرب ضروس فأذوب من برودة ظل الظهيرة وأستمتع بالشعر وبالموسيقى الشرقية للتخت الأسطنبولي المنبعث من جهاز تسجيل في المقهى غير أن الذي أعاد توازني وأبعد عيون ويلات وصوتها ووجه حسن الذي لم أره بعد أن غير صاحب المقهى النبيه التخت العصملي بأغنية لناظم الغزالي تقول : يابن الحمولة علي أشبدلك ، حسنك مرقيك لو عاده ألك .
الآن فقط رأيت العراق في عيون المدينة ، وأبهجتني كلمات النعومة الفائقة لتلك الكردية التي تذكرني بقراءات الصبا لروايات سليم بركات وجمهورية الريش وضحكي الذي لم ينته من رواية لعلي الوردي في كتابه المهم لمحات اجتماعية من تأريخ العراق وقعت لمتطوعي مدينة السليمانية حين وصلوا السماوة في طريقهم إلى الشعيبة لنصرة المدافعين عنها في وجه الإنكليز في أيام الاحتلال الأول لبلدنا وكان القائد الكردي يدعى < شيخ أحمد > فأستقبله أهل السماوة بالهوسة التالية : < كل الجنه لكاكا أحمد > .
عندها زعل شيخهم وعربد قائلاً وكان يدعى < بربوتي > : إذا كل الجنة لكاكا احمد . ما لذي تبقى لي ، ولماذا أذهب لأقاتل؟
فأضطر أهل السماوة إلى تغير الهوسة كالتالي : < ثلثين الجنه لكاكه أحمد ..وشويه شوية البربوتي >
عندها قبل بربوتي وذهب سوية مع الشيخ أحمد ليدافعا عن أرض البصرة .
يمشي المساء الصيفي إلى المدينة ، كما ذكر الفراشة لأنثاه .أستعيد في قراءتي لخلات تأريخاً من آرية التضاريس وحكمة الآلهة اتجاهها ، أتذكر أساطير الكرد القومية ومقولة لينين لهم : أنكم بعض من عطر الشرق الذي نريده .
غير أن الكورد ابتلوا بأقاليم لا تتجانس في جغرافية وجودها . توزعوا بين رؤى الرايات الفارسية والعربية والتركية . ورغم هذا بدت المدن التي رأيتها صيف هذا العام في المساحة الأزلية لكردستان العراق عدا < آرانجا > مدن محصنة بالجمال والشعور بان وجودها بات مميزاً في خرائط الجغرافيا . ولأني مثل أي جنوبي :لا أحتفل بطروحات الطائفية والتقسيم والتمذهب ، تمنيت لهذه المدن ان تنشأ بما تريد رغباتها ، لا بما يريده الساسة ، فأن ما يكسبوه من وعود لن يلب حلماً واحداً من أحلام صاحب الكشك الذي باعني قصائد خلين ويلات ، ولو أعددت هذه الوعود ، لرأيتها تمتد من زمن سنحاريب ومروراً بصاحب الأتابكة وسليمان القانوني وتشرشل وستالين حين منح الملا مصطفى البرزاني رتبة جنرالاً في الجيش الأحمر ، وتطول القائمة حتى قرار 11 آذار 1970.وآخرها وعود الجنرال جي غارنر .
هذا وجود يتسع لحلم مربع قدري .أيران وتركيا وسوريا والعراق . غير أن أكراد العراق يتفوقون على إخوانهم في الجوار : أنهم يتمرسون في أحلامهم الثورية وأنهم دفعوا الثمن غاليا .ورغم هذا وكما شاهدت في دهوك . ثمة قيثارات تعزف للقادم وثمة حسن زيرك يغني فيما يشق صوت كمان دلشاد طريقه بين السفوح الخضر المليئة بقطعان الماشية والممتدة بين مركز مدينة دهوك وقرية بعاذرا الكردية .
في النهاية تكون عودتي إلى نينوى حين يكتمل المراد من خيبة أني تمتعت بجمال مدينة دون أن اقدم نفسي إلى سادنها .
تذكرت سقوط دولة أشور والشرر المتطاير من عيون الآلهة وهي تكيل غضبها على مجون المدينة ، ولهذا كنت في الموصل .كمن يتيه في طرقات الحرائق .
كان صديقي رعد فاضل قد تعود أن يستقبلني في دائرة النشاط المدرسي في كل مجيء لي إلى الموصل . وكمال عبد الرحمن يصر على أن يكون عشاءنا في بيته . فيما تدعوني كليزار في كل مرة أن أزورها في غرفتها بحسابات التربية ، لكني في كل مرة لا ألب الدعوة . لقد أصابني الحزن في هذه المدينة من يوم توقف قلب محمود جنداري ، وهاأنا أعود أليها في واحدة من ظهاري العطلة الصيفية وكان علي أن اذهب إلى مقهى البجاري حيث يجلس أدباء المدينة لكني أجلت كل شئ لحين لقائي بصديقي الأديب بدل رفو الذي أهديه هذا النص عرفاناً بمحبته التي تغمرني كما الثلج في ليل الربايا القديمة والى رسائله الدافئة كموقد الخشب في بيت في بطن الوادي .
إلى بدل رفو ..إلى شيركو وحسن سوليفاني
إلى كليزار وخلات أحمد
إلى بهيجة ونوزاد ونادين
إلى كاوة وآدم ونوح ومام
لقد بدأ العد فلنصعد سوية إلى القمر
ومن يصل ، سيهديه الإله وطناً من دون مجازر أو سيهديه كتاباً
كلما يفتحه سيجد نفسه في حضن أمه حتى لو كانت ميته
إلى بدل رفو ..
ذات ليلة في بعاذرا تفقدت النجوم خفقان قلبي
فوجدتني مذعوراً من هذا الجمال
أن تبحث عن حسن في مدينة .. خير لك من أن تبحث عن جوهرة بحر
هذا مثل صنعته أنا وأهديه إليك يا صديقي



#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة الى حاج عمران
- رسالة انترنيت الى ارشاد منجي
- رسالة انترنيت الى رفيق الحريري
- نبؤة المقال وأيام الحرب على العراق
- ماذا ترك لنا زمن السنيور برايم…………ر…؟
- ذاكرة المكان .. بين المشهد والشاهد تمثال لينين أنموذجاً
- أتحاد الشعب وأتحاد القلب
- ماركس أيها الطيب ..مالذي يحدث بالضبط


المزيد.....




- -الرئاسة الفلسطينية- تدين استخدام واشنطن -الفيتو- ضد عضوية ف ...
- فيتو أمريكي بمجلس الأمن ضد العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم ...
- مؤسسات الأسرى: إسرائيل تواصل التصعيد من عمليات الاعتقال وملا ...
- الفيتو الأمريكي.. ورقة إسرائيل ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحد ...
- -فيتو-أمريكي ضد الطلب الفلسطيني للحصول على عضوية كاملة بالأم ...
- فيتو أمريكي يفشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة بالأ ...
- فشل مشروع قرار لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ...
- فيتو أمريكي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة
- الرئاسة الفلسطينية تدين استخدام واشنطن -الفيتو- لمنع حصول فل ...
- فيتو أميركي ضد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة


المزيد.....

- سعید بارودو. حیاتي الحزبیة / ابو داستان
- العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس ... / كاظم حبيب
- *الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 * / حواس محمود
- افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_ / د. خليل عبدالرحمن
- عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول / بير رستم
- كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟ / بير رستم
- الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية / بير رستم
- الأحزاب الكردية والصراعات القبلية / بير رستم
- المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية / بير رستم
- الكرد في المعادلات السياسية / بير رستم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الكردية - نعيم عبد مهلهل - نهار في دهوك