أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - اشتغالات انطباعية- قصة قصيرة















المزيد.....

اشتغالات انطباعية- قصة قصيرة


كامل الدلفي

الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 20:17
المحور: الادب والفن
    



القصة التي اتحدث عن تفاصيلها خطرت في بالي حين عودتي من بيروت ما ان رأيت السيد فراس الكليدار شقيق السيد فرات الكليدار على متن الطائرة التي جاءت بنا الى بغداد ..على الرغم من اني كنت منشغلا عنه بمريضي الذي لم اجد له فرصة للنجاة من السرطان في المستشفى الامريكي، الا ان ذلك لم يمنع من تبادل بعض الحكايات القصيرة جدا باختزال شديد... ان هزيمتي في منع تناهب الجسد الغض من الهجمات البربرية لذلك المرض الفتاك دفعتني الى البحث عن مظاهر قوة تعويضية، مما أعاد الى مخيلتي بذور القصة، ووجدت في الاحداث المتلاحقة التي مرت بي عوامل مساعدة في فكرة اخراجها والتفكر في عالم سرديتها، الغريب.. الوجود بين القبور الصديقة في الغري، يساوي بين قيمتي الفناء والبقاء.. كأنما انتبهت الى مخزونات في الوجدان طالها التجاهل البديهي ..كانت ذاكرتي تنتقل على ذلك الارتفاع الشاهق بين وجه مريضي، ووجه السيدة رواء الكليدار الذي شغل مساحة التداعي النفسي ..هل يمكن ان ينسى الانسان بهذا المستوى من الدقة ؟ أيكون عقد مرحلة التغيير بعد العام2003 من القدرة على سلخ الذاكرة؟ كانت عائلة فرات الكليدار بمثابة العمق المدني لأرواحنا النابذة للاستبداد، كنا على مدى عقد سبعينيات القرن العشرين بأكمله نقوم في منزلهم بتجاربنا الفردية في الحرية المجردة شعرا ورسما وقصة قصيرة واحاديث في الفلسفة والوجوديات، قال فرات في ذات سكر: اننا ايها الاخوة نؤسس لزمن مضاد يقض مضاجع الاسياد التاريخيين فليكن شعارنا من الان فصاعدا: البوح الصريح في الوطن الجريح... في الثلاثين من اذار العام 1981كنا نتأهب لاحتفالية اليوم التالي.. دخلت مفرزة من أمن العاصمة لتقتاد فرات الكليدار بحجة إعادة التنظيم السياسي للحزب.. انتهت حكايتنا الى التشرد في الاقضية والمحافظات والى تسرب بعضنا الى دول اوروبا الشرقية... صارت اخبار آل الكليدار صعبة المنال لاسيما ان السيدة رواء التجأت هي وصغارها الى دار ابيها رجل الدين المعروف والذي يرى بان اصدقاء فرات هم سبب فاجعة العائلة ناهيك عما يضمره من كره لهم فهو يرى ان تزويجه رواء لهذا العلماني يعد ذنبا يحاسب عليه في الآخرة. بعد عشرة اعوام من انقطاع الصلة مع آل الكليدار ومن دون ان اسأله، كيف استدل على مكان عملي؟ رأيت فراس الكليدار يقف في باب المشغل، وهو يسأل عني، ركضت اليه احتضنته، كان باردا في حسه وخلجاته، انتظر ريثما انهي دائرة انفعالاتي فنبس بنبرة صلبة لا يقوى عليها الصوان: البقاء في حياتك.. امسك بكتفي مشفقا علي من الصدمة ..كبر هذا الصغير الذي كان بيننا امس ونحن نرسله ليشتري الصحف والسجائر والمعلبات ويقدم لنا الشاي والطعام وينقل الافرشة.. استرسل في كلامه ..استلمنا الجثة صباح اليوم وغدا نذهب الى الدفن في النجف الاشرف ..رواء والاهل يريدونك في الدفن.. كان الدفان قد انجز مهامه وهو يجلس قرب اللحد ينتظرنا ان نصل بالجنازة باكرا ... الشيخ الكليدار الكبير قد مات قبل عامين، وكنت لا اعلم بهذا حتى قرأت شاهدة قبره الذي اصبح قبر نسيبه العلماني لصيقا له.. لا فكاك للنقائض من بعضها.. هذا هو تزاحم الاضداد.. رجعنا الى بغداد..لم يسمحوا لنا بإقامة العزاء في دار الكليدار... فاقمت عزاءً في دارنا، وقد حرص جميع الاصدقاء والمعارف على الحضور ثلاثة ايام كان التحدي للسلطة واضحا قرأت في العزاء النصوص الشعرية، وارتفعت الخطابات ووضعت صورة مهيبة لفرات الكليدار رسمتها رواء التي تعد حقا من متميزي المدرسة الانطباعية في الرسم.. حقيقة ان ما قدمته اعلاه انما هو مجرد تعريف في بنية القصة، وانما قصتي تبدأ فعليا مع المعلومة التي ذكرتها والتي تفيد بان رواء رسامة انطباعية .. العزلة الكونية التي طبقت على المثقف العراقي، اخذت رواء نصيبا غير قليل منها ..والفضاء الواسع للدار التي عادت الى السكن فيها ما فتأ يخلق الوحشة والرعب والحزن ... واجترار الذكريات، فتق سيلا من امراض العصر ذات الجذر السيكولوجي .. مثل، السكر، والضغط، والربو، والبهاق.. بعض الاعمال الروتينية البسيطة لا تقدم حلا جذريا.. الوحدة مملة وقاسية... مرة في فجر ربيع عذب جلست في الحديقة، وارتفع صوتها في العتاب مع ذكرى الزوج الحبيب.. ماذا يحدث لو تركت لي ولدا منك؟ أليس الناس يكنونك ابو احمد لماذا لم تترك لي احمداً؟ انتبهت الى نفسها صرخت...لا .. ان احمداً موجود .. ابني موجود .... ركضت الى المشغل الذي هجرته.. كان كل شيء متهيئا ومنتظرا ومصغيا الى لمساتها ..الاصباغ الالوان، الريشة، القماش، الخشب... ادارت فرشاتها...رسمت دائرة الوجه، وجاءت بالتفاصيل، اكتملت اللوحة هكذا ولد احمد.. . ..جاءها المخاض .. وملىء المشغل برائحة النفاس، والامومة، والولادة، وفرح الانجاب، وعودة الغائبين ونهاية العزلة.. نامت من دون ان تنظر الى وجه احمد، فقد كانت متعبة من الطلق.. استفاقت عصرا وهي مليئة بالرضا والسعادة وتشعر بإجهاد الولادة البكر.. عملت لنفسها زهورات ساخنة...كمون، ورد ماوي، ودخلت المشغل على اطراف اصابعها خوف المواجهة الاولى مع حمودي، حضنت اللوحة سائرة بها الى غرفة النوم ...هي تحتضن الابن الذي سيسند ظهرها ويملأ فراغات الزمن.. كنا في الفراش انا وابوك يوم29اذار1981قبل ليلة من اختطافه، انت ابن هذا الفراش، سيكون يوم ميلادك بعد تسعة أشهر هو28كانون الاول1981 سأعمل شهادة ميلادك ... نحن الآن في كانون الأول من العام1991 تكون قد اكملت عشر سنوات من عمرك.. وتمضي السنون ورواء تعيش مع ابنها عيشة راضية، ولم تشعر بضغوطات الوحدة والترمل، اصبحت قوية ومتماسكة وهي تكد وتجتهد في توفير مستلزمات راقية لحياة الصبي، فأثثت له غرفة نوم كاملة المواصفات، يحلم بها اولاد الذوات، وكانت تشتري الملابس من ارقى المحلات، وحسب الموسم، والموديل، وهي تردد:(ضناي .. الضنا يا ابني بمعزة الروح.. الضنا بمعزة الرجل.. الظنا بمعزة الاخ...)..ولاستكمال حبكة القصة، اقدمت رواء على بناء معماري لنمو شخصية وبايولوجيا الأبن، فقامت برسم التغيرات المتوقعة بحسب مرور الوقت..كل سنتين..تجدد رسم اللوحة..وكانت تقيم الطقوس المطلوبة في التواريخ الفارقة.. في عمر الثانية عشرة، اكمل احمد الدراسة الابتدائية ..ابني ناجح الاول، وزعت الحلوى والمرطبات، واشترت انفس الهدايا له ..في العام الدراسي الجديد، كانت منهمكة لمدة اسبوع في البحث عن مدرسة متوسطة للمتميزين لتسجيل حمودي، وحدث نفس الشي في الاعدادية، وكانت تسهر في امتحانات البكالوريا.. وانهى الثانوية بدرجات متفوقة، ووزعت الحلوى، وذهبت بالنذور الى موسى الكاظم ..في الالفية الجديدة كان احمد في الصف الاول هندسة مدنية جامعة بغداد، تلك كانت رغبة فرات التي لم تتحقق... السنة الجامعية الرابعة، تزامنت مع الغزو الأميركي على العراق .. اكمل تخرجه بصمت ...كان احمد يرتاد ساحة الفردوس كبقية ابناء العوائل المعارضة للنظام، يشارك في كرنفالات الحرية الجديدة ..يعود الى البيت ..تغني (يمه.. هلا .. وشفنا اليوم...)..اشترت الستلايت، والكمبيوتر، وشبكة الانترنيت، واخذ احمد يتواصل على الشبكة العنكبوتية ..كانت تقرأ في موقعه جرأة عالية ضد الاحتلال، وتجد ادبيات للمقاومة والرفض.. (حمودي ما عندي غيرك وين اروح بدونك دير بالك ابني...) ... المقاومة تشتعل ضد الاحتلال في انحاء كثيرة...الفلوجة...النجف.. البصرة.. مدينة الصدر ..البيانات تملأ الموقع وصفحة الفيسبك العائدة له ..تحريض ..مشاركة.. هجوم.. استنكار.. جمع تواقيع.. ادانة.. بيانات موقعة بإسمه. صفحات صديقة اخرى، تتناقل المعطيات، وتنسخها وتعيد نشرها وتوزيعها.. صفحات اخرى تنشر تمجيدا للشيخ المجاهد احمد الكليدار... في تلك الليلة احكمت قفل الابواب، دخلت لرسم التغيرات المعتادة: ابني لقد اصبح عمرك سبعة وعشرين عاما.. رسمت ذلك .. جعلت له لحية خفيفة ..هذه لحيتك انت ..لا لحية جدك ولا لحية جيفارا؟ ولدي لا تتمادى مع الامبرياليين..انا خائفة ..عطرت الغرفة ..ابني بعد الازمة اخطب لك ..اريد ان تتزوج.. سمعت ان الباب يقلع من اصله واندفع جنود الاحتلال ببنادقهم في جميع زوايا البيت.. خمسة وقفوا فوق رأسها يتساءلون عن احمد.. آخرون اندفعوا الى السطح غيرهم الى غرفته وهم يصرخون هذه صورته... في الهمر كانت يداها مقيدة بأنشوطة بلاستيكية الى الخلف وصورة احمد يمسكها احد الجنود بقوة. نقلوها الى القاعدة العسكرية.. وقد فارقت الحياة بعد يومين لوهن قواها من المرض ولعدم تحملها اساليب الاستجواب الرثة التي مارسها المحتلون معها.. كان من المفترض ان تنتهي القصة عند هذه العتبة وكما قدر لها على انها عنفوان سايكولوجي فريد الا ان المفارقة التي اذهلتني هو ان صفحة احمد على الفيس بك وموقعه الالكتروني استمرا في التحديث ونشر البيانات والمعلومات والمعطيات والأميركان من جهتهم مستمرون في متابعة التحري عنه.. وحين خرج الجيش الاميركي من العراق، تلقت صفحته آلاف التهاني وآيات المديح والاطراء والعرفان بالجميل...



#كامل_الدلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احلام متبادلة –قصة قصيرة جدا
- نومي بصرة -قصة قصيرة
- حداء الكلك - قصة قصيرة
- الدستور دليل عمل دائم وليس شاهد حسب المزاج. قراءة في اختراقا ...
- هل أتاك حديث التظاهرة ؟
- العلق - قصة قصيرة
- حديث في مفهوم المواطنة والهويات الفرعية
- جماهير اليسار في العراق بين استبداد الماضي وتعسف الحاضر
- لائحة الارهاب العراقية- وسائل تعرية الملثمين
- ديخوخرافيا
- المعجزة و مقامُ النوّرِ
- الثديال- قصة قصيرة
- عدم إرتقاء العقل العراقي الى التمثل الابستمولوجي لصناعة الحا ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- اعادة انتاج وحدة الوجود العراقي عبر الربط بين طرفي الزمن– ال ...
- التاريخ لايجلس القرفصاء..إختصارات موجعة في الذكرى السادسة لإ ...
- المتاهة المهذبة في الدوران حول النص المشرعن للسلطة الغائبة ( ...
- أوباما والحلم الامريكي المفقودهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟
- قتلتنا الردة ،دلالات في سوء القصد
- الهجنة المدينية في مثقف اليوم، السائد منه انموذجا!


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كامل الدلفي - اشتغالات انطباعية- قصة قصيرة