أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - إخضاع الجسد














المزيد.....

إخضاع الجسد


عائشة خليل

الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 20:01
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كتب ميشال فوكو (1928-1984) مطولا عن إخضاع الجسد في العصر الحديث من خلال كتاباته المتنوعة. وقد أخذت عليه المفكرات النسويات (من ضمن ما أخذن) أنه لم يفرد مساحة خاصة لجسد المرأة وتعامل مع الموضوع وكأن الرجال والنساء تخضع أجسادهم لذات الضغوط من أجل تطويعها.
ومن أوائل من تناول موضوع إخضاع جسد الأنثى في العصر الحديث من الكاتبات الأمريكيات "ساندرا بارتكي" وتحدثت في مقال كلاسيكي لازال موضوع بحث ودراسة بين النسويات عن إخضاع جسد المرأة على ثلاث مستويات هي: تشكيل جسد المرأة؛ إخضاع حركات جسد الأنثى وسكناته؛ والتجميل.
وأبرز الأمثلة على تشكيل جسد المرأة هو الحمية الغذائية، أو الرجيم الذي تطالعنا فيه المجلات النسائية في جميع أعدادها، وتوجه فيه المرأة إلى اتباعها من أجل أن تصل إلى الوزن المثالي. ولقد أثرت مخرجات الثقافة المختلفة (من أفلام، وأغاني، وإعلانات وغيرها) في رؤية المرأة تجاه جسدها، فباتت تكرهه وتعتقد أنه يعاندها حيث لا يخضع للمعايير "المثالية" المتوهمة والتي لا تأخذ في الاعتبار العوامل المختلفة مثل السن، وطبيعة كل جسد. ولقد بينت الدراسات أن فتيات الجامعات ينظر إلى أجسادهن ببغض وعداء شديدين مقارنة بالفتيان من نفس الفئة العمرية، ورأت الكثيرات منهن أنهن أكبر من حجمهن المثالي، وبالتالي في حاجة إلى حمية غذائية أو رجيم بالرغم من أن المقربات لهن لا يشاطرهن ذات الرأي. كما كان رأي الفتيات أن أوزانهن تزيد عن الحجم المثالي بعدد كبير من الكيلو جرامات، بينما رأى الفتيان أنهم يقتربون من الوزن الأمثل لأجسادهم بنحو كيلو جرام أو نحو ذلك. وبالطبع تلعب الرأسمالية دورًا هامًا وحيويًا في فرض تلك الصورة المثالية على المرأة، فلنا أن نتخيل ملايين الدولارات التي تنفقها السيدات على مستحضرات التجميل، ومواكبة خطوط الموضة، ومواد الحمية الغذائية وغيرها. فإخضاع جسد المرأة لمعايير جمالية معينة ليس خلوا من الربح لتلك الشركات.
كما يطوع جسد المرأة بحيث لا تتخذ حيزًا مكانيًا كبيرًا، فهو في العادة أكثر تحديدًا من جسد الرجل. ولقد قامت المصورة الألمانية ماريان واكس بتوثيق حركات أجساد الرجال والنساء في الشوارع فوجدت أن أجساد النساء تبدو وكأنها محصورة: تجلس النساء على أطراف المقاعد، وأرجلهن مضمومات، وأذرعهن بجانب أجسادهن، بينما يجلس الرجال باسترخاء على المقاعد، وأذرعهم تحتوي مسند المقعد، وأرجلهم منفرجة، وكأنهم في حالة عرض لأجسادهم. وتتعلم الفتيات أن يتحركن بانقباض ولكن بلطف وببعض الإغراء الجنسي محدد المقدار. وهي معادلة صعبة، وبذات صعوبة التوجيهات التي تتلقاها الفتيات لركوب السيارة أو النزول منها.
كما أن النساء يدربن على إبداء الاحترام على وجوههن، ويبتسمن بمعدل أعلى من ابتسام الرجال، ويتم تدريبهن على خفض نظرهن إذا تلقين نظرة فاحصة من الرجال. وبالطبع فإن الفتيات اللعوبات لا يتماشين وتلك الأعراف السائدة، فهن يسدد البصر أينما شئن، ويترك لأجسادهن من الحرية ما لا تملك الفتيات "المهذبات"
أما عن التجميل فتقول بارتكي "جلد المرأة يجب أن يكون ناعمًا، مرنًا، لينًا، خالٍ من الشعر، ويفضل ألا يكشف عن السن، أو التجربة، أو التفكير العميق."  وتبسط الخطوات المختلفة المطلوبة من المرأة لتزين نفسها، بدأ من نزع الشعر على الوجه وأعضاء الجسد، مرورًا بتهذيب أظافر اليدين والقدمين، وتنظيف الوجه بالكريمات الخاصة بالعينين، ثم سائر الوجه، وبالحركات المصاحبة لاستخدام تلك الكريمات، ثم باللوشنات المختلفة الخاصة بتنظيف الوجه، ثم العناية بالشعر واستخدام السشوار والفرش وغيرها، وصولا إلى المكياج الذي يصور على أنه فن جمالي على المرأة أن تعرف فنونه بين مكياج صباحي، ومسائي .. إلخ.
وهكذا يتم تشكيل الجسد الأنثوي من خلال تلك العمليات المعقدة، وإخضاعه ففي حين يكتفي الرجل الاهتمام بنظافته الشخصية، وحلاقة ذقنه كل صباح، يتعين على المرأة القيام بتلك العمليات المعقدة صباح مساء، وإلا اعتبرت طبقًا للثقافة الإعلانية المسيطرة "ناقصة". ولا يأخذ في الحسبان معظم النساء اللواتي لا وقت ولا مال لديهن للقيام بمثل تلك العمليات المعقدة المكلفة. وهكذا تعاقب الرأسمالية مجمل النساء من أجل جني الأرباح الطائلة المرتبطة بالصورة المثالية للمرأة التي يرسموها لنا على صفحات المجلات وفي الإعلانات، والتي تلهث وراءها القليلات منا، فيشعرن بالتمييز النسبي عن الأخريات. فتضعنا الثقافة البطريركية في مواجهة بعضنا البعض عوضًا عن النظر في أمر تماسكنا معنا. وهي السياسة التي لطالما اتبعتها البطريركية لتفريق النساء ... ولكن هذا موضوع مقال قادم.



#عائشة_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقوبة التحرش بين القانون الفرنسي والمصري
- العدالة الشكلية والعدالة الجوهرية
- تدنى المستوى التعليمي (فكرًا وممارسة) في مصر: نموذج من ورقة ...
- النخبة المصرية وحزمة البصل
- اغتصاب الثيب غير وارد!!
- بين الفرعون .. والإمام .. الرئيس منزوع الصلاحيات
- تشريح ثورة
- الدولة المدنية
- بيتي فريدان وكتاب -السحر الأنثوي-
- تقدم .. تأخر
- تأنيث الفقر
- الإسكات
- المرأة المصرية وصياغة الدستور
- النساء والانتخابات
- حواء والتاريخ النسائي
- اللغة والحط من شأن الأنثى والأنوثة والأنثوي في الثقافة المعا ...
- عمل المرأة ليس ترفًا
- برنامج -دائرة الستة أشخاص-: للحد من العنف المجتمعي
- عفت عبدالكريم والرسائل الملتبسة في مسرحية مدرسة المشاعبين
- الإعلان وتكريس المفاهيم التقليدية


المزيد.....




- “800 دينار جزائري فورية في محفظتك“ كيفية التسجيل في منحة الم ...
- البرلمان الأوروبي يتبنى أول قانون لمكافحة العنف ضد المرأة
- مصر: الإفراج عن 18 شخصا معظمهم من النساء بعد مشاركتهم بوقفة ...
- “سجلي بسرعة”.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة بالبيت ف ...
- إيران - حظر دخول النساء الملاعب بعد احتضان مشجعة لحارس مرمى ...
- هل تؤثر صحة قلب المرأة على الإدراك في منتصف العمر؟
- اغتصاب وتحويل وجهة وسطو وغيرها.. الأمن التونسي يوقف شخصا صدر ...
- “الحكومة الجزائرية توضح”.. شروط منحة المرأة الماكثة في البيت ...
- جزر قرقنة.. النساء بين شح البحر وكلل الأرض وعنف الرجال
- لن نترك أخواتنا في السجون لوحدهن.. لن نتوقف عن التضامن النسو ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - عائشة خليل - إخضاع الجسد