أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - محمد عادل زكى - الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس















المزيد.....



الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس


محمد عادل زكى

الحوار المتمدن-العدد: 3820 - 2012 / 8 / 15 - 00:54
المحور: الارشيف الماركسي
    


أدم سميث (1723- 1790)
أبو عِلم الاقتصاد، وفقاً للرأى الغالب، ولد أدم سميث، فى الخامس من شهر يونيه عام 1723 بمدينة كيركالدى باسكتلندا، مات أبوه قبيل ولادته ببضعة أشهر، فربته أمه، وكان ميالاً إلى العزلة، مفكراً متأملاً. وغريب الاطوار، فكان سميث معروفاً بكونه شخصية تلفت النظر، إذ إشتهر بشرود الذهن، ومن ذلك أنه سقط مرة فى إحدى الحفر التى تستخدم فى عملية الدباغة أثناء سيره وهو منهمك فى بحث أصولى جاد مع صديق له، كما قيل أنه صنع لنفسه شراباً من الخبز والزبد ثم أعلن أن ذلك أسواء فنجان من الشاى تذوقه فى حياته(18)، بيد أن تلك الهفوات لم تكن لتنبىء إلا عن شخصية غريبة إلى حد ما، ومع تلك الغرابة كان الدكتور سميث معروفاً وإن لم يكن مشهوراً، فلقد سمع به فولتير، وكان ديفيد هيوم صديقه الحميم، كما أن الطلاب كان يقطعون الاميال قدوماً من روسيا لسماع محاضراته. ولقد عاش سميث وحيداً بجانب أمه التى بلغت التسعين عاماً، ولم يتزوج طيلة حياته، ودفن فى كنيسة كانونجيت، وقد كتب على شاهد قبره:"هنا يرقد آدم سميث مؤلف كتاب ثروة الامم".
إلتحق أدم سميث بجامعة جلاسكو فى عام 1737، وتميز فى الرياضيات والفلسفة، وفى عام 1740 أوفد إلى اكسفورد لمدة سبع سنوات، عاد بعدها إلى كيركالدى، وقد قرر أن لا ينخرط فى سلك القساوسة، وفى سن الخامسة والعشرين ينتقل آدم سميث إلى أدنبره ملقياً محاضرات فى الاداب والبلاغة، ولكى يُعين أستاذاً للمنطق بجامعة جلاسكو فى عام 1751، ثم أستاذاً للفلسفة الاخلاقية عام 1752، وكان عِلم الاقتصاد يدخل آنذاك ضمن دراسة الفلسفة، وفى عام 1759 قام آدم سميث بنشر كتابه "نظرية المشاعر الاخلاقية"، ولذيوع صيته فى أوروبا؛ فقد دُعى كى يقوم بالتدريس لدوق "بوكلييه"، وأقام فى فرنسا من أجل ذلك ما يقارب من ثمانية أشهر، مكنته إلى حد ما من التعرف على فكر الفيزوقراط بوجه عام، وفكر فرنسوا كينيه بوجه خاص، حتى عاد إلى كيركالدى؛ كى يعكف على كتابة مؤلفه الشهير" ثروة الامم"
وفى ذلك المؤلف الذى تتضمن فكر أدم سميث، ومَثَل إنطلاقة الفكر الكلاسيكى، خمسة كتب: تتناول مسائل الانتاج والتوزيع(الكتاب الأول والثانى) وبحث تاريخى لتطور الثروات فى مختلف الامم(الكتاب الثالث) ودراسة لنظرية التجاريين والنظام الزراعى الذى قال به الطبيعيون(الكتاب الرابع) ويُعالج فى (الكتاب الخامس) إشكاليات المالية العامة.
وما يميز مذهب سميث فى تلك اللحظة التاريخية من تاريخ الفكر الاقتصادى انه قائم على كون إنتاجية العمل تتوقف فى الاساس على تقسيم العمل بين الافراد، كما وأن للفرد ميلاً وإتجاهاً إلى العمل وإن ذلك يُعد صفة لصيقة بالطبيعة الانسانية، ومِن هنا فإن التخصص وتقسيم العمل يُعدا أساساً للتراكم الرأسمالى؛ وتمكن سميث من نقل تصوره هذا حول التخصص والتراكم على صعيد التجارة الدولية، عقب أن وجه سهام النقد الجارحة لفكر التجاريين وسياسة المعدن النفيس، إلا أن سميث لاقى العديد من الصعوبات النظرية، والتى سوف يتولى ديفيد ريكاردو محاولة إزالتها، مُدخلاً تعديلاً على نظريات أستاذه وبصفة خاصة نظريته فى التجارة الخارجية والتى كانت مؤسسَة على النفقات المطلقة، وجعلها مؤسسَة على النفقات النسبية.
تصور آدم سميث
مجموعة من الاسئلة حاول سميث الانطلاق إبتداءً من الاجابة عليها فى سبيله لإقامة مذهبه؛ فهو منشغل بالاجابة على السؤال الخاص بالكشف عن ذلك الجهاز الذى يحفظ تماسك المجتمع، وكيف يمكن لمجتمع يسعى كل أفراده إلى مصلحتهم الذاتية أن يستمر ولا يتفكك؟ وما الذى يجعل تصرفات أفراد المجتمع، على الرغم من أنانيتها، تأتى متفقة مع المصلحة الجماعية؟ بل وكيف ينجح المجتمع فى أداء المهام اللازمة لبقائه على الرغم من عدم وجود سلطة مركزية، وهذا ما يفترضه أدم سميث؟ وإذ يُقدم سميث إجابات على ما يُثيره من أسئلة، فإنما يتوصل إلى أول صياغة لقوانين السوق، والتى تركز على "اليد الخفية" التى بمقتضاه تسير مصالح الناس الخاصة وأهواءهم فى الاتجاه الاكثر إتفاقاً مع مصلحة المجتمع بأسره. ولكن قوانين السوق ليست مجرد جزءً من البحث الذى يقوم به سميث؛ فسميث إنما يعنيه حركة المجتمع خلال الزمن، ولذا تكون قوانين السوق ذات بعد ديناميكى وهى تقوم بعملها على الصعيد الاجتماعى.
وفى سبيله لتحليل طبيعة السوق وقواعده، وصياغة قوانينه، فقد لاحظ آدم سميث، ما يلى:
أولاً: أن المصلحة الذاتية تقوم بدور القوة المحركة التى توجه الناس إلى أى عمل يُريد المجتمع أن يدفع ثمنه، ومن هنا ينشأ العرض.
ثم لاحظ سميث ثانياً: أن المصلحة الذاتية لا تُمثل غايته فى التحليل والطريق لم يزل طويلاً، ومن هنا إستأنف تحليله للمصلحة الذاتية على أساس أنها التى تدفع أفراد المجتمع إلى العمل، ولكن شيئاً ما يُعد عاملاً آخر يتعين أن يسيطر على إنفلات الاثمان، هذا العامل المنظم هو المنافسة أى الذى يمنع تحكم أحد العارضين فى الثمن، وهو يقصد هنا ثمن السوق، اللهم إلا إذ ما حدث إتفاق بين العارضين لسلعة ما، وهنا كذلك يستعين السوق بنفس المبدأ. مبدأ المنافسة، إذ سيأتى رأسمالىُ أخر من خارج سوق تلك السلعة ويدخل سوقها بأثمان أقل؛ بما يؤدى إلى توازن الثمن مرة أخرى.
ثالثاً: أن قوانين السوق لا تفرض على المنتجات سعراً(سوقياً) تنافسياً فحسب؛ بل وتحرص على أن يراعى المنتجون طلب المجتمع بشأن مقادير السلع التى يحتاجها، فالسلعة التى يقرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها لا شك ستقود المنتجين إلى الاكثار من إنتاج تلك السلعة، على حساب سلعة أخرى كف، ولو مؤقتاً، المجتمع عن إستهلاكها، بما يؤدى إلى زيادة الانتاج من السلعة التى قرر المجتمع زيادة إستهلاكه منها ومن ثم يزيد الفائض منها، فى مقابل إختفاء الفائض من السلعة التى توقف الانتاج بشأنها لعدم رغبة المجتمع فيها، بما يؤدى إلى إنخفاض المعروض منها عن حاجة المجتمع، تتدخل هنا قوانين السوق، كى تصحح الوضع ولترجعه إلى ما كان عليه من توازن، فتبدأ أثمان السلعة التى إنخفض قدر المعروض منها عن حاجة المجتمع فى الارتفاع، نظراً لإختفاء الفائض وإحتياج المجتمع إليها، فعن طريق قوانين السوق إذاً يكون المجتمع قد قام بتغيير تخصيص عناصر الانتاج حتى تناسب رغباته الجديدة. وكل ذلك، بتصور سميث، يتم دون تدخل لأى سلطة مركزية، وإنما بفضل التناقض بين المصلحة الذاتية والمنافسة.
رابعاً: وثمة مساهمة أخرى مهمة لآدم سميث، مؤداها: فكما تنظم قوانين السوق الاثمان ومقادير السلع، فهى تنظم كذلك دخول الذين يتعاونون فى إنتاج تلك السلع؛ فإذا كانت الارباح فى قطاع ما من الاعمال من الكبر بحيث تتجاوز القدر الواجب فسوف يتدفق الرأسماليون على هذا القطاع، فيزيد الانتاج، ومن ثم سيزيد الفائض، ويظل الأمر هكذا إلى أن تقوم المنافسة بتخفيض الفائض، الدخول هنا إنما ترتبط، وفقاً لقوانين السوق لدى أدم سميث، بمدى تدفق العمال على قطاع السلعة التى زاد الطلب عليها، يظل هذا التدفق مستمراً حتى يكثر العمال فى هذا القطاع وتزداد المزاحمة، كما سيشرح ريكاردو ومن بعده ماركس، فيما بينهم فيبدأ الدخل فى الانخفاض. وهكذا يتم التوازن فى السوق. سميث يتعامل حتى الأن مع السلعة فى مرحلة التداول، وليس الانتاج، وقوانين السوق هى الكفيلة، وفقاً له، بتنظيم المجتمع وضبط إيقاعه، ولكن تلك القوانين التى كشف عنها سميث لم تكن الانجاز الحقيقى لأدم سميث، إذ أن مساهمته الفعلية، وما أكثرها فى الاقتصاد السياسى، إنما تتركز فى نظره إلى السلعة فى المرحلة السابقة على طرحها فى السوق للتداول، أدم سميث، والكلاسيك بوجه عام، إنما ينظرون إلى العملية الاقتصادية فى المجتمع ككل، إبتداءً من الانتاج ومروراً بالتداول والاستهلاك، وإنتهاءً بالتوزيع كما سيكون ذلك الانشغال الرئيسى لدى ريكاردو، كما سنرى أدناه.
وعلى هذا يرى آدم سميث إن ثمن السلعة، أو قيمة مبادلتها، إنما يتكون مِن: الاجر، والربح، والريع. إذ يقول ان:"القيمة التى يقوم العمال بإضافتها إلى المواد تنقسم إلى شطرين: الاول، وهو الذى يُدفع كأجر، أما الثانى، فهو الارباح". أى أن الاجر والربح مصدرهما العمل. ويرد أدم سميث، بتلك المثابة، جميع الاجزاء المكونة لثمن السلعة (ويقصد هنا ثمن السوق) إلى العمل. والذى لا يقيس فقط قيمة ذلك القسم من الثمن الذى يحل نفسه فى العمل، ولكنه يقيس كذلك الذى يحل نفسه فى الريع، ومما يحل نفسه فى الربح، فهو يقول:
"The real value of all the different component parts of price, it must be observed, is measured by the quantity of labour which they can, each of them, purchase or command. Labour measures the value not only of that part of price which resolves itself into labour, but of that which resolves itself into rent, and of that which resolves itself into profit."p22

ثم يضيف بشأن رأس المال، إن رأس المال يلعب دورين: أولهما: دور الايراد بالنسبة للعمال، وثانيهما: دور الرأسمال بالنسبة للرأسمالى، وبعبارة أخرى: إن ذلك الجزء مِن الرأس مال الذى دُفع للعمال، ويُمثل لهم كإيراد، صار بهذه المثابة بعد أن لعب فى البداية دور الرأسمال.
”The portion of the stock which is laid out in maintaining productive hands……… after having served in the function of a capital to him the employer constitutes revenue to the labourers…..…”p52
وحينما يبدأ أدم سميث تحليله إبتداءً من دائرة الانتاج، فإنه يوضح أن شرط البدء فى العملية الانتاجية المنظمة والتى تمثل القاعدة العامة فى عصره، وعصرنا كذلك، هو التراكم، ويرى أدم سميث مصدره فى قيام بعض الناس بإدخار المال، وهم الذين سيتحولون إلى تجار فى فترة تاريخية معينة، ثم، ومع التطور التاريخى، إلى رأسماليين يستخدمون عمالاً بالاجرة، وسميث لديه الوعى بكون العمل الضرورى اللازم للانتاج هو مقياس التبادل، ويضرب على ذلك مثلاً الصيد، فإذ ما كان صيد حيوان ما يتكلف إصطياده ساعتين من العمل، وآخر يتكلف ساعة واحدة من العمل؛ فإنه يتعين مبادلة زوج من الحيوان الذى تكلف صيده ساعة عمل ضرورى واحدة بحيوان واحد من الذى تكلف صيده ساعتين من العمل.
"In that early and rude state of society which precedes both the accumulation of stock and the appropriation of land, the proportion between the quantities of labour necessary for acquiring different objects seems to be the only circumstance which can afford any rule for exchanging them for one another. If among a nation of hunters, for example, it usually costs twice the labour to kill a beaver which it does to kill a deer, one beaver should naturally exchange for or be worth two deer. It is natural that what is usually the produce of two days or two hours labour, should be worth double of what is usually the produce of one day s or one hour s labour". P58
يعى آدم سميث جيداً الرابط ما بين الربح وبين القيمة الزائدة، فيذهب إلى القول بأن :" العمال فى مجال الصناعة يأخذون أجورهم مِن سيدهم، الرأسمالى، وهم فى ذلك لا يجعلونه فى الحقيقة يُنفِق شيئاً؛ حيث أن هذه الاجور، عادة، ما تُدفع من الارباح".
“The manufacturer has his wages advanced to him by his master, he in reality, costs him no expense, the value of those wages being generally restored, together with a profit ……”p27
التركيب العضوى لرأس المال
وحيث يبدأ آدم سميث، ومؤسسو الاقتصاد السياسى بوجه عام، إبتداءً من دائرة الانتاج، فهو يرى أن الانتاج إنما يتطلب توافر حد أدنى من رأس المال الذى يلج حقل الانتاج فى أشكال مختلفة، منها ما هو فى صورة مواد أولية أو مواد مساعدة، ومنه ما هو فى صورة آلات ومبانى، ومنه ما هو فى صورة قوة عمل تنفق فى سبيل تفعيل المواد من خلال الادوات وتحويلها إلى سلع، هنا يقرر آدم سميث أن رأس المال هذا إنما ينقسم إلى قسمين: أحدهما وهو الذى يستخدم فى سبيل الحصول على الاراض والالات، أى أدوات الانتاج، ويسمى آدم سميث هذا القسم (رأس المال الاساسى) أما القسم الثانى والذى يسميه سميث (رأس المال الدائر) فهو الذى يستخدم فى سبيل شراء مواد العمل وقوة العمل.
ووجه الفارق ما بين رأس المال الاساسى وبين رأس المال الدائر، كما يرى سميث، يتجلى فى شرط بقاء الملكية، وهو الشرط الذى سيعدله ريكاردو فيما بعد، فآدم سميث يجعل معيار التفرقة بين قسمى رأس المال هو مدى إحتمالية تغير مالك ذلك الجزء من رأس المال الذى تجسد فى السلعة عقب إنتاجها وطرحها فى حقل التداول، بمعنى أن كل سلعة من السلع المنتجة طبقاً لنمط الانتاج الرأسمالى والمعدة للطرح فى السوق، إنما تحتوى على (أدوات عمل، ومواد عمل، وقوة عمل) والذى يمضى فى التداول هو (مواد العمل وقوة العمل) وتظل الادوات، والمبانى، على ملك صاحبها، وإنما تتجسد فى الناتج بمقدار الاهلاك فقط، وبنسبة محددة، على حين أن المواد إنما تُستهلك كلية أثناء الانتاج، وكذلك قوة العمل التى هى عرضة مثلها مثل المواد للتبدل والتغير فى أى لحظة يراها الرأسمالى، وتبقى الالات والمبانى كى تمثل رأس المال الاساسى، على حين تعد مواد العمل وقوته رأس مالاً دائراً، وفى ذلك يقول أدم سميث فى نص، بتصورى، فى منتهى الاهمية:
"There are two different ways in which a capital may be employed so as to yield a revenue or profit to its employer. First, it may be employed in raising, manufacturing, or purchasing goods, and selling them again with a profit. The capital employed in this manner yields no revenue or profit to its employer, while it either remains in his possession, or continues in the same shape. The goods of the merchant yield him no revenue or profit till he sells them for money, and the money yields him as little till it is again exchanged for goods. His capital is continually going from him in one shape, and returning to him in another, and it is only by means of such circulation, or successive exchanges, that it can yield him any profit. Such capitals, therefore, may very properly be called circulating capitals. Secondly, it may be employed in the improvement of land, in the purchase of useful machines and instruments of trade, or in suchlike things as yield revenue or profit without changing masters, or circulating any further. Such capitals, therefore, may very properly be called fixed capitals.Different occupations require very different proportions between the fixed and circulating capitals employed in them. The capital of a merchant, for example, is altogether a circulating capital.He has occasion for no machines or instruments of trade, unless his shop, or warehouse, be considered as such some part of the capital of every master artificer or manufacturer must be fixed in the instruments of his trade. This part, however, is very small in some, and very great in others. A master tailor requires no other instruments of trade but a parcel of needles. Those of the master shoemaker are a little, though but a very little, more expensive. Those of the weaver rise a good deal above those of the shoemaker. The far greater part of the capital of all such master artificers, however, is circulated, either in the wages of their workmen, or in the price of their materials, and repaid with a profit by the price of the work." p138

ديفيد ريكاردو (1772- 1823)
ديفيد ريكاردو، واحد من أعظم أساتذة التحليل الاقتصادى فى عالمنا المعاصر، وأعظم مَن يمثل الكلاسيكية بعد آدم سميث. ولد ديفيد ريكاردو فى عام 1772 فى أسرة يهودية من هولندا، جاءت إلى إنجلترا واستقرت بها، وبعد مرحلة من عمره تحول عن اليهودية. أصبح ديفيد ريكاردو سمساراً للاوراق المالية، وإستطاع أن يجمع ثروة كبيرة فى وقت قصير أهلته من أن يصير مالكاً للاراضى، كما ساعدته ثروته على عضوية مجلس اللوردات، وأن يتفرغ للانتاج الفكرى والمعرفى فى وقت مبكر. وفى عام 1817 قام ديفيد ريكاردو بنشر أهم مؤلفاته "مبادىءالاقتصاد السياسى والضرائب" وفى هذا المؤلف الهام، المكون من 32 فصلاً، يعتبر ديفيد ريكاردو أن الاشكالية الاساسية فى الاقتصاد إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التى تنظم عملية التوزيع، وإنما إبتداءً من القيمة. ومن ثم يتبدى وجه الاختلاف بين رؤية سميث وبين رؤية ريكاردو للموضوع الذى ينشغل به الاقتصاد السياسى، فعلى حين يرى آدم سميث أن دائرة الانتاج هى محل الانشغال، ينقل ريكاردو التحليل من دائرة الانتاج إلى دائرة التوزيع؛ وعلى الرغم من وجه الاختلاف هذا، إلا أن كلا منهما يصدر فى تحليله لدائرة إنشغاله من القيمة.
والواقع أن الاختلاف بين ريكاردو وسميث فى تلك الجزئية إنما هو إنعكاس مباشر لحركة الواقع، فآدم سميث حين فكر فى إنتاجه ثروة الامم، وإنتاجه فعلياً، إنما كان يعيش عصر الثورة الصناعية وكانت المشكلة الاساسية هى مشكلة تنظيم الانتاج ونموه، بينما جاء ريكاردو كى يعايش مرحلة تالية أخذت مشكلة توزيع الدخل حيزاً كبيراً على صعيد الاقتصاد القومى، فيما بين: العمال، والرأسماليين، والملاك العقاريين، وفى نفس الوقت كانت هذه المرحلة التى عاشها ريكاردو هى مرحلة تتسم بزيادة ملحوظة فى الايجارات الزراعية(الريع) ومن ثم كان توزيع الدخل بين الزراعة وبين الصناعة من الموضوعات الرئيسية التى شغلت التفكير الاقتصادى؛ فالتعارض كان واضحاً وشرساً بين مصالح طبقة كبار الملاك العقاريين وبين طبقة الرأسماليين.
تصور ديفيد ريكاردو
يبدأ ريكاردو من حيث الانشغال بتفسير لغز القيمة بالرجوع إلى مسألة الندرة، فهو يقرر أن الاختلاف بين القيمة الاستعمالية وبين القيمة التبادلية إنما يعود إلى ندرة السلع المختلفة؛ فبعض السلع قد يكون لها قيمة إستعمال مرتفعة ومع ذلك تنخفض قيمتها التبادلية لوجودها بوفرة؛ الهواء الجوى مثلاً قيمته الاستعمالية مرتفعة ولكن حيث يوجد بوفرة تشبع حاجات الانسان فإن قيمة تبادله تنخفض إلى الصفر، وبعض السلع الأخرى التى تصور آدم سميث أن قيمتها الاستعمالية منخفضة جداً نجد أن قيمتها التبادلية مرتفعة جداً؛ كالذهب مثلاً، تنخفض قيمة إستعماله وترتفع قيمة مبادلته.
"It has been observed by Adam Smith, that "the word Value has two different meanings, and sometimes expresses the utility of some particular object, and sometimes the power of purchasing other goods which the possession of that object conveys. The one may be called value in use; the other value in exchange. The things," he continues, "which have the greatest value in use, have frequently little or no value in exchange; and, on the contrary, those which have the greatest value in exchange, have little or no value in use." Water and air are abundantly useful; they are indeed indispensable to existence, yet, under ordinary circumstances, nothing can be obtained in exchange for them. Gold, on the contrary, though of little use compared with air or water, will exchange for a great quantity of other goods".p39
وهو يصل إبتداءً من فكرة الندرة إلى إعتبار أن السلع تعتمد فى قيمتها التبادلية على أمرين: الندرة، وكمية العمل المطلوبة لإنتاجها. وإنما إبتداءً من وعيه بأن قيمة السلعة لا تتوقف فقط على العمل المنفَق مباشرة فى إنتاجها، بل وأيضاً العمل المنفَق على الادوات والعدد والمبانى الضرورية لتحقيق العمل. أى أن ريكاردو يعالج هنا مسألة العمل المختَزن.
"Possessing utility, commodities derive their exchangeable value from two sources: from their scarcity, and from the quantity of labour required to obtain them". p67
وهكذا حاول ريكاردو أن يفهم التناقض ما بين قيمة إستعمال السلعة وبين قيمتها التبادلية، وذلك بالرجوع إلى ندرة السلعة، ويمكننا البدء فى إيجاز تصور ريكاردو من حيث بحثه إبتداءً من القيمة، وهو يرى أن قيمة سلعة أو كمية معينة من سلعة أخرى تكون معدة للتبادل، إنما تتوقف على كمية العمل (النسبية) الضرورية لانتاجها، وحينئذ نكون أمام الثمن الطبيعى. والذى لم يتمكن أدم سميث من الوصول إليه بوضوح ريكاردو.
"The value of a commodity, or the quantity of any other commodity for which it will exchange, depends on the relative quantity of labour which is necessary for its production, and not on the greater or less compensation which is paid for that labour"p32
أما إذا كان التعويض أكبر أو أقل فنكون أمام ثمن السوق؛ فريكاردو يفرق بين الثمن الطبيعى وبين ثمن السوق، وهو يعمم تلك التفرقة على جميع ما يُباع ويُشترى فى السوق من سلع، وطالما العمل سلعة تُباع فى سوق العمل لمن يشتريها فى مقابل الاجرة، فإن ريكاردو يرى أن الثمن الطبيعى للعمل هو الذى يكون ضرورياً لتمكين العمال من العيش وإدامة عرقهم، دون زيادة أو نقصان، إنما يعنى حد الكفاف، وحينما تطرح سلعة العمل فى السوق نكون أمام ثمن السوق للعمل، وهو يراه هنا، كما أدم سميث، خاضعاً لقوى العرض والطلب، فريكاردو يقول فى الفصل السادس:
"Labour, like all other things which are purchased and sold, and which may be increased or diminished in quantity, has its natural and its market price. The natural price of labour is that price which is necessary to enable the labourers, one with another, to subsist and to perpetuate their race, without either increase or diminution. The market price of labour is the price which is really paid for it, from the natural operation of the proportion of the supply to the demand; labour is dear when it is scarce and cheap when it is plentiful. However much the market price of labour may deviate from its natural price, it has, like commodities, a tendency to conform to it,p78
ويقرر ريكاردو أن العمل المباشر يحصل على أجر مقابل مساهمته فى الانتاج والعمل المختَزن يحصل على ربح وهذا هو مقابل تكوين رأس المال أو إختزان العمل، ولكن ريكاردو يرى إمكانية زيادة الارباح عن ذلك المستوى الذى يعوض أصحاب رأس المال على مجهوداتهم التى بذلوها فى سبيل إنتاج السلعة. وهذه الزيادة فى الارباح تشبه الريع الذى يحصل عليه ملاك الاراضى من حيث كانت فى رأى ديفيد ريكاردو نتيجة لندرة رأس المال وليست نتيجة للمجهود الذى بذل فى تكوينها.
التركيب العضوى لرأس المال
يستكمل ديفيد ريكاردو، إبتداءً من قانون القيمة، الخط المنهجى الذى وضعه أدم سميث بشأن التفرقة ما بين رأس المال الاساسى وبين رأس المال الدائر، بيد أن إستكماله لهذا الخط المنهجى إنما هو فى الواقع إعادة نظر ليس فى التقسيم أو فى محتواه، وإنما فى معياره، فعلى حين رأى سميث أن معيار التفرقة ما بين رأس المال الاساسى ورأس المال الدائر، إنما هى تفرقة تعتمد على شرط مدى بقاء ملكية ذلك الجزء من رأس المال الذى يتجسد فى السلعة على نحو ما رأينا أعلاه، فإن ريكاردو يعتمد معياراً جديداً، يرتكز على معدل الاستهلاك، أو الديمومة؛ فإذ ما كان ذلك الجزء من رأس المال مما يستهلك فى وقت قصير أو كلية فى فترة وجيزة، مثل ذلك الجزء من رأس المال المدفوع كأجرة، فإن ذلك، وفقاً لريكاردو، بمثابة (رأس مال دائر) أما إذ ما كان مما يطول بقائه ويدوم إستخدامه فى الوظيفة التى تم إعداده لأجلها(كالالات والمبانى) فنحن أمام رأس مال أساسى. كما يقول ريكاردو. مع ملاحظة أن ريكاردو لا يُحدثنا عن المواد الاولية أو المواد المساعدة.
"In the former section we have supposed the implements and weapons necessary to kill the deer and salmon, to be equally durable, and to be the result of the same quantity of labour, and we have seen that the variations in the relative value of deer and salmon depended solely on the varying quantities of labour necessary to obtain them,—but in every state of society, the tools, implements, buildings, and machinery employed in different trades may be of various degrees of durability, and may require different portions of labour to produce them. The proportions, too, in which the capital that is to support labour, and the capital that is invested in tools, machinery and buildings, may be variously combined. This difference in the degree of durability of fixed capital, and this variety in the proportions in which the two sorts of capital may be combined, introduce another cause, besides the greater or less quantity of labour necessary to produce commodities, for the variations in their relative value—this cause is the rise or fall in the value of labour"p42



#محمد_عادل_زكى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مخطوطة أولية فى جدلية القيمة الزائدة
- الاقتصاد السياسى فى فكر كارل ماركس
- ماركس المفكر لا الأيديولوجية
- السودان - الاقتصاد والجغرافيا والتاريخ -
- نظرية جديدة فى جدلية فائض القيمة عند ماركس
- إحياء الفكر العربى. فقر الفكر الثقافى؟ أم فكر الفقر الثقافى؟
- الاقتصاد العالمى المعاصر . . . حينما يقود المخبولون العميان
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (3)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (4)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (5)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (6)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (7)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (2)
- الاقتصاد السياسى لتجديد إنتاج التخلف (1)
- خاتمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- مقدمة كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- ملخص كتاب الاقتصاد السياسى للتخلف
- التكامل الاقتصادى العربى كإمكانية
- تسرب القيمة الزائدة وتجديد إنتاج التخلف
- موجز تاريخ الرأسمالية


المزيد.....




- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551


المزيد.....

- تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)* / رشيد غويلب
- مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق ... / علي أسعد وطفة
- من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين / عبدالرحيم قروي
- علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري ... / علي أسعد وطفة
- إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك ... / دلير زنكنة
- عاشت غرّة ماي / جوزيف ستالين
- ثلاثة مفاهيم للثورة / ليون تروتسكي
- النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج / محمد عادل زكى
- تحديث.تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ
- تقرير الوفد السيبيري(1903) ليون تروتسكى / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الارشيف الماركسي - محمد عادل زكى - الفكر الاقتصادى الكلاسيكى؛ السابق على ماركس