أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - مرثية المريد















المزيد.....

مرثية المريد


أحمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 3819 - 2012 / 8 / 14 - 00:23
المحور: الادب والفن
    


كنت أحب أن أتملاها وهي تأخذ وضعية جلوسها في مقعدها الوثير تضع يدا على المسند ثم تثني رجلا وتجلس عليها وتمد الأخرى أمامها حافية وتظل تلعب بها ، ونكون قد صرنا وحدنا ، بملابس البيت ، أو بثياب رقيقة تقوم بالستر وتتحدث عن الذوق وفي الوقت نفسه تشعر بأنها لا شيء ، ولا شيء تستر ، كأنها وحدها تماما ، في خلوة شديدة تتحسس فيها جسدها . أحب مشاهدتها ومتابعة حركاتها ، كنت أشم رائحة الأنوثة من التي تكبرني بثمانية عشر عاما ، وأنا لا أزال تنتفخ في أعصاب الرجولة ، أنوثة قاسية هكذا أدرك الآن ، وبشعة وحارقة إلى أقصى حد ، لم يكن يصح أن تقترب ، هل أحاكم الفتى اليافع في الذي تعلم السكر حديثا ، وألومه على اختياراته الوجودية إبان تبعثره بين الممكنات؟ ، لن أظلمه ، ولكن علي أن أحافظ على مسافة الهيبة بيني وبينه ، نعم فهو الذي يستطيع فضح وسلخ هذا المتكلم ، إذن ، فعليه أن يبقيه سجينا في قمقم ولا يفعل غير النظر إليه من عل بعينين باردتين ليس فيهما غير ضعف السيطرة . ذلك والإيمان بالعشق شيء آخر.

أول من تعلمت على يديها الشجن ، كان موعد الدرس في السادسة مساء ، وكنت دائما أول الذاهبين ، من تلامس رغبة العينين ، أردت وأرادت قليلا من الوقت حتى نتحدث ذلك الحديث العفوي الساذج الذي سيخرجنا من مرحلة التصلب الناتج عن كتم أشياء ، وكانت كأنها فراشة تموج في نشوتها بالعطر عن يميني وعن يساري وأمام عيني ، ترتب الأوراق ، تصنع الشاي في المطبخ وأكون بجوارها ، أضاحكها ببساطة ، ولم يكن لدي غرض ، وإنما كنت أقترب كالمجذوب ، وهي لم يكن بوسعي حينها بالذي تتيحه لي تجربتي أن أحمل عبء قراءة معاني ذلك الوجه ، وتلك الشفتان ، والزرقة في العين ( أختها أصيبت بشلل رباعي ، تلقت الخبر وطرقت الباب ، وكان لابد لها من البكاء ، دخلت إلى زوجها وتركتني جالسا على طاولة الدرس وحدي ، كنت أفكر كيف تألمت ؟ ، بدأت خلية جديدة من خلايا الوعي في العمل ، اغتبطت لأنني غصت قليلا ، وكان علي أن أخفي انتشائي بنفسي لنفسي ولها ، حدثتني عن المصاب ، وكانت جالسة قبالتي ، وكنت أمعن بجرأة النظر في عينيها ، أعرف أني حنون ، وبقيت عيناها تبثان ما تبثان في احمرار أبيضهما ولموع الزرقة ، وأنا أكاد أقترب حتى أحترق) ، كفى أن تحركها بجواري أو رؤيتي لبياض ساقيها يعطيني أملا وغرورا طافحا وثقة بأيامي ولموعها ، كنت دائما أتصور شيئا ينطلق مرئيا من السماء إلى الفضاء ، ويسبح بانتشاء ، في المجرة ذاتها بألوانها ويدور مع دورانها ويأتلق ويأتلق حتى يختفي من غير أن يشعر بالاختفاء أو بالانتهاء ، قالت وكانت قد ربعت رجليها " غريب " ، وتلمع عيناها في عيني ، فأخفضهما ، تعبيري الرمزي عن نشوتي ، أحست به في عمق عمقها ، وتجاهلتني لحظتها ، لتستمتع بهذه الموجة الجارية ، كانت تقول لي " أنت موهوب " ، وأنا لم يكن همي أن أفحص جسدها كما يفعل أصدقائي الزملاء في الدرس ، ولكن في أن أنقل إليها مدى غرابتي ، كنت أفتعل ، وأفتعل بحمق ، وتقبلت حمقي ، من أجل أن تنصحني فأعمل بنصيحتها فأرتاح وتتابع هي كل ذا وهي تخفي شهوة هائلة في التلذذ بهذه النفس حتى لو وصل الأمر إلى تهتيك الأجساد بالسكاكين من فرط اللذة التي تذهل عن الألم وأحيانا تجعله مرادا ، وبنيانها كان يحاول أن يكبح ، هي المدرسة وأنا التلميذ ، هي الأم وأنا طالب في مدرستها ، وهي الواثقة بنفسها ، وهنا كان ثمة شرخ ، تسألني أتحب ركوب الخيل ؟ ، فقلت بالتأكيد ، فقالت لماذا ؟ ، فحاولت أن أوسع من مدى التوهم في عقلي ، هنا انفجرت خلايا أخرى بالحياة في وعيي ، تصورت " طريق في عتمة ليلية تحت سماء واسعة تطوي فدادين من الأشجار والخضرة المشعرة بالغربة ينتهي تحتها وبينها الطريق إلى طريقين وبينهما في الجزيرة قصر ، وحصان قاتم اللون يبرق في حرانه منتظرا إرخاءة الانطلاق وأنا أتابع متأثرا في تصور كل هذا بما قرأت وبما سمعت من أغان وبما شاهدت من أفلام " ، كان جوابي رومانسيا وغامضا ، رجفة الإثارة تلك التي تخز الإنسان من قعره حتى مخه في ثانية ، وكنت قد بدأت في الكتابة ، لم تظهر في أي قصة من قبل إلى أن كتب ما تقرأ ، ولكنها كانت حاضرة ، وجود هيكلها في وجودي جعلني أشعر ، كنت قد كففت عن الاقتراب من الإناث بعد وفاة الأم ، وكانت هي ذلك الشيء المنتعش الذي عزف بداخلي كل مقطوعات القوة والتحليق والانتشاء بالنفس وبتذكرها المدفيء وأنا أجذب إلي الوسادة في ليلة باردة . جلست بجوارها وكانت المرة الأولى ، رأيت ، وبقيت جالسا ، كنت أسائل نفسي وهي تشرح أفعال اللغة الفرنسية ، ماذا أفعل الآن ؟ ، حدة تقسيم ثدييها ، ولفح القرب من شخص أنت تضمر في ذاتك شيئا له وهو يكاد يشم ذلك الشيء الذي تضمر من غير أن تقول أو تفعل ، بعثت لها بموسيقتنا ، موسيقا المهلوسات ، الأصوات المتعرجة بحنية دافئة عبر أمواج في زمن ، وتقاطع الذهول مع الحضور ، قالت لي " أرجعتني شابة بهذه الموسيقا ، موسيقا كالمخدر " ، كنت دائما أرى أن زوجها رجل فاضل رغم ما يشوبه من نعومة في التعامل تذهب بالباقي من أثر رجولته ولكنه كان مريبا ، واثقا ، وكان لابد أن يعلم أن طالبا قد يتسلل إلى فراشه حين يحين الوقت ولو ليتمرغ على ما يمس جسدها ، نفَسه في البيت معنا ، يداعب طفله ، وتكلمني في الصالة عنهما ، أنصت وأراقب العينين ، تقطع الكلام وتقول " كف عن النظر في عيني " ، وتبتسم ولا يسع شبابي حينها غير أن يهيم بابتسامة بلهاء هي كفوران اللذة من أطراف الجسد ، وتقول لي وتغمز لي ، وحين تمر أمام الفصل كان لا بد أن يلتفت وجهها نحوي عبر زجاجه ويلتفت وجهي ، وأشعر أني مميز ومخصوص بشيء ، وجودي كان ضئيلا كنحافتي بعد المرض ، وكنت هشا بلا أصدقاء ، وكنت أحاول أن ألفت الأنظار ، وكنت وحيدا في بيتي ، وكنت متألما عظيما رغم سني الصغير ، وأبتسم بعد أن تمر وأتذكر موعد درسها بين الحين والآخر. التجاذب كان عنيفا جدا ، وهي كانت تعلم عني كل شيء ، بحت بكل شيء ، وأحببت أن أتكلم ، وأن يستمع إلى أحد بمثل هذا الاهتمام ، وأثناء الحديث كانت تختبر نظراتي ، تريد أن تعلم أمجرد راغب خبيث يستلل إلى الكن الدافيء أم هذا الذي يتكلم له صدق ، وله قليل غوص يحاول أن يعمقه أثناء الحديث ، تضع قدما على قدم ، وتنورتها قصيرة ، وساقها تلمع ، وتنورتها ذات ألوان ومبهجة ، وهي جميلة ورقيقة وزرقاء العينين ، وممتلئة قليلا ، شيء من الخجل ، لا ، ظللت أتحدث مثبتا وجهي في وجهها وتفاديت كل هذه الأخطار ، كانت تفجرني ، أعترف أنها أول من جذب مني الحديث في أشياء أبعد من المعتاد ، ولا أدري لماذا كل ذا كان مرتبطا في آن بشبق حسي عنيف ، كنت أتخلص منه كما يفعل الناس ، ولكن يظل له استعاره وهو في الكمون ،وهو في التحليق . قالت لي " سنسافر معا إلى البحر في إجازة نصف السنة " ، أحلق ، وأحلق ، كانت تريد أن تقنع الزوج بمرافقتهما كصديق وأخ لها ، وهو لم يبد اعتراضا ، ولكني خفت ، تراجعت كالمذعور إلى نفسي ألتمس أي شيء يشعرني بالأمان ، أحسست فجأة بضياع كامل ، وتصورت أشياء كثيرة في لحظة واحدة حاولت جهدي ألا أراها ، اعترضت ، وقمت بعد أول لكمة وجهت إلي بعنف ، استرددت اتزاني ووقوفي وثباتي ، واتهمت نفسي بالضعف ، ورأيتني ضعيفا ، كنت نادما وغاضبا " أشفق عليك أيها الفتى اليافع كان الفضح قويا هكذا تكون الصدمات الأولى قم " ، وكان علي إذن أن أرفض العرض ، وأمشي منتشيا به أمام كل عين سترمقني ، ولكن كانت حقيقة حادة حين علمت أن الاقتراب أكثر ممكن بل سيحدث وقريبا ، يمكنني أن أقول بوضوح الآن أنني أحببت فيها كل شيء ، وكل شيء فيها كان يدفعني إلى الغوص أكثر ، وحين لمستْ أنني أعكر تسلسل الموجة التي أحبت الطفو معها بدأت هي تحدثني بشيء من الصراحة ، واستمعت ، أدخلتني غرفة نومها وأرتني ألبوم صور لها خاص بها وبزوجها فقط ، كانت تقول بنبرة المدرسة " أنت مميز " ، جلست على ذلك الفراش الوثير مرتجفا ، وشاعرا بمدى دفئه أسفل مني ، ذهبت في شتات ، أرادت أن تعلمني أصول الروحانيات ، أن تثبت على وضع وأنت تمس بقدمك قدم من تحب ، وتركت لها نفسي ، لتخلصني ، فأنا كنت معزولا وشبه مريض نفسي ، ولكني رأيت استمتاعها ونشوتها بفحصي ، بتقليبي يوما بيوم ، وكنت كالمسجى على فراش الطبيب ينتظر أن يبشره بأن العلاج سهل ولن يؤلم وسيؤخذ أياما قلائل ، ولكنني ظللت هناك ، أقترب من سعير ولا أناله ، وأنتظر الخلاص فأحتار في استمتاع طبيبي بمرضي ، أيعذبني من أجل لذته ، كانت صادقة معي ، وكنت صادقا معها ، ويوم أن لطمها زوجها لرفضها فعل شيء له في الفراش أباحت لي به بمرارة وربت على كتفها ، وقلت ببراءة " ولكنك تحبينه " ، وأمسكت يدي ونظرت إلي وشكرتني وكفت عن البكاء ، لازلت أتعلم يا أختاه والدرس كان صعبا ، نعم ، كنت تلميذا للشيطان في تلك المساحة الضيقة ببيتها في زهراء مدينة نصر ، وكنت أشعر بلزوجة قربه مني ،وكنت مريدا مخلصا ، تعلم أصول الخطأ عن طريق العشق القهري لمريض يجد طبيبا يماطله في المرض من أجل الاستمتاع بتطبيبه ، والمعادلة صعبة ، فأنت تؤمن أن حق اللذة ممنوح ومباح إذا كانت هي من يبيح ، وأنت تتقهقر خائفا ، وكنت أيامها مهتما بالكواكب وفرضية وجود سكان لهم ، وطبعت بضعة صور تعبر عن إيماني بهم وبدأت في إلصاقها على الحائط ، ورن هاتف غرفتي وكانت هي ، تحدثت معها نصف ساعة ، قالت " قلت أكلمك " ، وكان ذلك قبل ميعاد درس لها ، وهي في انتظارهم ، كانت تتحرش بي في غيابي ، تريد أن توقظ هذا النائم داخلي ، كانت تراني فنانا وسأصير فنانا مزعجا ، وتقول لي بحزن الملائكة " أنت قلق " ، وتمر بنظرها على نظري ، وأنا لم أكن شيئا غير تلميذ يحاول أن يصير الفتى في الثانوية ، كنت مختلقا ومزيفا ، ولكنني كنت معزولا جدا أعترف ، ومحاولات خروجي كانت صعبة وكلفت كثيرا ، كانت تمزقني ، وكنت أشتهيها وأقدسها ، ولن أنالها ولم أتحمل ما دام في إمكاني الكفر ؟ ، آقترابها همس بمخفي أم علي أن أغلّق كل هذه الحواس والمسام التي تفتحت ، ولا يمكن أن أنقطع لا بد أن أهوي ، وأهوي عميقا في خطيئتي الأولى ، بعثت لي برسالة على المحمول ليلة رأس السنة " كل سنة وأنت طيب يا حبيبي " بالفرنسية ، أجبتها برسالة أخرى وقلت " لم يكن لدي أحد يقول لي هذا " ، وفي اليوم التالي ، رأيتها بغرفة المدرسين ، أشرت لها بالتحية من بعيد ، وأشارت لي ، وكنا مبتسمين ، وقريبين جدا ، رغم كل الفوضى التي تحوط العلاقة من جميع النواحي ، إخراجها من عقلي في تلك المرحلة لم يكن أمرا سهلا ، كنت ممتلئا بها ، وأخذتني معها بعد الدرس في جولة بليلة شتوية ، قرأت لها أغنية كتبتها ، وكانت تهمهم وأنا أقرأ ، كان التلامس يقترب ، كان الانفجار يقترب ، وأنا أحترق ، " تكتب الأغاني بهذا العنف ، أنت واسع جدا " ، وتقود ، وأنا حيران ، أتذكرها بثيابها الرقيقة والمبهجة ، كيف بدت لي ملاكا شهوانيا إلى هذا الحد ؟ ، تركتني أنام قليلا ، كنت مطرودا من البيت بسبب التعاطي ، وحين استيقظت وجدتها أمامي ، وأرتني رسما لي بالرصاص الرمادي ، إلى هذا الحد أنا وهمي وعابر ، رأيتني في الصورة مسافرا عبر غيبوبة نومي ، كانت تقرأني ، وأنا في شراك حب ، أو عشق ، أو ولع بذاتي ، أو تفتق رجولة الفتى ، أو صوفية شيطاني اللعين ، تمنيت أن أمسك قدميها الصغيرتين بكفي ، وفي يوم خرج زوجها بالولد ، وأكملنا الدرس مع النيسكافيه ، قلت لها " لدي أمنية غريبة ؟ " ، " ما هي ؟ " ، ".....أريد أن ألمس يديك " ، جرأتي ذابت تحت نظرة عينيها ، ضحكت وقالت لي " لا طبعا " ، وظللت صامتا بعد انتهاء الدرس ، وقالت لي أن عليها أن تنام قليلا قبل أن يعود زوجها ، فخرجت ، الشيطان يقول : احترم العدو في صديقك ، الرغبة والعداء ، لم أفهم اجتماعهما معا ، ظللت ماشيا ، كنت مهزوما ومتضائلا ، ولم أعد أفكر فيها ، توجهت إلى المسجد ، وتركتها والشيطان خارجه ، صليت وانفجرت هزيمتي ببكاء ، من المفترض أنه في سبيل الإله ، ولكن الشيطان كان يضحك وهو ينفث دخان سيجارته ويقول لي عبر عينيه " أنت تعلم لمن ؟ ، تتذكر رفضها وتبكي ها " ، صارت تطاردني في غيبوبة نومي وتخديري ، أقسمت أن أتدين ، تركت التعاطي ، والموسيقا والكتابة ، ( تعطيني كتابا ببهجة ، وتتسلل إلى غرفة فوق السطح ، وأتسلل وراءها ، تقول لي اقرأ ، فأقرأ وأشاهدها تنام ) ( أضاجعها في كوخ خشبي على شاطيء أبيض الرمل ، وأسمع لغط الأمواج ، وهديري ، وشهيق الشهوة فيها ، أقترب من فمها وأحس بالنفَس الدافيء ، وأمسك بيدي ضلوع الصدر الذي يخرج منه ، زوجها يقتحم الكوخ ، وتنتهي الخلوة ، وأفر هاربا على الشاطيء الخالي ، أجده أصبح مزدحما ، وقد كف الزوج عن مطاردتي ، ولكنني أتابع الهرب ، عاريا أمام كثير من العيون ، وأضيع في الماء ) أستيقظ بلا أي شهوة ، أستعيذ بالإله ، أصلي ، أدعوه أن يرحمني منها ، كان شيطاني العزيز يبارك تديني ، ويحه ، كان يعلم قوة النزف وعمق الإشكال الذي أنا واقع فيه مع الإله ومعها ، وأبكي للإله ، وكلي شك وحيرة فيما أفعل ، صرت معقدا في المرآة ، معالم الوجه أصبحت كئيبة ، شبابي قتلته من أجل الهروب ، كانت تستعجب من تحولي إلى هذا المتدين الجاف ، وأنا الفنان الذي اكتشفته وأخرجت منه خبايا بسحر مسها الروحي ، ( جميلة وحنونة ، تحتضنني وأشكو لها الألم الذي أحسه أثناء الصلاة ) أستيقظ ، أقرأ النص الإلهي ، وأحس بألم حاد يشق نفسي في جفاف ، أصوم وأفطر على شهوة مكتومة تغلي في ميعادها ، هذا زادني وحشة من الدنيا ، خسرت الكثيرين ، حياتي أخذت شكلا ، سأندم بعد ذلك على أني مررت به ، أهلكني واستنزفني ، وأراني طيفا من مصير ، ( الشعر الكستنائي ، الوجه المدور ذو العينين الزرقاوين ، قمحية لامعة ، ورقة شديدة من الرقبة وحتى شقة الثدي اللين ، امتلاء فخم و ردف وفخذ وأنوثة قدم وقدسية كعب وأصابع ) ، عدت إلى الدرس بعد أن انقطعت عنه فترة كنت أعاني فيها بصمت من انسحاب المخدرات ، كانت تكتفي برمقي بعد أن أضافت إلى حصتنا زميلين من زملائي ، كأنها كانت تعلم أن نظرة لومها لي كفيلة بأن ترجعني إليها ، لقد رفضت منها السفر ، ورفضت أن أريها تدنيا بأي شكل من الأشكال ، غنيت لها ، وهامت معي ، واخترقتني حتى الحلم ، وحين طلبت لمس يدها أبعدتني بهدوء شديد ، وأنا بالفعل ابتعدت ، لماذا تصارع روحي كل هذ الصراع ، تذكرت أن كان لي أم ، كنت قد نسيت تماما ، حق هو الدفن ، تعذبت يا أماه ، ولدك يتعذب ، بالخطيئة وبالألم وبالبكاء في الصلاة وبالشك فيها ، رأيت الفراغ ، كان لابد أن تمتليء روحي بأحد بعد رحيل الأم ، وبعد قطعي للمكتشفة ، اكتشفتني معلمتي ، عرت الشيطان الذي يسكنني ، وأخذته معي ، صار مجالسي حتى أكاد أسمع وسوسته بأذني وأحس هيكله ، كنت أعلم أني لن أطيل في رداء الدين ، ولكنني تعاميت عن علمي حتى أرقع نفسي ، لدي خرق متسع في الروح ، أراه أيضا كلما أغمضت عيني. و أخذت الإجازة الصيفية ، ظللت أتابع أخبارها من بعيد ، أحسها قريبة مني ، مفروضة علي في الحلم ، وكنت أحاول مع العبادة . استقبلتني في المدرسة ، سمعت اسمي ينادى من بعيد ، كانت متهللة ، وتشير إلي بشوق ، واختفت فعلمت أنها تهبط السلالم ، جريت إلى فناء المدرسة ، وقاسيت مراجعة نفسي . خسرت هيكلها وخسرت ما كان يتسرب إلي منها من جذب كان يشعرني ويدفعني إلى السماع ، وهبطت بعد ذلك ، وخرجت من تلك السنين بمزق من الروح ، مزقة " لا وجود لله " ، مزقة " وحدة شديدة مطبقة " ، مزقة " مسخ بسبب التدين على أيدي شيوخ متسلطين " ، مزقة " انقباض صدر " ، مزقة " مرارة ذنب " ، كنت أحمق ، وكنت مستغلا ، قالت لأبي " والدتي طبيبة نفسية ، وأحمد يحتاج إلى علاج " ، وأنا كنت تائها عنهم بعيدا ، واكتفيت بمجالسة الشيطان الذي انتزعته مني ، وتعلمت منه الكثير ، ولدي منه مأثورات نشرتها متفرقة في مجموعتي السابقة " جرعة زائدة " والتي طبعت ، وقال شيطاني عني " عاش أعمق تجربة روحية معي ومع إلهه ومعها ، الاختراق كان حادا ، والسيطرة عليه كانت صعبة ، لم يشفق عليه منا أحد.



#أحمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللا ميدان
- الماديون الجدد سردا
- ( قصة قصيرة جدا عن حلمي سالم )
- برومازيبام
- مدينة الإنسان
- داندي قلق
- انفعالية : كلنا خالد سعيد
- قراءة في مجموعة البقاعي الشعرية الجديدة الصادرة بالإنكليزية ...
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرخ البقاعي الانكليزية الجديدة
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرح البقاعي الشعرية الجديدة


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - مرثية المريد