مرض الاكتئاب وأنواعه.

الاعرج بوجمعة

الحوار المتمدن-العدد: 3818 - 2012 / 8 / 13 - 09:05
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    

1-1 تعريف الاكتئاب :
الاكتئاب هو حالة مرضية يسيطر فيها الحزن الشديد على الفرد، و يحس بانقباض وجداني لا يعرف مصدره و هذه الحالة تصاحب الفرد لمدة معينة وتستمر تؤرق الفرد حيث يشعر وكأنه فقد شيئا، أو ينقصه شيء و لا يعرفه. و الملاحظ أن الاكتئاب شائع بين الشباب والمراهقين، نظرا لضغوط الحياة و التغيرات التي يمر منها هؤلاء المراهقين، ثم يظهر أيضا بصفة مغايرة حينما يصبح الفرد كهلا ويتقاعد عن العمل، أما فيما يتعلق بالفروق بين الجنسين نجد أن نسبة الاكتئاب بين الإناث مرتفعة في العادة بالمقارنة مع نسبتها لدى الذكور.
والاكتئاب يؤثر على الجانب المزاجي و الانفعالي للشخص الذي لا يجد متعة في الحياة ولا يتذوق طعم أحداتها السارة، كما ينتابه الشعور الدائم بالمرارة على ما يعيشه و ما يشاهده من مشاكل و ظواهر مأسوية، حيث يتضاعف شعوره بالشفقة على نفسه و على الآخرين، و قد يكون الاكتئاب ناتجا عن شعور بالغربة داخل وسط اجتماعي لا يسير وفق المبادئ والاتجاهات التي يؤمن بها هذا الشخص مثلا: ذهاب شخص من بيئة يسود فيها التضامن والتسامح إلى بيئة تسود فيها العنصرية و الاعتداء على حقوق الأخر ... هذا الشخص يزداد اكتئابه لأنه غير قادر على التعايش و الانسجام . و الشخص قبل إصابته بالاكتئاب يكون في أغلب الأحيان ميالا للانطواء و الهدوء و الجدية، خجولا ولا يختلط كثيرا مع الأصدقاء، كما أن نشاطاته قليلة، و سلوكه محافظ و لديه حساسية تجاه الآخرين وقليل الصبر والتحمل و قد يلجأ إلى العناد و الخضوع و التواضع الشديد، كما يشعر بالخيبة وعدم الأمن و عدم التوافق الجنسي، و التضحية من أجل الآخرين والمبالغة في التركيز على القيم (سعيد بحير، 2005: 128، 127 ). كما يجب الإشارة ليس فقط إلى خطورة الاكتئاب و انتشاره، بل هناك خطورة أخرى تتجلى في اشتراكه مع كثير من الأمراض مثل: القلق والسكيزوفرينيا في ظاهرة الانعزال والانغلاق ...
1-2- علاقة الاكتئاب بالعوامل الثقافية :
في حديثنا عن الاكتئاب لابد من الإشارة إلى العوامل الثقافية و الاجتماعية والدينية التي تحدد مفهوم الاكتئاب، على سبيل المثال نجد أن الأطباء في البلدان الفرانكفونية لا يهتمون بالعوامل الثقافية من أعراف و تقاليد اجتماعية و قيم دينية رغم أهميتها الأساسية في تحديد الاكتئاب و التعرف على أسبابه و تشخيص أعراضه، و يركزون أكثر على العوامل الفسيولوجية، في الوقت الذي نجد الباحثين في الدول الانجلوسنكسونية و خصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية و كندا وبريطانيا يولون الأهمية لهذه العوامل و المتغيرات الثقافية، هناك دراسات كثيرة حول اختلاف طبيعة الاكتئاب عبر الثقافات، فبعض الدراسات حاولت مقارنة الأعراض المرضية و علامات الاكتئاب في ثقافات مختلقة،( نفس المرجع السابق). فمثلا توصل بعض الباحثين من خلال دراسة أنجزت في الولايات المتحدة تبين الاختلاف على مستوى الثقافة في حدة و شدة الاكتئاب بين المصابين به، لأن نظرة المجتمع إلى الفرد تساعده على التغلب على هذه الحالة النفسية أو العكس، و تجدر الإشارة إلى أن الاكتئاب كحالة وجدانية متشابهة في جميع الثقافات، و لكن الاكتئاب كمرض من حيث الاعتراف به و التعامل معه من طرف المجتمع يختلف من بيئة ثقافية إلى أخرى، ما نخلص إليه ليس هو تعريف الاكتئاب من ثقافة إلى أخرى ولكن معرفة النظرة التي يمنحها المجتمع للمراهق الاكتئابي، لأن العلاج المعرفي يقوم على تغيير الأفكار السلبية و اللاعقلانية التي تسبب الاضطراب للمراهق، ومن هنا لا يمكن أن نقتلع و نزيل هذه الأفكار من المراهق إلا بعد أن نقتلعها أولا من المجتمع.
1-3- أنواع الاكتئاب :
تتعدد أنواع الاكتئاب بتعدد الحالات الاكتئابية التي يواجهها المراهق الاكتئابي، تبدأ بالبسيط و إن لم تعالج تصبح حادة فيما بعد، لذا على الإنسان أن يبادر إلى العلاج في بساطته قبل تعقده، و للاكتئاب أنواع متعددة نجملها فيما يلي :


1-3-1- اضطراب الاكتئاب الحاد le trouble dépressif majeur
يمثل أشد أنواع الاكتئاب حدة و قوة، بحيث يتحدد في حدث أو مجموعة من الأحداث الاكتئابية (يعني مزاج مكتئب)، أو خسارة الاهتمام، و لتشخيص هذا النوع يحتاج إلى تواجد خمسة أعراض للاكتئاب نذكر على سبيل المثال : المزاج الحزين أو المتهيج لمدة أسبوع واحد على الأقل، وقد يكون مصاحب بالاعتداء على النفس وعلى الآخرين والعدوانية، وذلك بالإقدام على فعل الانتحار(DSM IV،1994: 373-383).
1-3-2- اضطراب الاكتئاب الخفيف Le trouble dystymique
هذا النوع يأخذ الطابع المزمن و يحتاج أن يكون متواجد لمدة سنة على الأقل.. مع وجود ثلاث أعراض، و هنا الأعراض ليست حادة و إنما متفاوتة يوم جيد و يوم حزين. (DSM IV:373).
1-3-3- الاكتئاب غير المحدد Le trouble dépressif non spécifié
يترجم في أنه يكون قادر على ترميز أو تشفير الاضطرابات الاكتئابية، ويختلف عن الاضطراب الحاد و التكيف على مستوى حدة المزاج المكتئب، لكن يشترك مع الاضطرابات الأخرى في تغير على مستوى المزاج، (DSM IV،373).
1-3-4- الاضطرابات الاكتئابية المتعددة الأولى le trouble bipolaire- 1
تتحدد في مشهد أو مجموعة من المشاهد المختلطة أو المتعصبة، عادة تكون مرفقة بحالات اكتئابية متفاوتة، (DSM IV ،374) .
1 -3-5- الأعراض الاكتئابية الثانيةLe trouble bipolaire – 2
تتحدد في حالة أو مجموعة من الحالات الاكتئابية الحادة، و المرفقة على الأقل بمشهد جد متعصب، مع مشاعر قوية بالكراهية والعدوان،( DSM IV: 374).

1-3-6- اضطراب المزاج الدوري Le trouble cyclothymique
يتحدد في خلل يلاحظ باستمرار، كنتيجة لمجموعة من التغيرات الفسيولوجية المباشرة، يتمظهر هذا التغير في مزاج متعكر أو فقدان الرغبة و الابتهاج، بحيث أن أغلب المراهقين المكتئبين ينتابهم حزن شديد أو فقدان العاطفة، أو أن يكون لديهم شعور و رغبة أقل في الأشياء التي تكون عادة للبهجة و السرور (DSM IV،374 ).
1-3-7-اكتئاب سن القعود: évolution dépressive réaction
إنه اكتئاب مرتبط بالعمر، حيث يحدث عند النساء في سن الأربعين فما فوق، وعند الرجال بعد الخمسين، و تسمى هذه الفترة من العمر"بسن القعود أو نقص الكفاية الجنسية "أو "الإحالة إلى التقاعد ". و تتميز هذه المرحلة بالقلق و التوتر والأفكار التي تدور حول الأوهام والهموم، كما يلاحظ على الفرد التوتر العاطفي والهذيان، و قد يظهر هذا الاكتئاب تدريجيا، و قد يبقى لبعض الوقت ثم يختفي إذا وجد الفرد من يساعده على التخلص من هذا الاكتئاب، (سعيد بحير، 2005،134).
1-4 العوامل و الأسباب المؤدية للاكتئاب :
إن حياة الفرد داخل المجتمع و احتكاكه بالآخرين داخل الأسرة و في المدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، تجعله يتعرض لكثير من المشاكل و الصعوبات التي تؤثر في نفسه وتصيبه بالحزن و الاكتئاب. و هكذا نرى بأن هذا الأخير ينشأ من عدة أسباب وعوامل نفسية و انفعالية و جسمية و اجتماعية و عقلية و وراثية وبيولوجية .
1-4-1العوامل الوراثية:
أبانت بعض الدراسات عن تداخل العوامل الوراثية المؤثرة في حدوت الاكتئاب، وخاصة منها الدراسات التي اهتمت بالتوائم و حالات الأفراد المكتئبين الذين تحتضنهم عائلات عادية لا يعيش أفرادها اضطرابات مزاجية، أو الفرد العادي الذي تحتضنه أسرة بها حالات اكتئاب، (المكي،2005، 20 ). وتوصلنا إلى هذه الحقائق عن طريق التقدم العلمي الذي حصل في ميدان علم الكيمياء الذرية و علوم الأعصاب.
1-4-2 العوامل البيولوجية:
 وجود تغيرات غير طبيعية في حساسية أو عدد المستقبلات الموجودة على غشاء الخلية العصبية التي تتحكم بنقل أو تأثير الناقلات والهرمونات والمواد الكيميائية الموجودة في المخ.
 وجود نقص أو تغيرات في الموصلات العصبية.
 كما أن بعض الأمراض التي تصيب الجسم :مثلا كأمراض الغدد الصماء، ومرض السكر واضطرابات الغدة الدرقية، ثم بعض أمراض الجهاز العصبي تكون بدورها سبب في الإصابة بالاكتئاب، (غيتة بلخياط ، 2006).
1-4-3- العوامل البيئية:
إن سوابق عدد من حالات الاكتئاب تؤكد على وجود أوضاع الضياع، أو الفشل الذي يعيشه الفرد. فالتمزق العاطفي النهائي أو المؤقت يجعل الفرد يشعر بصعوبة قبول ضياع ما افتقده، أو الحلم الذي كان يرى وجوده وتحقيقه و إن وقائع الحياة التي تستثير حدوث الاكتئاب مختلفة نذكر منها: وفاة شخص عزيز"فراق الوالدين، دخول إلى المستشفى، الفشل في بناء علاقة عاطفية..." و يمكن أن يحدث الاكتئاب كذلك بسبب فشل أو لصعوبة قصوى مثل:النزاع بين الوالدين و صعوبة في العمل أو الدراسة ، و من بين العوامل الاجتماعية المسببة للاكتئاب الفشل في توافق الفرد مع الواقع الاجتماعي، فعدم الانسجام مع الأسرة والأصدقاء ... يؤدي إلى الانسحاب من هذه الجماعات لأنه يشعر بعدم إشباع رغباته أو حاجاته الاجتماعية كما يراها هو و لا يحقق طموحاته داخل هذه الجماعة ،كما أنه يشعر بأنه غير مرغوب فيه داخل هذه الجماعة، (المكي، 2005، 21).
1-4-4-الأسباب الجسمية:
إن مختلف أنواع الإعاقة الجسدية أو الحسية الحركية قد تؤدي إلى الاكتئاب، لأن الشخص المعاق الذي يعاني من عيوب جسمية يشعر بالنقص و العجز في القيام بكثير من الأعمال في حياته اليومية، و ينتج هذا الاكتئاب لذا المعاق نتيجة النظرة السلبية التي يمنحها له المجتمع (سعيد بحير،2005، 134 ).
1-4-5-الأسباب النفسية الانفعالية المسببة للاكتئاب:
إن الأسباب النفسية المؤدية للاكتئاب كثيرة و متعددة بحيث تشمل جوانب مختلفة يدخل فيها ما هو عاطفي، انفعالي و الشعور بالنقص، فنلاحظ مثلا التوتر الانفعالي يكون نتيجة بعض الصدمات الانفعالية المحزنة، أو الخبرات الأليمة التي يمر بها الفرد كموت محبوب كما قلت سابقا(كالأم أو الأب...) وما ينتج عن هذه الأحداث من ألم وجداني، وشعور بانعدام المساندة والدعم العاطفي، و قد يتعرض الشخص لمصائب أو أزمات اقتصادية أو كوارث طبيعية، حيث يحس بانهزام داخلي و عدم القدرة على مواجهة هذه الشدائد والأزمات مما يؤدي إلى التوتر العصبي والاضطراب النفسي،(نفس المرجع السابق). أما أساس الحرمان العاطفي وعدم الشعور بالأمن يكون نتيجة التنشئة الاجتماعية أو التربية الخاطئة التي يتعرض لها الفرد حيث يشعر بأنه فقد الحب و المساندة العاطفية، هذا النقص في المعاملة هو ما يجعل المراهق يفشل في إقامة علاقات مع الآخرين.
1-4-6-الأسباب المعرفية المتصلة بالاكتئاب:
من بين أهم الأسباب المؤدية إلى الاكتئاب الطرق الخاطئة التي يتعامل بها الناس مع مشاكلهم و ظروفهم، و معالجتهم غير الواقعية لشؤون حياتهم اليومية، كما أن بعض الأفراد قد يتأثرون ببعض الكلمات أو التعليقات التي قد لا يقصد بها المتكلم نفس المعنى الذي يفهمه السامع فيحصل سوء الفهم والتأويل للخطاب، و في بعض الأحيان قد يكون لهذه الكلمات واقع سلبي كبير على نفسية الفرد و خصوصا بالنسبة لبعض الأشخاص الذين يمرون من ظروف خاصة أو يعانون من مشاكل نفسية وعاطفية، وهكذا فان سوء التأويل أو التفسير الخاطئ غير الواقعي لما يمر به الفرد من خبرات مؤلمة أو قاسية يتسبب في الحزن الشديد الذي قد يؤدي إلى الاكتئاب وخصوصا في الحالة التي لا يقدر الفرد على المواجهة المباشرة، ويفضل الانسحاب أو الهروب تلافيا للتصادم مع الأخر (المرجع السابق، 135) .

#الاعرج_بوجمعة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات