أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - سقوط الأب ونزاهة القاضى














المزيد.....

سقوط الأب ونزاهة القاضى


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 3817 - 2012 / 8 / 12 - 10:51
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


الصوت يسرى إلى الابن من خلال الجدار، يضغط بيديه فوق أذنيه، يدس فيهما القطن، أنين أمه مكتوم، رائحة دخان وجسد يحترق، هل جاء العيد الكبير والخروف المشوى؟

منذ طفولته يكره الأعياد وأكل اللحوم.

يضغط بالوسادة فوق رأسه، ناعمة كصدر أمه، يحوطها بذراعيه يدفن فيها وجهه، عطرها ورائحة جسده شىء واحد، يمسح فى الوسادة بلولة عينيه وأنفه، يتسرب أنينها إلى أذنيه، ينقلب فوق وجهه متظاهرا بالنوم، ثم ينقلب فوق ظهره، لكن الأنين يسرى عبر الجدار.

بين غرفته والغرفة الكبيرة، حيث ينام أبوه وأمه فى سرير واحد،

منذ طفولته يسمع أنينها، تصنع له طعامه، تغطيه بالليل إن تعرى، لا تصفعه إن مزق الجورنال، تغنى له قبل أن ينام، تحب الموسيقى والغناء، لم تلمس أصابعها الكمنجة منذ تزوجها أبوه، وضعتها فى قاع الدولاب، داخل كيس من الجلد الأسود، له رائحة الحذاء.

فى الصباح قال أبوه: أمك ماتت.

لم يكن يصدق ما يقوله أبوه، رأى فى عينيه بريقاً لم يكن موجودا، كشف وجه أمه ليعرف الحقيقة، وجهها أبيض بلون الملاءة، إلا مساحة سوداء، لها شكل كف أبيه، محفورة فى خدها.

ظل الابن واقفا يحملق فى الفراغ، تركت أمه فوق السرير مساحة منخفضة قليلاً لها شكل جسمها، والوسادة لاتزال تحمل عطرها، وفستانها معلق على الشماعة، وحذاؤها تحت السرير، عاد الأب فوجد ابنه واقفاً فى مكانه، رفع الابن عينيه إلى عينى أبيه، يتأمل البريق الجديد، يأكل الأب بشهية صينية البطاطس، التى صنعتها أمه فى الفرن، قبل أن تموت، لم يأكل الابن، يحملق فى عينى أبيه، لا يطرف له رمش.

سرت فوق جسد الأب قشعريرة تشبه البرد مع أن الحر شديد.. وضع الأب فى جيب ابنه ورقة بمائتى جنيه، امتدت ذراع الابن وألقى بالورقة على الأرض، داسها بحذائه، دق جرس التليفون، صوتها ناعم كبطن ثعبان، تسأله عن نتيجة الامتحان، لم يذهب إلى المدرسة منذ موت أمه، قال لها: نجحت بتفوق، يشعر بلذة حين يكذب عليها، دخل إلى الغرفة الكبيرة، مساحة أمه فى السرير منخفضة قليلا لها شكل جسمها، درج أبيه مغلق.

عاد إلى غرفته واستلقى فوق سريره، أغمض عينيه، وضع الوسادة فوق رأسه، أنين أمه يسرى إلى أذنيه دون توقف، جلس إلى مائدة الفطور، كرسى أمه خالٍ فوقه الشلتة الخضراء، يختفى وجه أبيه وراء الجورنال يرشف الشاى، قطع الصمت أبوه يسأل عن الامتحان، قال: نجحت بتفوق، ابتسم الأب، لم يبتسم الابن، قفزت القطة فوق الشلتة الخضراء، مكان أمه فى الكرسى، قال الأب: أمك ماتت يا ولد، هذه حقيقة.

قال الابن: لم تكن ميتة دائماً، مفكرة أبيه فى مخبئها بالدرج، فتحه بنصل السكين، أمسكها بأصابع نحيلة ترتعش، سقطت قصاصة ورق، دسها فى جيبه، أسماء النساء بالحروف الأبجدية، تحت حرف الباء التقط اسمها وصورتها مع القطة، عاد الابن قبل الفجر، باب الغرفة الكبيرة مغلق بالمفتاح، فتحه بنصل السكين دون صوت، فى الصباح وجدوا الأب راقداً محملقاً فى الفراغ، وهى إلى جواره تحتل مساحة أمه فى السرير، حملوهما معاً فى الصندوق الملفوف بالعلم، وحكم القاضى ببراءة الابن.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اغضبى وثورى ولا تستكينى
- لماذا لم تتحرر النساء المصريات؟
- نيوتن.. زويل.. باراك أوباما
- انطقوا الصدق فالتاريخ لن يرحمكم
- نساء ورجال نتاج الفساد
- البرادعى.. زويل.. المنقذ والتبعية
- الرئيس القادم.. الروحانية الصوفية والتحرش الجنسى
- تحت غطاء الصندوق العدالة عمياء!
- النساء والفقراء.. هل ينتخبون أعداءهم؟
- النيل يتدفق فى السويد رغم ظلم العالم
- علاقة الأخلاق بقطع أجزاء من الجسم؟
- أنتخب رئيساً يفتقد شجاعة التعبير؟
- ثغرة الدستور لتسريب «العدل» والنزاهة
- صوت المرأة ثورة
- رغم أنف «أبوالهول» وخطر الحماية
- الرجل خلف الرجل على المسرح
- وكلمات الثورة يسرقونها أيضاً
- فن المستحيل «حوارات نوال ومنى»
- الخلع البائس.. ومجلس المرأة القومى
- المرأة ورفع الحجاب عن العقل


المزيد.....




- تسع عشرة امرأة.. مراجعة لرواية سمر يزبك
- قتل امرأة عتيبية دهسا بسيارة.. السعودية تنفذ الإعدام -قصاصا- ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- تحقيق: بلينكن أخفى بلاغا بانتهاكات إسرائيلية في الضفة قبل 7 ...
- البرازيل.. القبض على امرأة يشتبه في اصطحابها رجلا ميتا إلى ب ...
- فيديو.. امرأة تصطحب جثة إلى بنك للتوقيع على طلب قرض
- في يوم الأسير.. الفلسطينيون يواصلون النضال من داخل المعتقلات ...
- السعودية: إيقاف شخص -سخر من القرآن- وآخر -تحرش بامرأة- وثالث ...
- السعودية: إيقاف شخص -سخر من القرآن- وآخر -تحرش بامرأة- وثالث ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نوال السعداوي - سقوط الأب ونزاهة القاضى