أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سامي الذيب - مسلسل جريمة الختان (43) : تصادم رجال العلم ورجال الدين















المزيد.....

مسلسل جريمة الختان (43) : تصادم رجال العلم ورجال الدين


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 09:50
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


يعتقد أصحاب الديانات السماويّة بأن الله أرسل رسلاً أوكل إليهم تبليغ رسالته للبشر والتي أودعت في الكتب المقدّسة. ولاعتقادهم بأن الله ينطق بالحق، فإنهم يستنتجون أن كل ما جاء في تلك الكتب المقدّسة هو الحق بذاته. فعلم الله يحيط بكل المعارف البشريّة. والقول بعكس ذلك هو إنكار لعلم الله وإنكار لحقيقة الرسالة. ومن هنا جاءت المنافسة بين رجال العلم ورجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم مؤتمنين على الرسالة الإلهيّة. فرجال الدين يريدون جعل أنفسهم المرجع الأوّل قَبل الفلاسفة والعلماء في كل المجالات. وقد تغلغل هذا الفكر حتّى في رؤوس السياسيين. ففي إحدى خطبه قال الرئيس السادات:
«إن الإسلام ليس مجرّد عبادات ومناسك ومواعظ خلقيّة وتلاوة آليّة لكتاب الله [...]. لا، إن قرآننا موسوعة كاملة لم يترك جانباً من الحياة أو الفكر أو السياسة أو المجتمع أو الأسرار الكونيّة أو الغوامض النفسيّة أو شئون المعاملات والأسرة إلاّ قالت فيه رأياً وحُكماً».

ففي مجال الفلسفة، دار في الماضي جدل حول علاقة التعاليم الدينيّة بالفكر الفلسفي. فألّف الغزالي كتابه «تهافت الفلاسفة». وقد رد عليه إبن رشد (توفّى عام 1198) في كتاب «تهافت التهافت» وكتاب «فصل المقال وتقرير ما بين الشريعة والحِكمة من الإتّصال»، محاولاً التوفيق بين الفلسفة والشرع. وقد بدأ محاولته بمقدّمة جدليّة تقول: «إن شريعتنا هذه الإلهيّة حق»، دون إثباتها. وأضاف بعبارة لا تخلو من الشك:
«وإذا كانت هذه الشرائع حقاً وداعية إلى النظر المؤدّي إلى معرفة الحق، فإنا معشر المسلمين نعلم على القطع أنه لا يؤدّي النظر البرهاني إلى مخالفة ما ورد به الشرع. فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له [...]. ونحن نقطع قطعاً أن كل ما أدّى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل».
إلاّ أن رجال الدين المسلمين نقموا على إبن رشد واتّهموه بالإلحاد.

وفي مجال الفلك، تروي التوراة أن اليهود خاضوا معركة مع أهل مدينة «جبعون»:
«فكلّم يشوع الرب [...] أمام أعين إسرائيل: يا شمس قفي على جبعون، ويا قمر على وادي أيالون. فوقفت الشمس وثبت القمر، إلى أن إنتقمت الأمّة من أعدائها» (يشوع 12:10).
وهذا يعني أن الشمس هي التي تدور حول الأرض. فجاء جاليليو (توفّى عام 1642) وأثبت بأن الأرض هي التي تدور حول الشمس. فقامت قائمة الكنيسة الكاثوليكيّة وأجبرته على التراجع عن نظريّته ومنعت تعليمها عام 1633. ورغم أن نظريّة دوران الأرض قد قَبلت بها الكنيسة منذ القرن التاسع عشر، إلاّ أنها لم تعترف بالظلم الواقع على جاليليو إلاّ عام 1992 في خطاب بابوي جاء فيه أن ما حدث هو «سوء تفاهم» مؤكّداً في نفس الوقت أنه
«ما دام الحق لا يمكن له في أي حال أن يخالف الحق، يمكن التأكيد على أن هناك غلط وقع في تفسير النصوص المقدّسة».
وهو قول يشبه قول إبن رشد السابق الذكر ويؤكّد على عصمة النصوص المقدّسة عن الغلط.

وفي عصرنا، دافع رجل الدين السعودي الأكبر الشيخ عبد العزيز إبن باز (توفّى عام 1999) عن نظريّة دوران الشمس حول الأرض في كتابه «الأدلّة النقليّة والحسّية على جريان الشمس وسكون الأرض وإمكان الصعود إلى الكواكب». يقول إبن باز:
«الذين يقولون أن الأرض تدور، فهم يكذّبون على الله، ويرتكبون خطأ ظاهراً مخالفاً للآيات القرآنيّة، وللمحسوس، والواقع. فقد أوضح الله في القرآن الكريم أنه ألقى الجبال في الأرض لئلاّ تميد بهم، والميد هو الحركة والإضطراب والدوران. ... وكل من كذب على الله سبحانه أو كذّب كتابه الكريم أو كذب على رسوله الأمين عليه الصلاة والسلام، فهو كافر ضال مضل يستتاب فإن تاب [...] وإلاّ قتل كافراً مرتداَ».

وفي مجال التاريخ أيضاً تطاحن رجال الدين ورجال التاريخ. ونذكر هنا على سبيل المثال كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي» الذي صدر عام 1926 وتمّت مصادرته لأنه شكّك في الوجود التاريخي لإبراهيم وأعتبره شخصيّة أسطوريّة، ممّا أقام قيامة أهل الدين معتبرين «أن المؤلّف أهان الدين الإسلامي بتكذيب القرآن في إخباره عن إبراهيم وإسماعيل». فرفعوا دعوة ضدّه. وكلام طه صدم أيضاً النيابة ذاتها إذ تقول:
«وهل عقل الأستاذ سليم بأن الله سبحانه وتعالى يذكر في كتابه أن إبراهيم نبي وأن إسماعيل رسول نبي مع أن القصّة ملفّقة، وماذا يقول حضرته في موسى وعيسى وقد ذكرهما الله سبحانه وتعالى [...] مع إبراهيم وإسماعيل وقال في حقّهم جميعاً لا نفرّق بين أحد منهم، وهل يرى حضرته أن قصّة موسى وعيسى من الأساطير أيضاً؟».
إلاّ أن النيابة تحفّظت على أوراق القضيّة لأن
«غرض المؤلّف لم يكن مجرّد الطعن والتعدّي على الدين بل إن العبارات الماسّة بالدين التي أوردها في بعض المواضع من كتابه إنّما قد أوردها في سبيل البحث العلمي مع إعتقاده أن بحثه يقتضيها».
وقد غيّر طه حسين في الطبعة اللاحقة عنوان كتابه إلى «في الأدب الجاهلي» وحذف منه الفقرات التي كانت محل إثارة.

وفيما يخص تصرّفات البشر، يرى رجال الدين أن الله هو الذي يقرّر الشر والخير، وما على الناس إلاّ طاعة أوامره. يقول إبن ميمون إن أوامر الكتب المقدّسة أوامر أبديّة لا يحق لأحد إن يغيّرها، وكل من تخول له نفسه أن يغيّرها أو يلغيها أو يفسّرها بخلاف ما فسّرت به سابقاً يجب قتله خنقاً لأنه كذّب الله الذي يقول: «بكل ما أنا آمركم به تحرسون أن تعملوه، لا تزد عليه ولا تنقص منه» (تثنية 1:13)؛ «الخفايا للرب إلهنا، والمعلنات لنا ولبنينا للأبد، لكي نعمل بجميع كلمات هذه الشريعة» (تثنية 28:29)؛ «فريضة أبديّة مدى أجيالكم في جميع مساكنكم» (الأحبار 24:23). ولا يختلف المسلمون عن اليهود في ذلك. فالشيخ الشعراوي يقول فيمن يرفض تطبيق الشريعة الإسلاميّة:
«وأنا لو لي من الأمر شيء، أو لي من حُكم تطبيق منهج الله شيء لأعطيت سنة حرّية في من يريد أن يرجع عن إعلان إسلامه أن يقول: أنا غير مسلم. وأعفيه من حُكم الدين في أن أقتله قتل المرتد».

وقد طغت الكنيسة بإسم الدين ونصبت المشانق وأشعلت المحارق لمعارضي مبادئها وقوانينها. وللحد من تصادم رجال الدين مع رجال الفلسفة والعلم والقانون، تم في الغرب المسيحي علمنة الدولة بتقليص دور رجال الدين وإبعادهم عن السلطة، كما تم تقليص سلطة النص الديني وعلمنة العلوم والقانون. وقد إتّجه رجال الدين المسيحيّون، مع بعض الإستثناءات، إلى القول بأن الكتب المقدّسة تكلّم الناس بما كانوا يفهمونه في العصور التي جاءت فيها تلك الكتب. ولذلك لا يمكن إعتبار كل ما جاء فيها حقيقة علميّة. فالكتب المقدّسة قد جاءت بتعاليم أخلاقيّة وليست كتب جغرافيا وتاريخ وكيمياء وفيزياء وفلك وطب. ممّا يعني أن للعالِم مخالفة ما تقوله الكتب المقدّسة في هذه المجالات. وهناك تيّار غربي ينسف الأساس الديني ذاته منكراً أن الله هو مصدر الكتب المقدّسة. فهذه الكتب في نظر هذا التيّار من صنع البشر، ونبتت من الأرض، ولم تنزل من السماء، وأن واضعيها قد غرّروا بأتباعهم.

ويحاول رجال الديانات الرد على التهم التي توجّه لهم بأنهم يحدّون من العقل. فألّفوا الكتب الكثيرة ليبيّنوا أن كتبهم المقدّسة وتعاليمهم الدينيّة تحث على العقل والعلم. ولكن سرعان ما يجعلون تعاليمهم الدينيّة في المقام الأعلى ليثبتوا أنهم أكثر صدقاً من علم العلماء وعقل العقلاء. وهكذا يظهر أن غايتهم الدعاية، كل لديانته على حساب الديانات الأخرى. ونحن لا نود صدّ هم عن هذا المنحى ونقبل توبة التائبين، على شرط أن يتّفق قولهم مع أفعالهم. وأوّل ما نطالبهم به هو أن يكفوا عن تكفير ومحاكمة وقتل من يخالفهم الرأي. ولا داعٍ لإثقال هذا الكتاب بأمثلة كثيرة تبيّن ما نقول، تخرجه عن الهدف المرجو منه.

وسوف نرى في مقال لاحق كيف ان رجال الدين يتصادمون مرارا مع رجال العلم في مجال الختان، وكيف ان رجال السياسة ورجال الطب يخافون سطوة رجال الدين. وعلى سبيل المثال، عندما اراد وزير الصحّة المصري اتخاذ قرار بمنع ختان الإناث. قام بزيارة شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق طالباً منه الدعم. فإذا بهذا الأخير يناوله كتيّباً يتضمّن نص فتوى كان قد أصدرها عام 1981 وأعاد نشرها بعد تحديثها كملحق مجّاني مع عدد أكتوبر 1994 من مجلّة الأزهر. وهذه الفتوى تشرّع «القتال» ضد الممتنعين، إذ تعيد ثلاث مرّات:
«والختان للرجال سُنّة وهو من الفطرة وهو للنساء مَكرُمَة فلو إجتمع أهل مصر على ترك الختان قاتلهم الإمام لأنه من شعائر الإسلام وخصائصه».
فوجد الوزير نفسه بين جبهتين متصارعتين: جبهة معارضي ختان الإناث الذين يطالبونه بتحريمه، وجبهة رجال الدين الذين يؤيّدون ختان الإناث ويهدّدون بإشعال حرب أهليّة إذا ما قامت الدولة بتحريمه. وتفادياً للفتنة، تراجع الوزير عن وعده وقام بإصدار قرار يسمح بإجراء ختان الإناث في المستشفيات، إرضاءاً للمؤسّسة الدينيّة.

----------------------
سوف اتابع في مقالي القادم الجدل الطبي فيما يخص ختان الذكور والاناث.
يمكنكم تحميل كتابي ختان الذكور والإناث عند اليهود والمسيحيّين والمسلمين
http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131&action=arabic
وطبعتي للقرآن بالتسلسل التاريخي مع المصادر اليهودية والمسيحية
http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315&action=arabic



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل جريمة الختان (42) : عندما يتآمر رجال الدين مع رجال الط ...
- مسلسل جريمة الختان (41) : عملية الختان ومصير الغلفة والصلاة
- مسلسل جريمة الختان (40) : القائمون بالختان في الاسلام
- مسلسل جريمة الختان (39): من يُختن في الاسلام؟
- مسلسل جريمة الختان (38) : عواقب عدم الختان في الاسلام
- مسلسل جريمة الختان (37) : الفقهاء القدامى والختان
- مسلسل جريمة الختان (36): الختان في سنة السلف
- مسلسل جريمة الختان (35) : المشككون والرافضون للأحاديث
- مسلسل جريمة الختان (34) : احاديث متفرقة تحث على الختان
- مسلسل جريمة الختان (33) : المسلمون يتحججون بانجيل برنابا
- مبادرة الحق في سلامة الجسد
- مسلسل جريمة الختان (32) : ختان هاجر لتبرير ختان الاناث
- مسلسل جريمة الختان (31) : حديث خاتنة الجواري
- مسلسل جريمة الختان (30) : الختان وسنن الفطرة
- دعوة لزيارة مدونتي وموقعي
- مسلسل جريمة الختان (29) : الختان في السنة
- مسلسل جريمة الختان (28) : ختان الذكور والاناث مخالف للقرآن
- مسلسل جريمة الختان (27) : المسلمون يتحججون بأن الختان صبغة ا ...
- مسلسل جريمة الختان (26) : المسلمون يتحججون بختان ابراهيم
- مسلسل جريمة الختان (25) : الختان في القرآن


المزيد.....




- الشرطة الأسترالية تعتقل صبيا طعن أسقفا وكاهنا بسكين داخل كني ...
- السفارة الروسية: نأخذ في الاعتبار خطر ضربة إسرائيلية جوابية ...
- رئيس الوزراء الأوكراني الأسبق: زيلينسكي ضمن طرق إجلائه من أو ...
- شاهد.. فيديو لمصري في الكويت يثير جدلا واسعا والأمن يتخذ قرا ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر جريمة طعن الأسقف في كنيسة سيدني -عمل ...
- الشرطة الأسترالية تعلن طعن الأسقف الآشوري -عملا إرهابيا-
- رئيس أركان الجيش الإسرائيلي يقول إنّ بلاده سترد على الهجوم ا ...
- زيلينسكي لحلفائه الغربيين: لماذا لا تدافعون عن أوكرانيا كما ...
- اشتباكات بريف حلب بين فصائل مسلحة وإحدى العشائر (فيديوهات)
- قافلة من 75 شاحنة.. الأردن يرسل مساعدات إنسانية جديدة إلى غز ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - سامي الذيب - مسلسل جريمة الختان (43) : تصادم رجال العلم ورجال الدين