أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل بن زين - زمن الرداءة















المزيد.....

زمن الرداءة


عادل بن زين

الحوار المتمدن-العدد: 3815 - 2012 / 8 / 10 - 09:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اليوم السادس: زمن الرداءة
يعتبر الزمن العربي المعاصر زمن الرداءة. زمن تنتفي فيه أبسط مقومات العدالة الاجتماعية، إنه الزمن الذي نزل فيه الكائن العربي إلى الدرك الأسفل نتيجة الطغيان وتكميم الأفواه، والارتهان إلى سلطة الخرافة في زمن فتوحات العقل. إن السعي إلى تشخيص معالم التخلف في هذا الوطن الكئيب يحتم طرح الأسئلة الآتية: ما هي مظاهر التخلف العربي؟ هل دخل الكائن العربي عصر الفتوحات العقلية؟ إلى أي حد مكن الربيع العربي العقل العربي من القطع مع ترسبات الماضي السياسي العقيم؟
إن نظرة تأملية إلى خريطة الوطن العربي تكشف أن هذا الأخير يعيش في كهوف الظلام، وتفصل بينه وبين عصر التنوير، والاحتكام إلى سلطة العقل قرون عديدة، فالعصور التي نحياها اليوم هي العصور الفيودالية والقروسطية؛ ذلك أن الذي يتحكم في العقل السياسي هو سلطة القمع والخنق، ولنا في الدول التي استهدفها الربيع العربي خير معبر.
لقد كشفت المعارضة السلمية السورية في البداية، ثم العسكرية الحالية الوجه القميء للنظام البعثي الكلياني؛ ففي الوقت الذي اشتدت فيه المطالبة بالإصلاحات السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، دون المناداة بضرورة الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، لم يستسغ هذا الأخير توجهات المعارضة. وعوضا عن فتح نقاش بناء والاستماع إلى أصوات الغاضبين، ومن ثمة الاستجابة للمطالب المشروعة في حدود إمكانات الدولة، أرسل – إسوة بكل طغاة العالم – فيالق شرطته السرية وتشكيلاته الأمنية، ثم أتبعها بآلته العسكرية، التي تفننت في أشكال التهديم والتعذيب والتقتيل. وذلك تحت يافطة نظرية المؤامرة التي ترفعها الأنظمة الاستبدادية كلما اشتد الخناق عليها.
إننا لما ننظر اليوم إلى الأرض السورية، وهي تحترق بنيران الإخوة الأعداء، يداهمنا الإحساس بالدوار والغثيان. فآلة القمع التي يوجهها الأسد – أسد في مواجهة الأهل ونعامة في مواجهة العدو الحقيقي – لا يمكن تصنيفها في خانة حماية الوطن من التفتت والتشرذم، وإنما هي رغبة محمومة في الحفاظ على السلطة والكرسي. وتكشف فاتورة الدم المهرق مدى المستنقع الراكد الذي انغمست فيه البلاد، كما تكشف أيضا طبيعة العقلية الحاكمة المتكلسة.
إن الأنظمة الحاكمة في بقاع العالم لما تصل إلى الشيخوخة، تبدأ عمليات التحول تطرأ عليها تدريجيا؛ فالنظام السوري الكلياني المتحكم في رقاب العباد بقبضة من فولاذ، والمهيمن على مقدرات البلاد لقرون، في تغييب تام للشعب وصوت المعارضة غير المصفق له، كانت الحركات التمردية هي الضرورة الحتمية له، سواء أكانت مدفوعة من الخارج أم نابعة من تربة الأرض، فالصورة واحدة وهي البحث عن حياة جديدة تصدح بالديمقراطية، والحرية، والعدالة الاجتماعية في تقاسم الثروة. ولذلك فإن الهجمة الشرسة التي يشنها الجيش السوري النظامي باستخدام كافة الأسلحة، تدخل في خانة عدم استساغة النظام الحاكم خروج المعارضة الى الشارع، والمطالبة برأس الطاغية الأكبر. وتلك هي سمات الأنظمة الديكتاتورية في الشرق والغرب، قديما وحديثا، وهي أيضا العد العكسي للانهيار الأكبر.
إن ما يجري اليوم في أرض سوريا من قتل وتعذيب، يلوح بشبح الحرب الأهلية بين العلويين القابضين على سدة الحكم، ومن ساندهم من الأقليات الأخري، وبين السنة، ما كان له أن يصل إلى هذه الدرجة من التعقيد لولا التدخل الخارجي؛ فالجغرافية السورية احتلت على الدوام مركزا استراتيجيا في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما جعلها محط أطماع اللاعبين الكبار في المعسكرين الشرقي بقيادة روسيا والصين وإيران وحزب الله وبعض الأنطمة الشمولية الأخرى (فينزويلا). والمعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة والصهيونية العالمية وأوربا وبعض الأنظمة العربية الذيلية لها، ومن تسعى إلى إيجاد موطئ قدم لها في المنطقة كالقيادة التركية.
إنه زمن الرداءة الذي أصبحت فيه الأرض العربية محط الأطماع الأجنبية، وآلة القمع والتقتيل الداخلي، كلما خرجت أصوات المقهورين للمطالبة بالحد الأدني من الكرامة. والحقيقة أن زمن الرداءة لا يلمس فقط المجال السياسي، وإنما يرتبط كذلك بالمجالات الأخرى من اجتماع واقتصاد وتعليم وثقافة.
ولمعرفة أحوال الوطن العربي في هدوئه بعيدا عن لغة الدم وأزيز الرصاص، فإن المجال الثقافي هو الكفيل بذلك. وذلك من منطلق أن الثقافة هي خزان الفكر، وطرق وآليات تفكير حامليها. ففي القرن الواحد والعشرين، عصر الفتوحات العقلية، والثورة التكنولوجية المتناهية الدقة، لازال العقل العربي على امتداد الوطن الكئيب، من المحيط إلى الخليج منبطحا تحت سطوة الخرافة والشعوذة. فزيارة الفقيه من أجل الحصول على "حجاب" الشفاء من المرض، أكثر إغراء من زيارة الطبيب. وقراءة الأبراج وزيارة "الشوافة" والارتهان إلى دعاة تفسير الأحلام، أكثر إلحاحا من الاحتكام إلى سلطة العقل والواقع. ويستوي في ذلك أحيانا الأمي والمثقف.
ويزداد الزمن العربي قتامة ورداءة حين نيمم وجهنا شطر الفن؛ فالعالم العربي من المحيط إلى الخليج، غارق في الميوعة والسفالة، وقد تحول الفن من التنوير والتثقيف إلى الضحالة والسخافة. فالفن الذي يتغذى على العري وبعث الرسائل عن طريق المؤخرة والنهد، بينه وبين الفن النبيل مسافة من السنوات الضوئية، وهو لا يمكن أن ينتج إلا فنا عقيما ونتنا. فهل رفع تبان امرأة ملطخ بدم العذرية، والتصريح بكلمات نابية على الركح، هو الوسيلة المثلى لكسر الطابو وبعث رسالة نبيلة؟ إننا نربأ بمثل هذه الجرأة الوقحة التي تخدش الحياء والأخلاق. وكأننا بهذا أمام فن نظيف وفن منحط، والحقيقة أنه لم يوجد إلا فن واحد نبيل.
إن الفن الذي أتخيله – وإن كنت غير متخصص في علم الجمال – هو ذلك الفن الذي يجمل قبح الحياة. الفن الذي ينقل رسالة سامية بأسلوب راق، بلغة تتفجر عذوبة. الفن الذي ينبع من إحساس صادق، يتوغل إلى شغاف القلب، ويدخل المتلقي في حلقة من الاندماج الكلي مع التيمة واللغة، والموسيقى والصورة و... فيتطهر المرء من الرداءة. فهل يوجد فقط الجنس والعري تيمة للفن؟ وحتى إن كانا موضوعي الفن، فينبغي على الفنان إعمال موهبته في تجميل هذا القبح، وإيصاله إلى المتلقي بشكل عفوي، ومن ثمة يندمج مع السياق العام، فلا يصبح الجنس مجرد لقطات مقحمة.
وخلاصة القول إن الزمن العربي الراهن يسبح في عالم من الفوضى والتيه. فالتناقضات الصارخة هي السمة الغالبة عليه؛ ففي الوقت الذي تسعى الأنظمة الحاكمة إلى تلميع وجهها القميء، من خلال الحد من التفاوت الطبقي، والحد من الهوة بين الفقراء والأغنياء، يزداد الأغنياء غنى ويزداد الفقراء فقرا. وفي الوقت الذي تنادي فيه بالإصلاحات السياسية، والرفع من سقف الحرية، والعدالة الاجتماعية، تصدر
أوامرها لتشكيلاتها الأمنية لأخراس أصوات الشارع. وتكشف القنوات الفضائية التي تفرخ يوما بعد يوم حجم الرداءة الفنية، التي نزل إليها الإنسان العربي.
وفي انتظار الخروج من التيه العربي السياسي والاجتماعي والثقافي، تعلق الشعوب العربية المقهورة أمالا عريضة على الربيع العربي، الذي أطاح لحد الآن بأربعة طغاة من العيار الثقيل. ففي الوقت الذي فر حاكم قرطاج إلى المنفى مخلفا وراءه أصوات الثكالى والأرامل واليتامى، اختار آخر الفراعنة المحاكمة الداخلية على كرسي متحرك. ويا لها من نكاية وسخرية. وينضاف إليهما حاكم أرض اليمن الذي عاث في الأرض فسادا، فأهلك الأرض والنسل، ورغم حرق وجهه فبدا مسخا مقززا ظل متشبثا بالكرسي. بينما هلك ملك ملوك افريقيا على يد من نعتهم بالجرذان وشداد الآفاق، فطاردوه إلى أن هلك في أنابيب الصرف الصحي، في سخرية لا مثيل لها في تاريخ سقوط الطغاة. وإن إرسال هؤلاء الجبابرة إلى مزبلة التاريخ، فإنه اليوم يعيش مخاض إزاحة طاغية سوريا، لكن سقوطه يبدو بعيدا ومعه تزداد فاتورة الدم ارتفاعا.
إن زمن الرداءة العربي يكشف عن وجهه المجال السياسي، الذي حوله الطغاة العرب إلى لعبة مبتذلة، تمكنهم من الوصول إلى سدة الحكم بالتزوير والغش، ومن ثمة ممارسة كل أشكال القمع السياسي، والتجويع الفكري، من أجل إعادة وضع ملائم، يستفيدون منه. كما يكشف عنه هذا الفن الهجين، الذي تغرقنا به القنوات الفضائية؛ ففي الوقت الذي نحلم فيه بفن يعيد لنا التصالح مع الذات، يداهمنا في عقر ديارنا فن المؤخرات والصدور والفروج.



#عادل_بن_زين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة قصيرة: نادية
- سقط الليل
- وطن الحبال
- في مديح الخال
- حالة إبداع
- الشيخ والبحر
- قصيدة
- قصة قصيرة


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل بن زين - زمن الرداءة