أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمية أرواو - وراء البحار















المزيد.....

وراء البحار


سمية أرواو

الحوار المتمدن-العدد: 3814 - 2012 / 8 / 9 - 09:55
المحور: الادب والفن
    


كانت الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل عندما قررت الخلود إلى النوم. كان الجو حارا جدا لدرجة أصبحت معها عملية الشهيق و الزفير تستغرق وقتا طويلا. كانت مسام جلدها ترسل قطرات عرق كبيرة، و كأنها تحاول تطهيرها من الداخل و تخليص جسدها النحيل مما يعلق بداخله من أحزان و أفكار قذرة.. اتجهت نحو الحمام تفرغ على نفسها بعض المياه الباردة محاولة التخلص من حرارة الجو و حرارة النيران الموقدة بداخلها مرة أخرى. بعد أن كانت تعتقد أنها تخلصت من النوبة التي تزورها كلما عاودتها ذكراه.
انتهت من الاغتسال .. جففت جلدها الملتصق بعظامها .. ثم ارتدت قميص نوم شفاف كشف تقاطيع جثتها المتآكلة بفعل الزمان .. تحسست جسدها بيديها الصغيرتين مرات و مرات قبل وصولها إلى السرير، مرت بمرآتها .. ألقت نظرة عليه .. فإذا بذكراه تشتعل أكثر فأكثر. استلقت على ظهرها فوق السرير، مفترشة خصلات شعرها الذهبية التي كادت تلامس فخذيها. أخذت تتأمل سقف الغرفة و تقلب شريط حياتها .. أتراه الآن قابع في بطن الحوت؟ أم أن الأمواج أبت إلا أن توصله؟؟.
أنهكها التفكير .. حاولت تبديد أفكارها، فلم تجد وسيلة تحقق بها مبتغاها غير سيجارة كانت قد وضعتها منذ أيام بالقرب من سريرها. تناولتها بيد ناعمة،وهي تتمتم بصوت محتقن بالحزن:
ـ سأتجرعها .. لابد أن سمها قد فسد بفعل الرطوبة في هذا القبو.. و السم إذا فسد صار قاتلا أكثر فأكثر.. صار كسم حياتي .. كالذي يغلي في شراييني .. كالذي يتفجر الآن في عروقي.. صار كطعم ليلتنا الأخيرة.
أخذت تزدرد دخان السيجارة. تراقبه وهو يتصاعد في الهواء ملتويا حتى يتبخر .. فيختفي. راقبت المشهد لدقائق. خيل إليها أن حياتها كانت ملتوية أيضا، تماما كخيوط دخان السيجارة. وأن ما عاشته يتبدد في لحظات و لا يلبث يصبح متلاشيا و مختفيا. . لكن الذكريات ظلت تطاردها كما تفعل الآن رائحة دخان السيجارة رغم اختفائها. أكانت حياتي ملتوية لدرجة أنني لم أستطع فهم محتواها. . لدرجة أنني أدور حول جوهرها دون أن أسقط فيه؟ومن قال أنني لم أفهمها. . لربما كان جهل معنى الحياة هو في حد ذاته معنى من معانيها و عدم الوصول إلى جوهرها هو وجه من وجوه اللعبة الإلهية فيها.
ـ أتراه يتذكر إسمي؟ أتراني أجول في دهاليز فكره كما يفعل هو فيَ؟ ..
قذفت بقايا السيجارة في الفراغ. تشنج جسمها بأكمله. . تحسست الطاولة المحاذية لسريرها فإذا بيدها ترفع مرآة. . تطلعت من خلالها على وجه يعربد حزنا و ألما.
ـ سأسافر ..
كانت هذه آخر كلماته في تلك الليلة الممطرة بعد أن احتسينا قدحين من النبيذ. . أكانت سماء تلك الليلة ترثي لحالي؟ أكانت تشيع جنازة عشقي؟ أم أنها كانت تثور. . تحتج. . تنتفض ضد قراره؟؟ .. صعقني الخبر. . كمجنونة نطقت بصوت خنقته الدموع و الدهشة و الألم:
ـ ستسافر؟ .. إلى أين..؟
طأطأ رأسه قائلا:
ـ نعم سأسافر .. نحو عاصمة الحرية.
ـ لكن لما..؟
اتجه نحو النافذة ينظر إلى الأفق الذي اكتسب لونا داكنا بفعل العاصفة.
ـ هناك يا حبيبتي. . وراء البحار. . سأكمل تعليمي. . سأعمل. . سأبني مستقبلي. . سأحقق أحلامي. . سأقرأ و أكتب بحرية. . سأتحدث و أصمت بحرية. . سأبكي و أضحك و أصرخ بحرية. . سأروي ليالينا معا و أتحدث عني و عنك و عن حبنا بلا خجل.
حاولت رسم ابتسامة سخرية على محياي، وقلت:
ـ أحلامك دونكشوتية يا عزيزي ..
خيم صمت رهيب. . كان الليل قد أرخى سدوله علينا، وكأنه يحاول خنق أنفاسنا. اتجه كلانا ببصره نحو النافذة. كان المطر يهطل بغزارة لم يعهدها من قبل، ولون الأفق يميل إلى السواد الداكن. . لعلها لعنة الآلهة. . لعل الطبيعة تحاول تطهير العالم بأمطارها.
ـ وأنا؟ .. ماذا أفعل من بعدك؟ بعد كل هذه السنين؟ بعد أن كفرت بدين العالمين و آمنت بدين حبك. . قلي. . قلي ما معنى الحياة من بعدك؟؟
ـ أوَ تظنين أن لحياتنا معنى الآن؟
لقد كان على حق. لم يكن لحياتنا معنى أو هدف. لقد قيل قديما :" إن العيش من دون إدراك معنى العالم هو أشبه بالتجول في مكتبة عظيمة من دون لمس الكتب" .. أما نحن فقد حاولنا اكتشاف و لمس كل شيء معا. . تجولنا أزقة المدينة ليل نهار .. قرأنا كتبا و روايات .. ضحكنا .. شربنا .. تناقشنا و تجادلنا . لكننا لم نفهم يوما لما نحيا ؟ و ما الحياة ؟. لقد أرهقنا هذا السؤال. كلما طرحناه، نغرق في العبثية أكثر .. نقدف في الفراغ الموحش أكثر .. نشعر بأبداننا تشعر و ترتعد من الخوف .. أليس هذا هدف اللعبة الإلهية في الكون؟ .. إن الحياة أشبه بالموت. لا يستطيع الإنسان معرفتها إلا من خلال تجربته الشخصية. فليتعرف على الحياة عليه أن يتجول في سراديبها و أقبيتها بنفسه، وهذا ما يولد لديه ذلك الشعور بالخوف من معناها.
كان الفجر يشق حلكة الليل عندما هدأت العاصفة و بدأت الطبيعة تعيد كل شيء إلى مكانه. رفع معطفه و اتجه ناحية الباب ليغادر. حينها انتفضت كطير مذبوح يخاله النَاظر يحاول الطيران، و ليست رفرفته في الحقيقة سوى تعبير عن قمة الألم.
ـ ستعود؟ .. ستكتب لي؟ ..
نظر إلي بوجه تقلص من شدة الألم و قال:
ـ سأحاول .. سأكتب قدر المستطاع و كلما سمح لي الوقت .. أنت تعرفين الغُربة .. لكن هذا أفضل. لن تكون أسوء من الغُربة داخل الوطن.
كاد يفتح الباب عندما داهمتني تلك الكلمة. توقفت في حلقي تذبحني من الداخل.
ـ أحبك .. أتحبني أيضا؟ ..
غرقنا في الدموع معا .. فقال مبتعدا:
ـ الحب في وطننا يا حبيبتي .. عاهرة تعيش في الأوكار أبد الدهر، تخشى النور ..
أحسست بشيء كالخدر يسري في عروقي. أتراه سم السيجارة؟ .. قذفت المرآة لتصطدم بالجدار. حملقت في قطعها المشتتة على الأرض .. لمعت في ذهنها فكرة فيرونيكا .. أأكون جبانة إذا انتحرت؟ .. لا لن أكون كذلك .. الانتحار شجاعة ما بعده شجاعة .. هزم لإرادة الطبيعة .. تحدٍ لغريزة البقاء لدى الإنسان.
نهضت من فوق السرير .. التقطت قطعة زجاج قطعت بها شرايين يدها .. في انتظار الموت سأستنشق عطر دمي المتدفق .. دم امتزجت كرياته بك ..



#سمية_أرواو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمية أرواو - وراء البحار