أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - اللا ميدان















المزيد.....

اللا ميدان


أحمد فرحات

الحوار المتمدن-العدد: 3814 - 2012 / 8 / 9 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


وجدت للحديث بقية ، فالجمع المكتظ انفض ، وقلت إنني أسمع صوت قطاري آت ، وقلبي صار ضعيفا ، يؤلمني كلما تقلبت يمنة أو يسرة ، ولم يعد بوسعي أن آخذ الانعطافات الحادة كما كنت أفعل من قبل ، والرتابة أصبحت جزءا مني ، وكانوا هم يبحثون عن النشوة والمجد والحب ، وأنا أبحث عن المال والنفوذ ، وتركت الورقة والقلم ، ولم أعد أحلم ، وبلا أي شاعرية وجودية حديثة أصابني الغثيان ، فأسرعت خارج الحانة القديمة لأتقيأ ، ولم أتقيأ ، ورفعت رأسي في شارع هدى شعراوي ، وتذكرت من أنا ، ولم أتذكر متى آخر مرة زرت فيها هذا المكان ، كنت مغمورا في مكاني وكئيبا إلى حد بعيد ، وقال لي البعض دع عنك التصرفات الكاذبة ، وظللت واقفا أبحث في وجوه المارة ، وأرمق الميدان...( اللا ميدان ) ، كان كل شيء قد انمحى داخلي ، رغم وجود كل شيء كما هو ، لم يختلف غير الساقي وطعم الشراب اللعين ، تركت الرفاق ، وركبت سيارتي مسرعا وغادرت المدينة في صمت مطبق ، لم يسألني أحد ما لماذا غادرت ، تغيرت الألوان ، وغاب الشجن ، والنزوة أصبحت سيدة الموقف ، الطعم رديء للغاية ، والصبايا المتلاعبات يخفين حملقتهن ، الرفض يملؤني ، و أفتقد شجاعة المقامر ، لا يمكنك تغيير الوجهة وأنت محاصر في الليل والنهار ، تحتال على نفسك من أجل كسب بعض من الوقت ، ولا نتيجة غير الانتظار الرهيب ، إما أن تنتظر القدر وإما أن تستفيق ، الأمر لم يخل من الحدث ، وإنما ذهب المعنى والمضمون والشكل ، ذهبت منك أشياء كثيرة لن تستطيع إرجاعها ولو احتلت ، وتمارين الصمت والكلام غير حقيقية ، همهماتك عاجزة عن الإبانة بعد الصراخ الجريء والهتاف ، لا أحد يعلم ماذا تريد أن تقول ، عدتَ بلا قضية وبلا أهل وبلا وطن وبلا ذكريات يحييك تردادها ، وكل ما رضيت به يجب أن تهدمه لتتحرر ، يجب أن تخلق من جديد ، الواقعية تلك كلها بلا قيمة فعلية في نفسك ، تتنظير الرفض هو مهمتك ، والرفض اختيار ، لكنني لم أختر أن أنمسخ في قبضة السنين من أجل أن أغير طريقي..( لقد ترك الثوار الميدان ).
ولقد أفقنا آخرين ملابسك اللامعة صارت رثة مزخرفة بالأتربة والدخان على جثة شاب مسن ، وتعلم يقينا أنك لن تقع في الحب ثانية ، فتحتضن حقيقة أنك وحدك الآن ، وكنت ترفرف مبتسما تؤرجح معك أمل الغناء مرة أخرى ، ودعتْك معها إلى الحلم ، وقبلُ كنتَ تراها تبكي لشيء لا تفهمه فأعرضت عنها ، وقالت لك " يجب ألا نخاف النزول إلى الطرقات.. سننزل مجددا " وابتسمت وأمسكت بيدي ، لقد كانت هناك كل ذلك الوقت ، تأملت قسماتها وفستانها الوردي الباهت ، وقفنا كقطبي وجود في الساحة ، أنت السالب بعد خسارتك القمار وهي موجب حياتك ، كنت مشوشا ومضطربا ، بقع الدماء على الثياب والأسفلت كالجرافيتي الحي ، والخراب ، وصرخات آلام الإصابات ، وفقدان الثقة في كل شيء ، قلت " لا أريد حربكم الأهلية " ، قالت " لا يمكنك أن تثق بالحرية وهي ليست في يديك " ، كان العجز القديم قد ذهب في لحظة ما ، ولم نلتفت جيدا لكيفية إذهابه ، لكنها أرتني غرفا مغلقة كثيرة ومتتالية ممتلئة برائحة المورفين وهبوط الدورات الدموية الحاد ، قالت " كل هؤلاء جرحى ومصابين ولكن لا تتحدث بصوت عال ، فالأطباء هنا قتلة..كلهم قتلة " وأدخلتني غرفة عليها حراسة وأخذت تزيل أدراجا ممتلئة بالأوراق كانوا قد وضعوها على باب الغرفة لمنع الناس من الدخول ، اشتبكت معهما بقلق ، تأملت الأوراق فوجدت كل شيء مسجلا بدقة ، وسلمت على امرأة حبلى ، كنت أعرف أنها لا تلد ، سمعت أصوات الشغب في الخارج ، وتدفق الناس ، كانوا يسيلون أفواجا في الأروقة ، فتدفقت معهم ، كان غضبا عارما تحول في لحظة إلى شيء جديد وخلتها نهاية الأيام ، خرجنا جميعا إلى البحر ، والذين قالت عليهم قتلة كانوا وراءنا ، كان البحر الهائج ممتلئا بالجثث الطافية والأعداد الهائلة للسابحين ، تخلصت من قشعريرة ملامسة الموتى وسبحنا ، والمرأة الحبلى كانت طافية وجنينها يسحبها باندفاع ، قالت " انظر...الفراغ الروحي انتهى " وابتسمت ولكن لا زالت لدي حواجز تمنعني من الالتحام ، فأنا لم أعتد أن أتواجد بين الجموع ، لم أعتد أن أجد معنى ما في الزحام والضجيج ، كنت دائما وحدي ، بدوا لي كشعور عملاق مجسد ، وأمطرت السماء ورأيت ألوان القوس تنتشر فوقنا ، السابحون يهربون ، اعتقدت ذلك حلما طويلا ، لا شك ظننا أن كل شيء ملكنا ، فقبل قليل كنا مؤهلين للفناء والمسخ حتى تكرر الأيامُ نفسَها بلا أي رفض ، ويبدو أن المعاني تغيرت ، و المبنى تهدمت أركانه بالأقدام ودفق الحشود ، وأحرقت كل الأوراق.
اكتشفت أن للقضية أبعادا أخرى ( كل السبل تؤدي إلى العار ، الكل يغرق في الملامة ، كل الانعكاسات تتبدى واحدة في اللموع الصدئ على أداة للقتل ، ثم الغضب ، بقدر رصاصة تصيبكِ من حيث لا تدرين ، الموت صموت أعمى ، كان الأمل ركيكا كالورقة ، والوجوه القبيحة تناثرت حولك في المكان ، الاختباء تحت الجلد من وقع المصادفة ، هل تقفين خلف الباب ثانية ترقبين الآتي بعد تذوق لذة الغضب ، حتى وعود الوعيد صارت ضحلة أمام من تتسلق الصليب ، تقول " تموت شابا صغيرا ، تعيش خالدا " ، وتشربين الحبر المسمم لتوقعي على الانصراف شريفة ، وحتى لا تحفري قبرك وأنت جالسة معهم في الفناء الخلفي لبيتك بملعقة ، تكافحين القتال الذي يهزم الكثير منا ، وتتسلقين الصليب وتنتظرين الفجر ، وتقولين " مت الآن لإحياء الموتى " ، نقيتِ الخلاص من شوائب الفهم ، وندوب جسدك العاري ريثما تبرؤ تتضاعف ، ولمسة الموت تحت لمسة الإصبع ، والمعدن الأنيق في ثوان عمياء أيضا يقبلك بحرارة في عمقك ، إنها تلك العمياء ويتوقف الهتاف في رأسك ، وتداعبينها وهي تلوث دمك ببصمته وبالبارود وبجزيئات الألم ، كنت تقول لها هل تتذكرين عندما غلي البحر من الغضب ، (كانت تعدو صغيرة ، كانت تعدو معهم في الساحات ، كانوا يحملونها وخيط الدم يفضح مكان الاختباء ، لم أعرف متى سأتوجه إليهم ولا متى سأغادر هذا المكان ) لا ندم ، تقول لنفسك : أستلوم الغضب على مأساتك . من قعر الظلمة ، انعطافة أولى حادة كقطار كره بلا قائد ، انطلقتُ من أمان الذل بنداء من الموت ، أخذتْ معها غدي ، و بقيتُ واقفا ، محاولة اندلاع الشروق في الأيام جاءت كحلم أفزعني القلق عن استكمال لذته ، لقد طمسوا المعالم وغيروا الشوارع وأرقام الهواتف وسرقوا مكتسبات الغضب ، ومن الظلمة تلك هبطتُ مشعلا فتيلا ، قلت" سيهز آخره أبواب الجحيم " ، قائدتي ، أخذتْ غدي ، وبقيت واقفا ، أتأمل الوجوه وأردد الهتاف ، يرحلون بها ، أتركهم ، لم تعد ملكا لأحد ، صارت للجميع ، وبجوار نافذتك الوحيدة عدت تنتظر الرفيق ، تفكر في شيء وتفعل شيئا آخر ، مأساوي بلا قلب ومفعم بالكره ، لم تعدك هي بشيء ، قطعوا الإضاءة عن المحيط ، وسمعت النداء ونضجت الظلمة داخلك ، والجمع المكتظ انفض ، وبقيت وحدك غير حميد وغير مكتمل ، السبيل الوحيد أمامك تلاشى ، فرقوا الدم بين القبائل ، أتتبع خطاها ، أتتبع خيوط الدم ، تحتك الأجساد ، تستشعر دفيء الجحيم...الميدان...اللا ميدان......



#أحمد_فرحات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماديون الجدد سردا
- ( قصة قصيرة جدا عن حلمي سالم )
- برومازيبام
- مدينة الإنسان
- داندي قلق
- انفعالية : كلنا خالد سعيد
- قراءة في مجموعة البقاعي الشعرية الجديدة الصادرة بالإنكليزية ...
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرخ البقاعي الانكليزية الجديدة
- توحّش سلس: قراءة في مجموعة مرح البقاعي الشعرية الجديدة


المزيد.....




- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد فرحات - اللا ميدان