أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل كاظم العضاض - أصبح الفساد، مقرونا بالفشل، طاغيا في العراق















المزيد.....

أصبح الفساد، مقرونا بالفشل، طاغيا في العراق


كامل كاظم العضاض

الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 22:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أصبح الفساد، مقرونا بالفشل، طاغيا في العراق!
د. كامل العضاض
إبتداءا، لا ينحصر معنى الفساد لغويا بحالات الرشوة والكذب والإفتراء والإبتزاز، إنما ايضا يغطي حالات الفشل وعدم الكفاءة وعدم الصلاحية، وسؤ الإستخدام، فضلا عن سؤ إختيار المسؤولين على كل المستويات، العليا والدنيا، مما يقود الى غياب القدرات التنظيمية والإدارية والفنية، فيترتب على ذلك ليس فقط ضياع الحقوق، وإنما الهدر بالموارد والزمن والطاقات، مفضيا الى ما يسمى بحالة التخلف التي ستصبج مريعة، بسبب تراكمية آثارها. ويصبح الأمر فادحا من الناحية الإنسانية، حيثما تُمتهن، اثناء المراجعات، كرامات الناس، ويضيع وقتهم، ويتعذبون بالمراجعات والزحامات التي تتطلبها المعاملات في ظل بيئة قاتلة للصحة والراحة، لإنها تجري، غالبا، تحت شمس محرقة أو في أجواء من البرد القارص من دون وسائل للراحة، وبدون تنظيم وبدون عدالة.
هذا هو المعنى العام للفساد، فمتى يصبح بهذا المعنى طاغيا؟ يصبح طاغيا حينما يشيع من القمة الى القاعدة وبالعكس. وحينما تسود الأخلاق الفاسدة بين الناس، بدءا من موظفي الحكومة ونزولا للزبال في الشارع، وحيث يصبح الصدق والإخلاص بالعمل نادرا، ويصبح إستغلال وإستضعاف المراجع البسيط نهجا غالبا في السلوك. هنا يمكن القول بأن الفساد أصبح طاغيا. ان الفساد على مستوى القمة والقيادات قد لا يكون مرئيا وملموسا، لأنه يتبرقع ويتلفع بالأغطية والحجابات، ويتأطر بنظام المحاصصات المتخلف الذي يقوم على اساس تقاسم المنافع والنفوذ والمناصب والإمتيازات بين الفئات الطائفية والسياسية والحزبية على حساب السواد الأعظم من الناس من غير المنتمين وغير المكفولين من قبل أحد. ولكنه على مستوى القاعدة، اي على مستوى الدوائر والهيئات التي يفترض أنها تقدم خدماتها للمواطنين مباشرة، او هي مسؤولة عن تنفيذ وظائف الحكومة مباشرة للناس المراجعين أو المكلفين، يصبح مفضوحا وصارخا، والأمثلة هنا لا تعد ولا تحصى. وهنا لا بد من التوضيح بأن الفساد على مستوى القاعدة ستتحمله القيادة حتى لو لم تتعمده أو أنها حسنة النية، وذلك لعدم كفائتها في إقتلاع جذوره ومعالجته بالوسائل العلمية على مراحل قريبة الأجل، وليس الإنتظار على مدى عقد من الزمان. لكن دعنا ننتقي من معين التجربة المباشرة والقريبة جدا مثالا مستمدا من معاناة شخصية عشناها خلال شهر تموز الفائت والفائر بحرارته اللاهبة في بغداد.
كنا نحاول إنجاز معاملة لإزالة الشيوع عن بيت كنا في الأصل نملكه كله. وعلى الرغم من وجود محام مكلف بهذه القضية، تُوجب علينا الإجراءآت إنجاز بعض متطلبات المعاملة شخصيا. إكتشفنا بانه لا يمكن المضي بإجراءآت أية معاملة كانت بدون إمتلاك وإبراز بطاقة سكن، حتى ولو كان صاحب المعاملة لا يقيم في العراق. ومن هنا بدأت المرحلة الأولى من هذه المهمة الشاقة. وبالإستعانة بقريب لي يقيم في بغداد صرفنا ما يقرب من إسبوع من المراجعات، إبتداءا من المختار، وبموجب كفالة القريب لي من أجل إصدار البطاقة، وكل ذلك تحت رحمة القيظ اللافح، ومن ثم المراجعات، ضمن طوابير وحشود من المراجعين الذين يتزاحمون على شبابيك مركز الشرطة في المنطقة البعيدة عن وسط بغداد، ويتحشدون ويتدافعون في ممرات جانبية حول بناية المركز، وهي لا تتسع عرضيا لأكثر من ثلاثة أشخاص يقفون الى جنب بعضهم الآخر. أما الوصول الى الشباك بمساحته المجهرية، فيعد نصرا ما بعده نصر. وأخيرا وبمساعدة لافتة من أحد ضباط الشرطة في المركز الذي أبرزنا له كل وثائقنا تم إنجاز البطاقة. اما قريبي الذي كان الى جانبي والذي تكفل بالصعدات والنزلات المتوجبة، فإنه فقد صبره بعد الإنتهاء من المعاملة، وأقسم بأنه لو كانت هذه المعاملة له شخصيا لما تابعها أو أنجزها حتى ولو ضاعت بسبب ذلك بعض حقوقه المهمة. فشعرت بالندم لتكليفه وتحميله معاناة إخراج بطاقة السكن هذه. لو تأملنا طبيعه إجراءآت مثل هذه المعاملة، ولو قدرنا بدقة حجم الطلب اليومي عليها، ولو رسمنا الخطوات من الألف الى الياء، وصممنا خارطة دخول وخروج المراجعين للبناية، وقدرنا توزيع العاملين بالمركز حسب مخطط إنتاجي، محسوب زمنيا، وعملنا فضلا عن ذلك على توفير وسائل راحة ومظلات واقية ومقاعد للجلوس ووضعنا نظاما رقميا لدور كل مراجع، لكسبنا الوقت، ولإرتحنا وارحنا، ولوفرنا الجهد والمعاناة على كل من المشتغلين والمراجعين، ولحافظنا على آدمية الناس وصيانة حقوقهم في الأمن والراحة والخدمة الكفؤة المباشرة. المشكلة بحاجة الى قدرة على التنظيم الهادف الى تعظيم الإنتاجية، وإستدناء التكاليف بمعناها الواسع، أي الجهد والوقت والمال والصحة لكل صاحب شأن في هذه العملية. ان هذه الظاهرة تمثل فسادا، بمعناه، كفشل وعدم كفاءة وعدم صلاحية. ولو إنتقلنا الى مراحل أخرى من المعاملة التي تتطلب حضورا شخصيا، لوجدنا ما هو أضرب في التعاسة والبؤس والفشل. حينما قدم المحامي هويتنا للأحوال الشخصية وشهادة جنسيتنا الأصليتين لمحكمة إزالة الشيوع للتثبت من هوية صاحب المعاملة، ردت علية بتوجيه، ليذهب صاحب العلاقة لمراجعة مديرية الجنسية في المنصور، ثم مديرية شهادة الجنسية في الكرادة لإثبات صحة قيد أو صحة إصدارالوثيقتين! ولا أدري لماذا توجد مديريتان مختلفتان تنظيميا ومكانيا لموضوع واحد هو الجنسية وشهادة الجنسية؟ فذهبنا للأولى، فتفاجئنا بمئات المئات من المراجعين المتزاحمين تحت رحمة لهيب تموز، وشاهدنا المراجعين يسفون في وسط الأزبال والنفايات والفوضى، حيث لا يدري المرء في أي حشد يتوجب عليه ان يحشرنفسه، ولم يتسن لي ذلك لولا قريب آخر جاء لنجدتي وتكفل في خوض معركة الحشود، لمجرد إيصال كتاب المحكمة للإستفسار عن صحة صدور وثيقة الجنسية أو بطاقة الأحوال الشخصية. وبعد لأي ومكابدة ووقوف دام أكثر من ثلاث ساعات، تمكن قريبي من إستصدار كتاب يوّجه للمحكمة عن صحة صدور الوثيقة. ونحن نقول، ما الحكمة من هذه الإجراءآت العقيمة؟ فلوكان هناك نظام معلومات إلكتروني مركزي، لكفى ان تبرز البطاقة ورقمها في أول غرفة إستقبال للمراجعين، ولجاء الجواب فوريا، ولجرت إجابة المحكمة فوريا عليها، ولكن أين نحن من كل هذا النظام العقلاني؟ فقد آلمني أن ارى عشرات النساء الملفعات بعباءآتهن، ويحمل بعضهن اطفالا فوق ذلك على صدورهن، وكل ذلك تحت حرارة طقس تبلغ نصف درجة الغليان تقريبا!! أما ملحمة مراجعة مديرية شهادة الجنسية، لنفس الغرض، فالصورة المأساوية تتكرر، ولم يكن هناك من سبيل سوى الإستعانة بمعقب يتقاضى ليس فقط أجره، إنما ايضا أجرة إضافية للمعقب الذي سيوصل الكتاب الى المحكمة!! وبعد كل هذا وذاك، عدت الى مقر إقامتي خارج العراق، ليتصل بي المحامي ليخبرني بأن المحكمة إقتنعت بكتب صحة صدور الوثائق، لكنها هذه المرة وجدت تشابه لإسمي، (بدون اللقب)، مع اسم شخص آخر مطلوب لإغراض جنائية أو غيرها! فما هو المطلوب الآن؟ هكذا سألت، فقال أرجو أن ترسل بالبريد الإلكتروني صورة هوية التقاعد مع صورة من هوية الأحوال الشخصية لزوجتك، بامل ان تقتنع المحكمة، فتطلق سراح فلوسك المجمدة منذ ثلاثة أشهر بعد بيع البيت عن طريق المحكمة!!
ما تقدم هي نماذج بسيطة ولكنها تكاد تشيع في جميع أجهزة الدولة ودوائرها، وخصوصا الخدمية منها، حيث يُمتحن المراجع وتُهدر كرامته، ويتعرض للإبتزاز عن طريق فرض دفع الرشوة والأتاوة، وغير ذلك من معاناة جسدية ونفسية وأخلاقية. فهذا هو الفساد بعينه، لأنه لا يقتصر على الرشوة، بل على عدم الكفاءة وعدم الصلاحية وسؤ الإستخدام. والجانب المظلم غير العادل الآخر هو ان المتنفذين والأغنياء وأصحاب النفوذ والواسطات، فإنهم لا يعرفون شيئا عن معاناة المراجعين هذه، لأن معاملاتهم الشخصية تُنجز لهم حتى بدون حضورهم الشخصي، بالواسطة والتلفون، او بالأوامر العليا. فهنا لدينا إذن نوعين من العراقيين؛ نوع يُمتهن ويُظلم، وهو الغالب، ونوع تتيسر له الأمور بإمتياز من دون أية تكلفة أوجهد، يبذلهما لمتابعة معاملاته.
إذا كان ما تقدم هو نموذج منتقى من الفساد على المستوى القاعدي، فكم مثله مستورا على المستوى القيادي؟ إذ حينما تكون القاعدة فاسدة، لابد أن تتحمل تبعاته القيادة كذلك، إن هي لم تع المشكلة ولم تعمل على حلّها بروية وعلمية وبإقتدار فني، وتوظف لها مختصين وخبراء تنظيميين وعلماء.
من المعلوم في فن الإدارة والتنظيم، ان هناك منهجيات علمية لتنظيم أساليب العمل الوظيفي والخدمي في أية مؤسسة حكومية أو خاصة، حيث تُستحدث وحدات أو هيئات أو دوائر، تسمى وحدات أو هيئات التنظيم والأساليب، Methods and Organization Departments, (M&O Units) ، حيث يقع على عاتقها وضع القواعد والأساليب والمرتسمات لتنظيم تدفق العمل في المؤسسة من ألفه الى يائه، مستندة فقط على معايير كفاءة الأداء ومقدار تأهل المشتغلين، ولا تأخذ بالإعتبار إطلاقا خاصية الفرد المكلف بالعمل المتعلقة بصفته الطائفية والحزبية والعرقية، بل ان معيارها الأساسي هو كفاءة وجدارة الشخص المعين لتقديم الخدمات العامة أو لتنفيذ وظائف الحكومة المختلفة بإتقان مع إحترام حقوق الناس وضمان راحتهم وصيانة كراماتهم. في سبعينات القرن الماضي جرت محاولة في العراق لإدخال وحدات أو هيئات عليا للتنظيم والأساليب في دوائر الحكومة، ولكنها فشلت بعد ذلك لإن الحكومة أوالحزب الحاكم كان يريد أن يتحكم في نقل وتعيين وطرد ما يشاء من الموظفين غير الموالين، فالولاء عندهم أهم من الكفاءة. ونحن إذ نستذكر هذا الأمرهنا، يدفعنا حرصنا الوطني لإقتراح وعرض كل ما من شأنه ان يساعد على رقي العراق وفي الحفاظ على راحة وكرامات العراقيين، ويدفع نحو كفاءة الإنجاز.
د. كامل العضاض 4 آب، 2012



#كامل_كاظم_العضاض (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عراقيون، هذا هو خيارنا- سوف لن نخدع لمرة رابعة
- حسابات المصالح في محاولات إزاحة المالكي من منصبه
- الديمقراطية -التوافقية- في الميزان
- أجوبة على أسئلة الملف الخاص بتطور تركيب الطبقة العاملة
- بلا عنوان
- ;كيف يمكن أن تُنتزع وتُنتهك مضامين النظام الديمقراطي؟
- المرأة نصفنا الآخر
- هل من سبيل لإصلاح العملية السياسية في العراق؟
- هل هناك تحوّل في الرأي العام العراقي؟
- كيف نفسر الأحداث المحبطة الجارية الآن في العراق؟
- قطوفٌ من الحياة
- كلام عن الديمقراطية بين التهجم والحوار
- متى وكيف يكون النظام في العراق ديموقراطيا؟
- دور القوى اليسارية والتقدمية في ما يسمى بثورات الربيع العربي ...
- لماذا نعبد العنوان ولا ندرك الجوهر؟
- تعليق على مقالة السيد فرج موسى عن إستمرار الحالة الريعية في ...
- وأخير تأسس التيار الديمقراطي في العراق- القسم الثاني
- وأخيرا تأسس التيار الديمقراطي في العراق، وبدا في الأفق عمل
- إبحثوا عن الديمقراطية في عقولكم- خاطرة على الطريق
- أجابات على أسئلة الحوار المتمدن


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كامل كاظم العضاض - أصبح الفساد، مقرونا بالفشل، طاغيا في العراق