أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - (( شاي العروس )) و ثنائيات الحياة .















المزيد.....

(( شاي العروس )) و ثنائيات الحياة .


سلمان مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 20:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ونحن صغار كانت العائلة تقدم وجبة اضافية ، الى جانب الوجبات الثلاث المعروفة ( الفطور و الغداء و العشاء ) تلك هي وجبة ( العصر ) ، واهم ما في هذه الوجبة ( الشاي ) ، و كان الكبار حريصين ان يكون ( شايهم ) ثقيلا داكنا ( حبر ، على قول المصرين ) او ( سنكين ، حسب التسمية العراقية ) ، و ادراكا من فهم العائلة ، لعدم صلاحية هذا النوع من الشاي للصغار ، فكانوا يصنعون لهم ( شايا ) يسمى ( شاي العروس ) ، وهو عبارة عن قدح الشاي الذي يملآ نصفه ماء صافي ، ثم يسكب عليه و بهدوء و حذر ( شايا ) من ابريقه ، لكي لا يختلط مع الماء ، فيبقى ( برزخا ) بين الشاي و الماء ، ليصبح قدح الشاي كانه العروس ، بفستان عرسها الابيض العذري ، يعلوه ذلك اللون الذهبي ، وكانه قلائد و اطواق الذهب التي تطوق جيد العروس ، هي هدية العريس لعروسه ، ولكن دوام الحال من المحال ، اذ لابد من شرب الشاي ، وحتى يتم ذلك ، لابد من تحريكه لاذابة السكر ، فبمجرد ان يحرك ما في القدح ، تنتهي تلك السنفونية اللونية ، ليتحول لون الشاي في قدحه ، لونا باهتا ، لا يشجع على رشفه سوى حلاوة السكر فيه . لقد اشرت لتلك الصورة ، لا لشئ سوى التاكيد على ان الحياة لا بد ان تكون نصفان ، حتى تكون واحدة في ثنائيتها ، و بدونها ستبقى مجرد نقش على حجر ، يشهد على انه كانت هناك حياة في يوم ما ، و لكن هذا مجرد حالة توجس و خوف ، فالحياة قائمة و مستمرة الى يوم يبعثون ، بثنائيتها الجدلية ، التي لا بد ان تفرز شيئا ثالثا ، هو دعامة لهذه الثنائية ، على قياس المثل القائل : ( القدر لا يستوي الا على ثلاث ) ومن تلك الثنائيات :
1 / الرجل و المرآة : او ( الذكورية و الانوثية ) : ان هذه الثنائية من اكثر الحقائق موضوعية ، ليس فقط من خلال الشكل ، بل يمتد ذلك الى المضمون ، الذي يعتبر الوسيلة الفعالة لمعرفة الذكر من الانثى ، وهذا قد يحصل في عالم الحيوان ، فاحيانا لا يسعف الشكل الخارجي لمعرفة الانثى عن الذكر ، لذلك لابد من الجمع بينهما ، لتتوضح الملامح الخاصة لكل منهما ، ذكرا كان ام انثى . ولكن بالرغم من اهمية هذه الثنائية على مستوى العلاقة التكاملية بين الطرفين ، الا انها تبقى ليست ذات قيمة عملية بالنسبة للجنس المشترك لكليهما ، فبدون ان تكون هناك نتيجة لجدلية العلاقة بينهما ، قد تضمحل الحياة و فعاليتها البايولوجية و السلوكية ، اذن لابد من حصيلة التوالد ، تجسيدا لسر هذه العلاقة من اجل استمرار النوع و التنوع ، و الا من غير الممكن ان نكون ظلا للذين سبقونا ، و ليكون القادمون ظلا لنا ، وهكذا الوجود جدلية مستمرة للعبور الى حلقة او ثنائية اخرى وهي :
2 / الحياة و الموت : ثنائية اخرى من تلك التي ترتبط بهذه الجدلية المستمرة ، التي اسمها ( الحياة ) وهي ناتج وحصيلة لثنائية ( المرآة و الرجل ، ادم و حواء ) ، فلابد من الحياة ( الولادة ) حتى يكون الموت (( يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي .... )) ( الاية 19 من سورة الروم المباركة ) . ومع ان الحياة و الموت حقيقتين موضوعتين ، الا ان الموت شكل واحد انه السكون ، اما الحياة فقد تكون باشكال متعددة ، حياة انسان وحيوان وشجر ، الا ان الاكيد هو غريزة حب الحياة ، التي تجعل من الكائن الحي يثابر في سبيل ديمومتها ، وتعبيرا عن هذه الغريزة يقوم الكائن الحي بفعلية التكيف ( المادي ) و ( النوعي ) مع المحيط الذي يتواجد فيه ، لتحقيق فرصة التعايش بين الكائن ومحيطه ، لان الحياة مشاركة وليس تفردآ ، ومع كل هذا الجهد في تجنب الموت ، ادراكا من حتمية حدوثه ، الا انه وخاصة بالنسبة للانسان فانه يتجاهله ، دليلا على رفضه له و ترجيح كفة الحياة عليه و الانشغال بها دون الموت ، فالحياة مصاحبة و الموت فراق ، فعندما يسافر صديق يود صديقه لو يصاحبه ، تجنبا للفراق الذي سيكون بينهم ، ولكن في موت العزيز ــ الذي ايضا هو فراق ــ فانه لايود احدا ان يصاحب ( الميت ) بل يود الا يفارق المكان الذي هو فيه ، اي في عالم الاحياء ، ولكن هل هذه هي القاعدة التي تنطبق على كل البشر ؟ الجواب : حتما غير ذلك دائما ، لان التعبير عن المواقف يتم من خلال ( الذات ) ، والذوات ليست واحدة ، نتيجة فعل الحياة فيها ، فهي الحركة التي يعبر عنها من خلال الذوات المتفاعلة ، فهناك ( الذات ) التي يقتصر تفاعلها مع ذاتها ، وهناك من تتفاعل مع ذوات الاخرين ، فالبعض من الناس ، حتى يعبر عن تلك الحركة ( الحياة ) ، يكون تفاعله مع ذاته او ذواته المتعددة ( اذا جاز ذلك ) ، وان مثل هؤلاء الناس يتصفون ( بالآنا ) فانهم لايكتفون بذات واحدة ، حتى يتمكنوا بذواتهم المتعددة ( المفترضة ) من الاستحواذ على ما عند الاخرين ، و اناس مثل هؤلاء يخافون من السكون ( الموت ) لانهم يعتبرونه النهاية العظمى ، و هناك اناس اخرين لا يشعرون بانفسهم الامن خلال ذات واحدة او قل اقل مايمكن من ( الذوات ) ، و الحركة او الحياة بالنسبة اليهم انتشار و سعة من التفاعل مع الاخرين ، تعبيرا عن المشاركة في الحياة ، وان مثل هؤلاء يكونون اكثر ( ايثارآ ) للاخرين على انفسهم ، ولا اقول انهم لا يخافون السكون ( الموت ) ، ولكن خوفهم اقل ــ كلما كانت ذواتهم اقل ــ لانهم يجدون تعويضا عن قلة ذواتهم بذوات الاخرين ، و الذي يعد ذلك مكملا لذواتهم ، ومقللا ( لانانيتهم ) ، حيث يجدون انفسهم في ذوات الاخرين ، فيعملون على ارضاء الاخرين ، وعدم خوفهم و وجلهم من الموت لانهم يشعرون بان حياتهم بعد الموت ستستمر في حياة الاخرين ، فهم اكثر استعدادآ للتضحية بالنفس ، قبل ان يحل الرحيل الحتمي ( الموت الطبيعي ) ، ومن هؤلاء ( الشهداء و المناضلين ) الذين يضحون في سبيل اممهم و شعوبهم ، وان هؤلاء لا يشعرون بآلم الموت كشعور ( الانانيين ) ، لاسباب تتعلق ( بالنفس ) ، حيث ينظر كل منهم الى الموت من زاوية الريح و الخسارة ، فالاناني يعد الموت خسارة لكل شئ ، اما الاخر يجد ــ على اقل تقدير ــ ان موته يمثل ربحآ للاخرين ، لما يترتب على ذلك الموت ــ بالنسبة للاخرين ــ انتصارآ على خوفهم و ترددهم نحو ( مضطهديهم ) ، واني اجد ان اوضح مثالين لمثل هذه الشخصية الاول : يتمثل بشخصية (( الامام الحسين ـ ع ـ )) و تضحيته بنفسه و اهله و اصحابه في كربلاء ، من اجل اهدافه السامية ، التي تتعلق ليس بذاته بل بذوات الاخرين ، حتى اصبحت ذكراه قائمة مع الزمن ، وستبقى الى ما شاء الله ، و النموذج الثاني يتمثل ب ( عمر المختار ) الذي يعد نموذجآ معاصرآ للثائرين ، الذين يؤثرون على انفسهم ، من اجل الاخرين ، الذين حفظوا ذكراه بالرغم من ( تغيب الجسد ) . و مع كل ذلك فان كلتا الشخصيتين ( الايثارية و الانانية ) ، ومن خلال ادراكهما لحتمية ( السكون ، الموت ) فانهما حريصان في البحث عن الخلود ، ليس بالجسد ــ ولو ان البعض قد تم تحنيطه بعد موته ، ليصبح صنمآ ــ و ذلك تحقيقآ لذواتهم و استمراريتها بعد موتهم ، كل على طريقته الخاصة ، فالاناني يبني الصروح العالية لتصبح حجارة فانية متاكلة مع الزمن ، كما عمل ( صدام ) عندما حاول نقش اسمه على احجار بابل القديمة ، مقتفيآ في ذلك ل ( نبوخذنصر ) . و الاخر ( الايثاري ) الذي يبني صروحا في قلوب البشر حبآ و انسانية ، تبقى ما دام البشر باقين . ان هذه الغاية في تخليد الذات لنفسها لم تكن مقتصرة على انسان عصر معين ، بل تعد سمة انسانية في كل عصر ، وقد تصل هذه الرغبة الى درجة ان تكون غريزة كسائر غرائز الانسان ، ففي عالم الاساطير تبرز لنا اسطورة ( كلكامش ) ، حيث الرغبة في البحث عن الخلود الابدي ، بعد ان تمكن منه حب الحياة و لامس كل جزئية من كيانه الروحي و الجسدي ، وخاصة بعد ان ادرك الموت صديقه ( انكيدو ) الذي كان يماثه قوة ، فلم يصدق بان الموت قادر علي لوي عنق الحياة في مثل هكذا ( قوة )، معنى ذلك ان الموت مدركه هو ايضا لامحال ، لذلك بدآ رحلة البحث عن سر الخلود ، وتحمل الصعاب و المشاق في سبيل تلك العشبة التي تحمل ذلك السر ، الذي حاولت الاقدار ان تنتزعه منه ، ليعود الى ( اوروك ) خائبآ ، فبعد ان اطمآن عليها ، نزل الى بركة ماء لينزع عنة كل ما علق به من مسيرته تلك ، وهو هكذا فاذا ب ( حية ) قد انسلت من بين الاحراش ، لتستحوذ على تلك العشبة الحاملة لسر الخلود ، ليخسر الانسان فرصة الخلود للمرة الثانية ، بعد ان خسرها اول مرة بفعل الشيطان الذي اغواه ب ( شجرةالخلد ) ، فكان لابد ان تسير الحياة هكذا ، من اجل حاضرها و مستقبلها ، حتى لو مات الانسان . كذلك تعامل الفراعنة في مصر مع الحياة و الموت ب ( تراجيدية ) حزينة مخلوطة بطقوس دينية ، تحاول ان تجعل الحياة و الموت حلقتين مترابطتين ، لا يفصل بينهما سوى الحاجز الحجري المؤطر بالالوان و الرسوم ، حيث الموت و الحياة يتعايشان برعاية الرابطة الزوجية ، لتدفن الزوجة مع الزوج الميت ــ ولو انه لم يتم التحقق من هذا الامر تمامآ ــ و بالتآكيد ان ذلك لم يتم عن طيب خاطر من الزوجة ، بل ــ حتما ــ كان بالاكراه و المغالبة ، بين البقاء و الرحيل ، بين الحياة و الموت ــ بالنسبة للزوجة ــ لان موت الزوج غير موت الزوجة ، فموت الزوج يعني من وجهة نظر العقيدة الدينية السائدة ، الحياة الاخروية الابدية ، اما بالنسبة للزوجة فهو الموت بعينه ، لانها تحس برودته ، لكونها لازالت حية ، و الذي مات فلا يحس موته ، لانه ميت على كل حال .
هذا ما يسع لهكذا حيز ، الا ان هذا لايعني بان ثنائيات الحياة تنتهي عند الذي ذكر اعلاه ، بل الحياة هي الثنائية بعينها ، فقد تحين فرصة اخرى للتطرق الى ثنائيات اخرى ، منها مثلا :
/ الخير و الشر .
/ الحب و الكره .
/ الليل و النهار .
/ الدين و العلم .
.
.
.
الخ




















#سلمان_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- (( الماء )) وطبائع البشر
- اشكالية (( الفقر ))
- (( غيبوبة ))
- عناوين ثقافية
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثالث / السيا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية ) القسم الثاني / ثالثل ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / ثانيا ...
- (( محمد النبي (ص) والواقعية السياسية )) القسم الثاني / اولا ...
- (( محمد النبي (ص) و الواقعية السياسية )) القسم الاول
- الفلسفة : ( حب ) و ( حكمة )
- الحزب يساوي العشيرة
- الزعتر تحت الشوك
- مفهوم المساواة في السياسة والاقتصاد و الاجتماع
- صفحات من شخصية محمد (ص) زواجاته و حروبه
- الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الثاني )
- الحرية بين النظرية و التطبيق ( القسم الاول )
- سايكولوجية الفنان و سوسيولوجية الفن
- المجتمع : المتهم دائما
- علي الوردي و ( لائاته )
- عالم الاجتماع الدكتور عبد الجليل الطاهر


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان مجيد - (( شاي العروس )) و ثنائيات الحياة .