أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الحب والعاصفة 18















المزيد.....

الحب والعاصفة 18


حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)


الحوار المتمدن-العدد: 3809 - 2012 / 8 / 4 - 06:13
المحور: الادب والفن
    


9
قلب العاصفة

لا أدري كيف تطوّرت الأمور بسرعة بعد ذلك اليوم. ربما كان حبي لسامر يحجب عني أمورا كثيرة لم أكن أراها بوضوح ولا أفكر بها، فلولا ذلك، لكنت أعطيت أهمية أكثر لما دار بيني وبين أخي من حديث بعد انكشاف علاقتي مع سامر. وربما إحساسي بالضيق الشديد والعجز الرهيب منعني من التفكير بعواقب ذلك الأمر. في كل الأحوال، لم أكن أتوقع في أسوأ اللحظات أن تتطوّر الأمور على النحو الذي حدث بعد ذلك.
أخبرت سامر بما حدث بيني وبين وليد عبر الهاتف الجوال، وعبّرت له عن خوفي الشديد ويأسي العميق من رد فعله الذي كان في حدّة لم أتوقّعها. إتّفقنا أن نترك الأمر ليأخذ مجراه حتى يهدأ وليد وكنا حريصَين ألا نلتقي خلال تلك الفترة.
وذات يوم، عدت من الجامعة وفوجئت بوجود عمي وزوجته في البيت. كانا جالسين في غرفة الضيوف بصحبة أخي وليد، وفادية في المطبخ تحضّر لهم الضيافة. وحين اقتربت منهم، رأيتهما يبعثان لي ابتسامات رقيقة ونظرات غريبة لم أفهم مغزاها، إلا أنها جعلتني أتسمّر في مكاني وأحسّ بضربات قلبي في داخل صدري.
"هنادي!" سمعت صوت وليد يناديني، وقام من مكانه ليقترب مني وعلى وجهه ابتسامة واسعة زادت من دهشتي وارتباكي. "تعالي، يا عزيزتي. إجلسي مع عمّك وزوجته." قال لي بصوت ناعم.
بقيت جامدة في مكاني، غير قادرة على تحريك قدميّ. فجأة، أحسست بخطورة أمر خفيّ مدبّر بين هؤلاء الثلاثة.
أتاني صوت وليد من جديد: "هنادي، ما بك؟ تعالي معي."
ثم أمسك بيدي وقادني الى داخل الغرفة.
"أهلا بك، يا عزيزتي. تعالي واجلسي بجانبي هنا." قالت لي زوجة عمي.
فعلت كما طلبت محاولة إخفاء اضطرابي الشديد.
أمسكت زوجة عمي بذراعي وتحسّسته بحركة اهتزّ لها بدني، وقالت لي: "إنك تكبرين وتزدادين جمالا يوما بعد يوم." ثم أحسست بها وهي تمرّر يدها بين خصلات شعري. "تعالي، إقتربي. كيف حالك، يا عزيزتي؟ بخير؟ أخبريني، كيف هي دراستك؟"
إستنفضت ابتسامة حائرة بمشقة واختزلت كلامي حين أخبرتها عن الإمتحانات القريبة والدراسة الكثيرة التي تنتظرني في هذه الأيام.
فقالت بلهجة محفوفة بالغموض: "لا بأس. كل شيء سينتهي عن قريب. لا تكوني قلقة."
شعرت بانقباض في صدري وارتسم أمامي عالم مهيب من الأسئلة.
ولكن صوت وليد لم يتِح لي فرصة للتفكير. "هنادي ليست على ما يرام في هذه الأيام. إنها لا تعجبني."
فسأل عمي باهتمام: "خيرا؟ ماذا هناك؟ هل يزعجك شيء يا عزيزتي؟"
تمتمت قائلة: "... أنا... أنا... لا أدري..."
فتدخّلت زوجة عمي: "لا بد أنها قلقة بسبب الإمتحانات. ولكن، لا بأس. قريبا سيأتيك الفرج، وتشعرين بالسعادة كما لم تشعري من قبل، ونحن سنفرح بك كثيرا."
أصابني كلامها بالدهشة الممزوجة بالقلق. ماذا قصدت بكلامها؟ أي فرج وأية سعادة؟
أحسست بالقلق يسري تحت جلدي وأوجس قلبي فزعا.
دخلت فادية في تلك اللحظة حاملة صينية الضيافة وقدّمت القهوة لعمي وزوجته، ثم جلست معنا.
قال لي عمي وهو يرتشف القهوة: "شادن تسلّم عليك كثيرا، يا هنادي."
فنسيت همومي، فجأة، وامتلأ صدري بشحنات شوق ولهفة. هتفت قائلة: "هل اتّصلت بكم؟!"
"نعم، وحدّثتنا عن رحلتها وبيتها الجديد وزوجها... إنها تبدو في قمة السعادة. وقالت إنها ستتّصل بك عن قريب."
"ياه! كم اشتقت اليها!" قلت وقد تبلّلت عيناي بالدموع. تأجّج بي حنين الشوق اليها وأحسست بفقدها أكثر من أي وقت آخر. اجتاحتني رغبة بالبكاء. ليتها كانت معي الآن!
............................................

بعد أن غادر عمي وزوجته، وجدت وليد يقترب مني، أمسك بكتفي وعلى وجهه ابتسامة تنمّ عن الرضا. وقال أمام دهشتي: "مبروك، يا هنادي."
"مبروك؟! على ماذا؟" تعجّبت.
"لقد قرأنا الفاتحة عليك وعلى ابن عمّك."
"ماذا؟!"
"عمك طلبك لرامز مرة أخرى وأنا وافقت. يعني أنك الآن مخطوبة لرامز."
بهتّ لكلامه. قلت: "ماذا يعني ذلك؟ كيف أصبح مخطوبة دون موافقتي؟!"
"لقد تحدّثنا في ذلك طويلا وأكثرنا من الكلام. لم يعُد هناك ما يقال."
"لا أصدّق ما أسمع! كيف؟! كيف تفعل ذلك بي؟!"
"هنادي، رامز يحبّك. إنه شاب طيب، لطيف ومحترم، وسيجعلك أسعد إنسانة على وجه الأرض. كوني واثقة من ذلك."
"لا يمكنك أن تفعل ذلك بي! هذا غير معقول!" هتفت وأمسكت رأسي بيديّ والدموع انهمرت على وجنتيّ. وتابعت باكية بحرقة: "قلت لك لا أحبه! لا أريده! لا أريد هذا الزواج!"
"هنادي! لا تتصرّفي مثل البنات الصغيرات المدلّلات! كفى! لقد تحمّلتك كثيرا!"
تركته لسماع قوله وركضت الى غرفتي والألم في صدري يئنّ حسرةً، وبقيت أبكي وقتا طويلا، والحزن يتمطّط في قلبي ويكاد أن يمزّق شراييني.

......................................

تغلغلت المرارة في أعماقي. لم أدرك كيف يجب عليّ مواجهة هذا الأمر. ولم أكن واثقة أن بإمكاني المواجهة. أحسست أن الأبواب كلّها قد أوصدت في وجهي ولم يعُد بإمكاني فعل شيء. أي شيء. أسلمت نفسي للبكاء والألم وبقيت طوال يومين في غرفتي دون أكل، تعتصرني آلامي، وتلتهمني أحزاني، حتى احترق وجهي بالدموع وطوّقتني الوحشة.
ألحّت عليّ الرغبة وفاض بي الشوق لرؤية سامر، وكانت حاجتي لوجوده الى جانبي أشدّ وأقوى من أي وقت مضى. كنت بحاجة ماسة الى شيء من الدفء الذي افتقدته بشدة منذ وفاة أمي. إتّصلت به وطلبت أن نلتقي. إستغرب مني سامر للوهلة الأولى، إلا أنه كان فرحا بذلك، فأعطاني موعدا في الغد.
جلسنا معا في كافتيريا الجامعة، حضوره ردّ الى روحي بعضا من الفرح، وجعلني أتناسى همومي التي كادت أن تهدّني.
لم أكن أود أن يلاحظ حزني وتعاستي، فاستجمعت كل قواي وحاولت أن أضبط نفسي وأنسى كل شيء يضيق على صدري. أردت أن أستعيد طعم السعادة وأستلذّ به في لحظاتي القليلة معه.
"تبدين جميلة." قال لي، وأنا ابتسمت لنفسي أن أبدو له جميلة وأنا في مثل حالي. ثم تابع: "كل مرة أفاجأ بجمالك من جديد، وكأني أكتشفه لأول مرة."
قلت بصوت هادئ، متّزن: "هذا من حظي. أشعر بسعادة كبيرة في كل مرة تقولها لي وكأني أسمعها منك لأول مرة."
ارتفعت ابتسامة حلوة على شفتيه. ثم قال وهو يصوّب نظره في عينيّ: "تعلمين؟ أحيانا أفكّر... لو لم تكوني بعيدة..."
فقلت وأنا أجرّب المزاح: "ربما لم نكن لنشعر بكل هذه الأحاسيس الجميلة!"
"حبيبتي،" قال بنبرة صادقة. "أنا أحبك مهما كنت بعيدة أو قريبة، وسأبقى أحبك وأحلم بلقائك ورؤيتك مهما حدث."
"أنا محظوظة بك." قلت... وخانتني الرجفة في صوتي. أرخيت رأسي وأنا أصارع نفسي لكبت الدموع التي حارت في عينيّ.
"هنادي، ما بك؟" سأل سامر بقلق. "هل هناك شيء؟"
"لا, أبدا. لا شيء." قلت وأنا أستنفض ابتسامة حائرة، حزينة.
ولكنه قال: "اذن، لم يلوح الحزن على وجهك؟ أخبريني، ماذا حصل؟"
نظرت اليه، تأمّلته بعينين تنضحان نظرة ملتهبة بالحزن والألم، ولم أعرف ماذا أقول، وكيف أقول... وماذا سيفعل، وماذا سأفعل؟!
كنت مشتّتة... مضطربة... محبطة... متردّدة ...
وفجأة ...
سمعت صوتا من جانبي. "مرحبا، هنادي."
كانت هذه فاتن. اقتربت وعلى وجهها تشعّ ابتسامة واسعة، خبيثة، متخمة بالفرح.
توجّهَت الى سامر قائلة: "كيف حالك، يا سامر؟"
لم يرد. وأنا لم أقل شيئا. هبّت علينا عاصفة من الصمت.
نظرت الى سامر دون أن ألتفت اليها. نظر الى عينيّ بشيء من التوتر. ثم سمعتها تقول: "لم أرَكما منذ وقت طويل."
فقال سامر بملل: "فاتن، هل تريدين شيئا؟"
ابتسمَت بلؤم، وقالت متوجّهة اليّ: "أردت فقط أن أبارك لهنادي!"
"تباركي لها؟ على ماذا؟" استغرب سامر وتأمّل بيني وبين فاتن بنظرات تعجّب واستفهام.
ردّت: "على خطبتها! ألم تخبرك بذلك؟!"
"أنا؟!" قلت بحيرة، كأنني أفتّش عن ذاتي الضائعة... ثم ارتعدتُ.
"اذن أنا؟" قالت فاتن باستهزاء. "مبروك يا هنادي. رامز هو شاب رائع. أرجو لكما كل السعادة والتوفيق."
بُهت سامر، وانطلقت من عينيه نظرات الدهشة والذهول وانصبّت في عينيّ. أحسست بغصّة واقفة في حلقي، ولم أعرف ماذا أقول.
"هنادي؟؟" سمعت صوت سامر مستفهما الأمر.
كنت عاجزة عن الكلام. نظرت إليه طويلا، عيناي ترتجفان قلقا وخوفا، ودقات قلبي تحتلّ صدري وتهزّ كل كياني.
فسألني بعينين مذهولتين: "صحيح هذا الكلام، يا هنادي؟"
تمتمت: "أنا... أنا... كنت سأخبرك..."
"يعني أن هذا الكلام صحيح؟!"
"صحيح، ولكن..."
لم أكمل كلامي، إذ لمحت أشدّ امارات الغضب والدّهشة تعلو ملامح وجهه، ثم قام بغتةً دون قول شيء... وترك المكان.

يتبع...



#حوا_بطواش (هاشتاغ)       Hawa_Batwash#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذكرى
- غش وفوضى وخلوها بيناتنا
- الحب والعاصفة 17
- الحب والعاصفة 16
- الحب والعاصفة 15
- الحب والعاصفة 14
- الحب والعاصفة 13
- الحب والعاصفة 12
- الحب والعاصفة 11
- وردة تستجدي الحياة
- الحب والعاصفة 10
- الحب والعاصفة 9
- الحب والعاصفة 8
- لماذا لا نقرأ مثلهم؟
- الحب والعاصفة 7
- لو كنت أما ليوم واحد
- الحب والعاصفة 6
- الحب والعاصفة 5
- الحب والعاصفة 4
- الحب والعاصفة 3


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حوا بطواش - الحب والعاصفة 18