أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - فيصل لعيبي صاحي - الفكر والتنظيم















المزيد.....



الفكر والتنظيم


فيصل لعيبي صاحي

الحوار المتمدن-العدد: 3807 - 2012 / 8 / 2 - 14:44
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


النظرية والتنظيم
تجارب وخِبَر

الماركسية
علينا أن نتفق أولاً ان الماركسية، هي طور من اطوار الفكرالبشري، وليس فكر أبدي غير قابل للتطور والتغيير حسب مقتضيات الحاجات البشرية عبر مسيرتها المستقبلية والطويلة.
النظرية : هي مرشد للعمل وليس تابو مقدس.

قال فرديريك أنجلز مخاطباً جوزيف بلوخ عام (1890 ) :"أن الكثير من الماركسيين الحديثين قد صنعوا من الماركسية، نوعاً نادراً من الهُراء "
كان التاريخ في اوربا قبل جيوفاني باتيستا فيكو ، عبارة عن حكايات الحكّام وبطولاتهم الفردية، والتي أسبغ عليها المؤرخون التابعون لهم صفة العمومية والشمول.
يقول جيوفاني فيكو في كتابه والذي كتبه عام 1725 م : " سشيينتا نوفا"( مباديء علم جديد يبحث في طبيعة الأمم .. ) " إن الإنسانيةهي التي تخلق نفسها من القوى الحية التي في داخلها " ، وكما عبر عنها جول ميشليه المؤرخ الفرنسي النابغة .: " البشر يصنعون تاريخهم .." هذا المبدأ الجديد قد قضى على مفهوم الإعتماد على قوة عليا ترعى مصالح عبادها الصالحين، ووضع أمام البشر مسؤولية صنع حياتهم بيدهم. وقد تلقفه المفكرون من بعده وسار عليه أكثر ثوار العالم الغربي منذ ذلك الوقت .وهو يقول أيضاً : " ان العالم الإجتماعي هو من صنع البشر ... ولايمكن أن تكون الحكومات إلا من طبيعة المحكومين أنفسهم وهي نتيجة لطبيعتهم ". فهناك مباديء يمكن إستخلاصها من حركة المجتمع، تودي عند تكرارها ضمن نفس الظروف الى نفس النتائج السابقة ، التي ظهرت بها .وهي تشبه المقولة العربية : " كيفما تكونوا يولى عليكم "


كان جراكوس بابيف أحد قادة حركة المساواتية الفرنسية قد اكد في محاكمته عام 1797 وقبل إعدامه على دور الطبقة العاملة في تغيير العالم : " ان جماهير البروليتاريا الذين لا يملكون شيئاً، ويعاملون كشيء بغيض، يؤلفون الأكثرية في شعب يملؤه العفن "
ويقول سان سيمون :
" أن حياتي يمكن أن تتلخص في فكرة واحدة ، هي ان أضمن لجميع الناس التطور الحر
لقدراتهم ".
كان سان سيمون يعتقد أن السياسة هي : علم تنظيم الإنتاج وهو محق .
وقد قام شارل فورييه بإدانة البرجوازية وكشف جشعها تماماً. ممهداً الطريق لرواد الإشتراكية العلمية من بعده ،لكن معظم هؤلاء السابقين كانوا يتصورون إمكانية قيام الإشتراكية من خلال إقناع البرجوازية على السير في هذا الإتجاه .
وكان روبرت أوين يرى أن : نظام المصنع يجب ان يكون الأساس للثورة الإجتماعية .

لكن أناتول فرانس يقول :
" من الأفضل أن ينجذب المرء الى فكرة ، بدلاً من أن ينساق إليها سوقاً "

كان مفهوم الصراع الطبقي قد أشير له في مؤلفات سابقة ، مثل " تاريخ فتح أنكلترا " لأوغسطين تييري و " تاريخ الثورة الإنكليزية " لجيفون .
وقد إستفاد منهما كارل ماركس كثيراً في تقويم أفكاره عن مفهوم الصراع هذا.
أما الجانب الإقتصادي منه فقد اتمه فردريك أنجلز بسبب علاقته الوثيقة بالرأسمالية بالذات وطبعاً بدراسات ماركس المستقلة أيضاً..
كان المحامي الفرنسي انطوان بارناف قد تكلم عن الفوارق الطبقية واللامساواة منذ عام 1790 وتحدث عن هيمنة فكر واخلاق الطبقة السائدة والمهيمنة على مقاليد الأمورداخل المجتمع .
وكان الشيوعي الفرنسي ديزامي في كتابه ( قانون الجماعة ) ، قد سخّف فكرة مناشدة البرجوازية للسير نحو الإشتراكية، اوأنها تمد يد العون من أجل قيامها، وطالب بتكوين جماعة من نوع جديد، تتأسس على نبذ الأديان وتعتمد المادية والعلم وشدد على الطبقة البروليتارية في تنفيذ هذا الحلم، لكنه لم يعرف كيف تتم هذه العملية .و قد قرأ ماركس كتابه هذا عندما كان في كولونيا.
اما كارل ماركس وأنجلز، فقد تبين لهم ان التجمعات الشيوعية الصغيرة والمتفرقة لا تستطيع تخليص المجتمع من شرور الرأسمال او تعيش طويلاً بين أسنان هذا النظام الفتّاك .
في عام 1843 تحدث ماركس عن البروليتاريا كطبقة ستحرر ألمانيا، وهي طبقة لها امتدادات عالمية ، وهي تمثل الخلاص وتحرير البشرية على المستوى العالمي ، عندما تحرر نفسها، وذلك في مجلة : (كتب العام الفرنسية – الألمانية ) التي كان يكتب فيها أنجلز أيضاً. وهي صيغة تشبه صيغته في كتابه عن ( المسألة اليهودية )، حيث ذكر : " أن التحرر الإجتماعي لليهود يتم من خلال تحرر المجتمع من اليهودية ". لكن ماركس حتى ذلك الوقت لم يعرف الكثير عن البروليتاريا، حتى قرأ مخطوطة أنجلز( ظروف الطبقة العاملة في إنجلترا ) عام 1844.

البيان الشيوعي

يقول كارل ماركس :
" أن الفلاسفة حتى الآن قد إقتصر عملهم على تفسير العالم بطرق مختلفة فقط، ، لكن الشيء المهم هو تغيير هذا العالم " .
كان البيان الشيوعي هو ثمرة جهود ماركس وانجلز، وقد ظهر قبله كراس من تأليف انجلز عن المباديء الشيوعية أو ( التعاليم الشيوعية ) عام 1947 .
وتتلخض مباديء هذا البيان الذي غير وجه التاريخ الأوربي ومن ثم العالم في :
1 – مصادرة ملكية الأرض وإستخدام اجورها لسد نفقات الدولة .
2 – فرض ضريبة جادة وتصاعدية على الدخل.
3 – إلغاء حق الأرث .
4 – مصادرة املاك المهاجرين من البلاد والمتمردين عليها.
5 – تركيز القروض بيد الدولة. عن طريق بنك وطني رأسماله ملك الدولة وله الإحتكار المطلق في هذا العمل.
6 – تأميم وسائل النقل وجعل ملكيتها للدولة
7 – زيادة عدد المصانع وادوات الإنتاج المملوكة للدولة مع تطوير الزراعة بناء على خطة مدروسة .
8 – فرض العمل على جميع القادرين بالتساوي .
9 – محو الفروقات بين المدينة والريف تدريجياً.
10 – التعليم العام المجاني لجميع الأطفال وإلغاء عمل الأطفال في المصانع وضم التعليم الى نظام المصانع.

كان البيان يناقش آراء الذين يدعون للمساواة والعدل والحرية والأخوة ، فمن كان يدعو الى العدل ، سألوه ، العدل لمن ؟ وعن الذين يدعون الى الحرية ، الحرية لمن ؟ هكذا في مجمل الأسئلة المطروحة وقتها .
لقد كان البيان إنذاراً شديد اللهجة للبرجوازية، وهو يختلف عن أفكار من سبق ماركس وأنجلز في هذا الشأن، إذ أنه قطع الصلة بالبرجوازية وأعلن الحرب عليها. لأن الذين سبقوهم كان يتكلمون عن ( اخوة الجميع ) ، بينما فرّق البيان بين الظالم والمظلوم، ولم تعد الحكم والمواعظ نافعة هنا.
كانت خاتمة البيان واضحة وبليغة : " دعوا الطبقات الحاكمة ترتعد من توقع حدوث الثورة الشيوعية، ان البروليتاريا ليس لديها ما تخسره سوى أغلالها وامامها العالم كله لتكسبه . يا أيها العمّال في كل مكان إتحدوا. ".
رابطة الشيوعيين (1847 -1852 ) كانت هذه الرابطة وريثةً مجموعة روابط مثل رابطة المنفيين الألمان التي تأسست عام ( 1834) ورابطة المتىآمرين البلانكية و رابط العادلين ( 1836 ). فقاداها ماركس وأنجلز بعد تطهيرها من العناصر الفوضوية ( الباكونية ) والإنتهازية ( اللاسالية ) والبرجوازية الصغيرة ( البرودونية )، وبعد أن تمقرطت تماماً كما يقول انجلز. وكتبا البيان الشيوعي لها. وكانت تسير على نظام المركزية الشديد وتنتخب قادتها في مؤتمر عام مرة في كل سنة، يجوز إعادة إنتخابهم ، إذا أقتضى الحال ذلك. ولكنهم معرضون للعزل في أي لحظة من قبل جمهور الرابطة العام إذا لم يقوموا بواجباتهم كما ينبغي.
الصحيفة
بعد البيان أستطاع ماركس أن يرأس تحرير ( صحيفة الراين الجديدة ) وكانت أفضل وسيلة للدعاية للأفكار الثورية ولكن بحذر. ومن جانبه كان أنجلز يحرض الطبقة العاملة في خطبه العامة في ألمانيا، مما عرضه للمحاكمة ومن ثم أتهم بالخيانة العظمى بعد إعلان الأحكام العرفية، لكن الصحيفة إغلقت لقلة الموارد المالية فيها، رغم جولة ماركس للبحث عن دعمها مادياً في انحاء المانيا . و قد تم طبع عددها الأخير باللون الأحمر وبيع منه عشرين ألف نسخة بسعر يعادل دولار واحد للنسخة الواحدة ،وعلقها البعض في أطار خشبي مرموق، إعتزازاً بدورها الثوري لصالح العمال. ونفي ماركس الى فرنسا، بحجة سقوط الجنسية الألمانية منه نتيجة لعيشة مدة طويلة خارج المانيا ثم تبعه انجلز الى هناك، لكنه غادر الى سويسرا مشياً على الأقدام عبر مدنها وقراها الجميلة ، اما ماركس فقد نفي مرة أخرى الى لندن

الأممية الأولى ( 1864 – 1876 ) :
كانت الأممية من صنع عمال فرنسا وبريطانيا، في مؤتمرهم الذي عقد بلندن عام 1864، وقد كُلِفَ ماركس بكتابة برنامجها السياسي ونظامها الداخلي، فحدد به مهمة تحرير الطبقة العاملة من صنع الطبقة نفسها وفي تحرير نفسها ستحرر المجتمع البشري جميعه . وهي منظمة اممية تضم جميع عمال العالم وتضامنهم ضروري لنجاح البرنامج


كومونة باريس ( 1871 ) :
أستطاع عمال باريس من إستلام السلطة وشكلوا مجلساً منتخباً من العمال والمثقفين من مختلف المواطنين وقسم منهم لم يكن فرنسياً ، دليل على اممية الكومونة، وكان الفنان غوستاف كوربيه مفوض الشعب للثقافة فيها.
من مبادئها :
1 – إنتخاب ممثلي الشعب بطريقة مباشرة وهم عرضة للعزل في أي لحظة
2 – رواتب مسؤولي الدولة لا تتجاوز رواتب العمال.
3 – حل الجيش النظامي وتأسيس جيش شعبي ومليشيات للدفاع عن باريس.
4 – رفض شروط الصلح مع ألمانيا، بسبب إجحافها بحق الفرنسيين .

إشكالية التنظيم

يعتبر التنظيم عند البعض مسألة فنية ، فقط ، لإدارة العمل، وليس له علاقة بالفكر الثوري او النظرية بشكل خاص. والمعروف ان قضية التنظيم، كانت من اهم أسباب الخلاف النظري بين المناشفة والبلاشفة في بداية القرن الماضي، وبين لينين وروزا لوكسمبورغ، إضافة الى ما بين الأممية الثانية والأممية الثالثة. لأن معظم هؤلاء لم يعتبروه مسألة فكرية من مسائل الثورة الأجتماعية الجذرية.
كانت المسائل الإقتصادية والسياسية من اكثر القضايا التي شغلت بال مفكري الحركة الإشتراكية في أوربا، بإستثناء حزب البلاشفة، وقائده لينين بالذات. فقد ظل الجميع يعتمدون على الحس العفوي و "السليقة الثورية " التي تميزت بها الحركة العمالية وقتها،
لهذا نجد العديد من الاخطاء قد إرتبط بالتصور الخاطيء لمسألة التنظيم نفسها.
النقص في التنظيم هو نقص في الفكر أيضاً، لأنه يعكس وجود او عدم وجود وعي او تصور أو موقف محدد لما يجب القيام به، في هذه اللحظة او تلك من مسيرة الحركة وتطورها. أي نقص الوعي بالشكل الجماعي المطلوب في الموقف الملموس والظرف الملائم .

الفرق بين الحزب الثوري الواقعي والحزب الثوري الطوباوي ، هو في وعي الخطوات المطلوبة والأساليب المتبعة والضرورية، في اللحظة المعنية, وليس في معرفة الهدف، لأنهما يشتركان في الغايات ويختلفان في طرق الوصول إليها. لهذا لايرى الطوباويون في البؤس غير البؤس، بينما يرى الثوريون الواقعيون جانبه الآخر المحرض الذي يدعو الى التغيير :
" الجانب الثوري " او العامل المساعد على الثورة، الذي سيقوض المجتمع القديم " كما يقول ماركس في بؤس الفلسفة, راداً على كتاب برودون : " فلسفة البؤس " .

لكن الطوباوية قد تعيش داخل الأحزاب الثورية الواقعية أيضاً كما هو حاصل اليوم عندنا، لأن تجاوز الفكر الطوباوي نظرياً لا يؤدي الى التغيير الثوري، إذا لم يرافقه تغيير في طريقة العمل وتوزيع المهام. لأن العلاقة بين الهدف النهائي و "الحركة " هي علاقة جدلية، بين النظرية والتطبيق، أو الممارسة، وبين الفكر والتنظيم . وهي علاقة في تطور مستمر وتتبع التطورات الحاصلة داخل بنية هذا المجتمع او ذاك وبين الظروف الموضوعية والذاتية أيضاً .

فأي مهمة مهما كانت صغيرة او كبيرة ، صعبة او سهلة,يمكن رؤيتها في شكلها المجرد، ولكن لايمكن أن نتاكد من صحة او زيف الشكل المناسب لحلّها إلا من خلال التجربة ووضعه موضع التنفيذ.
لهذا نجد اليوم من يدعو الى تغيير أسم الحزب، لأنه يعتقد أن المهام الحالية له غير تلك التي تتعلق بالهدف النهائي له أي الشيوعية. وهذا تبسط وشكل من اشكال الوعي الزائف للواقع. فهؤلاء يفكرون بحدوث ثورة بروليتاريا عضوية محضة.وهو ما أكده كراس كاوتسكي
( الطريق الى السلطة ) الذي يعتقد بحدوثها عن طريق الإنتخابات، بعد ان يصل العمال الى أغلبية مطلقة في البرلمان، كما يظن. كما أن الرأي المخالف لهذا لايعفي أحزابنا الثورية من سقوطها في الطوباوية إذا بقيت متمسكة باسم الشيوعية ، دون أن تفكر في الشكل المناسب للعمل على الوصول اليها، أو على تمسكها بالمخطط القاصرلمراحل الثورة الإشتراكية أوالشكل الذي بنيت عليه مثل هذه الأوهام ، بعد نجاح ثورة أوكتوبر العمالية في روسيا عام 1917 ، لأنها لم تأخذ بنظر الإعتبار طبيعة المجتمع الذي تعيش فيه، وحاولت تطويع وإجبار المجتمع للسير حسب تصورها الخاص وليس إخضاع تصورها الخاص للشروط الإجتماعية الملموسة بالذات، أي علاقات المجتمع وتقاليده وثقافته وموروثه

لهذا لايمكن لأي حزب يدعي الثورية ، ان يكون ثورياً بمجرد إدعائه هذا، لكنه يمكن تبرير ثوريته ، عندما ترتبط هذه الثورية بفكر نظري وشكل تنظيمي ثوريين. أي بفكر يمكن تقبله وبطرق عمل ممكن ممارستها فعلاً ، حتى لو كانت الظروف ظروف سّرية ومعقدة جداً، فالطرق الملائمة للعمل والفكر و حاجات الناس ومتطلبات حياتهم اليومية والمنظورة، هي التي ستسود، إذا ما احسنا إستخدامها .
عندما قامت ثورة 1905 في روسيا كانت كل الأحزاب الثورية والبرجوازية، تفكر في البرلمان، لكن الشعب الروسي أبدع السوفيتات، وهي فكرة لم تخطر على أكبر رأس ثوري وقتها، مثل بليخانوف او لينين، وبهذا كانت الجماهير اكثر ثورية من طليعتها، وهذا ما حدث في الربيع العربي الحالي، إذ تفاجأة احزابنا بتحركات الشباب وظلت حتى هذه الساعة في ذيل الحركة الجماهيرية .
لقد دفعت تلك التطورات لينين واتباعه في الحزب العمالي الديمقراطي الروسي الى تبني فكرة السوفيتات، ولهذا كان الشعار المرفوع وقتها هو : " كل السلطة للسوفيات " . ولو لم يتخذ حزب البلاشفة هذا الموقف لأنتهى الى ماانتهت إليه الأحزاب الأخرى بعد ثورة أوكتوبر المجيدة، وبسبب تخليها عن هذا الشعار، وصلت بها الحال الى وصلت اليه الآن ، لأن الحزب وقيادته، بعد وفاة لينين، قد فرضوا تصوراتهم على الواقع وليس إخضاع هذا التصور لشروط الواقع الملموسة، أي الموقف المناسب في الوقت المناسب ومن خلال الشكل المناسب للعمل .

فكان ظهور حزب من طراز جديد ، هو الشكل التنظيمي للفكر الثوري والشعبي الذي رافق تطورات الثورة الروسية على امتدادها الذي إنتهى بموت لينين وصعود زمرة ستالين وسيطرة البيروقراطية على مقاليد الدولة العمالية الفتية.

كان المفهوم القديم للتنظيم قد عزز دور الإنتهازية في الأحزاب الثورية في اوربا، كما ان تحريف المفهوم الجديد للحزب من طراز جديد ، من حزب ديموقراطي ثوري مفتوح على مختلف وجهات النظر، الى حزب إحادي النظرة وخاضع لقيادة لاتتواصل مع قاعدتها، قد عزز دور البيروقراطية الحزبية والجهاز الإداري والمركزي فيه بدلاً من الشكل الذي اقترحه لينين في المؤتمر الثاني للحزب، والذي حدث فيه الإنفصال والتمايز بين خط لينين وخط مارتوف وبليخانوف.* فقد كان الإختلاف ذا طابع فكري ونظري وليس شكلياً أو تقنياً .
ومن عيوب أحزابنا الثورية ، هو قلة إهتمامها في التحولات التي تطرأ على سلوك الجماهير،مع مبالغة في تقدير دور الحزب و نظرة إستعلائية ، تحاول ان تجبر هذه الجماهير على ان تسير وراءها، حتى لو كانت هذه الأحزاب على خطأ مبين، كما حدث ويحدث عندنا الآن ، ومثلما تم تجميد المنظمات الجماهيرية والمهنية والنقابات التي نملك فيها قوة لا يستهان بها، فيما لو أحسنا إستخدامها ، في اللحظة المطلوبة وبالشكل المناسب لها.

فالتنظيم هو الشكل الذي يتوسط النظرية والممارسة، ويربط الفكر بالعمل، ولهذا نرى أن سبب الأنشقاقات لم يكن بسبب الهدف البعيد بل بسبب الهدف القريب المراد تنفيذه والذي يتطلب شكلاً جديداً من التنظيم. وهذا هو سبب ما رافق الحركة الثورية العالمية من تفكك وإنشقاق.
– انظر تجارب الأحزاب الصينينة،اليابانية،اليوغسلافية وأحزاب الشيوعية الأوربية وعلاقاتها مع السوفيات –
فالشكل الجديد للتنظيم ، يعني نقد ذاتي للشكل القديم وخلق جو خصب من التفاعل والحيوية للعمل المشترك والجماعي الخلاّق . كما انه يوضح أسباب الأخطاء أو النجاحات، التي تقع في هذه اللحظة او تلك، وهي غالباً ما تنسب الى أشخاص - مع عدم إهمال الجانب الفردي هنا – لأنها عموماً ذات جوانب معقدة وعامة، تخضع للظروف التي حدثت فيها وليس لرغبات وإرادات منعزلة وغير مترابطة مع ظرفها الموضوعي. فليس هناك صدفة أو ضربة حظ في وصول هذا الشخص أوغيره الى هذا الموقع أو ذاك , لأن هناك أسباباً تنظيمية – فكرية – لمثل هذه النتائج، فعمل الأفراد يجب ان ينسجم مع عمل المجموع في الحركة والظرف الموضوعي للمجتمع مع القدرة الذاتية للحزب والفرد والتي ستقرر النجاح او الفشل ، حسب الشكل المتبع الذي يرافق الغاية المراد تحقيقها.
قد تكون المشكلة في النظرية، لكننا لانستطيع التحقق منها إلا عن طريق العمل، ولهذا نجد معظم إنتهازيي الأحزاب الثورية، يدفعون المسألة الى خلافات في وجهات النظر وليس في الشكل المطلوب إتباعه في التطبيق.

إن الوضع في العراق الحالي، ملائم جداً للتحرك وتوسيع قاعدة الحزب عندنا وخلق حركة جماهيرية واسعة ذات أفق ديمقراطي، بعيداً عن هذه الهستيرية الدينية المخيفة والمهددة لمستقبل العراق . لكن الظرف الذاتي يبدو غير متوفر في حزبنا.
شخصياً اعتقد ان هناك ميلاً إنتهازياً يصاحب هذا الإهمال الغريب من قبلنا لتحركات الجماهير في العراق ، بدأ من بداية سقوط الدكتاتورية والدخول مع القوى الأخرى في مجلس الحكم وما تلاه من تطورات مرتبكة في سياستنا العامة، واخشى ان تستغل القوى الدينية المتخاصمة فيما بينها هذه التحركات لصالحها، ونحن نتفرج عليها بدم بارد .

البيان الشيوعي يؤكد ان تلاحم العمال في مرحلته الأولى ، ليس بسبب وعيهم ، بل بسبب وحدة البرجوازية وتلاحمها بالذات ، لكننا إذا لم نتقدم خطوة لتنظيم الجماهير للدفاع عن حقوقها، في مثل هذه اللحظة ، فسوف نخسرهم بالتاكيد لصالح القوى الدينية الديماغوجية.
علينا إذن خلق أشكال جديدة للعمل وتنظيم نشاطنا على أساسها. ولانبقى متمسكين بالأشكال التي لم تنفعنا ولم تؤدي دورها المفترض – مثل شعارات :" الإجماع الوطني أو حكومة الشراكة الوطنية ودعم العملية السياسة " - فهي خطوات إنتهازية بإمتياز، تذكرنا بشعار" تضامن – كفاح – تضامن " ، أيام ثورة 14 تموز وشعار صيانة الجبهة الوطنية والقومية التقدمية ، أيام الجبهة في السبعينات مع نظام البعث ، وسوف لن يسامحنا التاريخ ولاالشعب على لوكها وترديدها، كلما سنحت الفرصة للتغيير.

أعتقد ان ترك الجماهير تمارس غضبها وإحتجاجاتها عفوياً وبدون وعي او تنظيم لمثل هذه الأحتجاجات، سيكون له عواقب وخيمة على مستقبل حزبنا والحركة الوطنية عموماً.
أي ان إنتقال الجماهير من اللاشعور السياسي والمطلبي الى الوعي بحقوقها ومطالبها وضرورة ممارسة النضال المدروس، يقع على عاتق الطليعة السياسية للكادحين و غالبية أبناء الشعب الواعين، أي على حزبنا والقوى الديمقراطية والمدنية ، إذا أرادنا البقاء في المقدمة.

لقد فشلت الثورات التي تفكر فقط بالطبقة العاملة دون غيرها، لأن كل ثورة ستحتوي على طبقات مختلفة وربما متناقضة حتى مع أهداف العمّال، وستكون هذه الطبقات حجرعثرة لأي تقدم تحرزه الحركة العمالية وحزبها الثوري، إذا لم يراعِ هذا الحزب او الحركة العمالية مصالح تلك الفئات وبجدية ، وليس على أساس وقتي ومرحلي للإستقواء بعد ذلك عليها وقمعها بالأخير، وهو ماحدث مع كل التجارب التي سارت عليها الأحزاب الشيوعية التي تدور ضمن الفلك السوفياتي المتخلف.
أن دور الحزب اليوم ليس فقط توعية الجماهير الغفيرة المكتوية بجهنم الطائفية والمحاصصة، بل في سد الطريق أيضاً على القوى الطفيلية التي بدأت بالإنتعاش من خلال إندماجها بالأحزاب المتنفذة و الحاكمة ، أي أن لايجعلها تخرج من أزمتها سالمة ومعافاة. وذلك بكشف كل ملفات الفساد التي يحصل عليها ، في الوقت المناسب لذلك. فنحن نستطيع قطع الطريق عليها بالمساءلة والإستجواب عن طريق وسائل الصحافة والإعلام المختلفة - المظاهرات والإضرابات - المحاكم وحتى العصيان المدني، إذا إجبرنا عليه.
ولهذا فالنضال الحالي يحتاج الى أشكال متنوعة ومرنة من الكفاح وقابلة للتطور أيضاً.

نحن لا نحرك الجماهير اليوم ، بل الجماهير هي التي تحركنا، ونحن ننتظرها ان تقوم بدورها تلقائياً وهذا هو الخطأ الأكبر لحزبنا منذ بيان آب 1964، حتى هذه اللحظة - بإستثناء حرب الأنصار - التي ظهرت لنا بعد ذلك وحسب تعبير العديد من قادة حزبنا وقتها، عبارة عن دفاع عن النفس وليس شكل جديد للنضال حتى تحقيق الأهداف.
علينا العمل و النظر لمجريات حركة الجماهير من خلال وسطها الواقعي وظروفها الموضوعية.
لأن هذا الوسط هو إمتداد للأزمة نفسها التي شملت الأكثرية الساحقة من أبناء العراق.
فهناك فرقاً بين مجتمع مستقر وسلطة قوية ، وبين مجتمعنا المزعزع والمفكك والقابل للإنفجار في أي لحظة مع سلطة فاسدة وضعيفة ومنقسمة على نفسها. وبالتالي فهناك إمكانية لإعادة التجمع والإصطفاف وخلق محور بديل للخروج من هذه الدوامة التي طال امدها.
لأن النظرية تعلمنا أن الواقع المادي هو الذي يفرض نفسه على وعينا ويحرك فكرنا نحو العمل من اجل تغييره إذا ما تناقض مع متطلبات الإنسان. وهذا هو أساس المفهوم المادي للتاريخ.
الذي يعني أيضاً التبادل المشترك في عملية التطور بين القاعدة التحتية والقاعدة الفوقية.
أن أهم مباديء جعل عضو الحزب ملتصقاً بحزبه هي:
1- مشاركته في رسم سياسته
2- علاقة الحزب بالجماهير
3 - صحة خطه السياسي .
وهذا ما يفسر فشل الأحزاب الثورية في تحقيق اهدافها، نتيجة لوجود خلل ما في في علاقات هذه الجوانب الثلاث ببعضها : إقتناع عضو الحزب العميق – إرتباط الحزب بالجماهير – الخط السياسي الصحيح

من تجارب الأحزاب الشيوعية في هذا المجال :

التجربة السوفياتية :
مفهوم الحزب اللينيني
1- فصيلة طليعية من الطبقة العاملة ، فهو الزعيم السياسي للطبقة العاملة
2- فصيلة منظمة من الطبقة العاملة ، لديها برنامج عمل وخط سياسي لصالح الطبقة وتختلف عنها في الإنضباط والنظام.
3- الحزب هو الشكل الأعلى لتنظيم الطبقة العاملة. وهو يختلف عن نقاباتها والتعاونيات ومنظمات المجتمع المدني والكتل البرلمانية وغيرها من التجمعات العمالية و الإجتماعية الداعية لإنصاف الطبقة العاملة.
4- الحزب أداة الطبقة لتحقيق دكتاتوريتها في المجتمع الطبقي .
5- الحزب يمثل وحدة إرادة الطليعة العمالية .
6-الحزب يقوى بتطهير نفسه من العناصر المترددة والإنتهازية في فترات النضال الحاد مع البرجوازية .
و بعد فترة من وفاة لينين عام 1924، برزت مساويء السلطة والحزب الشيوعي الروسي هناك،وكذلك دور ستالين، الذي كان مفوضاً للقوميات واميناً عاماً للحزب وعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية إضافة الى رئاسته للجنة العمالية للتفتيش المركزي، تحت بصر وسمع الجميع بما فيهم لينين فكانت ( عبادة الشخصية )، هي الشكل المنطقي لمثل هذه المساويء والتي تضخمت في عهد ستالين بشكل مرعب خاصة منذ عام 1937، عندما أعتبر ستالين أن تطور الدولة السوفياتية يتناسب طردياً مع تطور الصراع الطبقي، وتحول الحزب الى جهاز بوليسي قمعي ، لا يسمح بأي ملاحظة او رأي مخالف للسياسة الرسمية للحزب.
من هنا ظهرت الملاحظات الجدية على حزب البلاشفة أثناء بعد وفاة لينين، وقمعت الآراءالمخالفة وكان للمعارضة اليسارية في الحزب دور مهم في فضح هذه السلوكيات، لكنها قمعت بقوة وراح ضحيتها خيرة مناضلي الحزب الشيوعي الروسي، مثل تروتسكي، بوخارين ، زينيوفييف ، كامينييف، راكوفسك وغيرهم. ثم بدأ ستالين بتطبيق نظريته حول بناء الإشتراكية في بلد واحد، وهي فكرة قال بها الإشتراكي الألماني ( هنري جورج فولمار 1850 - 1922 ) رئيس المؤتمر الأشتراكي العالمي بباريس، إذ دعا لها في عام 1878 وكان فولمار الإشتراكي القومي، يتحدث عن ألمانيا بالذات آنذاك.لكن ستالين ناد بها دون اخذ ظروف روسيا المتخلفة، فاجبر البلاد على السير في هذه المغامرة الغير محسوبة ، مع ان مؤتمر الشبيبة الشيوعية عام 1921 ، تحت بصر وسمع لينين، أقر الصيغة التالية حول وضع روسيا السوفياتية: " بالرغم من إمتلاك روسيا ثروات طبيعية واسعة ، فهي بلاد متأخرة من الناحية الصناعية على الأقل، والسواد الأعظم فيها شعب من البرجوازية الصغيرة، ولاتستطيع الوصول الى الإشتراكية إلا عبرالثورة البروليتاريا العالمية".
صحيح ان لينين قد تكلم عن الموضوعة في مقالته عن البرنامج العسكري للثورة الإشتراكية وكذلك في مقالته عن الولايات الأوربية المتحدة، عام 1915 ،لكنه كان يعول في الحالتين على نجاح الثورة الإشتراكية في أوربا المتقدمة صناعياً، وأعتبر ثورة أكتوبر" قد حققت الجانب السياسي منها، بينما بقي الجانب الإقتصادي مرهوناً بنجاحها في أوربا المتقدمة صناعياً علينا"
كان التراجع عن( السياسة الإقتصادية الجديدة ) وبدء الخطط الخمسية والتصنيع السريع والتجميع القسري للفلاحين والتهجير والمعتقلات والإبعاد وتغيير الطبيعة السكانية ثم محاكمات موسكو الشهيرة والتي قضت على الجيل اللينيني تقريباً ونشطاء الطبقة العاملة ، قد رسخت أقدام البيروقراطية الى الأبد في حزب البلاشفة وكان الخط الستاليني الخاطيء يعتقد بـ ( إنهيار الرأسمالية ) بفعل قوانين تطورها الخاصة، وجاءت المعاهدة الألمانية – الروسية ( 1939 ) ، ، لتؤكد تخبط ستالين وبطانته في التعامل مع احداث العالم، فجعلت ظهر الشيوعيين الألمان والأوربيين مكشوفاً للنازية وكذلك الموقف المتخاذل من الجمهورية الإسبانية والثورة في اليونان، وتعامله المتناقض مع موضوعة الجبهات الديمقراطية الشعبية التي برزت للوجود ثم الحرب العالمية الثانية وغزو الإتحاد السوفياتي من قبل الجيش النازي و الإنتصار على النازية والفاشية فتقسيم مناطق النفوذ والطريقة التي عولجت بها المشكلة اليوغسلافية و الحرب الباردة وغيرها، قد جعلت من الفترة الستالينية فترة شديدة التمركز والطغيان، إذ لم يعقد مؤتمر للحزب منذ المؤتمر الثامن عشر الذي عقد في عام 1938 وحتى المؤتمر التاسع عشر عام 1952، كان ستالين وبوليسه السري والعلني من يقود البلاد ويحرك الحزب والدولة.
كان المؤتمر العشرين فرصة نادرة لمراجعة نتائج تلك المرحلة، خاصة بعد وفاة ستالين، لكنه مع إدانته لعبادة الشخصية، لم يتفحص جيداً امراض النظام السوفياتي وبقيت البيروقراطية متمسكة بإمتيازاتها ومواقعها، وأستمرت تبعية الأحزاب الشيوعية للسياسة السوفياتية كما هي، وبإصرار سوفياتي صريح وهذا ما عكسته التجربة الهنكارية والجيكية والبولونية . ومن ثم الخلافات بين الحزب الشيوعي الصيني والإيطالي والألباني والأزمة الكوبية وكذلك الياباني والشيوعية الأوروبية أيضاً ، رغم ان الكومنترن قد انهى هذه العلاقة في مؤتمره الأخير عام 1943. وجاء إعلان خروتشوف دخول بلاد السوفيات مرحلة الشيوعية ودولة الشعب السوفياتي اللاطبقي ، ليزيد من تخبط السلطة هناك ويعقد مسارها المفترض، متجاهلاً كل الدراسات والتحذيرات، التي تؤكد على عمق أزمة النظام السوفياتي الخانقة وتفشي الفساد في أجهزة الحزب والدولة حتى النخاع. كما ظهر ميل للتصالح مع الرأسمال العالمي، على حساب حركات التحرر ونضالات الطبقة العاملة وأحزابها السياسية، خاصة في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث، وهذا مالاحظناه في نظرية التطور اللارأسمالي، التي تبنتها احزابنا بدون تمحيص، وكأنها قانون علمي لا يدحض، وأخذت تمهد الطريق لقيادة احزاب البرجوازية الصغيرة للسلطة بدلاً من اخذ المبادرة لأستلام السلطة بنفسها.
لقد بقي الحزب الشيوعي في الإتحاد السوفياتي، يمارس سياسته بادوات قديمة لم تعد تتماشى مع عصر التكنولوجيا الجديد وكان التأخر بادياً على إقتصاديات المعسكر الإشتراكي ككل والفساد ينخر جسد المجتمع والدولة والحزب أيضاً، بينما تحرز الرأسمالية التقدم تلو الاخر وتتطور حياة الناس هناك وتتوسع الديمقراطية وتتعمق داخل هذه المجتمعات من خلال منظمات المجتمع المدني والنقابات المهنية والمنظمات الشعبية. لهذا كله إنتهت الدولة السوفياتية كما حصل في التسعينات ومعها دول " المعسكر الإشتراكي " قاطبةً، دون ان يتحرك جندي واحد او حزب واحد من هذه الكتلة للدفاع عن هذه الأنظمة البوليسية الفاسدة التي شوهت الماركسية والأممية البروليتارية ودور الحزب الطليعي أو الكتلة الإجتماعية التاريخية، المناط بها صنع التحولات الجذرية في المجتمع.
ملاحظة : معظم النقود التي وجهت الى موضوعة عبادة الفرد جاءت مع الأسف بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي ، وليس قبله، وهذا يعكس تبعية احزابنا الواضح لموسكو .

التجربة الصينية :

خط الجماهير:

كان مفهوم ( خط الجماهير) هو الإنطلاق من الجماهير الى الجماهير، وهو بوصلة الحزب الشيوعي الصيني منذ قرار اللجنة المركزية للحزب عام 1943، أي أن قيادة هذا الحزب تأخذ بدراسة ما تعانيه الجماهير من مآسي وكيف يعالجونها أو ينظرون لها ، ثم تصيغ هذه الأفكار البدائية والمشتتة للجماهير ، صياغة سياسية ، وتنزلها لهم كي يتم تبنيها والعمل من اجلها، بإعتبارها التعبير الصحيح عن تطلعاتها . وهكذا إستمر الجدل السياسي بين الحزب وبين جمهور الشغيلة و الكادحين . كان هذا الشعار قد إتخذته الأممية الشيوعية في مؤتمرها الثالث عام 1921 ، كي تستطيع الأحزاب الشيوعية الأوربية من زيادة جماهيريتها وكسب الفئات المترددة لصالح قوى الثورة.
في المؤتمر الثامن للحزب في أيلول عام 1956 قدم تينغ سياو- بينغ تقريره حول التعديلات التي تراها اللجنة المركزية . وكان اهم موضوعة هي النزعة البيروقراطية المتفشية داخل صفوف الكوادر المتقدمة، كما دعا الى الى عدم الإبتعاد عن الجماهير.
طالب الحزب وقتها من الجماهير أن تأخذ دورها في الكفاح ضد النزعات المتعالية عند بعض الشيوعيين رغم ان الحزب هو الذي يقود عملية البناء بعد تحرير الصين. لإيمانه بان الجماهير هي التي تصنع التاريخ، كما تعلمنا الماركيسة .
وهذا الخط يعني أيضاً إمتحان قدرة الحزب وقيمته بينها، كما دعا الى عدم الترفع والنظر للجماهير نظرة دونية، كون الحزب هو طليعتها وعليها ان تنقاد إليه، كما يرى بعض القادة من الشيوعيين . وأكد على أن حزبنا الحاكم قد إبتعد كثيراً عن الجماهير، لهذا فالعودة الى الجماهير يشكل أهمية حاسمة . وقد طالب التقرير ب :
1 – تشديد التثقيف في صحافة الحزب على دور الجماهير
2 – تكريس وقت أكبر للإتصال بالجماهير وسماع شكاويها وآراءها وتخصيص رفاق قادرين لهذه المهمات .
3 – توسيع الديمقراطية داخل الحزب وسماع الآراء المخالفة والمنتقدة دون خوف او تردد .
4 – تعزيز الرقابة وفضح كل أثر من آثار البقرطة وتطبيق العقوبات اللازمة بذلك .
5 – من الواجب التعاون مع القوى الغير شيوعية وسماع آراءها حول سياسة الحزب . وعلى الشيوعيين ان يعلموا ان هذا التعاون قد يطول الى مدد غير معلومة حسب الأهداف التي تقتضيها مرحلة التعاون.

اما فيما يتعلق بالديمقراطية المركزية ، فقد أقر المؤتمر ضرورة إنزال معظم توجيهات اللجنة المركزية الى الهيئات الحزبية لمناقشتها وتعديلها او إضافة ما يجب إضافته وإعادتها الى قيادة الحزب لتكتسب صيغتها النهائية ولإقرارها بعد ذلك .
ولقد أقر المؤتمر صيغة القيادة الجماعية والمسؤولية المشتركة لكافة أعضاء الحزب ، في تطبيق سياسة الحزب المتفق عليها في مؤتمراته .
وأكد التقرير على عدم قداسة أي رفيق وهو معرض للنقد في أي لحظة ولكنه أيضاً يثمن دور الرفيق المتميز ويقدر جهوده وملكاته الخاصة .
لكن التجربة الصينية، أيضاً، اثبتت ان عبادة الشخصية في الصين كانت قائمة على قدم وساق وتم تصفية المخالفين في الرأي وإرسال العديد من قادة الحزب الى الريف للتعلم من الفلاحين وغيرها من تمثيليات ماو تسي تونغ الهزلية، وفي القفزات الثلاث او الثورات الثلاث كما سميت أيضاً، تم عرض مناضلي الحزب المختلفين مع أفكار ماو على الجمهور والبسوا طرابيش وتم قذفهم بالفواكه الفاسدة، زيادة في التحقير والإهانة. وكان ليو تشاو تشي وتينغ سياو بينغ الذي انقذ الصين من الستالينية وطبق ( السياسة الإقتصادية الجديدة ) في الصين و لين بياو جامع كتاب ( تعاليم الرفيق ماو ) وغيرهم من اوائل ضحايا هذه المهازل. ثم جاء التعامل مع الولايات المتحدة على حساب التعامل مع الإتحاد السوفياتي وحربه التي شنها ضد فيتنام وغيرها، لتعكس فكرة هيمنة الدولة الكبرى ومد نفوذها بكل الطرق الممكنة.

الحزب الشيوعي الفرنسي :

النقد من القاعدة :
هذا عنوان كتاب للمفكر والإقتصادي الشيوعي جان بابي ، صدر عام 1960 بباريس وبموافقة قيادة الحزب الشيوعي بقيادة موريس نوريز وقتها .
ينطلق الكتاب من وقائع المؤتمر العشرين للسوفيات ، ويعالج قضية المركزية الديمقراطية وعبادة الفرد في الحزب الشيوعي الفرنسي.
يقول ان الثقة بين القيادة والقاعدة يجب ان تكون تحت مظلة علاقات ديمقراطية متبادلة . وليس من طرف واحد، كما ان تعميق هذه الثقة يحتاج الى رسم سياسة صائبة. وسأستخلص بعض شروظ نجاح دمقرطة الحزب ببعض النقاط المبثوثة في هذا الكتاب ، مثل :
1 – دمقرطة العلاقة بين القيادة والقاعدة
2 – رسم سياسة يشترك فيها جميع أعضاء الحزب من فوق ومن تحت.
3 – رسم سياسة قابلة للتطبيق
4 – إنتخاب الرفاق للمسؤلية، يجب ان يرافقه جرد بنشاطهم الذي يناط بهم وفق ما رسمته سياسة الحزب العامة خلال فترة معينة.
5 – يجب إحترام ميزان العلاقة بين المركزية والديمقراطية في الحزب، حتى لاتطغى احدهما على الأخرى .
6 – الحرص على تنمية وتوسيع النقد والنقد الذاتي . وقد أكد المؤتمر الرابع عشر للحزب عليه بإعتباره الخبز الذي لاغنى عنه في حياة الحزب.
7 – متانة روابطنا مع الجماهير تحدد سياستنا الصحيحة من عدمها.
8 – محو كل أثر لعبادة الشخصية في الحزب والتي نجدها في الكثير من خطب وكلمات المديح للأمين العام للحزب. مثل : ( ان ما يميز موريس توريز أولاً هو انه أفضل ستاليني فرنسي ) كما يقول جاك دكلو في خطاب له عام 1952 امام طلبة المدرسة الحزبية بباريس .
أو ماقاله توريز نفسه عن ستالين : " من كل قلبنا نشهر حبنا الحار لستالين ونؤكد له ثقتنا التي لا تتزعزع. ليعش أبداً عزيزنا وكبيرنا ستالين " من دفاتر شيوعية – حزيران 1952 ص 585 .
9 – المكاشفة والصراحة والعلنية من عوامل نمو الحزب وتطوره
10 – إعطاء حرية كاملة للمنظمات المهنية والجماهيرية التي لنا فيها موقع مؤثر، حتى لاتكون دمية بيد الحزب كما هو حاصل الآن .
11 - على صحافتنا ان تكون صادقة وصريحة وصوتاً اميناً لتطلعات جماهير الحزب والشعب أيضاً ولا تتقاعس في قول الحقيقة و كشف الفساد من أي نوع ومن أي جهة .
12 – هذا يقوي الصحافة فتصبح اداة بيد الجماهير ويساندها الشعب أيضاً ويزداد إنتشارها بين صفوفه فنكسب ثقته المزعزعة حالياً
لقد ساهم الحزب الشيوعي الفرنسي في المقاومة ضد قوى النازي المحتلة ، وشارك في أول حكومة بعد تحرير فرنسا ، ثم شكل مع الحزب الإشتراكي الفرنسي تحالفاً ونجحا في الإنتخابات منذ 1936 ،كذلك الإنتخابات التالية للحرب ، لكن سياسة الحرب الباردة أفقدته موقفه الخاص وخضع لمتاهات الدبلوماسية السوفياتية، ودخل في صراعات مع حلفائه الإشتراكيين الذين لم يكونوا هم أيضاً بعيدين عن سياسات الغرب المعادية للسوفيات. وكان الشيوعيون الفرنسيون فيما يتعلق بحقوق الشعوب وتقرير مصيرها ، من دعاة ( الجزائر الفرنسية ) ولم يقفوا الى جانب حق الشعوب التي كانت خاضعة للأستعمار الفرنسي ، إلا متاخراً نسبياً.
لكن في الستينات وبعد وفاة موريس توريز، ظهر خط جديد في الحزب قاده جورج مارشية سكرتير الحزب الجديد وهو أيضاً من صلب الطبقة العاملة الفرنسية. وطرحت فكرة ( البرنامج العام) والتحالف مع الحزب الإشتراكي الفرنسي مجدداً، وبرزت فكرة الشيوعية الأوربية التي نادى بها كاريلليو سكرتير الحزب الشيوعي الإسباني، فألغي مفهوم ( ديكتاتورية البروليتاريا ) من برامج الأحزاب الشيوعية ( الثلاث :الفرنسي والإيطالي والإسباني )، وقد حاول الفيلسوف الماركسي لوي ألتوسر في كتابيه : ( العودة الى ماركس و منعطف الإشتراكية في القرن العشرين )، ان يجدد بعض المفاهيم التي شاخت، لكن قوة العادة وضخامة البيروقراطية ، لم تسمح بمثل هذه التصحيحات . ومع ان المجتمع الفرنسي مجتمعاً ديمقراطياً لكن البيروقراطية لاتزال تسيّر الحزب الشيوعي هناك، وقد إنحسر نفوذه الى درجة لم يعد من الأحزاب المؤثرة في السياسة الفرنسية ..

الحزب الشيوعي الإيطالي :

إصلاح البنية :
مر الحزب الشيوعي الإيطالي بظروف مختلفة نسبياً عن الشيوعي الفرنسي، لكنه توصل تقريباً الى نفس إستنتاجات الفرنسيين والإسبان في العلاقة مع الأحزاب السياسية القائمة، كما عاش الفاشية مثل ما عاش الفرنسيون النازية و الإسبان الفرانكوفية. وقد كان
أنطونيو غرامشي قائده ومفكره الأبرز قد عزز أسسه وفسّر مفهوم الهيمنة بطريقة تختلف عن مفهوم دكتاتورية الطبقة العاملة في الماركسية الكلاسيكية، واكمله تولياتي القائد الشعبي الشهير، وخاصة في فترة الكفاح ضد الفاشية ، كما دعا الى الجبهة الوطنية الديمقراطية، مع الأحزاب التي تعادي الفاشية ، وساهم في النضال ضدها بالسلاح كذلك ، مثله مثل شقيقيه الفرنسي والإسباني.
كان الحزب الشيوعي الإيطالي اكبر الأحزاب الشيوعية في اوربا، وقد تميز عنها بحرية الإختلاف حتى داخل القيادة نفسها وكانت الأفكار المختلفة تنشر على صفحات جريدته المركزية ( الأونيتا )، دون ان تحدث ما نسميه نحن نشر الغسيل الوسخ على الملأ . كان إهتمامه باللحظة الديمقراطية أكبر من اللحظة المركزية في نظام الحزب الداخلي.
وقد كتب المفكر الشيوعي الإيطالي أنطونيو جيوليتي، في مجلة الأزمنة الجديدة في أيلول عام 1958 ، مادة حول ما اسماه بـ ( إصلاح البنية ) داخل المجتمع الإيطالي، ومن ثم الإنتقال الديموقراطي الى الإشتراكية، بناء على ظروف المجتمع نفسه، وهو يختلف في هذا عن فكرة الإشتراكي الديمقراطي الألماني أدورد برنشتاين التي تنفي الصراع الطبقي وتعتمد على التحولات السياسية دون التحولات الإقتصادية في البنية الإجتماعية.

لقد كانت فكرة الإصلاح العامة نحو الإشتراكية ، هي ، ان الطريق البرلماني والنقابي والتعاوني هو الأكثر ملائمة لظروف اوربا، لكن الوقائع الملموسة أثبتت ان هذا الطريق لايودي الى الإشتراكية ، فهو عبارة عن نزهة حول الرأسمالية نفسها. لأن هذا الطريق لم يوصل حتى هذه اللحظة الى الإشتراكية، كما هذه الأحزابـ وبرزت النيو رأسمالية الإصلاحية من بين ثنايا هذا الطريق، مثل الكينزية الجديدة ومشروع مارشال جديد وغيره من المشاريع كان آخرها الإتحاد الأوربي أو الوحدة الأوربية، وهي وحدة الكارتلات وليس الأحزاب الثورية والإشتراكية.

أن وعي الطبقة العاملة لدورها كطبقة قائدة وليست تابعة هو من يقرر في الأخير مصير القوى الحية في مجتمعنا، وقد حذر لينين من أعتبار العنف وحد هو الذي يقر النتائج و حذر أيضاً من عدم إستعماله فيما لو إقتضت الحاجة له .
كما اكد أنجلز في عام 1895 : " ان التاريخ قد قلب رأساً على عقب شروط نضال البروليتاريا. وأن منهج عام 1848 النضالي بات بالياً اليوم في مختلف مظاهره "
ولهذا توصل الحزب الشيوعي الإيطالي الى ان الإستيلاء على السلطة قبل إصلاح البنية، لم يعد هدفه ولهذا فهو يرى في الشكل الديموقراطي والتعددي والتداولي، شكلاً نافعاً في الوصول الى السلطة بقيادة الطبقة العاملة وحلفائها، من داخل هذا النظام الرأسمالي نفسه ، بعد أن تتحد القوى الداعية للإشتراكية وترص صفوفها وتطرح برنامجها، الذي يتماشى مع مطالب الشعب وعموم المواطنين. لكن هذا لايتحقق إلا في تحول اللحظة الديمقراطية التي يعيشها الحزب أثناء عقد مؤتمره الى لحظة ديمقراطية دائمة ومتطورة مع تطور الأحداث داخل المجتمع، مما يجعل الحزب ليس معبداً لبعض محترفي النضال والسياسة، ولكن لمجموع المنتمين إليه وكذلك الذين يمحضونه ثقتهم أيضاً، وبالتالي تكون العلاقة مستمرة وحيوية ومتطورة. وهذا يدفعنا الى عدم إعتبار التعاليم اللينينة حول الحزب ، تعاليم صنمية غير قابلة للتغيير أو الدحض . ويجعلنا أيضاً نبحث عن أشكال جديدة تلائم ظروف مجتمعاتنا المتغيرة دوماً.
أن جيوليتي يدعو الطبقة العاملة الى ان تاخذ دورها في عملية التقدم التقني وأن لا تترك هذا التطور حكراً على الرأسماليين وان تكون في قلب الإنتاج ومهيمنة على علاقاته كذلك.
ولقد إعتمد الحزب على مقولة الأغلبية الجديدة وحاول ان يجمع معه معظم القوى المتضررة من الرأسمالية وممارساتها اللاإنسانية.
وقد توصل قائده البارز بولينكوير الى إتفاق مع الحزب الديموقراطي المسيحي وقائده ألدو مورو لخوض الإنتخابات التشريعية معاً في السبعينات تحت أسم الكتلة التاريخية، لكن المافيا إغتالت آلدو مورو سكرتير الحزب الديمقراطي المسيحي، وتم تصفية ما بقي من الإتفاق من خلال خلق المشاكل امامه وبدفع من ( الناتو والسي آي أي ) .
وبعد خراب الإتحاد السوفياتي، تفرقت الكتل التي كانت مجتمعة داخل الحزب الشيوعي الإيطالي وشكلت احزاباً مختلفة الأسماء، وبقي الحزب الشيوعي بعناصره القديمة وبعض الوجوه الشابة لكنه لم يعد كما كان ، وهو اليوم حزباً فقد العديد من عناصر قوته وتأثيره، لكنه قد يستعيد مكانته فيما لو احسن التعامل مع الأزمات التي تمربها إيطاليا وخاصة موضوعة الوحدة الأوربية ومشكلة اليورو وتأثيره على مستوى العيش لغالبية الشعب الإيطالي .

التجربة اليوغسلافية :

يمكن إعتبار التجربة اليوغسلافية في موضوعة الديمقراطية المباشرة و التسيير الذاتي في الإقتصاد والسياسة الجديدة ، مكملة لتجارب الأحزاب الشيوعية التي نحت بقواها عن تأثيرات السلطة السوفياتية، وتشترك معظم هذه الأحزاب بنزوعها القومي نوعاً ما، أي بناء الإشتراكية داخل بلدانها بمعزل عن تأثيرات الرأسمالية العالمية عليها. وهذا ما لم تؤكده التجربة التاريخية لسائر الأحزاب الشيوعية التي حاولت ان تبني الإشتراكية بعيداً عن قوانين الرأسمالية المتحكمة بالإقتصاد العالمي ، وكذلك الأحزاب الإشتراكية الديموقراطية ، لأن الإشتراكية خيار عالمي وليس محلي، ويخطأ من يظن ان بإمكان بلد واحد فقط - حتى لو كان بسعة الولايات المتحدة او الصين وقدراتهما الهائلة - قادراً على بناء الإشتراكية لوحده، فهذا مرض برجوازي وقومي مفرط في العزلة والتقوقع ويعود الى مخلفات الأفكار الطوباوية السابقة على الماركسية أي المادية التاريخية والمادية العلمية .
ويكمن دوررابطة الشيوعيين اليوغسلاف المجدد، كونها حزب حاكم مثل السوفيات ، لكنها لم تعد هي المقررة لكل شيء، بل المنتجين انفسهم وهم ليسوا شيوعيين بالضرورة . واكدت التجربة اليوغسلافية على دوران الملاكات و القيادات وعدم تكلسها داخل مواقعها. وكانت العلنية مصدراً مهما من مصادر توحيد القوميات والأعراق السلافية التي تعيش في يوغوسلافيا. لكن هذا ،أيضاً، لم يمنع من ان يتربع المارشال جوزيف بروس تيتو على قمة السلطة مدى الحياة تقريباً ولم يتنازل عنها، إلا بعد ان وصل به الحال الى ماوصل إليه حال الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة، من وضع مزري معنوياً و صحياً. وقد تعرضت التجربة اليوغسلافية الى تشويه مضمونها ونتائجها من قبل الإعلام الستاليني ودقت هذه الممارسات أسفين الفرقة بين الفصيلين الشيوعيين وحرمت اليوغسلافيين من امكانية الإستفادة والتسريع في تطوير البلد من خلال التضامن الأممي المفروض وقتها ان يتم .

تجربة كوبا بعد الثورة

كانت تجربة الثورة الكوبية حسب ما ذكره فيدل كاسترو نفسه انها ثورة إشتراكية بدون إشتراكيين . ولهذا طرحت الثورة الأشتراكية ضرورة ميلاد حزب شيوعي لقيادة وبناء المجتمع الإشتراكي فولد الحزب 3 تشرين الأول عام 1965 من التنظيمات المختلفة التي ناضلت ضد حكم الطاغية باتيستا، وكان الحزب الإشتراكي الشعبي ( الشيوعي ) من ضمن هذه التوليفة الجديدة. لكن الشيوعيين الستالينيين امثال هانيبال أسكيلانتي ، بعد ان عهدت له قيادة المنظمات الثورية ، اخذ يحشر جماعته في قياداتها دون الرجوع للأحزاب الأخرى، مما دفع كاسترو الى إلقاء خطاب ناري ضد مثل هذه التسلكات، وفضحهاعلناً من خلال الراديو والتلفزيون الكوبي، واصفاً تصرفات هانيبال بتصرفات لويس الرابع عشر الذي كان يردد أنا فرنسا وفرنسا انا ، بالقول : " الحزب انا وانا من يسمي أعضاء الحزب " وقد ادان العصبوية وحاربها بقوة. فتم حل التنظيمات واسس ( الحزب الموحد للثورة الإشتراكية ) وتم إختيار أعضاء الحزب من الأكثر نموذجية من العمال ومن قبل الجماهير نفسها.

كانت فكرة ان الثورة الأشتراكية – النموذج الكوبي – قد أثبتت عدم حاجتها لحزب شيوعي. كما يحلو للبعض الكلام والترويج له احياناً، مثل ما جرى لبعض التنظيمات القومية في محاولاتها البائسة عندنا في الوطن العربي . لكن تجربة بناء الإشتراكية تؤكد الحاجة الى حزب إشتراكي، وهذا كان رد كاسترو على المتشككين في أمر نشوء الحزب الشيوعي الثوري والماركسي ، لكن هذا ، ايضاً ، لم يبعد كاسترو عن تسلطه على مقاليد الحكم وإحتكار القيادة والمكوث على رأس السلطة حتى نهايته التي لاتختلف عن نهاية الحبيب بورقيبة ومرضه الأخير ومن ثم وراثة اخيه له، وهي حكاية اخرى من حكايات التشويه السافر للتطبيقات الإشتراكية في المجتمعات المتخلفة.


فيصل لعيبي صاحي
لندن : 1- 4 - 2010


-------------------------------------------------------------------------------
*كان لينين يصر على ضرورة إشراك العضو الحزبي في رسم سياسة الحزب العامة وأن يعمل في أحدى هيئاته ويكلف بواجب محدد ويدفع الإشتراك، حتى يجري تتبع خطوات الحزب وممارساته من خلال تتبع واجبات الأعضاء أنفسهم، وليس كجسم هلامي لعضوية غير ملزمة ، كما إقترح مارتوف ومن أيده، أي، دفع إشتراك العضو وتأييد سياسة الحزب، دون إجباره على العمل في أحدى هيئاته.



#فيصل_لعيبي_صاحي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان لندن في أربعينية الشهيد هادي المهدي
- طالب مكي
- جدارية وطني للفنان الكبير محمود صبري
- لايفل الحديد إلا الحديد
- محروس بسور سليمان من عين كل العوجان
- التمرين الأولي للثورة
- النضال الجماهيري - الفريضة الغائبة
- الجليس الأنيس
- أسئلة العقل والقلب والضمير
- الفكر - الثقافة - الإعلام - الواقع
- إسم الحزب مرة أخرى
- سلاماً يا أم سلام!
- مباهج العراقيين
- مباهج عراقية
- ناظم رمزي
- بغداد
- العنف والطغيان - التناقض - التسامح والحرية
- رسالة الى الرفيق وزير العلوم والتكنولوجيا
- ماقبل الكارثة !!
- الدستور والثقافة


المزيد.....




- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024
- الحوار الاجتماعي آلية برجوازية لتدبير المسألة العمالية
- الهجمة الإسرائيلية القادمة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- من اشتوكة آيت باها: التنظيم النقابي يقابله الطرد والشغل يقاب ...
- الرئيس الجزائري يستقبل زعيم جبهة البوليساريو (فيديو)


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - فيصل لعيبي صاحي - الفكر والتنظيم