أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - بأية حال عدت يا رمضان!















المزيد.....

بأية حال عدت يا رمضان!


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3803 - 2012 / 7 / 29 - 18:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    



لا أعتقد أن بشرًا سويًا يستطيع متابعة هذا الكم، غير الإنساني، من المسلسلات والبرامج التليفزيونية. ولا أظن ضيق الوقت سبب وحيدًا وراء إحجام الكثيرين عن الجلوس أمام الشاشة، في هذا الشهر الكريم، مثلما كان الأمر عندما كانت مائدة التليفزيون الرمضانية لاتزيد عن مسلسلين إلى جانب الفوازير وبرنامج أو اثنين للتسلية. وأغلب الظن، أنني ـ وغيري ـ أصبنا بشعور الصائم، عندما يجد نفسه أمام مائدة مكتظة بالطعام على نحو مبالغ فيه، فيشعر بالشبع وتزهد نفسه الأكل.
ولما كنت ممن لا يتهيبون إرهاب النخبة، ولا يقرون بأن الشك في وجود مؤامرة يخرج صاحبه من الملة، أو يتعارض مع الآداب العامة؛ فلا يحمر وجهي خجلا عندما أشير إلى دلائل مؤامرة على وعي المصريين. وتذكرت ما كنا ندرسه أيام الجامعة ـ في مادة الرأي العام والإعلام ـ عن سبل تغيير الوعي الجماهيري، ودفع الجمهور إلى تقبل، بل وتبني أفكار وسلوكيات جديدة على المجتمع، ربما كانت مرفوضة في السابق.
ومن بين وسائل تغيير الوعي الجمعي تدريجيًا إزاء فكرة مرفوضة: الإلحاح على بثها في وسائل الإعلام، مع التظاهر في بداية الأمر بعدم تقبلها. يتبع ذلك طرحها ـ بصورة تبدو عابرة ـ ضمن سياق فني أو إعلامي، مع اتخاذ موقف محايد منها. وبمرور الوقت، تستقر لدى الجميع صورة ذهنية تتعامل معها باعتبارها أمرا غير جيد، ولكن وجوده طبيعيًا، ولا مفر من التسليم به. ثم يقل تدريجيا استهجان الفكرة أو السلوك، مع طرحهما ضمن سياق كوميدي يدعو للضحك والاستخفاف، ويرتبط بالمتعة. وشيئا فشيئا يصبح الذهن الجمعي مهيأ لتقبل الفكرة وتبينها أيضًا.
تذكرت ذ لك، وأنا أشهد هذا العام عدة مسلسلات تلح على فكرة تعدد الزوجات، بأكثر من صورة. والملاحظ، أن القاسم المشترك بين هذه المسلسلات، وجود كوكبة من أحب الفنانين إلى قلوب الناس، وأكثرهم تأثيرا على عقولهم. وفي السابق، كانت المسلسلات المصرية ، متسقة مع ما في نفوس المصريين من استهجان زواج الرجل مرة ثانية على زوجته، واعتباره مفتريا وزئر نساء تحركه شهواته! كما كانت الزوجة الأولى تحظى ـ غالبا ـ بتعاطف الجميع، الذين يعتبرون الزوجة الثانية "خطافة رجالة"! وغالبا ما كان ينظر إلى الزواج الثاني على أنه "غلطة" يجب إخفاؤها، تكلف الزوج الكثير من المال والجهد العصبي إلى أن تنكشف الحقيقة في نهاية المسلسل، فيعترف بخطئه ويتوب عنه!
ثم بدأت قصص الزواج الثاني تأخذ منحى جديدًا، يدفع المشاهد إلى التعاطف مع زوج يعاني الأمرين مع الزوجة الأولى، إلى أن تصادفه إنسانة محبة حنون، كاملة الأوصاف تقريًبا، ليجد نفسه دون إرادة منه ومنها يقع في حب لا فكاك منه، ويتعاطف المشاهد هذه المرة مع البطل وحبيبته الجديدة!
ثم جاء مسلسل "الحاج متولي" ليطرح فكرة تعدد الزوجات، في صورة كوميدية لطيفة، دفعتنا إلى التعلق بالممثل وأبطاله وحلقاته المليئة بالمتعة والإثارة. وإذا بنا نسلم أذهاننا للفكرة تتسلل إليها بهدوء. ويستمر الإلحاح على الفكرة، مع إظهار صورة الزوج الطيب الذي يعدل بين زوجاته اللاتي تربطهن علاقة صداقة وتكافل، وكل منهن تحيا حياة رغدة تسيل لعاب فتيات كثيرات يتطلعن إلى من ينتشلهن من شظف العيش وحياة البؤس، وتتطلع أسرهن إلى التخلص من أعباء البنات وسترهن.
فهل من قبيل الصدفة أن يعتمد تمويل معظم المسلسلات المصرية، وأرباح منتجيها على رؤوس أموال قادمة من مجتمعات شقيقة ثرية، تعتبر تعدد الزوجات أمرا من صميم ثقافتها؟ وهل من قبيل الصدفة أن هذه المجتمعات بالذات تضع نصب عينيها، استخدام ثرواتها لفرض ثقافاتها وعاداتها على المصريين، والقضاء على الريادة الثقافية المصرية؛ التميز الوحيد الذي احتفظ به المصريون بعد تراجع أوضاعهم الاقتصادية ومكانتهم السياسية في عهد المخلوع؟ ومع الجهود المتواصلة لفرض ثقافة الأحادية الفكرية، وإلغاء الموروث الثقافي المصري ـ المتقبل للاختلاف الفكري والعقائدي، ضمن تعددية ثقافية ظلت سمة أساسية للشخصية المصرية عبر القرون ـ صار فرض ثقافة تعدد الزوجات هدفا أوليًا، في مجتمع يعاني فيه الشاب العادي الأمرين في سبيل الزواج من واحدة. ويواكب ذلك، الإلحاح إعلاميا ومجتمعيا على خيال الفتيات وأسرهن بمظاهر البذخ ورغد العيش التي ينعم بها من يقبلن الزواج من ثري، لديه بالفعل أكثر من زوجة. وهو ما يثير شكوكًا حول الهدف من طرح الفكرة التي لن يستفيد منها إلا الأثرياء ـ العرب والمصريين ـ الراغبين في المتعة على حساب شباب البلد المكافح وفتياته الفقيرات.
وبعيدا عن الجدل الفقهي والديني، حمال الأوجه، عن إحياء السنة النبوية الشريفة، والشروط اللازمة لتعدد الزوجات، ألا يبدو ملفتا للنظر أن أصحاب هذا الفكر لا يجدون وسيلة لبدء إحياء السنة النبوية الشريفة، سوى تعدد الزوجات؟
ويلفت النظر أيضا ـ في سياق التغيير الثقافي المفروض ـ تفشي ظاهرة إقحام ممثلين من دول شقيقة في المسلسلات المصرية مع الإصرار على تحدثهم بلهجات بلادهم، على نحو صارت المبالغة فيه تثير تساؤلات مشروعة. ولا يجادل أحد في وجوب التعاون الثقافي والفني بين الدول العربية الشقيقة، فهو إثراء للفن في بلادنا، بدأ منذ أكثر من مائة عام مع بداية السينما المصرية. كما أنه من الإجحاف، إنكار فضل عدد من النجوم والنجمات العرب على الحياة الفنية في مصر. إلا أن الظاهرة باتت مبالغا فيها، مع انتشار هذا العدد الكبير من الفنانين الأشقاء، على حساب فنانين مصريين أكثر كفاءة وموهبة. ويتردد أيضا أن أقحام هؤلاء الممثلين العرب على المسلسلات المصرية ـ وبعضهم لا يمثل تميزًا في مجاله ـ إذعان لرغبة أصحاب رؤوس الأموال والموزعين الخليجيين، الذين باتوا يشترطون أن ينطق الممثل الضيف بلهجته الأصلية ـ بعدما كانوا يتحدثون جميعا اللهجة المصرية في المسلسلات ـ إمعانا في سحب البساط من لهجة المصريين. وليس بعيدا عن ذلك انتشار المسلسلات التركية المدبلجة بلهجة شامية، أخذت مفرداتها تتداول على ألسنة جمهور من المصريين على سبيل التندر أولا، وشيئا فشيئا سوف تتسلل إلى مفردات لهجتهم لتستقر. وأنا هنا لا أتحدث من منطلق شوفيني؛ فربما يكون ذوبان اللهجات العربية في بعضها البعض أمرا طيبا، يتطور إلى توحيدها في لهجة واحدة تساعد أكثر على تقارب الشعوب. وربما كنت لأؤيد هذا النهج لو تم بشكل معلن وفي شفافية ومصارحة بالدور الذي يقوم به رأس المال العربي؛ بدلا من حالة التسلل والتوغل المثيرة للشكوك.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجربة رائدة ورائعة
- على باب السفارة
- التنكيل بالضحية
- اشهد يا تاريخ!
- هانت
- أرنا مالديك يا رومل!
- ويبقى الأمل.. وتبقى الثورة
- لماذا المخلوع وكبير بصاصيه وحدهما؟
- بركاتك يا ثورة.. مدد
- نحلم؟ آه.. نتوهم؟ لا
- لليسار .. در!
- يخرب بيوتهم!
- الوضوح مطلوب.. أو صناعة الديكتاتور
- أي وحدة؟ وأي صف؟
- -المعاريض-.. وأحضان -الحبايب-
- -كلاكيت-.. للمرة المليون!
- بعد إيه؟
- تباريح غربة قصيرة
- ريتشيل والخالدون
- على رأي المثل!


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - بأية حال عدت يا رمضان!