أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب














المزيد.....

إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب


ليث العبدويس

الحوار المتمدن-العدد: 3802 - 2012 / 7 / 28 - 21:38
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


أنا الَمركَبُ الأخيرُ الذي يَطلُبُ الرُسوَّ عِندَ خِلجانِ جَفنيكِ الكَحيلين، أنا الذي أتيتُ في لَحظةِ الهُبوب الأخيرة، بِصاريٍ مُحطّمٍ وشِراعٍ مُمزّق وَعَنبرٍ مُكتَظٍ بِرسائِلِ حُبٍ خَشيتُ عليها عَسَفَ المُحيطِ وَقسوةَ الأمواجِ وَمِزاجاتِ شاعِريتي المُتقلّبة فَلم أودِعها حَبسَ القَناني وَلَم ارمِ بِها في لُجّةِ اليَم الأعمى.
جِئتُ مُنفَلِتاً مِن رَبَقةِ الكَمّاشة التي التقى فَكّاها متواطِئينَ على حِصار اجمَلِ شَهيدَةٍ مؤجَلةَ الشَهادةِ في مَكانٍ ما أسفَلَ كُلّ عارٍ للتاريخٍ عرفناه، وليسَ مِنْ شيءٍ خلفي سوى هَسيسُ النارِ وَجلجَلَةَ السلاسِلِ تَرسِفُ في اقدامِ العَبيدِ المُسخَرينَ وصُراخِ خِنزيرٍ ذَبيحٍ وَقيءُ السَكارى وأغاني المُرتَزَقة الداعِرة ُيَرتَجُّ بِها أُسطولُ القراصِنةِ وَهو مُنهَمِكٌ في إحكامِ طوقَهُ الأخير حولً جَزيرَتَكِ المُشمِسة.
جِئتُ وَقَد غادَرَكِ الجَميعُ تارِكينَ إيّاكِ وَحيدَةً كَفنارَكِ المُضيء يَتيماً عِندَ مرفَأكِ الكَئيب، ابصَرتُهُم يُسرِعونَ في رَزمِ حَقائِبِهِم، في استحصال تأشيراتِ سَفَرِهِم، وَلِفَرطِ استعجالِهِم غَفِلوا جميعاً أنْ يَصطَحِبوا مَعَهم كرامَتَهُم!! ماذا لو اندَلَقتْ مُحتوياتُ حقيبةِ أحدِهِم عِندَ بوّابات الوُصولِ ليكتَشِفَ أنّه نَسي كَرامَتَهُ في النَزل الرَخيصِ الذي كانَ يُسمّى – مَجازاً - وَطَناً؟ ارتَطمتُ بأكتافهم عِند بواباتِ المُغادرة وَهالَني شُحوبٌ انكَرتُهُ في ملامِحِهِم المُتشابِهة، لَقَد تَبضعوا قِناعَ ذُعرٍ واحِد، بَدوا تَماماً كالخِرافِ الفارّةِ من جَزّارِها، أينَ المَهرَبُ وقد تَشابَهتِ المُدُنُ والمَسالخُ والسَفّاحينَ والضَحايا والصَمتُ والخياناتُ الحَقيرة؟
لو تَعلَمينَ كَم تَغمُرُني السَعادَةُ وانا استقطِعُ من جَحيمِ الحَربِ بُرهَةً قَد تَطولُ لِتغدوَ هُدنة، أو تَقصُرَ لِتُمسي لَعنة، أو تَضيعَ بين رأي هَذه البِعثة وقرارِ تِلكَ اللِجنة، بُرهَةً قَدْ يُحالِفُني فيها الحَظُّ فأحظى بِتأمُلٍ خاطِفٍ لِقوسِ الألوان المُنسَكِبِ مِن تِلك العُيونِ الغارِقَةِ في الجَمال الفُستُقيّ.
سَعيدٌ بَل أتقافَزُ فَرَحاً مُذ عانَقتُ رَملَ شاطِئِكِ اللؤلؤيّ الدافئ، بِرغمِ يَقيني المَنزوعِ الأملِ أني اتلفْتُ نَفسيَ وأهلكتُ عُمُريَ وانّي مَصروعُ في نِهاية المطاف، وأني ألقيتُ مَرساتي عِند شواطئِ فاجِعتي وموتيَ، وَسوفَ لَن يكونَ إخلائيَ الأخير سوى إلى قبري، إن قامَ لي بين القُبورِ شاهِد وَدليل، ولكن لا بأس، لستُ خائِفاً من هذا المَصيرِ الحالِك، فلستُ أوّلَ مُتَيّمٍ يَصرَعُهُ العِشقُ وَيغتالُهُ الوَلَهُ، ولستِ يا أميرَتي أول مَدينَةٍ يعتَوِرُها لُعابُ الضِباعِ الجرباء.
اخترتُ مُشارَكَتَكِ تَجرِبَةَ الأنطِفاء البَطيء في الحِصار الذي يُكَبّلونَ بِه أنفاسَكِ الحَرّى المُتلاحِقة، فيما اختارَ غيري التَمَدُّدَ على أرائِكِهمُ والتثاؤب بِفَمٍ مَليءٍ بالذُباب وَبقايا الليلَة الفائِتة وتَلَقُّطَ اخبارِكِ عَرَضاً مِنْ فضائيّاتٍ كَسولَة، وَلَم يَكُن انضِمامي إليكِ عَن جَسارةٍ بِقدرٍ ما كانَ عَن طيشٍ مَشوبٍ بِرُعونَةٍ وَقِصَرِ نَظَرٍ أفخَرُ بِهِ الآن، ساعَة الاحتضار، وفي الصَباح يَحمَدُ القومُ السَرى، وعِندَ حَلب، ألثُمُ جَبينَ حُمُقِ المُجازَفَةِ الغَبيّة التي أوصَلتني – كَضيفِ اللَحظةِ الأخيرَةِ – عِندَ قَدَميكِ.
هَبي لي يا مَقدِسيّة الرِمشينِ سَكينَةَ مَلاكٍ مُسَلّحٍ بالغيظِ والثأرِ وَرِماح السَماء كيما تتوَقّف أصابِعي عَنْ الأرتِجافِ عِندَ آخرِ المَتاريسِ قَبلَ خُطوطِ إبليس، ارحَمي فيَّ طِفلاً غَرّاً ساذِجاً أخبروهُ أنَّ أُمّهُ تُذبحُ الآنَ في حَلَب، فَرَكَلَ دُماهُ وَسَرَقَ رَشاشَ أبيهِ واختفى ليظهَرَ عِند شاطِئِكِ كَهلاً مُتصابياً يَرتَجِلُ الشِعرَ في غَزَلِ المُدُنِ الصامِدة.
حَلبُ تُلغي كُلَّ مَفاهيمِ الشَجاعة، وَتفضَحُ اشنَعَ اشكالَ الوَضاعَة، حَلَبُ تتقَطّعُ أوصالُها ولا تَهينُ أو تَستَكين، تُكافِحُ خَمسَ وُحوشٍ وَخمسَ حَرائِقَ وَخمسَ تنانين، هيَ قَرّرتْ أنْ تَموتَ واقِفَةً، شامِخَةً، باسِقَةً، صائِمةً، ساجِدةً لِربّ العالَمين، فأن جَبنتُم عَن نَجدَتِها فاترُكوها تَموتُ عَزيزَةً، أو... اخْسَئُوا صامِتين.




ليث العبدويس – بغداد – [email protected]



#ليث_العبدويس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَروسُ والكلاشينكوف
- وقائِعُ انتحار كاتبٍ غاضِب // ليث العبدويس
- نوري.. نوزاد.. وحُلُم الأكراد
- قِمّةُ بغداد.. الدُخولُ إلى الخارِج
- مملَكَةُ الأيمو
- في تأبينِ مُتسوّلة
- يوميّاتُ مَدينَةٍ مَذبوحة
- مُناجاةٌ القَمَرِ المُهَشّم
- إلى بَغدادَ دَمعي.. مَعَ التَحيّة
- السيّابُ لَمْ يَكُن رَكيكاً يا وَطني
- مُذكرات لاجئ سياسي 2
- مُذكّرات لاجئ سياسي
- نَحنُ.. والبَحرُ..وإسرائيل
- سوريا وَفَلسَفةُ الثُعبان المُقَدَّس
- رِسالةٌ إلى بشّار الأسَدْ
- وَقَفاتٌ عِندَ مُسلْسَلٍ مَمْنوع
- خرْبَشاتٌ طُفوليّة على جِدار العيدْ
- جرائِمُ الشَرَف.. وَقفةٌ شُجاعة
- ليبيا.. انتهاءُ عامِ الرَمادة
- وحشٌ طليقٌ في الشام


المزيد.....




- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...
- حريات الصحفيين تطالب بالإفراج عن الصحفيين والمواطنين المقبوض ...
- العدد 553 من جريدة النهج الديمقراطي بالأكشاك
- التيتي الحبيب: قراءة في رد إيران يوم 13 ابريل 2024
- أردوغان: نبذل جهودا لتبادل الرهائن بين إسرائيل والفصائل الفل ...
- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 551


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - ليث العبدويس - إنْ عُرِفَتْ حَلَب... بَطُلَ العَجَب