أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - الخطاب المخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الثالث والأخير















المزيد.....


الخطاب المخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الثالث والأخير


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 3802 - 2012 / 7 / 28 - 16:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد ان اوضحنا ماهية خطاب الإسلام السياسي في مجالات التعامل مع الغير المخالف وتفسيرالآيات القرانية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة حول ماهية وطبيعة الحكم في الإسلام بما يتفق وهوى منظري هذا الخطاب الذي لا يبتعد هدفهم كثيراً عن الوصول إلى السلطة السياسية بطرق ملتوية مخادعة وشعارات ااكثر خداعاً كشعار " ألإسلام هو الحل " مثلاً ، لابد لنا من التوجه لمناقشة شعاراً آخر من شعاراتهم المخادعة والتي طالما يكررون طرحها على مسامع الجماهير والمتعلق بتبنيهم للديمقراطية .وبما ان الإسلام السياسي يخوض تجربة عملية في العراق منذ عشر سنوات متكأً فيها على عصا الديمقراطية التي ربطها بالعملية الإنتخابية وما ترتب على هذه التجربة البغيضة من مصائب وويلات يعيشها الشعب العراقي بسبب سياسة الإسلام السياسي الخرقاء ، يصبح من المفيد أخذ التجربة العراقية كمثال على هذا الفهم للديمقراطية الذي لا يختلف لدى خطاب الإسلام السياسي في العراق عنه في مناطق أخرى .

لقد إعتاد تجار وسماسرة هذا الخطاب ان يجعلوا من الديمقراطية وسيلة لعرض الدين كبضاعة يتاجرون بها في أسواق سياساتهم الطائفية وصراعاتهم المذهبية ، واضعين الثوابت الدينية الواضحة وتعاليمها الحقة في متاهات تقلباتهم السياسية اليومية وضمن تفسيراتهم وتأويلاتهم البدائية التي لا يريدون بها إلا تضليل الناس البسطاء وجرهم إلى متاهات صراعاتهم وحلبات عراكهم على أساليب السلب والنهب والتزوير والرشاوي والكذب والفساد بكل اشكاله الذي تمارسه أحزاب الإسلام السياسي ، وممارسات هذه القوى على الساحة السياسية العراقية منذ عشر سنوات باعتبارها القوى " الفائزة بالإنتخابات " تعطينا الدليل الواضح على مثل هذا الخداع الذي يعتبره خطاب الإسلام السياسي جوهر الديمقراطية باعتباره يمثل إنعكاساً لرأي الناخبين العراقيين . ألهذا النهج علاقة بالديمقراطية الحقة وثوابتها ، أم ان ذلك ينبي عن ديمقراطية بعض مَن يمارسونها على مقاساتهم الخاصة ، التي يربطونها بالدين دوماً ؟ هذا إذا ما إنطلقنا من نفس ثوابتهم وفهمهم للديمقراطية وذلك من خلال إحصاء الجالسين على مقاعد مجلس النواب والذين حصلوا فعلاً على الأصوات الإنتخابية التي تخطوا بها الحاجز الإنتخابي . ففي هذه الحالة لا نجد إلا القلة القليلة جداً من هؤلاء النواب المُنتَخَبين فعلاً . اما كثرتهم الكاثرة فلا تختلف الأصوات الإنتخابية التي حصلوا عليها عن شهاداتهم " العلمية والدينية " من جامعات سوق إمريدي . ولم يكتف صناع الديمقراطية هؤلاء ، او لنسمهم تجار الإسلام السياسي أفندية ومعممين ، بجعل الدين الإسلامي بكل تعاليمه السمحاء شعارات تظهر وتختفي حسب الطلب والحاجة وبأشكال تنوعت وتفرعت حتى أصبحت لفظة الدين الإسلامي تعني عند مَن لا يعرف هذا الدين حقاً لا تتعدى الكذب والقتل والنفاق والجريمة والإرهاب والمفخخات والمليشيات والتهديدات بالإختطاف والتهجير واستعمال كواتم الصوت والتربص بالآخرين وكل ما تحويه جعبة الجريمة من ممارسات حيوانية بدائية ظهرت على الساحة العراقية كنتيجة لممارسات هذه الأحزاب التي تنكرت للهوية الوطنية العراقية وتبنت الهويات الزائفة للطائفية والمذهبية والإقليمية والعشائرية والمناطقية والقومية الشوفينية . ولم يتوقف هؤلاء الأشرار عن استمرارهم على نهب الوطن وخيراته للسنين العشر الماضية وباسم الديمقراطية أيضاً ، فأثروا ثراءً فاحشاً لا تقره ابسط تعاليم الدين الذي يتبجحون بانتماءهم إليه ولا يقره اي بند ديمقراطي من أجندة الديمقراطية الحقيقية لا ديمقراطية التبجح ، حتى شغلهم هذا الإثراء الفاحش والركض والعراك على المناصب والتنافس في جرائم التزوير والخداع والكذب على الناس عن الإلتفات حتى إلتفاتة بسيطة لأرامل ويتامى الثورات والإنتفاضات على الحكم الدكتاتوري البعثي الساقط ، ولا إلى أطفال المزابل ، ولا إلى الفقراء المنهكين الذين لا يجدون قوت يومهم من بنات وابناء هذا الشعب الذي صعدوا على أكتافه إلى مناصبهم هذه ليتلاعبوا بخيرات أغنى بلد في العالم لهم ولمليشياتهم وذويهم وأذنابهم . ولا إلى جيوش العاطلين عن العمل من الشباب الذين وضعوا شهاداتهم الجامعية والمهنية على الرفوف ، في حين يحظى غيرهم من خريجي جامعات سوق إمريدي والحاملين على مثل هذه الشهادات من هذه الجامعات باهم المواقع الحكومية ويتمتعون باعلى الإمتيازات على حساب الدولة التي استباحوها لهم ولعوائلهم ومؤسساتهم وشركاتهم الوهمية التي تنهب الملياردات من العملة العراقية يومياً . ولا نريد هنا ان نبتعد بفهمهم لخصوصيات ديمقراطيتهم عن الخدمات اليومية للمواطنين التي بدت تسوء يوماً بعد يوم حتى نالت البطاقة التموينية التي تشكل مصدر القوت الأساسي لآلاف العوائل العراقية البائسة الجائعة التي يريدون إشباعها بخزعبلاتهم التي يسمونها شعائر دينية وما هي إلا وسائل للتجارة بمشاعر الناس وارتباطهم الفطري بالدين وتعاليمه التي يعرف هؤلاء الأشرار كيف يستغلونها ويوجهونها لتجارتهم ببضاعة الدين ، وهذا هو النهج الذي يسمونه ديمقراطياً والذي اثروا منه بالأمس ولا زالوا كذلك ، إلا أنهم ينباكون على فشله اليوم .

هذه هي المواد الأولية التي صنعوا بها ديمقراطيتهم التي يقرأون عليها الفاتحة اليوم بعد ان إغتصبوها لمدة ثمان سنوات ثم تبرأوا منها ، إلا انهم لم يتبرأوا مما اتت به عليهم من مال وجاه وعقار ومن كل الأصفر والأبيض الذي جمعوه طيلة سنين إغتصاب هذه الديمقراطية.

فالعمل على تصنيع ديمقراطيتهم هذه قام على وسائل لم تعرفها الديمقراطية التي تمارسها الشعوب اليوم والتي إلتزمت بإصول وآليات العمل الديمقراطي الحق لا المزيف . إن الديمقراطية التي يتباكى عليها البعض بالعراق اليوم هي ديمقراطية الإسلام السياسي التي إلتزمت بذات الوسائل التي إلتزمت بها بعض الأنظمة الدكتاتورية المعروفة في العالم والتي جعلت من الديمقراطية طريقاً للوصول إلى الحكم مستعملة ابشع اساليب الكذب والدجل والخديعة . حتى إذا ما إستتب لها الأمر جعلت من ديمقراطيتها هذه حمماً تصبها على رؤوس الداعين لتبني النهج الديمقراطي الحق . وهذا بالضبط ما يحاول المدَّعون بالديمقراطية تطبيقه بالعراق اليوم . إلا أن المضحك المبكي في وطننا العراق المستباح ليس بدم أهله فقط ، بل وبكل ما يملكه أيضاً ، هو لجوء المتباكين على الديممقراطية إلى التمويه والخداع والمراوغة واللصوصية . ففي الوقت الذي يؤكدون فيه إصرارهم على تمسكهم بالدين الذي يعتبرونه موجهاً لهم في تطبيقهم لديمقراطيتهم هذه وربط ما يعتبرونه من الثوابت الدينية المقدسة بهذا النوع من الديمقراطية من جهة . إلا أنهم يضعون ما يعتقدونه ديناً خارج إطار الممارسات التي أدت إلى فشل ديمقراطيتهم هذه من جهة أخرى . وما يؤكد هذا التناقض الصارخ والكذب الفاضح هو عويلهم الذي لا ينقطع على تفشي الفساد وكثرة الجريمة وتزايد التزوير والخداع وترديدهم المتواصل في جلساتهم العامة والخاصة وتأكيدهم على مدى تعارض كل ذلك مع التعاليم والقيم الدينية . إلا أنهم لا ينطقون بكلمة واحدة عمن يقوم بمثل هذه الأعمال المنافية للدين ، إذ انهم يعلمون تمام العلم بأن أحزابهم السياسية التي لبست لبوس الدين وأحزاب حلفائهم وشركائهم في مثل هذه الجرائم وكل مَن ينتمي إلى هذه المجاميع التي تسلطت على الحكم من خلال الإحتلال ، هم الذين يخططون لمثل هذه الجرائم وهم الذين ينفذونها من خلال تسلطهم على امور هذا الوطن صغيرها وكبيرها . أيحق بعدئذ لكل ذي عقل سليم ان يطلق على كل ذلك ديمقراطية ؟ وإن كان ولابد من ذلك فما هذه الديمقراطية إلا ديمقراطية المعممين من رجال السياسة واشباههم من الأفندية ذوي المحابس الفضية والجباه المكوية من خازني الذهب والفضة .
ويطرحون شعار الإسلام دين ودولة , وهنا لابد لنا أن نتوقف بعض الشيئ عند هذا الشعار ألأكثر تشويهآ للدين ألإسلامي من الشعارات الأخرى التي يتبجحون بها . إن فقهاء السلاطين غير متفقين فيما بينهم حول ماهية الدولة التي يرددون إسمها لأن هذه الدولة هي وليدة بنات أفكارهم , حيث لا يوجد نص قرآني واضح ولا حديث نبوي صحيح متوارد عن هذه الدولة التي يربطونها بالإسلام عن عمد ديماغوغي إنتهازي سياسي مقصود . لقد جاء فقهاء السلاطين بهذه المقولة ولم يوضحوا للملأ كيف يمكن ربط إسم الدولة بالإسلام دون غيره من ألأديان , خاصة ألأديان ألإبراهيمية الأخرى اليهودية والمسيحية . وإن أراد دعاة ربط الدولة بالدين أو الدين بالدولة أن يتشبهوا بالحركة السياسية الصهيونية التي سعت ولا زالت تسعى إلى ربط الدولة الصهيونية بالدين اليهودي فتبيح لنفسها ما تبيح من الجرائم بحق الشعب الفلسطيني بإسم هذا الدين , أو يريدون التشبه بملوك وقياصرة أوربا القرون الوسطى الذين ربطوا المسيحية بدولهم وإماراتهم التي شنت الحروب الصليبية , إن أراد فقهاء السلاطين من ربط الدين ألإسلامي بالدولة للتشبه بهؤلاء , فهذا شأنهم هم وليكفوا عن إرهاق إسلام السماء والمعتنقين له بإخلاص بمثل هذه الشعارات السياسية التي يسيئون بها إلى هذا الإسلام وأهله . إن وجود مَن يعتنقون دين ما بالأغلبية ضمن نظام سياسي معين وبقعة جغرافية محدودة لا يعني أن يتحول ذلك النظام السياسي بكل ما فيه وما في مؤسساته إلى دين ألأغلبية . نعم قد تنتشر في ذلك المجتمع بعض المظاهر الدينية لهذه ألأغلبية ولكن هذه المظاهر تظل مقتصرة على هذه ألأغلبية ولا تعم الدولة بكاملها بكل ما فيها وكل ما تكون هذه الدولة مسؤولة عنه سياسيآ وقانونيآ واجتماعيآ بحيث لا يجري التفريق فيها بين هذا وذاك لأي سبب من ألأسباب , وإلا هل أن الدولة , حسب نظرية فقهاء السلاطين هذه , هي التي تؤدي الفرائض الدينية ...؟ هل هناك دولة تذهب لتأدية الصلاة في المعابد الدينية , أو تؤدي الزكاة أو تذهب إلى الحج...؟ إنهم يريدون بهذا الشعار, كما في الشعارات ألأخرى , تحقيق الأهداف السياسية التي يريدونها , وليس تلك التي يريدها إسلام السماء, رغم زعمهم بتمثيلهم لهذا ألإسلام الذي تناسوا قيمه وتعاليمه حينما جلسوا على كرسي الحكم , والأمثلة الصارخة على ذلك قديمآ وحديثآ كثيرة جدآ تقدمها لنا كل الحقب ألإسلامية منذ إنتهاء عهد الخلافة الراشدية وحتى يومنا هذا . لم يخبرنا النص القرآني الكريم أن الحساب المرتبط بالثواب والعقاب يوم القيامة سيجري بين ألله والدول التي ستُسأل عن دينها . فإن كان ألأمر كذلك فاليخلد البشر إذن إلى الراحة والسكينة , إذ أن دولهم ستقدم أعمالها ومدى إلتزامها بدينها أو عدمه . ما هذا اللغط وما هذا الهذيان عن دين الدولة الذي لا يستقيم والتعاليم الحقة لإسلام السماء الذي يتجنى عليه فقهاء السلاطين بهذه المفاهيم الفجة . ألله لم يكلف أي دولة بالتدين , بل كلف البشر المنضوين تحت النظام السياسي والبقعة الجغرافية بذلك , لا بل وكل البشربغض النظر عن الدولة التي يعيشون فيها . فالثواب والعقاب سيكون مع البشر وليس مع الدول . ثم ماذا يعني هذا الشعار الواهي المهلهل بربط ألإسلام بالدولة , والدول تتعرض إلى الزوال والإنهيار؟؟؟ هل يعني ذلك أن ألإسلام الذي سيرتبط بهذه الدولة أو تلك سيزول أيضآ مع زوال هذه الدولة ؟؟؟ هل يمكن لإنسان سوي أن ينطلق من هذا المنطق حين تعامله مع دين يعتقد معتنقوه أن وجوده لا يرتبط بزمان ومكان ...؟ هل ينتمي هؤلاء الذين يرددون هذا الشعارإلى هذا الدين حقآ , وإن قالوا نعم فكيف يتجاهلون تعاليمه إذن , تلك التعاليم التي تشير إلى أبديته بين الإنسان ما بقي في هذا الوجود وليس بين الدول الزائلة يومآ ما حتمآ ...؟ يقول نص ألآية القرآنية الكريمة 105 من سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم مَن ضل إذا إهتديتم إلى ألله مرجعكم جميعآ فينبئكم بما كنتم تعملون " هل يعي فقهاء السلاطين هذا القول الواضح الذي يضع ألإنسان أمام مسؤوليته وليس الدولة التي ينتمي إليها . وهذه الآية الكريمة تنبه الذين آمنوا أن لا يلتفتون إلى أقوال مَن ضلوا , وربما قد ضل فقهاء السلاطين الدرب السوي فسلكوا هذه الطرق المعوجة صوب أغراضهم السياسية وطموحات سادتهم الذين يدعون لهم في خطب الجمعة بالبقاء والدوام بعد كل صلاة جماعة يأمونها . وهم يعلمون تمامآ أن سادتهم هؤلاء هم من مصاصي دماء شعوبهم ومن الذين رفضوا وحاربوا كل المبادئ التي جاء بها إسلام السماء لقيادة الأمة , تلك المبادئ التي عمل على تطبيقها قادة الأمة ألأوائل بدءً من النبي محمد (ص) وانتهاءً بآخر خليفة من الخلفاء الراشدين (رض) عنهم جميعآ .
فكيف نفسر والحالة هذه تلك ألنداءات التي رافقت حقب مختلفة من تاريخ الدين ألإسلامي تزعم فيها أن ألإسلام دين ودولة...؟ هل هي الحقيقة الدينية فعلآ والمستندة إلى المصادر ألأساسية لهذا الدين أو أنها تمثل المقولات التي أصبح من الضرورة تبنيها والإجهار بها كاستجابة للتطورات السياسية والإجتماعية التي إكتنفت المجتمعات ألإسلامية خاصة بعد أن إإستتب ألأمر لحكام الوراثة بعد إنقضاء عهد الشورى بنهاية الحكم الراشدي ...؟ تُمثل شعارات وحدة الدين والدولة هذه ألإنعكاسات التي ولدها ألإحباط في تقرير نمط ألإنتاج ألإجتماعي في المجتمعات الإسلامية التي لم يُحسم النزاع فيها لصالح الطبقات البرجوازية الصاعدة والتي تولت قيادة المجتمعات كما جرى في أوربا , هذه القيادة التي حققت طموحات التطور الإقتصادي القاضي بجعل ما لقيصر لقيصر وما لله لله . لقد ظلت أنماط الإنتاج ألإقطاعي المتشحة ببعض ألإرهاصات البرجوازية هي ألإنماط السائدة في المجتمعات ألإسلامية التي لم يُحسم فيها النزاع للطبقات البرجوازية , كما هو ألأمر في أوربا . وباستمرار هذه ألأنماط ألإنتاجية التي أصبحت وبمرور الزمن لا تمثل تطلعات ألإنسان المسلم الذي ظل يراقب التطور العالمي ولا يشارك به , بل تخلف عنه كثيرآ , تولدت الحاجة إلى إضفاء المزيد من الشرعية على وجود مثل هذه الأنظمة الفاشلة , فكانت الشرعية الدينية هي المؤهلة للتأثير في هذا الميدان وذلك بسبب التعلق التراثي الفطري لهذه المجتمعات بالتعاليم الدينية التي نشرها فقهاء السلاطين في هذه المجتمعات والتي فسروا بها إطاعة الحاكم , كولي للأمر, من إطاعة ألله . وعلى هذا ألأساس نشأت الدول وألأنظمة ألعربية والإسلامية الهجينة التي لم يستطع قادتها ألإجهار بالعلاقات ألإقطاعية العشائرية السائدة فعلآ , حيث أنها لا تتلائم والعلاقات ألإنتاجية العالمية التي يجنون منها ألأرباح وتثبيت النفوذ , كما أنهم لم يستطيعوا النهوض بالطبقة البرجوازية , إذ أن تبني مثل هذا النهوض يعني تبني ألإصلاحات التي يجب إتخاذها للخروج بهذه المجتمعات من نمط ألإنتاج ألإقطاعي والشبه إقطاعي السائد إلى نمط ألإنتاج الرجوازي الرأسمالي ( لإيضاح ذلك أكثر لا بأس من مراجعة الحلقات التي كتبناها تحت عنوان " ألدين والدولة وجدل ألإختيار " . فالمسألة إذن لا تتعلق بنص ديني يحدد نوعية النظام الذي يجب أن يتبناه المجتمع ألإسلامي , إذ لا يوجد هناك أي نص من نصوص القرآن والسنة يشير إلى ذلك , وإنما تتعلق بأهداف سياسية نشأت وتبلورت عبر المراحل المختلفة للتاريخ ألإسلامي نشأت على أساسها فكرة توظيف الدين كأحسن وسيلة يقبل بها المجتمع لتحقيق مثل هذه ألأهداف , فكانت نظرية فقهاء السلاطين هذه المتمثلة بمقولة ألإسلام دين ودولة . والدعوة التي يربطونها بهذه النظرية هي دعوة العودة إلى الخلافة كشكل للحكم في هذه الدولة التي يعملون على تأسيسها . وحينما يدعو فقهاء السلاطين إلى عودة الخلافة المتمثلة بالعودة إلى السلف , لم يبينوا للناس أي سلف يقصدون . إنهم لا يقصدون بالتأكيد سلف العقود ألأولى من قيام ألأمة ألإسلامية والذي إنتهى ببدء تأسيس الدولة ألأموية ونشوء دولة الوراثة التي قضت على مبدأ الشورى . إن الخلافة التي يدعو إليها فقهاء السلاطين هي خلافة القصور وليست خلافة الجامع , إنها خلافة الجواري والعبيد والبذخ والترف وليست خلافة الكفاف في العيش ومواساة الرعية . والسبب في دعوتهم إلى مثل هذه الخلافة التي لم يتفقوا فيما بينهم على أهلية صاحبها , إذ أن كل منهم يعتبر نفسه ألأولى بالأمر من غيره , إن السبب لمثل هذه الدعوة هو أنهم سيكونون أول من يجني ثمار خلافة عرجاء كهذه والسبب الثاني هو أنهم لا يجرأون على التشبه بأي من الخلفاء الراشدين . لذلك فإن العودة إلى السلف تعني لديهم ألعودة إلى حكم الطغاة من ألأمويين والعباسيين والعثمانيين , وإلى حياة الجواري والغلمان وحياة القصوروالخمور. أو انهم يدعون بمقولة ربط الدين بالدولة أو الدولة بالدين إلى أن تقوم الدولة بحماية الدين والعمل على إنتشاره باعتبار أن الدولة لها أمكانيات مؤسساتية قادرة على ذلك . فأي دين هذا الذي لا يستقيم إلا بسلطة دولة ...؟ وأين ذلك من النصوص القرآنية التي تؤكد في أكثر من موقع على الحرية الكاملة في إختيار الدين وإن " لا إكراه في الدين "(البقرة 257) و "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر...."(الكهف 29) لا بل وإن الإختلاف في الأديان هو إرادة إلاهية يريد فقهاء السلاطين إلغاءها حسب هواهم " ولو شاء ربك لآمن مَن في ألأرض كلهم جميعآ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " (يونس 99) . يرددون أقوالآ لا معنى لها حول العودة إلى دولة الرسول أو دولة الخلفاء الراشدين وهم لا يدركون مسيرة الزمن التي تبلورت فيها النظم ألإجتماعية التي سادت في تلك الفترة التي أرادت تثبيت أسس ألأمة ألإسلامية ضمن نظام إجتماعي رفض له الرسول نفسه أن يكون على شاكلة أنظمة القياصرة الذين أسسوا لدول ذات مؤسسات سياسية واضحة لم يبدأ بمثلها النظام ألإجتماعي ألإسلامي إلا في زمن الخليفة الثاني (رض) حيث بدأت ملامح الدولة المؤسساتية القائمة على التعاليم الدينية الحقة الثابتة وليست على ألأهواء والتقلبات السياسية المتغيرة , لأن الدين الحق يتناقض مع مراوغات السياسة وأكاذيبها وأحابيلها . وحتى لو أن فقهاء السلاطين يفقهون ما يرددونه حول دولة الرسول والخلفاء الراشدين المزعومة , فهل أن أي أحد منهم مهما بلغ من المنزلة يستطيع أن يقارن نفسه بتلك ألشخصيات ألإسلامية الفذة التي بدأ بها ألإسلام كدين لا كدولة حيث حوله من جاء بعدهم بعد إنتهاء الخلافة الراشدية إلى دولة تدعي الدين , هذه الدعوة التي يرددها فقهاء السلاطين اليوم , لا لتحقيق القيم والمبادئ الدينية كما فعل النبي والخلفاء الراشدين من بعده , بل للوصول إلى ألأهداف السياسية المُجَيرَة باسم الدين كما فعل الأمويون والعباسيون والعثمانيون بالأمس ومن يسير على نهجهم من رواد ألإسلام السياسي في عصرنا الراهن . أما ما ينشره فقهاء السلاطين بربطهم هذا الشعار بمفهوم الحكم في ألإسلام , فهذا ما سنتطرق إليه في الحلقة القادمة .

الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطاب المخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الثاني
- الخطاب المُخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الأول
- دور ومستقبل الخطابين اليميني الديني واليساري الديمقراطي على ...
- مآل التنكر لمبدأ حق ألأمم والشعوب في تقرير مصيرها
- سأكون شاكراً للسيد سليم مطر لو دلني على بيتي العامر في اربيل
- السماح باقتناء السلاح يقوي خطر الإرهاب ويساهم في هدم الأمن
- المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي العراقي ومهمات المرحلة
- الأنفال نص ديني مقدس أم سُلَّم للجريمة ؟ مع آلام ذكراها
- انقدوا القرآن من هؤلاء المهرجين
- ثلاثة أيام من التضامن الأممي
- هل من مبرر بعد لتشتت الديمقراطيين العراقيين ...؟
- لماذا التيار الديمقراطي العراقي ...؟
- صرح للديمقراطية
- تحقيق الذات في إزالة العورات ... أو ؟
- يا سامعين الصوت ... صلوا عالنبي
- حذاري ... حذاري من الدولة الدينية ، فإنها دكتاتورية بامتياز
- هل فشل المشروع الأمريكي في العراق ؟
- خُذ الشور من هذا البروفيسور
- الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق
- الحوار المتمدن ... عقد من النضال ألثقافي والإعلامي الهادف


المزيد.....




- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة
- تمثل من قتلوا أو أسروا يوم السابع من أكتوبر.. مقاعد فارغة عل ...
- تنبأ فلكيوهم بوقت وقوعها وأحصوا ضحاياها بالملايين ولم تُحدث ...
- منظمة يهودية تطالب بإقالة قائد شرطة لندن بعد منع رئيسها من ا ...
- تحذيرات من -قرابين الفصح- العبري ودعوات لحماية المسجد الأقصى ...
- شاهد: مع حلول عيد الفصح.. اليهود المتدينون يحرقون الخبز المخ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - صادق إطيمش - الخطاب المخادع علامة فارقة للإسلام السياسي - القسم الثالث والأخير