أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عباس ساجت الغزي - الف صمود في ليالي وفصول العراق الجديد















المزيد.....

الف صمود في ليالي وفصول العراق الجديد


عباس ساجت الغزي

الحوار المتمدن-العدد: 3801 - 2012 / 7 / 27 - 19:35
المحور: حقوق الانسان
    



من قال أن ألف ليلة وليلة انتهت أحداثها ؟ ومن يتجرأ القول أنها كانت مملة وطويلة بأحداثها ؟
فالملوك تعشق صنع الليالي لتعيش أجمل لحظات ترفها بعيدا عن تفاهات المظلومين والفقراء الذين يفترشون الأرض ويتسحرون الصبر لصيام يوم الفرج .
نشوة الملوك أن تكون ألف ليلة وليلة كتاب مفتوح في فصول الوطن فهي لأتقل شأن عن حلقات ( مراد علم دار ) في الإثارة وصنع الأحداث وإشباع الغريزة والرقص على معاناة الفقراء والمظلومين ، ويبدو أن صناعة الليالي المميزة من طابع الملوك .
ولمن يعشق سماع أخبار الليالي في قصص ألف ليلة وليلة من سفر العراق ، أقول له بان الليالي لا تعد ولن تنتهي وهي باقية ولكن الرواة مختلفين ، فان تعودت أن تسمعها بلسان الأميرة شهرزاد فعذرا أن تسمعها اليوم بلساني فانا لست مترفا في حضرة الملوك بل فقيرا يفترش العراء بحثا عن فجر الحرية ليطلق العنان لساقيه هربا من قيود الصمود 12 والقانون فوق الضعفاء .
كانت ليلة مميزة في ضيافة ( الصمود 12) واعذر كل من يتساءل عن هذه التسمية فانا أيضا لم أكن اسمع بها قبل هذه الليلة , كنا في بغداد ومعي بعض الزملاء الصحفيين في زيارة عمل لنقابة الصحفيين العراقيين وكان وصولنا متأخر قبل أذان المغرب بساعة لكوننا خرجنا من ديارنا بعد أذان الظهر كي نحافظ على يوم صيام .
كان جدول العمل أن نستقر الليلة وفي اليوم التالي نتوجه لانجاز أعمالنا ، وكنا في ضيافة الزميل الرائع تحسين ألبدري على وجبة إفطار أعدها بنفسه ، ومن ثم توجهنا لزيارة الكاتب المميز بكل شي صلاح بصيص في منزله ، هناك سمعنا الإعلان المتأخر عن العطلة الرسمية ليوم غدا الخميس .
كانت صدمة بالنسبة لنا عناء السفر ومشقة الطريق وضياع الوقت ، اجمعنا على المغادرة وعدم المبيت في بغداد ، وكانت الرغبة لدى صلاح في مرافقتنا إلى الناصرية ، الوقت كان منتصف الليل حين غادرنا بغداد باتجاه الطريق السريع .
كنا نتبادل النكات ونستذكر الإحداث مع بعضنا واللحظات جميلة ورائعة مع السياقة الهادئة للرائع علي ساجت ، حتى تفاجئنا بعشرات السيارات متوقفة في الطريق ، حاولنا التقدم حتى وصلنا قريب من الحشود المتجمهرة .
كانت نقطة تفتيش ، ترجلنا من السيارة نحو الحشود ، كان هنالك أربعة من أفراد الشرطة احدهما يحمل بيده جهاز إرسال ، بعد ألقاء التحية عليهم والثناء على جهودهم ، سألنا من كان يحمل بيده جهاز عن سبب قطع الطريق ؟ كونه طريق سريع يربط المحافظات الجنوبية وهو بعيد عن مراكز المدن .
أجاب : لدينا أوامر مركزية بغلق الطريق من منتصف الليل وحتى الرابعة صباحاً ، سألته ولكن هنالك حالات إنسانية ومن كان في عمل أو واجب فلا يسافر في مثل هذا الوقت ألا المضطر ؟ حيث كان يقف بجانبي أشخاص في سيارتين لديهم امرأة متوفيه في الحلة وحضروا بناء على اتصال أقاربهم ، وهنالك عسكريين كانوا مرابطين على الحدود السورية وهم ألان في أجازة ، وحين تحدثت معهم عن نزوح العوائل السورية وهل تفعلون معهم كما يفعل بنا ألان ؟ وتبين فيما بعد أنهم من أهالي السماوة ، والكثير من القصص تسمعها وأنت هناك .
كان الشرطي يصرخ بوجهنا بين الوقت والأخر عودوا إلى سياراتكم أو ناموا في العراء فالطريق مغلق ولن اسمح لأحد بالمرور حتى الصباح ، لا أخفيكم شعرت وزملائي بمرارة القيود ونحن من يتكلم عن الحرية دائما !! وشعرت بان الرجل ينظر لنا من نظرة سلطوية متعجرفة بصيحاته ، قررت أن اجمع شتاتي رغم خوفي من إنني قد لا أغادر حتى وان طلع الفجر ، وان استخدم حصانتي كسلطة رابعة ورقابية، واخبره بأننا الأربعة نعمل في الصحافة وكنا في عمل ونحن عائدون إلى ديارنا .
وحين أبرزنا له هوياتنا أنا والزميل حيدر الطائي ، اخبرنا بان هذا لا يعني شيئا فالجميع لديهم هويات وأعمال ، ونعامل الجميع بنفس الطريقة ، هنا شعرت بان هنالك مساواة بين الجميع حتى ولو كانت بالمظلومية !! .
سألته : أن كان بإمكانه الاتصال بالسيطرة المركزية وطلب الأذن لنا ؟ أجاب : أنا من يقرر أن كان الأمر يستوجب النداء أو لا ، هنا .. سأله حيدر : انتم للحلة أو بغداد ؟ ، أجاب الشرطي : الحلة .. يعني السيد صباح الفتلاوي قائد الشرطة ؟ أجاب الشرطي : نعم ، قال حيدر : أتعرف هذا الرجل بقمة الروعة والنبل والأخلاق والمهنية العالية ، وهو صديق لنا جميعا في الناصرية ولدي رقم هاتفه وبإمكاني الاتصال به ألان ليسهل لنا الأمر .
قال الشرطي : منذ أن جاء إلى الحلة تدهورت أمورنا نحن الشرطة فقد أصبح واجبي يومان بيوم استراحة بعد أن كان نظام البديل ويومين بيومين ، حاولنا الاتصال بالسيد الفتلاوي دون جدوى كان الرقمين مغلقان.
تسالت في نفسي كيف يحصل لنا ذلك في مدينة أسست وشرعت القوانين واستطاعت أن توحد العراق وبلاد الشام وسواحل البحر المتوسط حتى بلاد عيلام ، وتذكرت حمورابي تلك الشخصية العسكرية المرموقة التي لها القدرة الإدارية والتنظيمية على أدارة تلك البلدان بحكمته ومسلته التي تحتوي على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة. فيها تنظيما لكل مجالات الحياة وعلى جانب كبير من الدقة لواجبات الإفراد وحقوقهم في المجتمع، كل حسب وظيفته ومسؤوليته .
وقطع تفكيري ضوء مصابيح سيارة عالي جدا متجه بسرعة نحو السيطرة بدد سكون الليل واختفت النجوم ووضعنا أيدينا على أعيننا لشدة الضوء ، أسرع الشرطة لقطع الطريق أمام السيارات كانت أربعة عجلات الأولى نوع دوج صالون والأخريات نوع بيكب حديث وبدون أرقام .
توجه الشرطي نحو السائق وقبل أن يسأله .. بادر السائق معك عميد ( .... ) استخبارات الحلة ، سأله الشرطي أن يعطيه أثبات شخصية .. رفض .. سأله الشرطي أن يعطيه بعض الوقت لينادي على السيطرة المركزية .. نزل من السيارة نحو السيارات التي خلفه وصاح بهم بعصبية من لديه جهاز يؤمن اتصال مع مديرية الشرطة .. في هذه اللحظات سمعت الشرطي ينادي من جهاز الإرسال : من صمود 12 إلى السيطرة اجب ، وهنا طبعت الصمود 12 في ذاكرتي .
جاء الجواب من السيطرة الرجاء التحقق من الهوية وأرقام العجلات ، هنا تحير الشرطي بالإجابة .. فترك مسالة الإثبات وأكد بان العجلات بدون لوحات تسجيل !! ، عاد السائق إلى السيارة ، وصاح على الشرطي : انتم صمود 6 ( مو) ؟ أجابه : لا سيدي الصمود 12 ، وانطلق الركب والشرطة الأربعة ينظر احدهما إلى الأخر نظرة تقصير في أداء الواجب .
وهنا تعالت الصيحات من المحتشدين الذين شاهدوا الحدث وسمعوا الكلام وحللوا الوضع !!، أشار احدهم على الكلمات المكتوبة على الجدار الخراساني ( القانون فوق الجميع ) ( والكل يخضع للتفتيش ) ليش احنه وحد كوننا فقراء ؟ صاح الشرطي : الرجل عميد باجر ينقل السيطرة كلهه !! صاح احدهم : وكيف عرفت بأنه عميد ولم يقدم أي أثبات ألا يجوز أن يكون إرهابيا ؟ .
رأيت حيرة الشرطي أمام حجة الناس ، سألته : ألا يوجد ضابط مسئول عن السيطرة ؟ أجاب : السيد النقيب موجود .. وأين هو؟ أجابني : هو نائم قبل السحور ينهض !! هنا تذكرت بأننا بدون سحور ولا ماء للشرب .. سألته : وكيف لنا أن نتسحر وغدا صيام أن شاء الله ؟ فقال ليس بيدي حيلة نحن لا نملك شي ، سألته أن يرسل احدهم للنقيب ليخبره بشأننا ؟ رفض .. سألته : أن ينادي بنا عسى أن يهديهم الله للطف بنا .
أخيرا وافق بعد أن أعيته الحجج ومسك بيده الجهاز وقلوبنا وأنظارنا ومسامعنا تستنفر طاقتها لسماع الإجابة ونادى : لدي صحفيين عدد أربعة من أهالي الناصرية بسيارتهم الخاصة يرغبون في المرور ؟ رفعنا صدورنا إلى الأمام ونحن نسمع النداء وشعرنا بأننا نحظى ببعض التقدير ، وسرعان ما بددت الإجابة ذاك الشعور ، العمل وفق التعليمات وحتى الرابعة صباحا .
انتهت ساعات الواجب للشرطة الأربعة وتبدلت الوجوه وتكررت المحاولات دون فائدة حتى سمعنا صوت الأذان من مذياع أحدى السيارات المتوقفة ، وتبادلنا قنينة الماء الصغيرة من اجل الوضوء مع الحفاظ على أن لا تراق قطر ماء فنحرم آخرين من الصلاة .
وفي الرابعة بدأ احد الشرطة يتلاعب بمشاعر الناس بقولة : كل واحد يجلس بسيارته والتحرك على أشارت المصباح اليدوي الذي كان يحمله بيده ومن يخالف يحجز في السيطرة ولا تجبروننا على ذلك .
وانطلقنا بعد الإشارة في الطريق السريع كأننا في مضمار سباق ليس طلبا للحرية والوصول إلى ديارنا بل هربا من قانون الصمود 12 .

عباس ساجت ألغزي



#عباس_ساجت_الغزي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤيد اللامي متن الملقى في انجازات النقابة
- الشباب العربي بين الغزو الثقافي والمسؤولية الأخلاقية
- القوارير بين الرفق والقلوب المريضة
- نشيد الخلود
- العرب والصحوة
- تظاهرة التيار الديمقراطي في ذي قار نموذج حضاري
- انا وامي والاجهزة القمعية
- ثورات التغيير واقع ودروس
- اطفال العراق وظاهرة العنف


المزيد.....




- اعتقال رجل في القنصلية الإيرانية في باريس بعد بلاغ عن وجود ق ...
- ميقاتي يدعو ماكرون لتبني إعلان مناطق آمنة في سوريا لتسهيل إع ...
- شركات الشحن العالمية تحث الأمم المتحدة على حماية السفن
- اعتقال رجل هدد بتفجير نفسه في القنصلية الإيرانية بباريس
- طهران تدين الفيتو الأمريکي ضد عضوية فلسطين بالأمم المتحدة
- عشية اتفاق جديد مع إيطاليا.. السلطات التونسية تفكك مخيما للم ...
- الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس في الشرق الأوسط
- سويسرا تمتنع في تصويت لمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم ا ...
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر مؤيد للفلسطينيين من حرم جامعة كولو ...
- بمنتهى الوحشية.. فيديو يوثق استخدام كلب بوليسي لاعتقال شاب ب ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عباس ساجت الغزي - الف صمود في ليالي وفصول العراق الجديد