أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - قبل تشكيل حكومة هشام قنديل















المزيد.....


قبل تشكيل حكومة هشام قنديل


خليل كلفت

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 14:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


1: أمس الأول الثلاثاء، 24 يوليو 2012، اختار الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسى لرئاسة حكومته الأولى الدكتور هشام قنديل، وهو كما يصفونه شاب فى الخمسين من عمره (من مواليد 1962)، خريج كلية الهندسة فى 1984، وحاصل فى أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات على الماچستير والدكتوراة (على الترتيب) من جامعتين بالولايات المتحدة، وقد مُنح وسام الجمهورية من الطبقة الثانية فى 1995، وعمل فى وزارة الموارد المائية والرى، وعمل خبيرا وكبيرا للخبراء فى مجال الموارد المائية بالبنك الأفريقى العربى، حتى بدايات القرن الجديد، وعمل وزيرا للموارد المائية والرى فى حكومة عصام شرف منذ 21 يوليو 2011 وحكومة كمال الجنزورى منذ تشكيلها. ومن عناصر سيرته الذاتية أنه متزوج وله خمس بنات: رقية، و فاطمة، و عائشة، و زينب، و خديجة. وجرى تداول معلومات تؤكد أنه من أسرة إسلامية متشددة إلى حد عدم دخول الميديا فى البيت. وهذه بالطبع معلومات على عهدة الرواة عن شخص ظل مجهولا تقريبا حتى منذ يومين أو ثلاثة.
2: وعلى وجه الخصوص جرى تداول معلومات عن الميول السياسية للدكتور هشام قنديل. ورغم تأكيد الرواية الرئاسية والإخوانية أن الدكتور هشام "شخصية وطنية مستقلة"، وأنه "لا ينتمى إلى أىّ فصيل أو حزب سياسى لا قبل الثورة ولا بعدها"، علاوة على أنه شخص محترم ومهذّب، إلا أن هناك تأكيدات أو تكهنات أخرى بأن "الدكتور هشام قنديل واحد من الإخوان" (حسام عيسى)، وبأنه إخوانى ولم يترك الإخوان إلا نتيجة لسفره إلى أمريكا (حسين عبد الرازق)، وبأنه يتردد أنه من أتباع الشيخ صفوت حجازى الذى رشحه لحكومة عصام شرف (بين روايات أخرى كثيرة). وهناك مزاعم بأن الدكتور هشام كان عضوا فى لجنة السياسات للحزب الوطنى المنحلّ، وهناك أيضا نفى قاطع لهذه العضوية وحتى للانتماء إلى الحزب الوطنى.
3: وبصرف النظر عن مدى صحة المعلومات المتداولة عن الميول الإخوانية لرئيس الحكومة المكلَّف فإن الحقيقة الأكيدة هى قبوله تأليف وزارة تُثْبت الأسماء المتداولة الآن أن النسبة الحاسمة فيها ستكون لجماعة الإخوان المسلمين ممن ينتمون إلى حزب الحرية والعدالة، فى جمهوريةٍ رئيسها من هذه الجماعة وهذا الحزب، بالإضافة إلى أطراف أخرى فى الإسلام السياسى، ويبدو أن التشكيل الوزارى سيكون مثل تشكيل مجلسىْ الشعب والشورى، والجمعية التأسيسية للدستور، أىْ بالأغلبية الإخوانية الساحقة. وأعتقد أن هذا القبول وهذا التشكيل يدلَّان معا على ما هو أكثر من الميول الإخوانية التى يحاول الإخوان إخفاءها.
4: وهنا تبدأ أسئلة ليست أقل أهمية من شخص أو فكر رئيس الوزراء المكلَّف. وبالطبع فإن رئيس الجمهورية ينتمى فكريا وتنظيميا إلى جماعة الإخوان المسلمين وإلى حزب الحرية والعدالة (فهو لم يستقل منه بل فقط من رئاسته) وكان مرشحهما للرئاسة، غير أن تشكيل الحكومة بأغلبية الإخوان والإسلام السياسى يفترض أن يكون الحزب المذكور حاصلا على الأغلبية أو الأكثرية فى پرلمان فعلىّ قائم وهو أمر غائب بعد حلّ مجلس الشعب وبالتالى إلغاء أحقية الإخوان المسلمين وحزبهم فى تشكيل الحكومة. لا يوجد پرلمان وبالتالى ينعدم أىّ حقٍّ لحزب كان صاحب أغلبية أو أكثرية فيه عندما كان قائما. ومن الناحية الدستورية والقانونية فى مصر بجمهوريتها الرئاسية لا تأتى الحكومة من أغلبية حزبية فى الپرلمان بل يكلف رئيس الجمهورية مَنْ يشاء بتشكيلها، ومن الجلىّ أن تكليف الرئيس يأتى فى إطار الجمهورية الرئاسية وليس على أساس الانتخابات التى جرى الحكم ببطلان قانونها. ورغم حجة حق رئيس الجمهورية الرئاسية فى تشكيل الحكومة، فقد تواتر فى مصر تشكيل الحكومة بالكامل أو بأغلبية ساحقة من الحزب الحاكم فى عهد نظام الحزب الواحد المباشر (تنظيمات هيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى) كما فى عهد نظام الحزب الواحد الذى يحيط نفسه بتعددية غير حقيقية (منبر ثم حزب مصر العربى الاشتراكى ثم الحزب الوطنى الديمقراطى). ويمكن القول إن رئيس الجمهورية، ربما لأول مرة فى تاريخ مصر الجمهورية، يتجه إلى تعيين حكومة ذات أكثرية من حزب قائم وهو حزبه (حزب الحرية والعدالة) دون أن يمثل أغلبية أو أكثرية فى انتخابات قانونية لپرلمان منتخب بصورة قانونية. وعلى كل حال فقد ظلت الانتخابات فى مصر تزييفا متواصلا لإرادة الشعب قبل الثورة وبعدها، رغم دعاوى أعراس الديمقراطية فى كل العهود.
5: وعلى كل حال فإنه يحق للرئيس مرسى قانونا أن يشكل الحكومة على هواه، مع أنه تجاوز الرئاسات السابقة كلها فى مصر من الناحية الشكلية بالمجيء بأكثرية حكومية بدون أكثرية انتخابية أو پرلمانية معتمدة قانونا، بحكم البطلان. وهناك اتهامات للجماعة المعنية والحزب المعنىّ بالاحتكار والاستحواذ والتكويش (السيطرة على رئاسة الجمهورية ومجلسىْ الشعب والشورى والجمعية التأسيسية للدستور وتعيين قيادات الصحافة ومحاولات السيطرة على القضاء). وهذه الاتهامات لا معنى لها فى حد ذاتها. ذلك أن كل حزب سياسى فى أىّ مكان فى البلدان الغربية المسماة بالديمقراطية يفعل الشيء ذاته، إلا فى أحوال تفرض حكومة ائتلافية أو تستدعى حكومة وحدة وطنية. وإنما تتعلق المسألة هنا بإشكالية تجاوز جماعة وحزبها لحجمهما من حيث تقديرهما لمصلحتهما فى الحفاظ على مكاسبهما بعد الثورة وتوسيعها. والحقيقة أن كل مقاييس الحجم تدلّ على أن الإخوان المسلمين يحددون سلوكهم السياسى على أساس تقديرات وحسابات خاطئة من المحتمل أن تصيبهم بخسائر فادحة. وقد شهدنا المعارك المتعددة التى دخلها مجلس الشعب ضد كل مؤسسات الدولة (المجلس الأعلى والقضاء بما فى ذلك المحكمة الدستورية العليا والقوى السياسية التقليدية والجديدة) الأمر الذى أدى إلى حلِّه باستخدام القضاء، ويواصل مجلس الشورى معركة بشأن القيادات الصحفية، كما تواصل الجمعية التأسيسية الإخوانية للدستور معركتها بشأن الدستور الإسلامى.
6: ومن حيث علاقات القوة نجد أن القوة الانتخابية للإسلام السياسى لا يتجاوز تسعة أو عشرة ملايين صوت على الأكثر، وكانت عدة ملايين من الأصوات التى فاز بها الرئيس الحالى قد جاءت ليس حبا له أو للإسلام السياسى وإنما كراهيةً ﻟ شفيق بكل ما يمثله، تماما كما ذهبت ملايين الأصوات إلى شفيق بدافع عكسىّ. والحقيقة أن علاقات القوة بين القطاعات التى يمثلها الإسلام السياسى من الطبقة الرأسمالية التابعة للإمپريالية والقطاعات الأخرى التى تقودها ليبرالية يمينية كالوفد والمصريين الأحرار وقوى سياسية أخرى إلى جانب المجلس العسكرى ما تزال من الناحية الجوهرية مماثلة لعلاقات القوة بين الإسلام السياسى نظام مبارك الذى كانت له اليد العليا فى الصراع وفى الصفقات، رغم فوارق متعارضة ناشئة عن الثورة. فالقوة المادية العسكرية والإدارية والقضائية فى جانب المجلس الأعلى، والقوة السياسية فى جانب المثقفين والقوى السياسية التقليدية والمجتمع المدنى، كما أن الثورة التى يودّ العسكر والإخوان دفنها ما تزال مستمرة بحكم أهدافها التى لم تتحقق وبحكم نضالاتها (مثلا الإضرابات العمالية فى المحلة الكبرى وغيرها عند ملتقى شعبان ورمضان). وقد أظهرت الصدامات المتعددة الأطراف لمجلس الشعب والتى كانت نتيجتها حل المجلس حقيقة علاقات القوة بين الفرقاء، كما ظهرت نفس الحقيقة فى الحصار المفروض على رئيس الجمهورية وإجباره على التراجع غير مرة.
7: وإذا كنا على هذا النحو أمام ضربات طائشة من جانب الإخوان المسلمين رغم خوفهم المفهوم من ملاكمة الضربة القاضية وتفضيلهم المنطقى لمنطق الفوز بالنقط على مدى زمنى طويل، فإن ما يوقعهم فى الغباء السياسى وسوء التقدير من وجهة نظر فَهْم مصلحتهم ذاتها هو النظر إلى الأبواب التى فتحتها الثورة أمامهم بعد أن ظلت موصدة على مدى عقود طويلة، وربما على طول تاريخهم باستثناء صدام الخمسينات بكل نتائجه، على أنها فرصة تاريخية نادرة للقفز على السلطة، مع الانخداع بمظاهر التحالف مع العسكرى، والاستقواء بالضوء الأخضر الدولى والعربى والإسرائيلى، ومشاعر الغطرسة بالقوة الانتخابية الپرلمانية والرئاسية التى تحيط بها شكوك، والإحساس بأن عليهم أن يستخدموا كل وسائل الصراع بدلا من الاستسلام المبكر، على أساس أن الهزيمة التى يمكن أن تلحق بهم فى مجرى مواجهة محسوبة أفضل لمستقبلهم من هزيمة الاستسلام المبكر.
8: على أن من المنطقى أن تخلق أجواء كهذه التى نعيش فيها نشوء عدد هائل من "النظريات" والتصورات والرؤى. وهناك "نظرية" مؤداها أن الولايات المتحدة تعمل على تشجيع الإخوان للإيقاع بينهم وبين المجلس العسكرى بما يؤدى إلى فوضى عارمة وصدام دموى وبالتالى إلى إضعاف مصر فى مواجهة إسرائيل، وكأن مصر ليست ضعيفة بما يكفى. وهناك "نظرية" مؤداها أن الولايات المتحدة والمجلس العسكرى وعدد من دول الخليج تعمل جميعا على تسليم السلطة السياسية فى مصر للإخوان المسلمين باعتبارهم أقدر فكريا وسياسيا وجماهيريا على تصفية الثورة، مع أن المجلس العسكرى على رأس الثورة المضادة هو الذى قام بالدور الأكبر فى مجال تصفية الثورة بالدم والحديد والنار، وإنْ كان قد تحالف فى سبيل ذلك مع الإسلام السياسى بقيادة الإخوان، وباعتبارهم أقدر أيضا على كبح جماح الجماعات الإسلامية الجهادية وكأن العكس، أىْ استفحال خطر نمو مثل هذه الجماعات، ليس هو الأكثر احتمالا، وباعتبارهم أقدر كذلك على تكوين تحالف للإسلام السياسى السنى العربى لمساندة الحصار أو العدوان الأمريكى الإسرائيلى على إيران ونفوذها فى المنطقة وكأن أمريكا أو إسرائيل توشك على ضرب إيران رغم أننا فى سنة الانتخابات الأمريكية التى يصعب تصوُّر أن يُقْدِم فيها حزب أوباما على مغامرة عسكرية يصعب حساب تداعياتها، أو كأن الإسلام السياسى وغير السياسى السنى ليس جاهزا، أو كأن تحالف الإسلام السياسى السنى العربى ضرورى إلى حد الإقدام على مثل هذه المغامرة أو المقامرة السياسية الكبرى، وباعتبارهم أقدر على كبح جماح حماس فى مواجهة إسرائيل وكأن إسرائيل تعانى إلى هذا الحد من حرب الهدنة مع حماس. وهناك بطبيعة الحال "نظرية" واسعة الانتشار تحبِّذ حكم الإخوان على أساس أن الهزيمة ستكون من نصيبهم خلال أشهر أو أعوام، باعتبار أنهم لا يحملون عصا سحرية لحلّ مشكلات مستعصية، فتنطوى صفحتهم إلى الأبد، وكأن النجاح وحده هو الذى يطيل أمد نظام. وهناك تباديل وتوافيق لهذه النظريات التى تفترض كل طبعة منها حرية منفلتة تجرؤ بلا قيود على التنظير القائم على نظرية المؤامرة.
9: ومهما تكن الدوافع والظروف والتقديرات والأوهام التى تُوقع الإخوان المسلمين فى سيناريو "استحواذى" أو "تكويشى" قد يؤدى إلى صدام قد يخسرونه بحساب ميزان القوى، وقد يكسبونه بحساب مليونيات إسلامية، أو لمعجزات مفاجئة من السماء، بدلا من رفع الرايات البيضاء بما يؤدى إلى خسارة لا بديل لها ولا مناص منها فى هذه الحالة، فإن سيناريو "التكويش" والصدام هو سيد الموقف. ويبرز فى هذا الصدام العسكر والإخوان، وتحيط بمواقف كل طرف منهما حسابات دقيقة لصعوبة وضع كل منهما فمهما كان العسكر أقوى ماديا فإنهم لا يملكون قوة جماهيرية فعالة (دون إنكار مصطفى محمود، وروكسى، والمنصة) تتحدى القوة الجماهيرية الإسلامية كما أن المجلس الأعلى ترفضه قوى الثورة بعزيمة أقوى من تذبذبات التحالف والصراع بينه وبين الإسلام السياسى.
10: فما هو المصير المحتمل للصراع الحالى؟ ما مصير الحكومة الإخوانية المقبلة؟ وما مصير قيادات الصحافة التى يفرضها مجلس الشورى؟ وما مصير وزارات التربية والتعليم والثقافة والاقتصاد المسمَّى بالإسلامىّ؟ لا شك فى أن مصير كل هذه الأشياء يظل وثيق الارتباط بمصير الجمعية التأسيسية للدستور، ومصير مجلس الشورى، ومصير الإعلان الدستورى المكمل، وربما دعاوى حل الجماعة، والأحزاب ذات المرجعية الدينية، ونتائج الانتخابات اللاحقة لإقرار الدستور، وهل ستكون انتخابات پرلمانية فقط أم ستمتدّ إلى منصب الرئيس المنتخب على أساس الإعلان الدستورى التأسيسى؟ وما مغزى كل هذه الانتخابات والاستفتاءات بالنسبة للثورة الشعبية؟
11: ويمكن القول إننا إزاء ازدواج للسلطة بين العسكر؛ والإخوان وليس بالطبع بين الثورة والنظام. ومن الجلى أن القوى الحقيقية للثورة لم تصل وما كان لها أن تصل إلى السلطة. أما السلطة فكانت مع الانقلاب العسكرى للمجلس الأعلى وذهب الإسلام السياسى لاقتسامها معه، من موقع شريك أصغر، وبالأحرى شريك ذيلى كخطوة اضطرارية للقفز على السلطة عند التمكن، قبل بداية الصدام منذ حوالى نصف عام. وهناك مَنْ يُنكرون أن ثورتنا ثورة لأنها لم تنجح فى استلام سلطة الدولة من الطبقة الرأسمالية التابعة لأنها لم تنجح فى الإطاحة بها. والحقيقة أن ثورتنا لم يكن من شأنها النجاح فى الإطاحة بالرأسمالية التابعة الحاكمة لأن هذه الإطاحة لا يمكن أن تحدث إلا نتيجةً لثورة اشتراكية وليس هذا هو الحال فى ثورتنا، أو نتيجة مواجهة عسكرية أو حرب أهلية بين الثورة والثورة المضادة وفى هذه الحالة تُسْرَق الثورة فتستلم السلطة طبقة رأسمالية تابعة جديدة (إيران، سوريا، إلخ.)، أو نتيجة انقلاب عسكرى كبير مثل حركة 1952، التى انتهت إلى إحلال طبقة بيروقراطية رأسمالية الدولة وكانت طبقة تابعة للإمپريالية محل الرأسمالية التابعة السابقة فى العهد الملكى الاستعمارى. وفى حالة الثورة الراهنة فى مصر تظل السلطة السياسية فى أيدى هذه القطاعات أو تلك من الطبقة الرأسمالية الواحدة رغم تناقضاتها الداخلية التى قد تكون كبيرة وحتى خطيرة بل يمكن أن تكون حتى حربية فى بعض الحالات بوسائل عسكرية أو غير عسكرية (ولا أقصد هنا حالتنا المصرية التى ابتعدت بحكمة عن طريق الحرب الأهلية).
12: وهنا نأتى إلى سؤال حاسم هو ما يلى: هل يمكن تفادى الحكم العسكرى فى بلادنا، وبعبارة أخرى: هل يمكن تحقيق شعار: "يسقط حكم العسكر"؟ وبالطبع فإن الإخوان المسلمين يمكن أن يزعموا أن دولتهم الدينية أو الإسلامية أو "المدنية" ذات المرجعية الدينية الإسلامية (احتراما لمقتضيات المرحلة السابقة للخلافة الإسلامية المبتغاة) ستكون دولة غير عسكرية. على أن الحكم العسكرى هو الحكم الذى يقوم على القوة العسكرية للجيش وعلى مختلف الأجهزة المخابراتية والأمنية وهذه أدوات لا غنى عنها ولا يمكن التخفيف من تأثير نفوذها وميولها على الدولة إلا فى حالة قيام دولة مدنية رغم جيشها وأجهزة مخابراتها وأمنها. فأمريكا أو فرنسا أو بريطانيا، على سبيل المثال، دول مدنية رغم جيوشها وأجهزة مخابراتها وأمنها. ففيم تتمثل مدنيتها فى المحل الأول؟ إنها تتمثل فى مؤسسات دولة تشمل سلطات متوازنة منفصلة هى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المنتخبة والقابلة للعزل والتى تمارس وظائفها بصورة دستورية قانونية حقيقية محددة بدقة حيث يخضع المجتمع والدولة والفرد لدستور وقانون يكفلان الحريات والحقوق ويحميان الأفراد كمواطنين متساوين أمام القانون دون تمييز من أىّ نوع. ولا شك فى أننا هنا إزاء دول هى أدوات جبارة للاستغلال الطبقى، غير أنها تقوم بوظائفها بالوسائل القانونية وليس بوسائل الاستبداد المرتكز على القوة العسكرية للجيش والأمن وأجهزة المخابرات. وهى بالطبع دول علمانية تكفل حريات العقيدة الدينية وغير الدينية دون تمييز ولا تقوم على أىّ مرجعية دينية. وبالطبع فإن هذه البلدان قد تعرف رغم خطها العام المدنى عهودا من الفاشية والنازية والفالانخية والمكارثية والعنصرية والعرقية وغير ذلك بكل الميول أو السيطرة العسكرية لمثل هذه العهود، غير أن ما يميزها هو خطها المدنى العام.
13: وفى غياب هذا النظام المدنى الشامل للدولة والحكم والقانون والقضاء، نجد الحكم العسكرى المباشر لطغمة عسكرية، أو مجلس عسكرى، أو قيادة جيش باعتبار الجيش القوة الأساسية للهجوم والدفاع خارجيا والقمع الجماهيرى داخليا، رغم وجود القوات التابعة لوزارات الداخلية، ورغم وجود الدستور والقوانين والقضاء العادى، تلجأ الدولة العسكرية إلى القضاء العسكرى والاستثنائى، والاعتقالات غير القانونية، وإلى التشريعات القانونية المقيِّدة للحريات والمهدِرة للحقوق، وإلى تجريم الحريات والحقوق بالقانون إن لم يكن بالدستور. ولكنْ: هل تختلف الوسائل الدستورية والقانونية والمادية للدولة الدينية أو الإسلامية أو ذات المرجعية الإسلامية عن وسائل الدولة العسكرية أو الحكم العسكرى إنْ شئنا الدقة؟ إذا تحدثنا على أساس الدول الإسلامية الفعلية القائمة الآن وفى التاريخ فإنها لا تختلف عن الحكم العسكرى إلا بإضافة سيادة معايير دينية وتديين أو تقديس السياسة وتسييس الدين وإعلان هذا الدين أو ذاك دينا للدولة، رغم التناقض بين فضائل تدعو إليها الأديان والظلم والاستغلال والاستبداد والفساد بوصفها سمات لا فكاك منها لكل دولة. وإذا تحدثنا على أساس نظرى فإن معايير الدولة الدينية أو الثيوقراطية، أو الحكم الدينى أو الثيوقراطى، المستمدة من شريعة أو مبادئ أو نصوص أو أحكام دين بعينه هو دين أكثرية السكان فى المجتمع، فإنها تندمج بالضرورة اندماجا تاما مع الحكم العسكرى باعتبار القوة العسكرية والپوليسية والمخابراتية أدوات لا غنى عنها فى ظل قيام المعايير الدينية بطرد المعايير المدنية باعتبار الأولى معايير مقدسة معصومة واعتبار الأخرى معايير بشرية تقبل الصواب والخطأ. ولا مناص للحكم الدينى من التسلُّح بقوة إكراه ذات طابع مادى عسكرى بالإضافة إلى الإكراه الدينى، رغم النص على أنه لا إكراه فى الدين، وعلى وجه الخصوص فإن شريعة دين بعينه هى التى يجرى فرضها على الحياة العامة للسكان حتى رغم عدم تقييد الحياة الخاصة لأقسام من السكان بأحكام شريعة غير شريعتهم.
14: وهنا تتضح خطورة الوضع الذى نجد أنفسنا فيه فى عالمنا الثالث، وفى مصر. ففى ظل الحكم الدينى أو الإسلامى أو الحكم غير الدينى أو غير الإسلامى، والذى قد يتزيَّن باسم حكم مدنىّ، سنجد أنفسنا أمام الاستبداد المرتكز على القوة العسكرية والمخابراتية والأمنية، وهكذا نجد أنفسنا إزاء أحد كابوسين لا ثالث لهما، ولا مناص من أحدهما، ولا بديل عن أحدهما: كابوس الحكم العسكرى، وكابوس الحكم العسكرى الدينى (الإسلامى فى حالتنا)، فالثالث المرفوع هو الحكم الإسلامى دون أن يكون عسكريا، فى غياب الحكم المدنى أو "الديمقراطى" بالمعنى الغربى الذى يتزين باسم الديمقراطية.
15: وهناك من يتوهمون أنهم سوف يتفادون الحكم العسكرى عن طريق الحكم الإسلامى، ولهذا يتورطون فى تأييد اضطرارى لنوع أو آخر من الإسلام السياسى (للإخوان المسلمين مع محمد مرسى أو للسلفيين والوهابيين مع عبد المنعم أبو الفتوح أثناء الانتخابات الرئاسية بجولتيها). فكيف يمكن الخروج من هذه المعضلة؟ بالطبع بالحكم المدنى الحقيقى، ولكنْ كيف؟ والحقيقة أن تراثات وتقاليد وآليات العالم الثالث لا تترك مجالا لأىّ مخرج حقيقى، فلا أمل إذن إلا بالخروج من العالم الثالث وأقداره ومصيره، ولكنْ كيف؟ بالطبع بالتحول إلى بلد صناعى حديث، وكان هذا التحول استثناءً تاريخيا فى بلدان النمور الآسيوية، ويتطلب تحقيق الاستثناء بطبيعة الحال جهودا استثنائية كتلك التى بذلتها النمور أو التنانين. ولكن ما هى الطبقة المرشحة لإحداث مثل هذ التحول؟ من الجلىّ أن الطبقة الرأسمالية الريعية التابعة للإمپريالية لا تملك الخيال الخلاق ولا الإرادة السياسية المطلوبيْن لتحقيق هذا التحول، ولا أمل فى الحقيقة إلا فى ضغوط جماهيرية واعية هائلة من جانب الطبقة العاملة والطبقات الشعبية تجرى من خلالها ممارسة إكراه شامل على سير البلاد فى هذا الطريق من خلال سباق مع الزمن فى سبيل التصنيع والتحديث الشاملين. وهنا تظهر الإجابة الوحيدة على كل هذه الأسئلة: الديمقراطية الشعبية من أسفل. حيث يمكن لهذه الديمقراطية الشعبية دون غيرها أن تعمل جاهدة على تحقيق هدفيْن كبيرين: رفع مستويات معيشة ونوعية حياة الطبقات الشعبية والجماهير الكادحة فى مصر، والعمل بإرادة لا تلين على تحويل مصر وبسرعة إلى بلد صناعى بالمفهوم الصحيح لهذا التعبير، فهذا هو الطريق الوحيد لإنقاذ الشعب ليس فقط من التبعية بل كذلك من المصير الكارثى للعالم الثالث.
16: ومهما يكن ما يمكن أن يقال بعد إعلان التشكيل الوزارى الجديد فإننا الآن أمام مناسبة ملائمة للحديث عن السياق العام الذى يحيط بازدواج السلطة بين العسكر والإخوان وهذا السياق العام هو الأكثر أهمية من تفاصيل كل لحظة من لحظات تطور الصراع أو التعاون بين هذين الاتجاهين العسكرى والإسلامى العسكرى المتمثلين فى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية والإخوان المسلمين على رأس الإسلام السياسى. وهنا ينبغى أن أشير من جديد إلى أن الصراع بين العسكر والإخوان يجرى فى سياق أوسع هو الصراع الكبير بين الثورة والثورة المضادة، باعتبارهما عدوَّيْن لدودين للثورة رغم ادِّعاء كل منهما بأنه حامى الثورة أو مُشعلها أو سرّ نجاحها أو حتى أنه هو الثورة. وفى فترة من الهبوط النسبى للثورة يبدو ("يبدو" فقط) أن الصراع بين المجلس الأعلى والإخوان المسلمين هو الصراع الأساسى فى مصر، غير أن صعود الثورة، كلما اتجهت إلى الصعود، تُبْرِز الصورة فى وضع مختلف، فالثورة فى صراعها ضد الثورة المضادة هى أساس التغيير على حين أن الصراع بين العسكر والإخوان لا ينطوى إلا على كابوس نظام واحد يتمثل فى حكم عسكرى أو حكم عسكرى إسلامى. وهنا يتضح خطأ تركيز القوى الحقيقية للثورة على ما يجرى فى قمة المجتمع والسلطة أىْ على بناء مؤسسات دولة الثورة المضادة، وبالتالى المشاركة فى الاستفتاءات والانتخابات الپرلمانية والرئاسية، بدلا من التركيز على ما يجرى فى أسفل المجتمع أىْ على بناء مؤسسات الديمقراطية الشعبية من أسفل.
17: ومهما كانت تفاصيل التشكيل الوزارى العتيد، أو تشكيل الفريق الرئاسى الوشيك، فإن محطات الصراعات القانونية والسياسية بين الفرقاء سوف تتعدد وتتواصل خلال الأسابيع والأشهر القادمة، وعلينا أن نحذر تكرار خطيئة تأييد المجلس الأعلى ضد الإخوان المسلمين أو العكس، وأن نكفّ عن الحديث بلا ملل عن أن وصول الإخوان إلى السلطة أو تقاسُمها بين العسكر والإخوان يعنى نهاية الثورة، وأن نكفّ أيضا عن الإحباط والأنين والانصراف المحبَط والمحبِط إلى النكات والقفشات والتعليقات والكاريكاتيرات الخفيفة الظل على كل حال بدلا من وضع لبنة مهما تكن صغيرة فى بناء مؤسسات الديمقراطية المباشرة، وبدلا من الانتقال من الوعى العفوى وتقديس العفوية إلى التحليل الواعى.
26 يوليو 2012



#خليل_كلفت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثبتت فحوصى الطبية الأخيرة خلوّ جسمى من سرطان الكبد (لطمأنة ...
- احتمالات الصراع الحالى بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإ ...
- ثورة 25 يناير 2011 فى النصف الأول من 2012 - القسم الثانى
- ثورة 25 يناير 2011 فى النصف الأول من 2012 - القسم الأول
- هل يتمخض الربيع العربى عن تأسيس دول إسلامية؟
- الانقلاب العسكرى المكمِّل
- كلمات فى عشية جولة إعادة الانتخابات الرئاسية فى مصر
- محاكمة ثورية للرئيس مبارك وأسرته ورجاله وإلغاء الانتخابات ال ...
- مع متاهات أرقام الانتخابات فى مصر
- مأتم ديمقراطية المجلس العسكرى والإخوان المسلمين فجر الديمقرا ...
- أساطير الجبال والغابات - برنار كلاﭭيل
- هاجس الحرب الأهلية فى مصر
- أساطير البحيرات والأنهار - برنار كلاڤيل
- أضأل امرأة فى العالم - كلاريس ليسپكتور
- أسطورة الفترة الانتقالية وحقائق المسار الفعلى للتطورات فى مص ...
- مقالات مترجمة فى الفن التشكيلى
- أساطير البحر - برنار كلاڤيل
- تسع قصائد للشاعر البرازيلى: مانويل بانديرا
- سبع قصائد لناظم حكمت
- غنوة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - خليل كلفت - قبل تشكيل حكومة هشام قنديل