أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جواد البشيتي - والَّذين هُمْ باللَّغْوِ مُشْتَغِلون!














المزيد.....

والَّذين هُمْ باللَّغْوِ مُشْتَغِلون!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 3800 - 2012 / 7 / 26 - 12:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بنَزْرٍ من الجهد الذهني، يُمْكِنكَ العثور على "المعنى الذي تريد"، أو تُحبِّذ، في أيِّ قولٍ، أو نصٍّ، مع أنَّ "النصَّ"، في معناه، هو الكلام الذي لا يَحْتَمِل إلاَّ معنىً واحداً، أو لا يَحْتَمِل "التأويل"؛ فلا اجتهاد مع النصِّ.

"العبارة"، أو "الجُمْلَة"، ومهما استبهم معناها، واستغلق وأشْكل، على الناس، ولو كانوا من ذوي الألباب، يظلُّ لها سلطان على الفهم والتفسير، فتَعْصِمنا عن مجاوزة الحدِّ، صعوداً أو نزولاً، وتَحُول بيننا وبين أنْ نفهمها ونُفسِّرها كما تسمح لنا "الليبرالية الفنِّية" بفهم وتفسير "الخطوط" و"الألوان" في لوحات بيكاسو، مثلاً، أي بما يوافِق، أو يرضي، الإحساس والشعور.

لقد شقَّ علينا "الاختراع" و"الاكتشاف"، في دنيا العِلْم، فولَّيْنا عقولنا شطر "النصوص" و"الأقوال"، نتوفَّر على اكتشاف واختراع معانٍ جديدة لها، تَجُبُّ ما قبلها، فلم نَعْرِف من المشتغلين بـ "الكلامية"، "مكتشِفاً"، أو "مخترِعاً"، يقول بتكامُل وتصالُح واجتماع المعاني (قديمها وحديثها) فالمعنى الجديد، "المُكْتَشَف"، أو "المُخْتَرَع"، يجب أن يكون "نفياً خالصاً" لكل معنى قديم، ولو ما زال يؤثِّر تأثيراً قوياً في عقول وسلوك الناس، وكأنَّه جاء إليهم ليقول لهم إنَّ كل فهمكم القديم كان خاطئاً، لا أساس له من الصِّحة، وإنَّ عليكم، من ثمَّ، أن تأخذوا بهذا الفهم الجديد الذي جئتكم به!

أحدهم، أي أحد "المُكْتَشِفين (أو "المُخْتَرِعين") الكلاميين" الجُدُد، أراد أن يَظْهَر لنا على أنَّه حرب لا هوادة فيها على الخرافات والأوهام، ومخلِّص لعقولنا من براثنها، فتحدَّى كل مشايخ الأزهر، وغيرهم، أن يأتوا بما يدحض "اكتشافه" أنَّ "النفَّاثات في العُقَد" لا تعني "السِحْر" وإنَّما "السموم التي تنفثها الأفاعي والعقارب في العُقَد التي هي (على ما تمخَّض عنه جبله من التأويل) بيوت الناس وبساتينهم".

هذا الشيخ، "المُجدِّد"، المُصْلِح"، "المُنوِّر"، استمرأ واستطاب لعبة "التدليس اللغوي"، فتوسَّع وتعمَّق في "الاكتشاف" حتى كاد أن يُفْهِم الناس أنَّ جُلَّ فهمهم القديم لم يكن إلاَّ خرافةً ووهماً وباطلاً، فبلبل بما "اكتشف" العقول والنفوس، مع أنَّه، وعلى ما زعم، أراد أن يكون الدواء لهذا الداء، أي البلبلة.

ربَّما لا تقفون في "اكتشافه" على ما يستحق النقاش والنظر والتأمُّل؛ لكن أليس من الأهمية بمكان أنْ نمنع أمثاله وأشباهه، وهُمْ كُثْر، من التمادي في لعبة "التدليس اللغوي"، التي لم تأتِ إلاَّ بما يضر؟!

نقول له، ولو لم يَحْتَج الأمر إلى ما يشبه الدليل أو البرهان، إنَّ "الراقي" يَنْفُث في العُقْدة"، وإنَّ "شرَّ السواحر من النساء يعقدن عقداً في خيوط، وينفثن عليها" هو وحده "المعنى الحقيقي" الواضح الجلي، والذي لا يحتاج إلى تأويل، فَلِمَ كلُّ هذا الاستنفاد للجهد والوقت في لعبة "التدليس اللغوي"، التي عسَّرت علينا فَهْم المعاني وتمثُّلها، ونأت عن أبصارنا وبصائرنا بما كان في متناولها؟!

ومن ضروب الغش أو التدليس اللغوي أنْ نُسْقِط على "النص" معنىً لا وجود له البتَّة، ولا يمكن أنْ يكون موجوداً، في "ذات النص"، وكأنَّ الكاتب من هذا النمط يبحث عن "النجاح" في العبارة المستغلَقة غير المفهومة، أي في العبارة التي تَخْرِق قانون "التواضع اللغوي"، وتُقَوِّض العلاقة بين "الدَّال" و"المدلول".

ومن ضروبه، أيضاً، أنْ تُدْخِل في الكلمة "معنىً غريبا"، أي معنىً يقوِّض العلاقة المتواضَع عليها بين "الدَّال" و"المدلول"، في سبيل أنْ تُسقِط على "النص" التفسير الذي تريد.

"المؤوِّلون" قرَّروا أنْ يُفْهَم "التأويل" على أنَّه "التفسير" المتأتي من اجتياز المعنى الواضح للكلمة، أو للكلام، إلى المعنى الذي يريده، ويحتاج إليه، "المؤوِّل".

حتى في "العالم السياسي" ننغمس في لعبة "التدليس اللغوي"، فنأتي بقولٍ لزعيمٍ، لا أثر فيه لعظَمَة الفكر، فنَمْخُر فيه كالسفينة تمخر في عباب البحر، لنكتشف، أو لنكشف للرعية، ما حواه من "عَظَمَة فكرية"، وكأنَّه الإلياذة لهوميروس (الذي يُشكُّ في وجوده)!

ألا يكفي "الأمَّة" أنَّها أضاعت مئات السنين من عمرها وهي تُنْشئ وتطوِّر "صناعة الكلام" ليَكْثُر فينا، ويتكاثر، ونحن في مستهل الألفية الثالثة، أولئك الذين لا عمل يؤدُّون، ولا غاية ينشدون، سوى إنتاج مزيدٍ من "البضائع الكلامية الفاسدة المغشوشة"، وكأنْ ليس من استعمالٍ لـ "المجاهر اللغوية" عندنا إلاَّ استعمالها في رؤية ما دَقَّ وخفي من "معانٍ عظيمة" في أقوالٍ لأناسٍ تَعْظُم في عيونهم الصغائر، ولا تَصْغُر في عيونهم العظائم؟!

"ادِّعاء العَظَمَة" في كل شيء إنَّما هو مرض شرقي مُزْمِن، فقلَّما عرفنا نحن الشرقيين حاكِماً لا يَظْهَر لنا على أنَّه بدر البدور، لم تَلِد مثله النساء بعد، له أُفْق يسع كل شيء ولا يسعه شيء، يُحدِّثكَ حديث العالِم؛ ولكن في كل ما يصلح دليلاً على جهله.

بعضهم قد تعوزه القدرة على أن يُعظِّم نفسه بنفسه، فيُخْتَرَع من هذه "الحاجة" جمهور من "العلماء"، الذين يتوفَّرون على اكتشاف كل أوجه "العَظَمة الفكرية" في كل قول يقول، أو ينتحل، مؤلِّفين "اللجان"، وعاقدين "المؤتمرات"، لابتناء ما يشبه "الفكر الجديد" من حجارة أقواله!

هؤلاء هم الذين يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويخترعون "المعاني العظيمة" لكلام "العظماء"، وكأنَّ التدليس اللغوي هو كل متاعهم الفكري.. وكأنَّ تعليم الناس حُسْن الفهم والتفسير ليس في منزلة الرهص الحضاري!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نظام الحُكْم الكيميائي!
- هذا الخلل في -طريقة التفكير-!
- كيف نفهم الموقف السعودي من الثورة السورية؟
- -الولاء اليساري- للحُكْم السوري!
- قُطِعَت -الرَّقَبَة-.. وبَقِيَ -الرأس-!
- حديث -المؤامرة-!
- في -البيروقراطية-!
- .. وبينهما أمورٌ مُشْتَبِهات!
- -وابشَّاراه-!
- مصر.. أهي -ولاية الفقيه الدستوري-؟!
- بشار الذي يحبه شعبه!
- نتحاوَر وكأنَّ الرُّعونة حوار!
- عندما تُنْذِر -الغارديان- ب -أُفول- الديمقراطية في بريطانيا!
- عرفات قُتِلَ ب -الشَّارونيوم-!
- -أُمَّهات الحقائق- في الصِّراع السوري!
- مِنْ -سجين طرَّة- إلى -سجين طنطاوي-!
- مرسي الذي أصبح للثورة مرساةً!
- لا شرعية في مصر تَعْلو -الشرعية الثورية-!
- حتى يكون مرسي مرساةً للثورة!
- قَوْلٌ عظيم لرَجُلٍ عظيم!


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جواد البشيتي - والَّذين هُمْ باللَّغْوِ مُشْتَغِلون!