أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - القيم والدين















المزيد.....

القيم والدين


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3796 - 2012 / 7 / 22 - 20:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يبدأ الشيخ جمال قطب مقاله "الخلافة" فى جريدة "الشروق" يوم السبت 21 يولية 2012 بهذه العبارة: "كل مسلم عاقل يقر أن قيم الدين ومقاصده هى إطار عام لحياة الأمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، كما أن أحكام الشريعة هى السقف الأعلى للتقنين الحاكم للعلاقات والتصرفات بين سائر المواطنين."
هذا الكلام الهادئ العاقل المتزن الذى يتردد ويتكرر حتى يصبح فى مصاف البديهيات التى لا تقبل جدلا ولا نقاشا ولا مساءلة هو أفدح ضررا من الكلام الأهوج الذى يطنطن به غلاة الأصوليين والسلفيين. فهذا الكلام الهادئ العاقل المتزن، إلى جانب ما يكتنف مفرداته من هلامية وغمامية تفتح المجال لتأويلات لا تحدّها حدود، وإلى جانب الإيحاءات المستترة – عن قصد أو عن غير قصد – خلف بعض المفردات، فإنه ينطوى على مغالطات بعيدة الأثر. فلنحاول أن نمضى مع هذه العبارة خطوة خطوة.
"كل مسلم عاقل" – لن أتوقـّف طويلا لأسأل: لماذا المسلم تحديدا؟ ما دمنا نتحدث عن القيم وعن الإطار العام للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعن التقنين للعلاقات والتصرفات بين سائر المواطنين، فلماذا نختص المسلم؟ لماذا لا نتحدث عن كل إنسان أو عن كل مواطن؟ لن أطيل الوقوف عند هذه النقطة ولو أننا قد نرى فيها ملمحا من الإقصائية الدفينة فى الفكر الدينى عامة والفكر الإسلامى على الأخص، ومن هذا القبيل الإشارة إلى "إطار عام لحياة الأمة" بدلا من الإشارة إلى حياة الشعب أو الوطن أو المواطنين، ولا يخفى أن "الأمة" فى الوجدان الإسلامى هى أمة الإسلام. هذه كلها ملاحظات هامشية، فلنمض إلى بيت القصيد.
يقول الشيخ جمال قطب أن "قيم الدين ومقاصده هى إطار عام لحياة الأمة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا" وهذا القول فى باطنه زعم زائف تشارك فيه كل "الأديان السماوية" إذ تقرر فى يقينية زاعقة أن كل القيم والمبادئ الأخلاقية والمُثل العليا ترتبط بالدين وبالإيمان بإله خالق وبحياة ما بعد الموت وما فيها من ثواب وعقاب، وتؤكد هذه "الأديان السماوية" أنه بغير الدين وبغير هذا الإيمان فإنه لا يمكن أن يلتزم الإنسان بالقيم والمبادئ والمُثل الأخلاقية ولا بد حينئذ أن يحيا الإنسان حياة بهيمية. وتزرع التربية الدينية هذه المغالطة فى عقول المتديّنين فتصبح عندهم مسَلـَّمة بديهية لا تحتاج إثباتا أو برهانا ولا تقبل التمحيص أو المساءلة.
المسلم البسيط يعتقد أو يتصور أن البشر قبل الإسلام كانوا يعيشون فى جهالة تامة، لا يعرفون شيئا عن العدل أو الرحمة أو الأمانة أو العفة، بل إن الكثيرين ممن هم على حظ طيب من التعليم والوعى، وإن كانوا فى باطن عقولهم ‘يعرفون’ غير هذا، إلا أنهم فى تفكيرهم وفى حديثهم العفوى يصدرون من هذا الاعتقاد بفعل ما زرعته فى نفوسهم التربية الدينية.
هؤلاء الذين يقررون أن الأخلاق تنبثق من الدين لا يفتحون عقولهم على حقائق التاريخ الإنسانى. إنهم لا يدركون أو لا يتبيّنون، عن جهل أو عن عمد، أن أقدم ما وصلنا من سجلات التاريخ الإنسانى، من مصر القديمة ومن بلاد ما بين النهرين، تعبّر فى وضوح عن أسمى وأنقى البصائر الأخلاقية. صحيح أن تلك البلاد وتلك المجتمعات كان فيها دين، ولكن الدارس لا يسعه إلا أن يتبيّن استقلال المصدر الأخلاقى عن المصدر الدينى، فبينما كان الفكر الدينى والممارسات الدينية ينشغلان بمحاولة حل ألغاز الكون والطبيعة من ناحية ومحاولة التأثير، بالسحر وبالتقدمات والقرابين، على قوى الطبيعة من ناحية أخرى، كانت قيم ومبادئ الأخلاق تصدر، من ناحية، من مشاعر التعاطف والود الفطرية التى نجدها عند معظم الثدييات، ومن ناحية أخرى من حاجة الإنسان للعيش فى جماعة. ويمكننا التحقق من كل هذا بملاحظة نمط الحياة عند الكثير من الشعوب والقبائل البدائية.
فى محاورة "كريتون" لـ أفلاطون يقول سقراط: "ينبغى ألا ننتقم أبدا أو نردّ الشرّ بالشرّ لأىّ أحد، مهما كان الشرّ الذى كابدناه منه"، وفى محاورة "جورجياس" يقرر سقراط أن اقتراف الظلم شرّ أفدح من معاناة الظلم. قال سقراط هذا قبل المسيح بأكثر من أربعة قرون وقبل الإسلام بأكثر من ألف عام. وفى محاورة "يوثيفرون" عندما يقرر يوثيفرون أن الصلاح هو ما ترضى عنه الآلهة يسأله سقراط: هل الصلاح صلاح لأن الآلهة ترضى عنه أم أن الآلهة ترضى عنه لأنه صلاح؟ وفى باطن هذا السؤال فكرة بعيدة الغور، فلو أن الصلاح هو صلاح لأن الآلهة ترضى عنه نكون بإزاء أخلاقيات سلطوية تجعل منا عبيدا، أما إذا قلنا إن الآلهة ترضى عن الصلاح لأنه صلاح نكون بإزاء أخلاقيات تلقائية يتحتم حتى على الآلهة أن تلتزم بها. إذا لم تنبعث الأخلاق من داخلنا، من إنسانية الإنسان، فلا كرامة للإنسان ولا قيمة ذاتية له.
بدلا من الحديث عن "قيم الدين ومقاصده" ينبغى أن نتحدث عن القيم الحضارية التى أوجدها الإنسان وإذ أوجدها أوجد إنسانيته وقيمته وحقيقته من حيث هو إنسان، هذا إن أردنا أن نفكر فى وضوح وأن نمضى على بصيرة فى إقامة دولة مدنية تكون الوعاء لمجتمع إنسانى غايته توفير الحياة الكريمة للإنسان وأسباب ارتقاء الإنسان.
لنأخذ الآن الجزء الأخير من عبارة الشيخ جمال قطب: "كما أن أحكام الشريعة هى السقف الأعلى للتقنين الحاكم للعلاقات والتصرفات بين سائر المواطنين." لنتجاوز عن ضبابية "السقف الأعلى للتقنين"، فما هى "أحكام الشريعة" هذه التى يراد لها أن تكون سقفا أعلى للتقنين؟ من المعروف أن الخلاف بين "علماء الدين" حول مفهوم "أحكام الشريعة" خلاف غويط متشعّب يجعل من هذا المفهوم متاهة بأدق معنى للكلمة. اسأل "عالما" من أكثرهم تبحّرا فى العلم أن يحدثك عن حدود أحكام الشريعة، فيحدثك حديثا لا ينقطع على مدى ساعات، حديثا ثريّا بمصطلحات وتمييزات تذهلك، وفى النهاية تجد نفسك عاجزا عن أن تخرج منه بأى شىء محدّد. ما علينا؛ لنترك متاهات الفقه والبحث النظرى لأهلها، فما معنى الاحتكام لأحكام الشريعة عمليا؟ أحكام الشريعة أحكام محدّدة وُضِعت لأوضاع محدّدة فى ملابسات محدّدة، فكيف يكون تطبيقها والدنيا قد تغيّرت وتتغيّر على الدوام؟ لكن حتى هذا أنا مستعدّ للتجاوز عنه. عن نفسى، أنا لا يضيرنى أن تصدر غدا قوانين تطابق "أحكام الشريعة" فى كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ما يعنينى هو كيفية مناقشة وإقرار تلك القوانين. لا أقبل أن يُفرض على قانون بناء على نصّ جامد مهما زُعِم للنص من قدسية. أقنعنى بأن هذا التشريع المعيّن المحدّد فيه فائدة للناس وفيه نفع للمجتمع فأقبله، لكن لا تقل لى يجب تطبيق هذا لأن سلطة فوقية قضت بهذا.
يذكر الشيخ جمال قطب "المواطنين" فى آخر عبارته، لكن المواطنة لا يكون لها أى معنى إلا فى سياق دولة مدنية علمانية.
الاحتكام لغير العقل إهدار لكرامة الإنسان واغتيال لإنسانية الإنسان.



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سفسطة إخوانية
- ثيوقراطية الدستور المقترح
- هيپاتيا: الحقيقة، الأسطورة، الأكذوبة
- كم يسيئون إلى إلإههم!
- الدين: مفهومان متناقضان
- الدولة المدنية والدولة الدينية
- لغة الإسلام السياسى
- الفيلسوف والسياسة
- من هو المثقف؟
- هل الإخوان شركاء الثورة؟
- بكائية للثورة
- ضرورة نقد الدين
- المفهوم الفلسفى للدين
- مسيرة الفكر الإنسانانى
- دعوة للعقلانية
- ظاهرة زغلول النجار
- همس الحيّة
- مصر فى التوراة
- رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
- دعوة للعقلانية


المزيد.....




- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود روفائيل خشبة - القيم والدين