أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد فيصل يغان - الإسلام و البداوة و أزمة الهوية















المزيد.....

الإسلام و البداوة و أزمة الهوية


محمد فيصل يغان

الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 01:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


الرسالة المحمدية إضافة عظيمة على الحضارة الإنسانية و هي بالأصل عربية (بالمفهوم الواسع للعروبة و الذي يتجاوز البداوة, القومية العربية في عهد الإمبراطورية الإسلامية لها دائرتين, الأولى المغلقة و المتمثلة ببداوة الجزيرة العربية و الثانية المفتوحة التي تمتد لتشمل الهلال الخصيب و ما حوله و التي يقترح العروي إحيائها), فهي أي الرسالة, امتداد للتراث الحضاري لمنطقة الهلال الخصيب العربي بمكوناته المتعددة منها البابلي و اليهودي و المسيحي, و بالتالي فان أي هوية مثالية للعربي لا بد و أن تتكئ على الإسلام بدرجة أو أخرى بصفته سليل الحضارة الهلالية إن جازت التسمية و وارث للعناصر المؤسسة لهذه الحضارة و التي كانت مبعثرة نتيجة الظروف السياسية و الاجتماعية القائمة في الهلال الخصيب و ما حوله نتيجة الحروب الطاحنة ما بين القوتين الأعظم المحيطتين به, أي الروم و الفرس. و الأهم أن الرسالة المحمدية تمتلك العناصر اللازمة لتشكيل أسطورة مؤسسة للهوية المثالية العربية, فهي إلهية, نبيها عربي و بلغة عربية. و هذه العناصر توثق رباط العرب بالمطلق, بالله, فإن كان اليهودي يؤسس هويته المثالية على أسطورة شعب الله المختار, و الألماني يؤسس هويته المثالية على اختيار التاريخ له ليجسد عظمته سواء كدولة او عرق, فالعربي (بعد إسلامه) هو من خير امة أخرجت للناس تأمر بالمعروف و تنهى عن المنكر, فنبي العرب هو آخر الأنبياء للبشرية و اللغة العربية هي لغة أعظم وآخر كتاب سماوي و هي لغة الجنة.
إذن تسربت عناصر الحضارة من الدائرة الكبرى إلى الصغرى المغلقة (الجزيرة العربية) و الهادئة نسبياً لكونها خارج الاهتمام المباشر للقوتين الأعظم, و تشكلت الدعوة المحمدية من هذه العناصر, وانطلق الإسلام من الدائرة المغلقة ليغزو الهلال الخصيب معيداً له عناصر حضارته مؤتلفة في إطار حضاري جديد شكلت اللغة العربية من خلال القرآن لحمة هذا الإطار و سداه.
و للغة أهمية قومية قصوى عند كافة الشعوب, و لكن خصوصية اللغة العربية كعنصر رئيسي لتأسيس القومية هو حصيلة التطورات التاريخية التي ذكرناها بإيجاز, فالموجة كانت من قلب الجزيرة العربية-البدوية إلى الهلال الخصيب و ما جاوره, و نتيجة إيقاظ و تفعيل العناصر الحضارية الغير عربية-بدوية في الدائرة المفتوحة - دائرة الهلال الخصيب و المفتوحة على العالم جغرافياً و زمانياً - في بناء الدولة الثقافي و السياسي, انحسر أثر الموجه العربية-البدوية و ارتدت إلى الداخل, جغرافيا إلى الجزيرة العربية, و تاريخيا إلى فترة النبوة و الخلافة الراشدة و الإسلام البسيط, و ثقافيا إلى اللغة العربية, اي أنها ارتدت إلى القيمة المضافة الصافية عربيا أي القيمة المضافة البدوية, إلى ما يمكن تسميته الإسلام العربي-البدوي. فأصبح الأعرابي بلغته الحاكم للثقافة (الجابري) و أصبح البدوي بقبيلته الحاكم للسياسة (شروط الخلافة كأن يكون الخليفة قرشياً) و المجتمع, و هكذا نشأت أشكال من الصراع ما بين إسلام البداوة و إسلاميات المحيط العربي الهلالي المنفتح كما قلنا على العالم مكانياً و زمانياً, هذا الانفتاح الذي رفضه و جرٌمه الإسلام البدوي البسيط.
هكذا نرى أن المساهمة الأساسية في مفهوم القومية العربية للدائرة البدوية المغلقة تمثلت في اللغة العربية محمولة على جناحي الإسلام و في طيات القرآن, و عند انحسار و تفكك الدولة العربية الإسلامية انحسر الأثر السياسي و الاجتماعي للدائرة المغلقة و تقهقر لينغلق على نفسه في الجزيرة العربية و صحرائها, تاركاً ورائه مساهمته الرئيسية في عناصر الحضارة الجديدة و هي اللغة العربية. و تشكل من هذا الانحسار ما نسميه اليوم بالإسلام السلفي الرافض لكل إضافات الهلال الخصيب و الذي تبنى البداوة قلباً و قالباً كهوية مثالية للأمة.
الدائرة الداخلية المغلقة بقيت على الهامش طوال العصور التي تلت انهيار الإمبراطورية الإسلامية العربية حتى العصر العثماني, و تم اختصارها في مكة و مكانة الكعبة الرمزية, و من ثم كان الغزو و الاستعمار الذي اجتاح الهلال الخصيب و ما حوله فعطل امكانيات التطور الطبيعي لأشكال حضارية جديدة, و بدلا من أن تتشكل الهوية المثالية في المخيلة الجمعية للأمة نتيجة انعكاس تطور العوامل الداخلية و الذاتية, حل الآخر, الغازي المنتصر و المحتل المتمكن كمقياس و محدد للهوية المثالية في مخيلة الأمة, و مع هذا الاستلاب و الحصار الحضاري نكصت المخيلة الجمعية إلى الداخل, و كل محاولة للنهوض كانت تهفو إلى العصر الذهبي السابق و تأمل عودته في اليوم الذي ستشرق فيه الشمس من الدائرة المغلقة و من قلب الصحراء مرة أخرى, و هذا اصل الأسطورة المؤسسة للهوية العربية الإسلامية في العصر الحديث المتقمصة لشخصية البدوي القادم من جوف الصحراء حاملاً سيفاً بيد و بالأخرى (رسالة ما), فإن كنا قد اتفقنا على هذه الصورة النمطية فإننا لم نتفق على مضمون الرسالة. و قد عزز هذه الصورة النمطية تبني الآخر لنسخة مشوهة لها تمثل العربي بالبدوي الغازي بسيفه القادم من الصحراء ليدمر المدنيات و يسفك الدم باسم الإسلام و بطبيعة البداوة.
هكذا أصبح الجميع في حالة ارتداد للداخل (للتاريخ و الصحراء) نتيجة ضغط الخارج-الآخر الغربي و هويته النمطية عنا. و بتنا نبحث عبثاً في التراث عن فحوى معاصرة للرسالة التي يحملها فارسنا, فالمادي يبحث في التراث عن جذور أول للمادية و الليبرالي يبحث عن جذور ليبرالية و مختص الفلسفة يبحث عن (جراثيم اولى لها) في التراث, و كذلك عالم الاجتماع الذي يقوِل ابن خلدون ما لم يقله. قد تكون هناك نجاحات مبعثرة في عملية التنقيب الأثري هذه, فقد تجد قولا هنا او فعلا هناك يندرج بجزئيته تحت الاتجاه الذي نفترضه و نتبناه, و لكن كل أعمال التنقيب هذه لم و لن تسفر عن الكشف عما يمكن تسميته أصول أو جذور للفكر الإنساني الحديث. و بالمقابل, فان البحث و التنقيب في ارث اوروبا العصور الوسطى لن يكشف عن جذور و جراثيم اولى للفكر الحديث, بل على العكس, فان الثورة على و القطع مع السائد في القرون الوسطى بذر تلك البذور. السلفي يعي هذه الحقيقة جيدا, فالحداثة ستعني الثورة على التراث و القطع معه و بالتالي اختار العيش في الماضي عن وعي و هو بخياره هذا صادق مع نفسه. أما الحداثي التصالحي, فعبثا يحاول التوفيق ما بين التراث و الحداثة و من هنا خطابه المهزوز.
هل هناك أي شبه أو تشارك ما بين اوروبا القرن العاشر و اوروبا القرن الحادي و العشرين في كل مؤسساتها الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية و حتى الدينية؟ إذن هناك قطع مع و تجاوز للماضي, بالمقابل فما أكثر أوجه الشبه ما بين عرب القرن العاشر و عرب القرن الواحد و العشرين, و هذا التشابه من القوة إلى الحد الذي أغرى بعض المفكرين إلى دمغ العقل العربي بدمغة ثابتة عبر الزمان و المكان (الجابري).
و اليوم و مع اكتشاف الثروة النفطية تحت السيطرة الاستعمارية في الدائرة المغلقة و انشاء دويلات قائمة على الريع النفطي الباذخ تابعة بالكامل للمركز الغربي, قُضى على فرصة البعث للأسطورة المؤسسة و ضاعت مركزية رسالة البعث و تشتت رايتها في مراكز طرفية متعددة تنازعتها و انشغلت في هموم قطرية و تلونت بألوان قطرية, و لكنها جميعا ما زالت تحمل في مخيلتها ملامح الأسطورة المؤسسة المتمثلة في شخصية البدوي القادم من الصحراء شاهرا سيفه بيد و حاملا رسالة (ما) بيده الأخرى.
بالختام نقول أن المهمة الأولى و الأهم الملقاة على عاتق المثقفين العرب هي خلق أسطورة جديدة تؤسس لهوية مثالية حضارية جديدة قادرة على إلهام و حفز الأمة لتتجاوز محنتها.



#محمد_فيصل_يغان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل اللوحة الفنية سلعة؟
- تأملات في كتاب رأس المال (3) - فائض القيمة
- تأملات في كتاب رأس المال (2) - النقد
- تأملات في كتاب رأس المال (1) – القيمة
- مفهوم المعرفة كقيمة
- أصل القيم و دورها في تطور المجتمع الانساني
- دور النموذج و الأسطورة في التاريخ
- مبدأ العلية
- في الفن
- في مبادئ العقل
- في مفهوم الملكية
- جدلية العقل و الوحي


المزيد.....




- مدير CIA يعلق على رفض -حماس- لمقترح اتفاق وقف إطلاق النار
- تراجع إيرادات قناة السويس بنسبة 60 %
- بايدن يتابع مسلسل زلات لسانه.. -لأن هذه هي أمريكا-!
- السفير الروسي ورئيس مجلس النواب الليبي يبحثان آخر المستجدات ...
- سي إن إن: تشاد تهدد واشنطن بفسخ الاتفاقية العسكرية معها
- سوريا تتحسب لرد إسرائيلي على أراضيها
- صحيفة: ضغط أمريكي على نتنياهو لقبول إقامة دولة فلسطينية مقاب ...
- استخباراتي أمريكي سابق: ستولتنبرغ ينافق بزعمه أن روسيا تشكل ...
- تصوير جوي يظهر اجتياح الفيضانات مقاطعة كورغان الروسية
- بعد الاتحاد الأوروبي.. عقوبات أمريكية بريطانية على إيران بسب ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد فيصل يغان - الإسلام و البداوة و أزمة الهوية