أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مازن لطيف علي - نعيم الشطري.. علم وراية في شارع المتنبي














المزيد.....

نعيم الشطري.. علم وراية في شارع المتنبي


مازن لطيف علي

الحوار المتمدن-العدد: 3791 - 2012 / 7 / 17 - 10:42
المحور: سيرة ذاتية
    


مات الرجل الذي صنع لشارع الكتب دهشته، الرحمة له حيث يكون، متقدا بطيبة عجيبة، وفطرة هائلة بعشق "تكيته" ونظرة عينيه، وإحساسه أنه يموت غدا، وعليه ان يبتسم ويخمن سعر الكتاب!

فقد شارع المتنبي عطره بفقدان نعيم الشطري، أحد أهم الوراقين في شارع المتنبي، بل شيخ الوراقين في بغداد، تلك الشخصية الشفافة صاحب القلب الكبير، والروح الطيبة،

عام 1990 دخلت شارع المتنبي، وكنت أصغر بائع كتب في حينها، فيما كان نعيم الشطري أكبر بائع للكتب، وصاحب مزاد مشهور.

توطدت علاقتي به، وأصبحنا أصدقاء وأكثر من ذلك، عرفته وخَبرتُه منذ 22 عاماً، في كل حياته العامة والشخصية، كنت الأقرب لروحه وقلبه، ولو قدر لي الوقت، لكتبت عنه كتاباً مستقلاً، فهو ذاكرة مكان، فأغلب الأدباء والمثقفين والفنانين يزورونه عند قدومهم للمتنبي، ذكريات كثيرة ومواقف كثيرة جمعتني بالشطري، لا يسع المجال لذكرها هنا، لكثرتها، حنجرته الصادحة دوماً، يملأ شارع المتنبي، طيلة أيام الاسبوع، وفي يوم الجمعة يعلو صوته مردداً: كلمن يكلك زين كله انت جذاب، الشطري صار اسبوع مابايع كتاب.

أمست علاقتي بالشطري تؤرخ لعلاقتي المشيمية مع هذا الشارع الهائج المضطرب، الذي أصبح مؤشراً لمناخات الثقافة، وبؤرة للتنوير، بعدما عانى وعاند وعارك لعقود طوال، النكوص الشمولي والرقابة على الوعي وشرطة الثقافة.

كانت لقاءاتي بالشطري، كما الطالب والتلميذ، حينما يتزاملا بعد سنين ويعملا في مدرسة واحدة، فكان فقيدنا غزير المعلومات، سريع البديهة، ويجد في كل مقام مقالا للنكتة، لقد كان أبو ربيع طيب القلب، لا يعرف الحقد، وما كان في قلبه تسمعه على لسانه، فطيبة روحه كانت توحي لي أحيانا أنه طفل كبير، ذو حس مرهف، لا تفارقه الدعابة الأخوية حتى في المواقف الحرجة، لقد أمسى بطبعه الدمث شعبي ومتشعب العلاقات، فهو صديق الجميع ومرغوب من الكل.

للشطري تاريخ حافل بعلاقته مع نخبة المجتمع العراقي، فقد خدم الكثير من الأدباء والمثقفين بتوفير كتب ومصادر نادرة، الحصار الاقتصادي أكل منه الكثير، كنت دائم الحضور معه حتى في سكنه، أصابه الفقر سنوات كثيرة حتى موته كان لا يملك في جيبه 10 آلاف دينار، ومات وهو يعاني من الإفلاس، والعناية والاهتمام من الدولة أو من المؤسسات الثقافية.

في إحدى السنوات، إبّان حكم النظام البعثي عام 1998، وحينما كنت معه في المكتبة، وصلوا رجال الأمن، قالوا له أن هناك استدعاء له في الأمن العامة، ولأنه كان يخاف كثيرا من هذه الزمرة البعثية، قال لهم أنه مريض ويمكن ان يستجوبوه داخل المكتبة، حاول المراوغة معهم، لكنهم لم يقتنعوا، قالوا له ربع ساعة وتعود، وذهب نعيم وهو ينظر لي والدمعة في عينينه كأنه يعلم أنه لايعود، ذهب معهم ولم يخرج إلا بعد شهر واحد، تهمته كانت أنه باع صحفا عراقية، إلى شخص كردي، وهذا الشخص كان يسكن في أحد فنادق بغداد، وبعد السؤال قال لهم أنه اشتراها من كاكا نعيم.

تمتع نعيم بذكرياته عن أهم باعة الكتب والمكتبات في شارع المتنبي، لأنه قضى عقودا فيه، كنا نجلس في مكان ما في زمن النظام الصدامي، ونتحدث في الكثير من القضايا، كنا عدداً من باعة الكتب، نقدر قيمته واهميته في شارع المتنبي ونستمتع بذكريات الشطري.

قضى الأيام الأخيرة، جالساً على كرسي عند باب مكتبته في شارع المتنبي، وبعدها أصبح ينام على هذا الكرسي، وتدهورت صحته كثيرا، كان يحمل فكراً وضميراً إنسانياً، وكم أسمعني شكواه المستمرة من ضيق العيش.

وبالرغم من إقرارنا، أن الموت حق، وأن العراق ولّاد ونضح متدفق يستدرك ما يفقده وينعتق بعد كل خراب، لكن تلك النومة والغياب السرمدي لبؤر الإبداع العراقي تؤرق وتحز في النفوس، بعدما عانت من مناخات التخبط السياسي والإنتقالات العشوائية، والتوجهات الجزافية للثقافة وسياساتها، وها نحن نرى جيلاً بعد جيل يهرب، وجماعات بعد أخرى تعتكف وتنزوي وتفضل الخلوة، في وسط طيش الدنيا وضياع نصاب الموازين، وها هو عاشق بغداد، أبو ربيع الذي تركها بمرارة .

سلاما عليك وعلى روحك الطاهرة يا أبا ربيع، حيثما ترقد في ترتبك الطاهرة، وسأمكثُ حزينا باكيا على فراقك الأبدي.



#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يهود بغداد والصهيونية 1920-1948
- مسألة العراق.. المصالحة بين الماضي والمستقبل
- ستون عاما على رحيل جعفر حمندي
- مجلة «الحاصد»:مدرسة أنور شاؤول الصحفية والأدبية
- الشاعر جبار جمال الدين يؤرخ يهود العراق شعرياً
- سامي ميخائيل : فكتوريا عادت لزيارة موطنها
- قراءة جديدة لرجالات العهد الملكي في العراق
- البروفيسور العراقي سامي موريه يصدر مذكراته بعنوان -بغداد حبي ...
- عزرا حداد.. احد أهم اعيان ومثقفي الطائفة اليهودية في بغداد
- يهود العراق في كتاب (بغداد كما عرفتها) للمميز
- اليهود في الخليج العربي
- موقف النخبة اليهودية في العراق من الهوية العراقية 1920-1952
- الصحفي العراقي اليهودي الأخير يروي ذكرياته
- نعيم طويق يوثق أعلام يهود العراق وذكرياتهم في كتاب جديد
- عائلة خلاصجي... واحدة من أشهر العوائل العراقية اليهودية 1
- من التاريخ المنسي.. مدرسة شماش العراقية
- موجز تاريخ اليهود من السبي الى النزوح
- باحث عراقي يتحرى آثار يهود الحلة وتأريخهم الاجتماعي والاقتصا ...
- صدور طبعة بغدادية لكتاب عزيز الحاج - بغداد ذلك الزمان-
- سلام عبود: • إذا كان زمن صدام الثقافي هو الخراب، فإن الثقافة ...


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - مازن لطيف علي - نعيم الشطري.. علم وراية في شارع المتنبي