أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الوسط السياسي: ارتطام الشعار بأرض الواقع















المزيد.....

الوسط السياسي: ارتطام الشعار بأرض الواقع


خالد الحروب

الحوار المتمدن-العدد: 3790 - 2012 / 7 / 16 - 09:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كلما ارتفع سقف الشعار وتكاثرت معه الوعود الموزعة يميناً وشمالًا كلما كان دوي سقوطها مجلجلًا لحظة مواجهة الواقع وفشل تحقيق تلك الشعارات. تتنافس الشعارات السياسية والأيديولوجية في رفع السقف خلال التنافس الانتخابي بغية جذب أكبر عدد من التأييد والناخبين. وفي مرحلة ما بعد انقضاء الانتشاء بالفوز تجد كثيراً من تلك الشعارات ذاتها معلقة في الهواء، منبتة عن الواقع، يتيمة في فضاء مجهول، ويُنظر لها بسخرية وتهكم. لا يقتصر ارتفاع سقف الشعار وتعاليه على الظرف الانتخابي والتنافس الحر بين أحزاب وحركات وأيديولوجيات متباينة، بل يحدث أيضاً من دون أية انتخابات. فكثير من الادعاءات الأيديولوجية رفعت أسقف وعودها للناس ضمن أنظمة استبدادية، ومن دون أن يكون من المسموح أصلًا لغيرها بالمنافسة. في هذه الحالة، أي حالة انفراد أيديولوجيا واحدة بالسيطرة على الفضاء السياسي واحتكاره والتعبير عنه، فإن رفع سقف الشعار يعبر في جزء كبير منه عن توتر وعدم ثقة داخل تلك الأيديولوجيا بسبب عدم قدرة أصحابها على التكهن بمدى شعبيتهم. لكن في كل الحالات الانتخابية أو الاستبدادية، فإن الشعارات التي لا تتواضع في عروضها ووعودها للناس ترتطم بالأرض بشكل مدو في مرحلة الاختبار ومحاولة التطبيق. كلما ارتطمت أيديولوجيا بأرض الواقع تولدت في داخلها وبين شرائح منتسبيها مستويات جديدة من الوسطية والعقلانية. الواقع على الأرض، وليس الجموح الشعاراتي، هو الفرن الحقيقي الذي تنضج فيه الأفكار والسياسات وتُمتحن وتتبدل وتُصهر وتُقلم جوانبها الحادة. تجمع لحظات ارتطام الأيديولوجيات والشعارات الكبيرة على الأرض هو ما ينتج تيارات الوسط داخل تلك الأيديولوجيات وفي ما بينها. وفي خضم التنافس بين التيارات والأيديولوجيات وارتطاماتها المتتالية على الأرض وتشظي تطرفاتها وتعقلن شرائح منها، فإن كتلة وسطية تبدأ بالتشكل، تكون هي الدائرة المشتركة التي تقترب منها تلك التيارات والمجموع العام للناخبين والناس والمجتمع. كلما اتسعت تلك الكتلة الوسطية، التي تكون إما اكتوت بنار الشعارات الفضفاضة والمثالية، أو اكتشفت عدم واقعيتها، أو عقلنتها، فإن المجتمع السياسي المعني يكون في طريقه نحو الاستقرار، حيث تتم تسوية الأرض السياسية وتمهيد النتوءات المضخمة وتسيير التنافس السياسي وفق الواقع واشتراطاته، وليس وفق الخيال. بهذا المعنى، فإن أية انتخابات يتم إجراؤها بنجاح في أي مجتمع تؤدي خدمة ولو بعيدة المدى في عقلنة السياسية وتشذيب حواف الأيديولوجيا.

من هذا المنظور التأسيسي، يمكن النظر إلى الانتخابات التي أجريت في عدد من البلدان العربية التي أسقطت فيها أنظمة مُستبدة. كل عملية انتخابية تبني "مدماكاً" في سيرورة سياسية طويلة الأمد قد تأخذ جيلًا كاملاً حتى تتأسس البيئة السياسية التي تشكل طبقة صلبة ومتماسكة لآليات تسيس ديموقراطي وحر وحقيقي. في البداية تفيدنا كل انتخابات حرة ونزيهة تنظم في أي من البلدان العربية بالكشف عن الخريطة السياسية والأيديولوجية فيها، والتي كمنت تحت سطح الاستبداد والقمع السياسي طويل الأمد. وكما رأينا في الحالات التي أجريت فيها تلك الانتخابات، كما في تونس ومصر وليبيا، فقد أُختبرت التكهنات والتقديرات والتحليلات السياسية التي كانت تحاول استكناه الأوزان السياسية للقوى، وكذا توجهات الرأي العام في هذا البلد العربي أو ذاك. ولأسباب عديدة نوقشت كثيراً فاز الإسلاميون في أغلب هذه الانتخابات، وبدا حضورهم بارزاً في المشهد السياسي العربي في بلدان ما بعد الثورات. واحد من تلك الأسباب، وما له علاقة مباشرة بموضوع هذه المقالة، هو تراكم الإحباط واليأس والتوق لحلول سريعة وقصوى عند شريحة عريضة من الناخبين، وممن وجدوا في الشعارات التي رفعتها التيارات الإسلامية جاذبية خاصة تتلاقى مع مشاعرهم وطموحاتهم بالتغيير السريع.

آلية ارتطام الشعار بالأرض وتولد عقلانية ووسطية من رحم التجربة تقع في قلب السياسة والتسيس البشريين، وهي تنطبق على جميع التجارب والأيديولوجيات من دون استثناء. وهناك سببان، ربما ضمن أسباب أخرى، يفسران غلبة الوسط على التطرف في المدى المتوسط والبعيد. الأول هو فشل التطرف، أي تطرف، في تقديم حلول حقيقية للحياة والمجتمع ومشكلاتهما. التطرف يقدم ذاته كتجمع للاحتقان والغضب والتعبير عن الإحباط ورفض ما هو قائم ومحاولة تدميره، وهناك بطبيعة الحال جذور حقيقية لبروزه ونجاحه لا يمكن التقليل من أهميتها وأهمية اشتغالها. لكن برغم جاذبيته القصوى وأحياناً جبروته التدميري، فإن التطرف بالتعريف لا يعرف البناء ويعكس نفساً قصيراً في التعامل مع الواقع، لذلك ينتهي في آخر المطاف إلى واحد من مآلين: إما الاندثار التام أو شبه التام كتطرف، وإما التحول التدريجي إلى الاعتدال. السبب الثاني هو أن الغالبية الكاسحة من الناس والمجتمعات تميل بالبداهة والحس التعايشي مع الحياة إلى طروحات الاعتدال والصيغ الوسطى في طرائق التعايش والتعامل مع الآخر. هناك استثناءات ظرفية وتاريخية بطبيعة الحال تشير إلى انحدار غالبيات كبيرة في مجتمعات وتجمعات بشرية نحو التطرف لأسباب وظروف معينة، لكن المسار العريض للبشرية والمجتمعات يؤشر نحو بوصلة الوسط، أو ما يسمى بالإنجليزية mainstream.

الوسط هو قلب المجتمعات والأساس الذي تقوم عليه، اجتماعياً واقتصادياً يُترجم إلى "الطبقة الوسطى"، وسياسياً وثقافياً يُترجم إلى "العقلانية السياسية". وهذه الأخيرة ليست حصراً على أيديولوجيا معينة، لكنها تتسرب إلى كل التيارات والأيديولوجيات المتنافسة مع الزمن والتجربة، وهي عقلانية تحمل معها الاعتدال والوسطية والتعايش نتيجة التجربة والحراك، ضداً من التنظير والتعالي. مع تطور الوسط السياسي يبقى التنافس بين الأحزاب والتيارات، لكنه يتعقلن ويتحول إلى تنافس برامج سياسية واقتصادية، وليس تنافساً أيديولوجياً وشعاراتيا وإقصائيا. يكتشف المؤدلجون أن الواقع الصلد لا يفهم لغة الأسود والأبيض، الصواب المطلق والخطأ المطلق، بل يقوم على أساس الوسط الرمادي والحلول الرمادية والمساومة والوصول إلى الحلول الوسط. لا يقبل الأيديولوجي والشعاراتي هذه الحلول وهو في مرحلة التنظير السابق عن المشاركة في السياسة، لكن المشاركة وحدها هي ما ترغمه على ذلك، وتأتي بشعاراته من عليائها إلى الأرض، حيث تجبرها على التفاعل معها وعلى التعقلن.



#خالد_الحروب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليبيا: قيام الجمهورية الأولى
- فوز مرسي: بداية عقلنة الإسلاموية ونهاية أدلجتها؟
- هيكل وتدمير سوريا وشعبها من اجل روسيا والصين
- كيف دمر نظام الأسد سوريا؟
- انتخابات مصر ومستقبل العرب
- الصين و-الربيع العربي-: نظرة من الداخل
- روسيا والصين... والثورات العربية؟
- فتاوى دينية أم تفكك إجتماعي؟!
- الجابري ودور المثقف الناقد
- أتاتورك والخلافة... الوعي المزيف
- دروز بلغراد... -أوديسة- في البلقان!
- الديمقراطية وإدارة الاختلاف
- عقد اجتماعي عربي جديد
- الثورات العربية... واللامبالاة الجماعية!
- معايير نجاح الثورات العربية
- حول نجاح الثورات العربية
- «مؤتمر أصدقاء سورية»: عجز دولي آخر أمام النظام السوري
- الثورة السورية... والمسألة الطائفية
- ازدواجية معايير روسيا والصين
- أدونيس والثورات العربية


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خالد الحروب - الوسط السياسي: ارتطام الشعار بأرض الواقع