جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3788 - 2012 / 7 / 14 - 21:12
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
من الطبيعي جدا أن تكون هنالك فروقات في طريقة التفكير مثلاً بين المجتمع الكُتلي الصناعي وبين المجتمعات التي تعتمدُ في طريقة إنتاجها على أنماط قديمة استهلاكية,والأنماط القديمة للإنتاج معروفة بنمطين مهمين وهما: النمط الزراعي والنمط الرعوي,ودعونا نبدأ بتصور طبيعة المجتمع الزراعي الذي آمن أول ما آمن بالمسيح وبطبيعة الأرض الصالحة للزراعة وبأثر الزراعة على السكان الذين يقطنون في المجتمع الزراعي الفلاحي التعاوني القائم على الحب والتسامح والتعاضد والتعاون بين أفراد المجتمع مشكلين عشيرة أو قبيلة كبيرة كل أفرادها يعملون في الزراعة بشقيها الحيواني والنباتي,وطبيعة هؤلاء السكان المزارعين طبيعة تجعلهم ملتصقين بأرضهم وبساتينهم وحقولهم ولا يطيقون إغارة من الآخرين على حقولهم وبساتينهم ويعقدون صفقات سلام بينهم وبين المجتمعات الزراعية المجاورة لهم وكل هؤلاء السكان لديهم محبة لبعضهم غريبة بسبب تكاثفهم في الأعمال الزراعية فهم يعملون وكأنهم يد واحدة وتأكل كل أكثر العائلات على طبقٍ واحدٍ وأكثر تلك العائلات تضمهم جميعا غرفة واحدة أو غُرفتين ويمارس الأزواج واجباتهم الحميمية بالتناوب وبالاتفاق فتغيب عائلة من أجل إفساح المجال بأن ينتشر الحب في نفس المكان وهكذا دواليك ,وهذه الصفات جعلت المجتمع الزراعي مجتمعا يكرر عبارات مثل الحب والتسامح والتغاضي عن أخطاء الآخرين والتسامح مع الأعداء حقناً للدماء ولكي لا يضطر أحدٌ لترك أرضه ومزروعاته وبهذا السلام يحل مكان الحرب والحب مكان الكراهية وعلى هذا الأساس عاش المزارعون وماتوا على ما ولدوا عليه, ومد يد العون والمساعدة للجيران,وعلى هذا الأساس أيضاً ولد المسيح ونشأ في هذه المجتمعات المسالمة المحبة للخير الذين يحرثون الأرض ويشقونها ويفضون بكارتها من عرق جبينهم ومن تعبهم وخوفهم وشقائهم وبؤسهم لذلك هم لا يفرطون بتعبهم,والأرض عندهم مثل العَرض لا يفرطون بأي واحدة منهم والفرق بين كلمة الأرض والعرض عندهم لا يتعدى الإبدال بحيث الهمزة تحل محل العين وكانوا يستعملون كلمة العرض بمعنى الأرض والأرض بمعنى العرض والشرف عندهم أغلى من كنوز الدنيا وما فيها ولا يتخذون الغواني وملكات اليمين ويحبون الاستقرار بمكانهم بسبب الزراعة ولو زرت أنت أو أنا في ذلك الزمان الذي ظهر فيه المسيح رجلا أو عائلة من الناصرة أو القدس ومن ثم عدنا لزيارة نفس العائلة بعد عامٍ أو عامين لوجدنا هذه العائلة ما زالت محتفظة بمحل إقامتها وهذا كله بعكس المجتمع الرعوي غير المستقر,فلو زرنا أنا وأنت في نفس العصر الذي ولد فيه (محمد) بيتا لأعرابي وأردنا بعد عامٍ أن نزوره فإننا على الأغلب لن نجده في محل إقامته السابق,وصدقوني بعض القبائل الرعوية ما زالت حتى اليوم على هذه الحال,ترى لماذا؟
المجتمع الرعوي مختلفٌ اختلافٌ عكسي عن طبيعة المجتمع الزراعي وأي صفة نجدها في المجتمع الزراعي علينا أن إلزاماً أن نجد نقيضها في المجتمع الرعوي بدون نقاش أو مجادلة,المجتمع الرعوي مجتمع قائم على قاعدة ملاحقة الرعي أو مواقع الرعي والمياه التي ترعى فيها الإبل والأغنام وطبيعة الأرض الرعوية طبيعة جافة غير صالحةٍ للزراعة ومعظم سكان الصحراء يعيشون في تجمعات سكنية غير ثابتة بسبب الترحال الدائم بحثا عن الماء والعشب,لذلك يكسبون رزقهم بحد السيف ويفرضون وجودهم على الآخرين بحد السيف وفي خضم هذا المجتمع وجد محمد نفسه في داخله ووجد الحياة قائمة على أساس الحرب والقتال على موارد المياه لذلك الشعوب الرعوية كانت غير محبة للسلام وهذه طبيعتها وتعتمد في رزقها على السلب والنهب والحرب والإغارة ولا تحب تلك المجتمعات الحياة الثابتة,وحين غزت الجيوش الإسلامية القبائل الأخرى لم تكن هذه العادة غريبة عليهم بل هي نمط من أنماط الحياة يكشف عن نفسه بين تفاصيل الحياة الدقيقة للبدوي المتعطش للدماء بسبب الجوع, بعكس المجتمع الزراعي الذي أوجد المسيح نفسه في داخله, وأعيدُ وأكرر مرة أخرى, المجتمع الزراعي مجتمع محب للسلام وللاستقرار إلى جانب أرضه التي فلحها لتوه والمجتمع الرعوي مجتمع صيد وقنص وحرب ورحيل دائم غير محب للاستقرار وغير محب للسلام ويعتمد في أسلوب حياته على القوة والبطش والجبروت لذلك لا يعرف الرحمة والرحمة لا تعرفه,والكرم طبيعة صحراوية لأن البدوي الكريم لا يتعب في رزقه بل كله من الأرض دون أن يفتح الأرض بالفأس,والشُح من طبيعة المجتمع الزراعي لأن المزارع يتعب في الحرث والحصاد ولا يسرق قوت غيره بعكس البدوي الذي يقتل قبيلة كاملة ويسوقها غنيمة إلى قبيلته لذلك فهو كريم على حساب غيره,ومعركة دائرة, ومن خلال هذين المجتمعين انبثق الدين المسيحي المحب للسلام من نمط الإنتاج الآسيوي الزراعي وانبثق من المجتمع الرعوي الدين الإسلامي المحب للقتل وللرحيل,ولم يعرف الإسلام الاستقرار إلا حين تمدن بعد ذلك حين جلب خيرات الشعوب والأراضي والمدن التي فض بكارتها بالكامل بحد السيف.
لذلك أنا شخصيا مؤمن بأن رزق العرب الرعويين تحت ظل الرمح ورزق المسيحيين كان تحت ظل المحبة والتسامح,وعلى فكرة ما زالت إلى اليوم آثار المجتمعات الرعوية قائمة في أغلب أقطار الدول العربية وأيضا ما زالت آثار المجتمعات الزراعية قائمة في أغلب أقطار الدول العربية وأنا شاهد على ذلك كوني عشت وتعايشت مع المجتمع الزراعي وروت لي جدتي رحمها الله كثيرا عن غزوات البدو الذين كانوا يهاجمون قريتنا بحثا عن الغذاء والنساء,وروى لي رجال ونساء كبار في السن عن مشاهد شاهدوها وهم أطفال عن كيفية هجوم البدو والرعاة على المجتمعات الزراعية بحثا عن الماء والأعشاب.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟