أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - انتصار انتفاضة الجيش 1958 (سقوط الملكية وإعلان الجمهورية)















المزيد.....



انتصار انتفاضة الجيش 1958 (سقوط الملكية وإعلان الجمهورية)


كاظم حبيب
(Kadhim Habib)


الحوار المتمدن-العدد: 3787 - 2012 / 7 / 13 - 22:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ملاحظة: في العام 2008 نشرت مجموعة من الموضوعات حول ثورة تموز في ذكراها الـ 51 ولم يطرأ جديد لكي يمكن إجراء تغيير عليها. لهذا قررت نشر بعض المباحث من كتابي عن ثورة تموز 1958 الموسوم "نهوض وسقوط الجمهورية الأولى 1958-1963". كاظم حبيب

المفاجأة المتبادلة
فوجئت النخبة الحاكمة, وفوجئ المجتمع العراقي, وفوجئ العالم العربي والعالم كله في آن واحد , بإذاعة بغداد, وهي تعلن في صبيحة الرابع عشر من تموز 1958عن سقوط النظام الملكي بانتفاضة عسكرية مظفرة وقيام الجمهورية العراقية. وكانت المفاجأة الأولى غير سارة وشديدة الألم على أقطاب النظام الملكي الحاكم وعلى الدول الغربية, وخاصة الأقطاب الكبار ابتداءً من الولايات المتحدة ومروراً ببريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان وانتهاءً بإيطاليا وكندا واستراليا, في حين كانت برداً وسلاماً على الشعب العراقي بأغلبيته وعلى قواه السياسية الوطنية والشعوب العربية, وكذلك على بعض حكومات الدول العربية, إضافة إلى الارتياح الذي عمَّ الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية.
جاءت الضربة مفاجئة للبلاط والنخبة الحاكمة والسفارة البريطانية, وهم الثلاثي الذي كان يحكم العراق حينذاك مباشرة, إذ أنهم كانوا جميعاً مطمئنين إلى أن حكمهم متين ثابت, وأن القوات المسلحة, وخاصة الجيش, لهم وليس عليهم, رغم إدراكهم بأن الشعب غير راض عن سياساتهم الداخلية والعربية والدولية, ورافض لسياساتهم الاقتصادية والاجتماعية والقومية والثقافية وتحالفاتهم العسكرية الدولية, ومنها وجودهم في حلف بغداد (السنتو). ومن شدة ذلك الاطمئنان هتف نوري السعيد من الإذاعة العراقية في العام 1956 قائلاً "دار السيد مأمونة", ويقصد بذلك بأن "دار العائلة الهاشمية المالكة في العراق" مأمونة من أي خطر داخلي أو خارجي يهددها, مستنداً في ذلك إلى عدة عوامل:
1 . أن الجيش والشرطة مواليان للعائلة المالكة ولسياساتها في العراق.
2 . إن السفارة البريطانية والعاملين معها قادرون على تأمين المعلومات الكفيلة بضرب أي حركة انقلابية في العراق.
3 . وجود قوات عسكرية بريطانية في كل من الحبانية والشعيبة, وهما قاعدتان عسكريتان لبريطانيا على وفق اتفاقية 1930. وهي القوات التي استطاعت دحر انقلاب مايس 1941 وإعادة الوصي على عرش العراق إلى بغداد هروبه منها.
4 . كما أن العراق عضو في حلف بغداد (السنتو), إذ بمقدور القوات العسكرية لهذا الحلف, وخاصة القوات الإيرانية والقوات التركية, وكذلك القوات البريطانية واللبنانية الموجودة في الأردن أو القادمة إلى لبنان أن تساهم في دحر أي "محاولة انتحارية" عراقية لقلب نظام الحكم.
5 . وأن جهاز التحقيقات الجنائية (الأمن العراقي حينذاك) والمخابرات العسكرية قادران أيضاً على تأمين المعلومات الضرورية لاعتقال أي فرد في الجيش أو الشرطة أو في صفوف الحركة السياسية العراقية يمكن أن يفكر بأي حركة انقلابية ضد النظام الملكي.
لقد برهنت الحياة بشكل ملموس على أن نوري السعيد, هذا السياسي المحنك والمخضرم والثعلب الماكر, والمتشبث بالحكم أكثر من تشبثه بالحياة ذاتها, كان واثقاً من نفسه ومن نظامه الملكي أكثر مما ينبغي ومقللاً من شأن معارضيه وهازئاً من خصومه السياسيين, قد فوجئ بالانتفاضة العسكرية وهي تدق أبواب النظام وابواب بيوت أقطاب النظام وتقض مضاجعهم وتنتزع السلطة من أيديهم وتسقط نظامهم الملكي في العراق دفعة واحدة دون رجعة, وتدفع به إلى ارتداء العباءة النسوية ليهرب من داره مرعوباً يتلفت في شوارع بغداد مفتشاً عن ملجأ له أو مخبأ يحميه من غضب الثوار والجماهير التي ملأت شوارع بغداد دون أن يجد من يقبل بإيوائه في بيته. وحين اكُتشفَ أمره أضطر إلى الانتحار خشية الوقوع بأيدي الثوار والجماهير الغاضبة.
لم تكن حركة الانتفاضة العسكرية المفاجئة للجماهير الشعبية عفوية بل كانت منظمة من جانب حركة الضباط الأحرار التي خططت لها ابتداءً بهدف إلغاء الملكية وإقامة الجمهورية في العراق. وأمكن إلحاق الهزيمة بالملكية في لحظة غفلة النخبة الحاكمة والتحقيقات الجنائية والمخابرات الأجنبية والسفارة البريطانية, وفي لحظة تاريخية ذكرت الكثير من الناس بالثورة الفرنسية التي حدثت في صبيحة الرابع عشر من تموز/يوليو من العام 1789, أي قبل 169 عاماً والتي توجهت ضد الملكية وضد الإقطاع, تماماً مثل انتفاضة الضباط الأحرار التي توجهت في جوهرها ضد الملكية وضد الإقطاع وضد الهيمنة البريطانية وحلف بغداد وضد مصادرة الحريات والحقوق الأساسية للشعب العراقي.
ولكن السؤال الذي بقى يدور في أذهان الكثير من الناس هو الآتي: هل كان الحكام حقاً لا يعرفون بتحركات الضباط الأحرار؟ وهل كان الحكام مطمئنين إلى هذا الحد بقدرتهم في السيطرة على كل حركة يمكن أن يلجأ إليها العسكريون لقلب نظام الحكم؟
كل الدلائل التي تحت تصرفنا تشير إلى مسألتين, وهما:
أولاً: إن حركة الضباط الأحرار كانت حذرة جداً في علاقاتها واتصالاتها ونشاطاتها بحيث استطاعت أن تبعد الشكوك عنها قدر الإمكان, وأن الضربة جاءت مفاجئة للنخبة الحاكمة والقصر والسفارة البريطانية في آن واحد. وهذا الأمر يعود إلى قدرة عبد الكريم قاسم على ممارسة العمل السري والحذر في تكوين الصلات بالضباط الأحرار, إضافة إلى حذر بقية الضباط الأحرار وحرصهم على سرية الحركة.
ثانياً: وصول معلومات كثيرة إلى النخبة الحاكمة ابتداءً من القصر الملكي ومروراً ببعض رؤساء الوزارات والوزراء والضباط العسكريين والتحقيقات الجنائية, إضافة إلى السفارة البريطانية ببغداد بشأن وجود حركة للضباط الأحرار يمكن أن تقع قريباً. ولهذا السبب عاد عبد الإله بن علي إلى بغداد على عجل من سفرة كان قد قام بها إلى تركيا قبل وقوع الانتفاضة بفترة قصيرة جداً, بهدف الاطمئنان على الوضع والتيقن من هدوء وولاء الجيش. ويبدو أن موقف القوى التي كانت تصلها المعلومات حول وجود تحركات مناهضة للنظام الملكي تنقسم إلى ثلاث مجموعات, وهي:
1 . المجموعة الأولى التي كانت لا تعتقد بوجود من يجرؤ على التطاول والقيام بمغامرة ضد النظام الملكي في العراق بعد فشل المحاولتين السابقتين لعامي 1936 و1941. وتؤكد المعلومات المتوفرة أن الاستفسارات التي كان يوجهها كل من عبد الإله بن علي ونوري السعيد إلى السفارة البريطانية وجهاز الأمن فيها عن مدى صحة أو دقة المعلومات التي كانت تصلهم بشأن وجود قوى تسعى للإطاحة بنظام الحكم القائم, كانت تواجه بالنفي والطمأنة بأن ليس هناك ما يوجب القلق, مما جعل النخبة الحاكمة مطمئنة على نظامها السياسي.
2 . معرفة بعض كبار الضباط العراقيين المسؤولين في قيادة القوات العسكرية بواقع وجود تحركات مناهضة للنظام الملكي وكان هذا البعض يريد التخلص من النظام أيضاً, لذلك وقف ضد الدعايات التي كانت تصله حول تحركات الضباط الأحرار. وهي مسألة فيها شك بطبيعة الحال, ولكن لا يمكن نفيها تماماًُ.
3 . وجود معلومات لدى مجموعة من المسؤولين وكبار الضباط بشأن وجود بعض التحركات في القوات المسلحة التي يمكن أن تفكر بعمليات معينة ضد النظام. ولهذا قام هؤلاء بإجراء تنقلات عسكرية واسعة النطاق بتعيين طائفة من تلك العناصر المشكوك فيها سفراء أو ملحقين عسكريين أو نقلهم إلى وزارة الدفاع وبعيداً عن المواقع المؤثرة والقادرة على إلحاق أي أذىً بالنظام الملكي. ومن بين هؤلاء العميد نجيب الربيعي, الذي عين فيما بعد رئيساً لمجلس السيادة.
ثالثاً: وكان النظام مطمئناً إلى ولاء الجيش والضباط الأساسيين له من خلال تجارب سابقة, إذ نهض الشعب في وثبة العام 1948, وكذلك في انتفاضة العام 1952 أو انتفاضة العام 1956, إن كل هذه التحركات الشعبية التي سقط فيها شهداء لم تحرك الجيش ضد النظام, بل كان خلالها إلى جانب النظام, حتى أن النظام عين في العام 1952 أحد القادة العسكريين على رأس الحكومة مستخدماً الجيش ومستفيداً منه لضرب الحركة الشعبية.
تحرك اللواء العشرين من ثكناته العسكرية متجهاً صوب الأردن وفق القرار الصادر بالانتقال إلى الأردن في ضوء الوحدة التي تحققت بين العراق والأردن تحت التاج الهاشمي المشترك للدولتين. وخلال المسيرة أعلن قائد الفوج العقيد الركن عبد السلام محمد عارف عن كونه أصبح هو القائد الفعلي للواء وتوجه به لتنفيذ مهمات معينة كان الا تفاق قد تم بشأنها بين القائد الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد عبد اللطيف الدراجي, وهي تطويق قصر الرحاب واعتقال أفراد العائلة وتطويق دار نوري السعيد واعتقاله والسيطرة على دار الإذاعة العراقية, إضافة إلى السيطرة على وزارة الدفاع وغيرها من المؤسسات العسكرية. وكان الاتفاق أن يتقدم اللواء التاسع عشر بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم لإسناد اللواء العشرين لإنجاز واستكمال مهماته الثقيلة. تمكنت الوحدات العسكرية المشاركة في الانتفاضة السيطرة على المواقع الحساسة, ومنها دار الإذاعة والمرسلات في „أبو غريب“ ومعسكر الرشيد وقصر الرحاب ومحطة توزيع الكهرباء والماء, في البلاد وأعلنت عن نجاح الثوار في القضاء على النظام الملكي وإقامة الجمهورية العراقية بقيادة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد عبد السلام محمد عارف. وقد ألقى العقيد عبد السلام محمد عارف البيان الأول للحركة من إذاعة بغداد بعد أن تم الاستيلاء عليها باسم القائد العام للقوات المسلحة الوطنية بالنيابة, وكان الخطاب موجهاً إلى الشعب العراقي. (راجع الملحق رقم 1).
كان لهذا الإعلان وقع الصاعقة على أتباع النظام في الداخل وعلى الاتحاد الهاشمي (العراق والأردن) وعلى بقية الحكومات العربية الرجعية والدول الاستعمارية, وبشكل خاص على بريطانيا العظمى, وعلى شركات النفط الاحتكارية الدولية العاملة والمهيمنة على اقتصاد النفط الخام في البلاد. ورغم الشلل الذي اصيبت به مباشرة وبعد إعلان الثورة, إلا أنها سرعان ما استعادت أنفاسها وبدأت بالتحضير لعدوان على العراق لإجهاض الثورة, ولكن الوقت كان قد فات, إذ استطاعت قوى الثورة أن تسيطر على الوضع وتنهي حياة الثلاثي فيصل الثاني وعبد الإله ونوري السعيد. إذ بدأت الدول الأعضاء في حلف بغداد, ومعها الولايات المتحدة الأمريكية, بالتحرك العسكري السريع في كل من لبنان والأردن, إضافة إلى القوات البريطانية المعسكرة في قاعدتي الحبانية والشعيبة في العراق وفي قبرص, بهدف القيام بعدوان عسكري خاطف لخنق الانتفاضة العسكرية في مهدها قبل أن تثبت أقدامها وبلوغ غاياتها.
كان لهذا الإعلان تأثيره المعاكس على المجتمع العراقي, إذ اعتبره أكبر مفاجأة سارة تزف للشعب العراقي بكل قومياته وأتباع أديانه ومذاهبه وأحزابه الوطنية, إضافة إلى قوى حركة التحرر الوطني العربية. وكانت الفرحة عارمة في الجمهورية العربية المتحدة أي في كل من مصر وسوريا. وكانت قيادات الأحزاب السياسية المرتبطة بجبهة الاتحاد الوطني وبالضباط الأحرار قد طلبت من عدد من كوادرها أن تكون مستعدة لاستقبال الأخبار السارة الخاصة بالانتفاضة وسبل تعبئة الجماهير وقيادتها لمنع أي حركة معاكسة تريد إجهاض الانتفاضة في مهدها.
انطلقت تلك الكوادر السياسية إلى الشوارع مع سائر الجماهير الشعبية التي سمعت بالبيان الأول من دار الإذاعة وسيطرت على حركة الشارع وقدمت أكبر إسهام في دعم الانتفاضة المسلحة وتسميتها منذ البدء بالثورة الوطنية المناهضة للاستعمار والحكم الملكي الإقطاعي.

ردود فعل الشعب

لم يعرف المجتمع العراقي على مدى تاريخه الطويل أجواء الحرية السياسية والاجتماعية, كما لم يعرف الديمقراطية بمعناها الصحيح ولم يشهد ويعيش عملية تنوير ديني واجتماعي تنقذه من براثن الجهل والتجهيل وجمهرة كبيرة من شيوخ الدين غير المتنورين وغير الواعين للدين ذاته. كما لم يكن قد تعرف بحق على أسس المجتمع المدني الديمقراطي بشكل صحيح في ظل الملكية الإقطاعية, إذ كانت التقاليد والأعراف والقيم العشائرية وروح الانتقام والثأر وغسل العار لا تزال تهيمن على أذهان الغالبية العظمى من أبناء وبنات المجتمع وعلى سلوك المجتمع وتصرفاته اليومية وعلاقاته الاجتماعية, ولكنها كانت أيضاً في صدام مباشر مع قيم المجتمع المدني والحريات الديمقراطية وتتشابك مع النضال ضد مغتصبي حريته وكرامته ولقمة عيشه, وكذلك المهيمنين على ثرواته الأولية والمستغلين لها. وإذ كان الحكم الملكي قد بدأ بعملية تمدين المجتمع العراقي من خلال دستور 1925 وممارسات الملك فيصل الأول التي نمت وتحسنت في الفترات اللاحقة من خلال التوجه صوب بعض مظاهر العلمانية عبر إقامة المدارس للولد والبنات وبروز تدريجي بطيء لدور المرأة وزيادة عدد الصحف العراقية والصراع الفكري حول قضايا أساسية بين المجتمع المحافظ وبين القوى المثقفة الراغبة في التغيير وتطوير المجتمع والتخلص من براثن الجهل والتجهيل في المجتمع. ورغم وجود نص يشير إلى أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي, ولكن أجهزة الدولة كانت تتعامل وفق أسس إدارة علمانية, رغم انها لم تكن ديمقراطية بل بيروقراطية خانقة بسبب ضعف المعرفة والتجربة والخبرة في مجال الإدارة الحديثة. إلا أن سياسات الحكومات العراقية ذاتها قد أساءت لكل ذلك من خلال تشويهها للدستور وتزييف الانتخابات العامة وعدم المشاركة في التنوير الديني والاجتماعي وفق برنامج مناسب لظروف تلك المرحلة. وكانت شكوى فيصل الأول من الاتجاهات الدينية السلفية والمذهبية المتعصبة وغياب مفهوم الوطن والمواطنة ما يؤكد على واقع الحال حينذاك ومصاعب تحقيق التمدن والتخلص من تأثير العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية وعلاقات المؤسسة الدينية المؤثر على بناء الإنسان الفكري والسياسي.
وزادت في الطين بلة ممارسة الحكومات العراقية المتعاقبة منذ الثلاثينيات من القرن العشرين العنف ضد قوى المعارضة السياسية ومنظمات المجتمع المدني والتحركات الشعبية المطالبة ببعض الحقوق المشروعة. ومن يتتبع تاريخ العراق المعاصر وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الحكم الملكي, وبسبب مطالبة الشعب بالحرية والحياة الديمقراطية والحقوق القومية وبالعمل للعاطلين وبالعدالة الاجتماعية في توزيع الثروة الاجتماعية وسبل استخدامها وحل المسألة الزراعية لصالح فقراء الريف وصغار المزارعين تعرض الشعب وقواه المعارضة, وابتداء من العقد الرابع من القرن الماضي وحتى سقوط النظام الملكي إلى الكثير من المضايقات واستخدم القوة العسكرية والشرطة وأجهزة الأمن الداخلية في ضرب المظاهرات والوثبات أو انتفاضات الشعب, حيث سقط الكثير من البشر شهداء على طريق النضال من أجل تلك الأهداف السليمة.
أدت سياسات النظام الملكي إلى نشوء ونمو حقد دفين أحياناً وملموس في أحيان أخرى ولكنه كان يتفاقم سنة بعد أخرى في الأوساط الشعبية وفي صفوف القوى السياسية المعارضة ضد النخبة الحاكمة, وبشكل خاص ضد كل من الوصي على عرش البلاد, عبد الإله بن علي, وضد ونوري السعيد, الشخص الذي تولى رئاسة الوزارات العراقية 14 مرة خلال 37 عاماً. وكانت أول وزارة ترأسها نوري السعيد تشكلت في 23 آذار/مارت من العام 1930 حين صدرت الإرادة الملكية. وكان الهدف منها تمرير معاهدة 1930 التي تأخر عقدها منذ بداية تشكيل الدولة العراقية في المجالس النيابية المتتابعة, فعمد إلى حل المجلس وإجراء انتخابات جديدة والمجيء بمجلس نيابي جديد يؤيد تماماً التوقيع والمصادقة على هذه المعاهدة, وقد تم له ذلك فعلاً. وكانت فترة رئاسته للوزارات قد امتدت وفي فترات مختلفة 148 شهراً أي أنه خلال حكم العراق 12,3 سنة من مجموع 28 سنة, كما كان شريكاً مستمراً اعتباره وزيراً في العديد من الوزارات التي ترأسها من كان من أعوان نوري السعيد. وحين قتل كان قد تولى منصب رئيس وزراء الدولة الاتحادية الهاشمية. لقد تحول الخوف من نوري السعيد الكراهية له إلى حقد شديد وغاضب ورغبة في الانتقام والخلاص منه بأي ثمن.
لقد كانت المعاناة كبيرة وتجلت في الحد الأدنى من عمليات الاعتداء والقتل على الناس الآخرين بسبب صرامة وحزم القائمين بالثورة في مواجهة الفوضى والتخريب والنهب والسلب الذي بدأ به بعض الناس المحرومين والبؤساء والمهمشين أو بعض اللصوص (الحرامية).
لقد انطلقت الجماهير الشعبية بعد سماعها بيان الثورة الأول, كما انطلقت معها كوادر الأحزاب السياسية الممثلة بجبهة الاتحاد الوطني التي كانت قد أبلغت بقرار الثورة في اليوم الحادي عشر من تموز 1958. واستطاعت في فترة وجيزة أن تساهم في تحويل الانتفاضة العسكرية إلى حالة ثورية عارمة, إلى ثورة شعبية لا يمكن أن تقف عند حدود إسقاط النظام. وقد امتزجت الناس المتدفقة إلى الشوارع من كل حدب وصوب لتلتحم بقوى الجيش وبقية افراد القوات المسلحة وكأنها في عرس رائع وفرحة غامرة.
لم يكن سهلاً السيطرة على الشارع العراقي بعد سماع بيان الثورة الأول والدعوة للخروج إلى الشوارع لإسناد الثورة وإلقاء القبض على أعداء الثورة من أقطاب النظام المنهار تحت ضربات وحدات من الجيش العراقي. لقد وقعت بعض الأحداث التي لم يكن في المقدور تجنبها في مثل هذه الأحداث الكبيرة. وتدلنا تجارب الشعوب التي مرت بأحداث مماثلة إلى تجاوزات كبيرة وإلى سقوط قتلى أكبر بكثير من العدد الذي سقط في اليومين الأولين من أيام ثورة تموز العراقية وفي بغداد حصراً.
يمكن أن نشير إلى وقوع ثلاث حالات: الحالة الأولى ارتبطت بموقف الفوج العسكري الذي أرسل لتطويق قصر الرحاب واعتقال أفراد العائلة المالكة , والحالة الثانية اقترنت بالجماهير التي كانت تفتش عن نوري السعيد وتسعى لاعتقاله, والحالة الثالثة حين توجهت الجماهير الثائرة والغاضبة صوب السفارة البريطانية.
توصل الباحث الدكتور عقيل الناصري إلى عدد القتلى الذين سقطوا في اليومين الأول والثاني لثورة 14 تموز 1958 فكتب ما يلي:
"كان عدد القتلى في اليومين الأولين كالتالي: في قصر الرحاب: أربع عائلات مالكة مع طفل متبنَّى, و3 من العاملين وعسكريان (النقيب ثابت يونس والجندي محمد فقي) , ومن القوة المهاجمة رئيس عرفاء. وقتل نوري السعيد وابنه صباح وبيبي الاسترابادي التي كانت مرافقة للسعيد. كما قتل نائب رئيس وزراء الاتحاد الهاشمي إبراهيم هاشم ووزير دفاع الاتحاد سليمان طوقان. أما من الأجانب فقد قتل : اثنان من الأمريكان, وألمانيان, والإنكليزي العقيد كراهام مسؤول الأمن في السفارة البريطانية وقتل معه عراقي كان مع الحشد عندما هاجمت الجماهير مبنى السفارة."
وأكد رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم إلى أن عدد القتلى في اليومين الأول والثاني قد بلغ 19 شخصاً فقط, وهو عدد ضئيل بالقياس إلى جميع الثورات التي وقعت في العالم قبل ذلك التاريخ وبالطريقة التي تمت بها الثورة, مع الفارق الاستثنائي لثورة 23 يوليو 1952 في مصر والتي كانت من طبيعة أخرى وأجواء أخرى حيث أمكن إبعاد الملك فاروق وعائلته عن البلاد وانتهت المسألة بسلام.
ولكن علينا أن نقيم ما جرى في هذين اليومين وبشأن بعض القتلى بشكل سليم, إذ أن المشكلة لا تكمن في القتل المباشر دون تقديم هؤلاء الناس إلى المحاكمة فحسب, بل بالطريقة التي جرت بها عملية سحب (سحل) بعض الجثث في الشوارع, وخاصة جثامين عبد الإله ونوري السعيد وصباح نوري السعيد, وهي مقطعة الرؤوس والأرجل والأذرع.
تشير معطيات تاريخ العراق الطويل إلى أن هذه الأفعال غير جديدة على الحكام العراقيين ولا على جمهرة غير قليلة من الناس في العراق. أي أنها تكمن أساساً في وجود استعداد ذهني ونفسي فعليين لدى أوساط غير قليلة ممن نطلق عليهم بـ "الجماهير" في تنفيذ أو ممارسة مثل هذه الأفعال الشنيعة. ولولا وجود كوادر من قوى الأحزاب السياسية الوطنية في الشارع وسعيها لمنع حصول فوضى وتخريب أو تدمير وقتل من جهة, ولولا صدور أوامر من الحاكم العسكري العام, أحمد صالح العبدي, لحصلت مشكلات وكوارث كبيرة أخرى بسبب الغضب المتراكم في صدور الناس ولدى الجماعات المحرضة على العنف والقسوة. لقد كان منظر سحل جثث الموتى, بغض النظر عن صفات أصحابها, منظراً مرعباً وموحشاً جداً وغير إنساني بكل المقاييس والمعايير والأعراف, كان الموقف بعيداً عن حضارة الإنسان, ولكنه لم يكن بعيداً عن سياسات وممارسات وتشجيع حكام العراق القدامى. فغالباً ما مارس حكام العراق في عهود الدول الإسلامية أساليب مماثلة وغير بعيدة عن تلك الأساليب البربرية, ومنها السحل أو التمثيل بجثث الضحايا, وخاصة في فترات مختلفة من تاريخ الدولة الأموية والعباسية في العراق أو في فترات الحكم العثماني أو في أوقات أخرى من حياة العراق السياسية, سواء أكان ذلك من قبل حكام عرب أم من غير العرب, أو في تعليق جثث المحكومين بالإعدام بعد التنفيذ للفرجة عليها من قبل الناس, كما حصل في العهود الإسلامية وفي العهد الملكي الحديث في الأربعينيات من القرن العشرين. ويفترض ألاّ ينسى الإنسان وهو يتابع ما حصل في العراق بأن هناك, وفي الكثير من المجتمعات وخاصة في البلدان المتخلفة أو ضعيفة التطور الاقتصادي والوعي الاجتماعي وغياب التنوير الديني, جماعات من المهمشين والرعاع الذين يجدون في مثل هذه الظروف وبعد أحداث مماثلة فرصتهم في التعبير عن مشاعرهم البدائية ضد الوضع وفي ممارسة القتل والنهب والسلب والتدمير, كما حصل في سحل جثث الموتى في بغداد, وفيما بعد في الموصل أو في كركوك, على سبيل المثال لا الحصر. وهو ما تحدثنا عنه في الكتب الأربعة السابقة من هذه المجموعة التي تنشر تحت عنوان "لمحات من عراق القرن العشرين“. كيف يمكن تفسير سحب أو سحل جثث الموتى في الشوارع, أو بتعبير أدق, هل يمكن تفسير سحل الجثث في العراق؟
يتطرق السيد حسن العلوي في كتابه الموسوم "عبد الكريم قاسم بعد العشرين“ إلى موضوع السحل بعد أن يدين مثل هذه العمليات البربرية الجبانة التي ليس فيها من العنف الثوري والشجاعة مثقال ذرة, وهو على حق في ما يقول, فيتساءل:
"متى كان التمثيل بالجثث عنفاً ثورياً؟ ومتى كان ربط الميت بالحبل وسحبه على الأرض عملاً شجاعاً؟ في مجتمع عاش على وصايا دينية بتحريم التمثيل بالجثث“ .
في الوقت الذي اتفق مع السيد العلوي بأن مثل هذه الأعمال بعيدة كل البعد عن خُلق الإنسان الحضاري وعن المثل الثورية وعن الشجاعة, بل هي جزء من الوحشية والعدوانية الشرسة والتخلف في فهم كرامة الإنسان حياً كان أم ميتاً. ولكني لا أتفق معه في ما أشار إليه بأن مجتمعنا يعيش على وصايا دينية تحرم التمثيل بالجثث. صحيح جداً أن القرآن قد منع التمثيل بالجثث, ولكن هل منعه الخلفاء وشيوخ الدين وشيوخ الإسلام الذين رافقوا الخلفاء في الحكم في كل من الدولة الأموية والدولة العباسية والدولة العثمانية؟ إن التمثيل (المُثلة) بالجثث محرم في الإسلام, ولكنه مورس من قبل الحكام المسلمين ومن الأوساط المسلمة على نطاق واسع.
ويمكن الاستشهاد ببعض ما لدينا من تراث وتقاليد موروثة من جانب الحكام وممارسة ذلك من قبل الرعاع بعد أن يأمر به الحكام:
** لو قرأنا القرآن بإمعان وتَرَوٍّ لوجدنا فيه الكثير من الآيات التي تجسد صوراً من أساليب التعذيب التي يمارسها الله بحق مرتكبي المعاصي, وهي أشد قسوة من سحب جثث الموتى في الشوارع, رغم بشاعة هذا السحب وإساءته المباشرة لكرامة الإنسان. إذ أن الإنسان يحرق ببطء وهو حي يرزق ثم يعاد إلى الحياة ليحرق من جديد وتتكرر هذه اللوحة مئات وآلاف المرات يوم الحساب الآخرة. فإذا كان هذا الجزاء الذي ينزله الله بعباده المخطئين, عندها يرى الحكام إن من حقهم, وهم وكلاء الله على الأرض, أن يمارسوا بعضاً من هذه وغيرها بحق الناس الذين يعتبرونهم مخطئين. هذه هي الفلسفة التي يسير عليها الحكام المسلمون في العراق منذ عهود طويلة. تقول الآيتان 105 و106 في سورة هود ما يلي:
• يوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ
• فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ
• خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ
** مورس السحب (السحل) لأول مرة في الإسلام في دمشق وأليكم ما كتبه الأستاذ الراحل عبود الشالچي عن المُثلة بسحب الجثث: "وأوّل ما بلغنا عن هذا اللون من المُثلة, ما صنع بيوسف بن عمر, الذي كان أمير العراقين للوليد بن يزيد, فلما قتل الوليد, هرب يوسف من العراق, وورد البلقاء فاستخفى بها, ولبس زّي النساء, وجلس بين نسائه, وبلغ يزيد بن الوليد خبره, فبعث إليه من وجده بهذا الزيّ بين نسائه, فأخذ, وحبس, بدمشق, ولما ظهر مروان بن محمد الأموي, الملقب بمروان الحمار, عمد يزيد بن خالد القسري إلى السجن, فأخرج يوسف بن عمر وقتله انتقاماً لأبيه خالد الذي قتله يوسف, ولما قطعت عنق يوسف, شدّوا في رجله حبلاً طويلاً, وجعل الصبيان يجرونه في شارع دمشق, فتمر به المرأة, فترى جسداً صغيراً, وكان قصير القامة, فتقول في أي شيء قتل هذا الصبي المسكين“ . وأليك مثالاً آخر في هذا الصدد من كتاب موسوعة العذاب أيضاً:
„ ولما قتل الأمين ببغداد, في السنة 198, قطع رأسه, وعلق على حائط بستان, وسحبت جثته ببغداد, وهي مربوطة بحبل (تاريخ الخلفاء 300), فقال في ذلك إبراهيم بن المهدي: (الطبري 8/498)
لم يكفه أن حز أوداجـه ذبح الهـدايا بمـدى الجازر
حتى أتى يسحب أوصاله في شطن يفني مـدى السائر“ .
وهناك الكثير من الأمثلة الأخرى على أن هذا الأسلوب قد مارسه المسلمون رغم وصايا الدين التي تحدث عنها السيد حسن العلوي .
ويبدو لي أن القسوة والكراهية والحقد والغضب المقترنة مع الجهل والرغبة في الانتقام والاستبداد وبعيداً عن القانون هي التي تسهم في بروز مثل هذه السلوكية الغريبة عن حضارة الإنسان.
إن من واجبنا لا أن ندين هذه الظاهرة السلبية في السياسة والممارسة ضد الإنسان اياً كان حسب, بل أن نعمل لتثقيف الناس ضدها, لا أن نقبل بمن يدعو إلى ممارستها بصيغ وأساليب شتى.
لقد كان وجه ثورة 14 تموز ناصعاً بالارتباط مع الأهداف التي سعت إليها واستقبلت بحرارة منقطعة النظير من قبل الشعب بكل فئاته. إلا أن نقطة سوداء برزت في الممارسة العملية حين تم قتل وسحل مجموعة صغيرة من مسؤولي النظام, إذ كان بالإمكان اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة. ولكن هذا لم يحصل مع القليل منهم. ولا شك في أن هذه النقطة السوداء هي من نتاج الواقع القائم في العراق اقتصادياً واجتماعيا وسياسياً وثقافياً وتربوياً حينذاك, ومن طبيعة سياسات النظام السياسي السابق للانتفاضة العسكرية التي سادت العراق طيلة 37 سنة, ومن نتاج العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية الاستغلالية التي سادت في البلاد ومستوى الوعي السياسي والاجتماعي الضعيف عموماً في المجتمع, كما أنها كانت تعبر عن مستوى وعي القوى والأحزاب السياسية العراقية حينذاك والذي تميز برؤية ديمقراطية شكلية وغير عميقة الجذور. كما أنها كانت من نتاج السياسات غير العقلانية وغير التسامحية والظالمة التي مارستها بريطانيا وحكام دول حلف بغداد (السنتو) في العراق. وليس غريباً أن نؤكد بأنها كانت من نتاج شركات النفط الأجنبية التي عملت في العراق واستثمرت خيراته واستغلت شعبه وأعاقت تقدمه الصناعي وتصدت لحركاته الإضرابية السلمية المطالبة بزيادة الأجور أو تحسين ظروف العمل بالحديد والنار مثلاً وقتلت العديد من المضربين والمتظاهرين على مدى حكم الملكية في العراق, ابتداءً من الإعدامات في أربعينيات القرن العشرين أو قيام الشرطة بقتل المتظاهرين في مظاهرات 1946 و1948 ومن ثم في انتفاضتي 1952 و1956, إضافة إلى العدد الكبير من شهداء سجن بغداد وسجن الكوت الذين كانوا يطالبون بتحسين ظروف سجنهم وتغذيتهم ...الخ. أي أن ما حصل في اليوم الأول للانتفاضة في العراق كان نتاج التخلف العام الذي ساد البلاد وغياب الحياة الدستورية السليمة ومصادرة الحريات الديمقراطية وحقوق ووعي الإنسان في العراق. فالغضب الذي اختزن في نفوس الناس منذ عشرات السنين قد تفجر يوم الانتفاضة العسكرية دفعة واحدة, ولكنه لم يدمر كل شيء ولم يعصف بكل شيء بل بقى العنف بحدوده الدنيا الذي لم تخل منه كل الثورات والانتفاضات التي حصلت في مختلف بلدان العالم على امتداد التاريخ, رغم سلبيات وقوعها. ولم يكن ما حصل قدراً محتوماً لا مرد له, ولكنه كان نتاج الماضي البعيد والقريب ونتاج الظروف التي نشأ وعاش فيها سكان العراق في ظل الهيمنة العثمانية واستمرارها تحت الهيمنة البريطانية والحكم الملكي وسياسات طغمة نوري السعيد وعبد الإله وصالح جبر.
لو كان النظام الملكي ديمقراطياً, ولو سار على نهج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل صارم, ولو مارس بنود الدستور العراقي بشكل سليم, لما برزت أي حاجة لأي انقلاب عسكري ضد المكية في البلاد. ولو كان النظام مقبولاً من الشعب لكان قد تصدى الشعب نفسه للعسكريين الذين قاموا بتلك الانتفاضة العسكرية. ومن هنا يفترض أن نتبين بأن الانتفاضة العسكرية جاءت منسجمة مع رأي وحاجة السكان بشكل عام وحصلت على تأييد الناس من أول إعلان للبيان الأول من إذاعة الجمهورية العراقية. ومن هنا يأتي رفض القول بأن انتفاضة بعض قطعات الجيش كانت عملية غير ضرورية, في حين أن الضرورة لا نقررها نحن كأفراد ووفق إرادتنا, بل الواقع القائم في العراق هو الذي قرر صواب العملية التي قام بها الثوار, رغم الانتكاسة التي حلت بها في ما بعد. إن تحميل المسؤولية الأساسية لقيام الثورة يفترض أن يوضع على عاتق حكام العهد الملكي والسياسة البريطانية التي ساندت كل المخالفات والتجاوزات التي ارتكبت بحق الدستور العراقي, وهي التي ساهمت بتراكم الغضب الشعبي وتفجره في اليومين الأول والثاني من أيام ثورة 14 تموز/يوليو 1958.
كل الثورات التي عرفها العالم كانت في بداية نشوئها مشرقة, ولكنها لم تخل من نقاط سوداء أو بعض الظلال. وقد استمر الصراع بين الوجه المشرق للثورة وتلك الظلال التي لم تكن لتحصل لولا وجود من كان يريد أن تكون. فلم يكن القتل العمد لعدد كبير ممن قتل دون إرادة أحد. فالكثير من الذين شاركوا في حركة الضباط الأحرار أو كانوا شهوداً على الانتفاضة العسكرية يؤكدون بأن عبد السلام محمد عارف, وهو الرجل الثاني في قيادة الثورة الثلاثية حينذاك (عبد الكريم قاسم, عبد السلام محمد عارف وعبد اللطيف الدراجي), كان قد أعطى أوامره بتنفيذ تلك المجزرة بحق العائلة المالكة وبعض من كان معهم في قصر الرحاب,
لا بهدف الانتقام بالضرورة, رغم أنه قد برهن فيما بعد على أنه يمتلك أخلاقيات الانتقام حين نفذ حكم الإعدام بقائده السابق عبد الكريم قاسم في محطة الإذاعة العراقية ببغداد دون محاكمة شرعية عادلة, بل بقرار منه ومن مجموعة من انقلابيي 8 شباط 1963, بل ربما بهدف حماية الثورة من احتمالات الانتكاسة والفشل إن نجا هؤلاء من الموت وتسنى لهم تعبئة بعض وحدات الجيش ضد الانتفاضة العسكرية.
لقد كان من الصعب البت في الموقف من قادة النظام السابق مسبقاً, إذ كثيراً ما تتعرض الثورات والانتفاضات إلى انتكاسات حادة, حين لا تتخذ الإجراءات الكفيلة بصيانتها من أتباع النظم السابقة, والقليل منها الذي استطاع السير قدماً لتحقيق تغييرات جذرية وعميقة في تلك المجتمعات, أجبر على تقديم ضحايا غير قليلة أو أجبر على قتل الكثير من أعداء النظام الجديد. وهذه الحقيقة النسبية تقدمها لنا تجارب الكثير من شعوب العالم, ومنها الشعوب الأوروبية التي تتميز بمستوى حضاري وثقافي ارفع من المستوى الحضاري والثقافي في الدول النامية في سنوات القرن العشرين. فالمجتمعات الأوروبية لم يكن في مقدورها أن تتقدم خطوات جدية إلى أمام دون تلك الثورات البرجوازية والشعبية التي تفجرت ضد العلاقات الإنتاجية الإقطاعية في فرنسا وألمانيا وفي غيرها, أو دون حرب التحرير الأهلية في الولايات المتحدة للخلاص من نظام العبودية الذي فرضته دول الجنوب على السكان الأفارقة الذين انتزعوا من جذورهم واستعبدوا في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. لم تكن الانتفاضة العسكرية ضرورية لإزاحة النظام الملكي لو كان النظام الملكي قد مارس سياسات ديمقراطية والتزم بدستور البلاد الديمقراطي ولم يعمد إلى تزوير جميع الانتخابات دون استثناء لصالح النخبة الملكية الحاكمة, ولو لم يزج في سجونه المئات من المعارضين لسياسات النظام والذين لم يحملوا السلاح بوجه النظام, ولو لم يفرط بأموال وموارد البلاد والتزم بتوجيهها صوب التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب إقامة البنية التحتية الضرورية لكل تنمية ناجحة. لم تكن الانتفاضة العسكرية سوى ردة فعل لسياسات النظام الملكي والقوى المساندة له التي لم تحترم الإنسان ولم تساهم في تنمية وعيه الديمقراطي وإحساسه بالحرية الفردية وحقه في الحياة الإنسانية وحقه في العمل والعيش الكريم. لقد كان العراق الملكي مشاركاً في وضع بنود اللائحة الدولية لحقوق الإنسان ومن أول الدول المصادقة عليها باعتبارها وثيقة ملزمة للدول الموقعة عليها, ولكن العراق كان من بين أول الدول التي لم تلتزم ببنود هذه اللائحة ولا بالدستور العراقي الذي كان يتضمن مبادئ تتطابق مع تلك اللائحة الدولية.

دور قاسم في اختيار التشكيلات الجديدة للدولة وبدء الخلافات بين قوى معسكر الثورة

لقد كانت انتفاضة الجيش في تموز عام 1958 مظفرة وكانت الخسائر في الأرواح محدودة بالقياس إلى فترة الضيم وحجمه الذي اختزنه المجتمع. ولكن الوجه المعتم للانتفاضة بدأ وتبلور في أعقاب السعي إلى تحويل الانتفاضة العسكرية إلى ثورة شعبية تريد تغيير المجتمع بفترة وجيزة جداً. وهذا الوجه المعتم إلى جانب الوجه المشرق, هما موضع بحثنا بأمل وهدف الوصول إلى معرفة الأساس المادي والعوامل الكامنة وراء هذا الوجه القاسي والجائر في تاريخ العراق والتحري عن سبل معالجة ذلك لصالح المرحلة الراهنة والمستقبل.
بعد إعلان "بيان الثورة“ الأول, تم الإعلان عن مجموعة من القرارات السياسية تضمنت تشكيل مجلس السيادة ومجلس الوزراء والحاكم العسكري العام.
ضم مجلس السيادة الشخصيات التالية: الفريق الركن نجيب الربيعي, ومحمد مهدي كبة والعقيد الركن خالد النقشبندي.
وضم مجلس الوزراء الأسماء التالية وفق حقائبهم الوزارية:
الزعيم الركن عبد الكريم قاسم رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع
والقائد العام للقوات المسلحة
العقيد الركن عبد السلام محمد عارف نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية
الزعيم الركن ناجي طالب وزير الشؤون الاجتماعية
عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية
محمد صديق شنشل وزير الإرشاد
محمد حديد وزير للمالية
فؤاد الركابي وزير الإعمار
هديب الحاج حمود وزير الزراعة
جابر عمر وزير المعارف
إبراهيم كبة وزير الاقتصاد
محمد صالح محمود وزير الصحة
بابا علي الشيخ محمود وزير المواصلات
مصطفى علي وزير العدل

كما عين العميد الركن أحمد صالح العبدي رئيساً لأركان الجيش وحاكماً عسكرياً عاماً, والعميد الركن شاكر محمود شكري نائباً لرئيس أركان الجيش, إضافة إلى تعيين كل من العقيد مجيد جليل مديراً للأمن العامة, وهو ضابط مخابرات حكومي سابق .
ابتداء يفترض الإشارة إلى أن كل هذه التشكيلات كانت من وضع عبد الكريم قاسم, فهو الذي قررها دون العودة إلى حركة الضباط الأحرار أولاً ودون العودة إلى اللجنة العليا لجبه الاتحاد الوطني, شريكته في العملية الثورية لإسقاط النظام الملكي, ودون أن يستشيرها بمن يريدون أن يكون ممثلاً عنهم في التشكيلة الوزارية الأولى للثورة ثانياً. وفي هذا تجاوز على الجميع. ومن الممكن أن يكون قد بحث الأمر مع عبد السلام عارف باعتباره الرجل الثاني. وفي قناعتي الشخصية بأن هذه التشكيلات التي لم تطرح على اللجنة القيادية لحركة الضباط الأحرار واللجنة العليا للجبهة ولم تحظ بموافقتهما تعتبر أول تجاوز على النظرة الجماعية والقيادة الجماعية للعملية السياسية بعد إسقاط النظام الملكي, خاصة وأن قاسماً كان قد وضع تلك القوائم قبل الثورة وكان في مقدوره استشارة الآخرين.
ثم كان التجاوز الآخر حين لم تبلغ قيادة حركة الضباط الأحرار بموعد الانتفاضة العسكرية وساعة الصفر, بل فوجيء الجيش كله, في ما عدا أولئك الذين أراد عبد الكريم قاسم مشاركتهم في العملية. يشير السيد حامد مقصود بشأن هذا الموقف ما يلي:
"وبعد محالات كثيرة للإطاحة بالسلطة وآخرها كانت خطة المسيرة الليلية, وسرعة تفشي الإشاعات وتسرب الأخبار أحيانً للجهات المسؤولة, قرر الزعيم عبد الكريم قاسم بالاتفاق مع العقيد الركن عبد السلام عارف والعقيد عبد اللطيف الدراجي, أن تكون أعمالهم وتحركاتهم سرية ضمن نطاقهم لضمان نجاحها. وقد أقسموا على كتمان السر" . وبما أن القادة الآخرين لا يعرفون بمثل هذا الاتفاق, فبالنسبة لهم ومن حقهم اعتبار هذا الموقف تجاوزاً لهم وعليهم. خاصة وأن هذا التجاوز قاد إلى تجاوزات أخرى وإلى نشوء مشكلات معقدة بين قادة الحركة. ومن الغريب أن اقرأ ولأول مرة ما أشار إليه أحد البارزين في تنظيم "اتحاد الجنود والضباط" التابع للحزب الشيوعي العراقي, وأحد المشاركين البارزين والقريبين من عبد الكريم قاسم بقوله التالي:
منظمة القادة: والتي أسموها اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار يتزعمها عبد الكريم قاسم وقد حُلت قبل قيام ثورة تموز بفترة وجيزة بسبب الصراعات على الزعامة وكان من أبرزها العقيد الركن محي الدين عبد الحميد والعقيد الركن محسن حسين الحبيب والمقدم رجب عبد المجيد" .
ولكن مثل هذا الخبر لم يرد لدى أي كاتب آخر, كما لم يتحدث عنه عبد الكريم قاسم أو عبد السلام عارف, إذ لو كان هذا القول مطابقاً للحقيقة لورد على لسان أحد هؤلاء الضباط الأحرار أولاً, ولما عاد هناك أي تجاوز من جانب قاسم على اللجنة العليا حين لم يبلغها بموعد الانتفاضة العسكرية أو ساعة الصفر.
ماذا يستشف من تركيبة مجلس السيادة ومجلس الوزراء الأول؟
يمكن استخلاص الملاحظات التالية بصدد مجلس السيادة:
1. ضم مجلس السيادة أكثرية عسكرية, إذ عُين فيه ضابطان كبيران ومدني واحد.
2. ضم العرب والكُرد بنسبة 2 : 1.
3. ضم المجلس إليه شخصان من أتباع المذهب السني وآخر من أتباع المذهب الشيعي.
4. كما جعل القائد العسكري مسؤولاً أول في مجلس السيادة وليس القائد السياسي. وهو تعبير عن كون الحركة بالأساس عسكرية وتحت قيادة عسكرية ولها الكلمة الأولى.
5. أما بالنسبة إلى مجلس الوزراء فكانت بنيته تشير إلى ما يلي:
* تسلمت الجماعة التي كان يقودها عبد الكريم قاسم, والتي توحدت في حينها مع مجموعة رفعت الحاج سري ورجب عبد المجيد, رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع ووزارة الداخلية ممثلة بشخص رئيس الوزراء ونائب رئيس الوزراء, إضافة إلى القائد العام للقوات المسلحة, في حين كان نصيب الجماعة الثانية, أي مجموعة رفعت الحاج سري, في اللجنة العليا للضباط الأحرار وزيراً واحداً هو الزعيم الركن ناجي طالب, حيث كلف بوزارة الشؤون الاجتماعية, علماً بأنه كان من منافسي قاسم على قيادة الحركة, إذ كان يمثل التيار القومي.
وضع قاسم نفسه على رأس الحكومة ليكون بيده سلطة القرار التنفيذي بخلاف ما مارسه الفريق الأول بكر صدقي العسكري حين نفذ انقلابه العسكري في العام 1936 حين نصب نفسه قائداً للجيش وأعطى رئاسة الوزراء لحكمت سليمان والتي اعتبرت إخلالاً من جانب القائمين بالحركة في حينها.
و في التشكيلة الوزارية برز بعض الاختلال في مجرى عملية ما بعد سقوط النظام الملكي. لقد برز الاختلال حين عين قاسم بعض أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار في مناصب وزارية رغم قرار القيادة بعدم التعيين, إضافة إلى إبعاد الحزب الشيوعي عن المشاركة في حكومة الثورة الأولى والتي برمجت كلها العديد من الخلافات والصراعات بين القوى التي تشكل قيادة لجنة الضباط الأحرار, واللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني.
* تم توزيع المقاعد الوزارية بين الأحزاب السياسية الأعضاء في جبهة الاتحاد الوطني, حليف اللجنة العليا للضباط الأحرار, على النحو التالي:
الحزب الوطني الديمقراطي 2 حقيبة وزارية (محمد حديد وهديب الحاج حمود)
حزب الاستقلال 1 حقيبة وزارية (محمد صديق شنشل)
حزب البعث العربي الاشتراكي 1 حقيبة وزارية (فؤاد الركابي)
الحزب الشيوعي العراقي بلا حقيبة وزارية.
حزب الجبهة الشعبية حقيبة وزارية واحدة (عبد الجبار الجومرد) لم يكن الحزب ممثلاً في اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني).
وإذا نظرنا إلى الوزارة من زاوية الفكر والممارسة السياسية فسنجد التوزيع التالي:
القوى القومية 6 حقائب وزارية (عبد السلام محمد عارف, ناجي طالب, محمد صديق
شنشل, فؤاد الركابي, جابر عمر وعبد الجبار الجومرد)
القوى الديمقراطية والماركسية 4 حقائب وزارية (محمد حديد, هديب الحاج حمود, إبراهيم كبة (ماركسي), مصطفى علي, (ديمقراطي مستقل)
الحزب الديمقراطي الكُردي 1 حقيبة وزارية (بابا علي الشيخ محمود)
المستقلون 2 حقائب وزارية عبد الكريم قاسم, محمد صالح محمود
الشيوعيون بلا حقيبة وزارية.

وإذا نظرنا إلى تكوين الوزارة من الناحية القومية سنجد الحقيقة التالية:
الوزراء العرب 11 حقيبة وزارية
الوزراء الكُرد 2 حقيبة وزارية
الآشوريون والكلدان بلا حقيبة وزارية
التركمان بلا حقيبة وزارية.
ومن ناحية الجنس:
الذكور 13 حقيبة وزارية للذكور
الإناث بلا حقيبة وزارية.
ومن الناحية الدينية والمذهبية, فقد تضمنت الوزارة التركيبة التالية:
المسلمون 13 حقيبة وزارية.
السنة 9 حقائب وزارية
الشيعة 4 حقائب وزارية
المسيحيون والصابئة والأيزيديون بلا حقيبة وزارية
في واقع الحال لم يكن قاسم يسعى إلى إقامة تركيبة دينية مذهبية لإدارة الحكم في البلاد, بل إلى تركيبة حكومية سياسية مدنية واضحة بعيدة كل البعد عن الجانب الديني أو المذهبي.

ولكن في تكوين الوزارة المدنية برزت ابتداءً الاختلالات التالية:
1. خلا مجلس الوزراء من ممثلي الحزب الشيوعي العراقي الذي كان عضواً عاملاً ومؤثراً في اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني ولعب دوراً نضالياً معروفاً, إضافة إلى مشاركة التنظيم العسكري التابع للحزب الشيوعي (اتحاد الجنود والضباط) في الانتفاضة العسكرية بصورة مباشرة وفعالة, وكان على تنسيق مستمر مع عبد الكريم قاسم. وقد أوجد هذا التجاوز على دور ومكانة الشيوعيين خللاً في العلاقة بين الحزب الشيوعي والحكومة وبين الحزب واللجنة العليا للجبهة, وتجلى في الشارع العراقي, حيث كان الحزب الشيوعي يتمتع بموقع وتأثير ملموسين.
2. اختلال في التوازن بين القوميين والديمقراطيين في الحكم, وخاصة في طبيعة توزيع الحقائب الوزارية بين المجموعتين.
3. اختلال في البنية القومية للوزارة, إذ مثل العرب بأحد عشر حقيبة وزارية في حين أن الكُرد لم يحظوا إلا بحقيبتين فقط, في حين لم تحظَ بقية القوميات بحقائب وزارية, أي التركمان والكلدان والآشوريين. وفي مقابل هذا كانت وزارات العهد الملكي تضم مسيحياً واحداً, وفي الفترات الأولى من تشكيل الدولة يهودياً واحداً, حتى نهاية الأربعينيات تقريباً, كما كانت تضم أحياناً تركمانياً, إضافة إلى أكثر من وزير كُردي أو رئيس وزراء كُردي ووزراء كُرد.
وعلى صعيد المجتمع لم يشعر أبناء القوميات والأديان والمذاهب الأخرى مباشرة بأي إشكالية في بنية مجلس الوزراء الجديد, إذ كانت فرحة سقوط الملكية عارمة وشاملة تقريباً, فقد شكل بالنسبة للمجتمع بداية جديدة لعراق ديمقراطي جديد, وبالتالي تجلت وحدة وطنية ذات بعد استثنائي خلال الأيام والفترة القصيرة الأولى من انتصار الانتفاضة العسكرية. وهذا التقدير لا يلغي بأي حال حقيقة وجود اختلالات في بنية مجلس الوزراء والتي يكمن وراء ذلك وراءها فكرٌ وموقفٌ سياسيٌ ترتبت عنهما لاحقاً مشكلات كبيرة.
أما على صعيد الفرق العسكرية فقد احتل الضباط الأحرار قيادتها ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: ناظم الطبقچلي وعبد العزيز العقيلي والعميد الركن خليل سعيد والعميد الركن محي الدين عبد الحميد, إضافة إلى العقيد الركن عبد الوهاب الأمين مديراً للحركات العسكرية, والعقيد الركن مجيد سعيد مديراً للاستخبارات العسكرية والعقيد طاهر يحيى مديراً عاماً للشرطة. وأغلب هذه العناصر كانت من أتباع الاتجاهات القومية ذات العلاقات بالقوى والأحزاب القومية العراقية, في ما عدا عقيد الجو جلال جعفر ألأوقاتي الذي عين قائداً للقوات الجوية وكان من أعضاء الحزب الشيوعي العراقي.
لعبت هذه الاختلالات, سواء أكان ذلك على صعيد مجلس الوزراء أم على صعيد توزيع القيادات العسكرية, دوراً كبيراً في الحوارات الوزارية وفي النشاطات المختلفة بعد أن هدأت حرارة الحدث وبدأ العمل لوضع وتنفيذ سياسات الحكم الجديد في العراق, سواء أكان بصدد السياسات الداخلية أم العربية أم الدولية, ومعها بدأت الاختلافات في وجهات النظر تأخذ أبعادها التي لم تكن محسوبة كما يبدو من جانب القوى التي نفذت الانتفاضة المسلحة ولا من جانب قوى جبهة الاتحاد الوطني, رغم معرفة كل القوى السياسية بالتباين القائم قبل الانتفاضة في ما بين الاتجاهات الفكرية والسياسية للقوى المشاركة أو المؤيدة للانتفاضة المسلحة ضد النظام الملكي.

فجرت الانتفاضة العسكرية الطاقات الكامنة في الشعب العراقي التي كبتت عقوداً طويلة. فتحولت الشوارع إلى أعراس وأفراح وتهاني بالانتصار, وإلى رغبة صادقة لدى الناس بنسيان الماضي وفتح صفحة جديدة والمشاركة الفعلية في البناء والتغيير. وكانت الطموحات تتركز لدى الناس في اتجاهات أساسية وفق واقع الفئات الاجتماعية والمشكلات التي كانت تواجهها والتي تسعى إلى إيجاد حلول عملية لها من خلال ما اصطلح على تسميته بثورة تموز. كما أن الأحزاب السياسية التي عانت من القمع والإرهاب, سواء أكانت ممنوعة, تعمل بالسر, أم تلك التي كانت تحوز العلنية والشرعية في العمل وتضطر إلى تجميد نشاطها أو تُمنع قانوناً من مزاولة عملها, انطلقت لتعلن عن وجودها وتكشف عن دورها في النضال لإسقاط النظام الملكي, وربما تبالغ فيه, وتسعى إلى تأمين أوسع مكان لها في صفوف الجماهير الشعبية. وفي الوقت نفسه تروّج الشعارات التي كانت تراها مناسبة لتستجيب للبرنامج الذي تبنته لتغيير العراق. أي أنها لم تعد تلتزم بالبرنامج المحدود الذي طرحته اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني قبل الانتفاضة العسكرية, كما لم تسع إلى تطويره في أعقاب ذلك لتضع الحكومة أمام مسؤولياتها, بل تركت الشارع يشكل العامل الأكثر تأثيراً في الأحداث, إضافة إلى توجهات عبد الكريم قاسم لرسم صورة مستقبل العراق أو وجهة المسيرة. وكانت الأحزاب السياسية تسعى إلى ممارسة الضغط على الحكومة لا من خلال الجبهة, التي كما يبدو كانت قد توقفت عن عقد الاجتماعات والتباحث في أمور القوى المشاركة في الجبهة بعد نجاح الانتفاضة, بل من خلال دورها في الشارع وقدرتها في التأثير عليه. وبالتالي تحول الشارع إلى موقع لإظهار القدرة في التأثير وإبراز العضلات واستخدامه بصورة واسعة للأهداف السياسية للقوى المختلفة وفرض دورها على القوى الأخرى. وأصبح الشارع مسرحاً أساسياً للصراعات السياسية لا بصدد المهمات الداخلية حسب, بل وبصدد المهمات الخارجية وفي الحقول العربية والإقليمية والعلاقات الدولية, خاصة بعد أن طرحت الأحزاب والقوى القومية شعار "الوحدة الفورية" مع الجمهورية العربية المتحدة, أي مع مصر وسوريا. وعلى أثر ذلك طرحت القوى الديمقراطية في المقابل شعاري "الاتحاد الفيدرالي" و "الصداقة السوفييتية". ولم تكن الحكومة في كل ذلك راغبة في التأثير على الأحداث الجارية في الداخل, بل راحت تتصرف وفق منظور عبد الكريم قاسم واجتهاداته من جهة, وتراقب الصراعات بين القوى دون أن تتدخل لوضع حدٍ لها أو تأطيرها بأطر قانونية تمنع المزيد من الاحتكاك والتصادم, أي من خلال البدء بتنظيم الحياة الحزبية, من جهة أخرى. لقد تركت حكومة عبد الكريم قاسم الباب مفتوحاً أمام كل الاحتمالات في تطور وتفاقم تلك الصراعات وعواقبها غير المحسوبة.
كانت برامج الأحزاب السياسية العراقية متفقة في بعض المهمات الأساسية التي تمس طبيعة المرحلة, ولكنها كانت متباينة ومختلفة في ما بينها حول بعض المهمات الأساسية الأخرى التي شكلت محاور بارزة للصراع السياسي. حتى بالنسبة إلى تلك التي كان الاتفاق عليها قائماً بشكل عام. وكان الاختلاف يبرز في التفاصيل إذ فيها كمن وبرز التشظي السياسي للقوى السياسية والمجتمع. ويمكن الإشارة في هذا الصدد إلى الاختلاف في الموقف من الوحدة العربية أو الاتحاد الفيدرالي, أو الموقف من حق الشعب الكُردي في تقرير مصيره وتمتعه بالحكم الذاتي في إقليم كُردستان العراق, أو الحقوق الثقافية والإدارية للقوميات الأخرى. وكان الاختلاف يتبلور بشكل ملموس أيضاً عند الدخول في تفاصيل تلك الأهداف وعندما تتعلق تلك التفاصيل بالمصالح المختلفة للفئات الاجتماعية, خاصة وأن الأحزاب حينذاك كانت تسمح لنفسها بالحديث باسم الطبقات والفئات الاجتماعية العراقية وكأنها ممثلة لها ومنتخبة من قبلها وتمتلك حق الحديث باسمها. وفي تفاصيل تلك الأهداف وفي أسلوب الحكم الجديد وفي ظل الماضي الاستبدادي المشحون بالحرمان وعدم الخضوع للقانون, بدأت مسيرة عذاب الشعب العراقي التي ما زالت مستمرة, رغم سقوط النظام الاستبدادي المطلق في ربيع العام 2003.
نجحت الانتفاضة وتحولت في فترة وجيزة إلى ثورة شعبية ناجحة, ولكن سرعان ما انتكست مسيرتها اللاحقة واصطدمت بعقبات كبيرة في أثناء عملية التحول من كونها انتفاضة عسكرية إلى جعلها ثورة اجتماعية وشعبية مظفرة تسعى إلى تحقيق تغييرات عميقة في طبيعة العلاقات الإنتاجية السائدة في الريف العراقي وفي المدينة وترسي دعائم الحياة الديمقراطية, أو المجتمع المدني الديمقراطي الذي فشل النظام الملكي قبل ذاك بتكريسه. وعوامل ذلك لا تكمن في طبيعة الأشخاص الذين تولوا قيادة الانتفاضة ومستوى وعيهم الفكري أو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الديمقراطي ولا في قدراتهم الذاتية أو كفاءاتهم الشخصية فحسب, بل وبشكل خاص في طبيعة المرحلة التي كان العراق يمر بها وطبيعة العلاقات الإنتاجية التي سادت الريف الذي كان يحتضن نسبة عالية من السكان ويؤثر على المدينة التي لم تكن قد قطعت علاقاتها الاجتماعية بالريف وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على وعي الناس في المدينة وعلى ممارساتهم اليومية إزاء الدولة والمجتمع والقانون وعلى رغبة العسكريين في الاستمرار على رأس السلطة والتحكم بوجهتها. وكان جزء من المجتمع العراقي لا يزال يعيش بين الرعي والفلاحة أو بين حالتي البداوة والريف, وجزء آخر بين حالتي الريف والمدينة, بين العلاقات الإنتاجية شبه الإقطاعية المكرسة, وبين النمو الجديد والبطيء جداً للعلاقات الإنتاجية الرأسمالية, بين قانون دعاوى العشائر الذي أقرته الدولة واستندت إليه في التعامل مع القضايا العشائرية وفي المحاكم العراقية, وبين التشريع المدني الحديث المستند إلى الدستور العراقي لعام 1925 الذي كان يعبر في مضامينه عن رغبات الفئة الوسطى والمثقفين والمتنورين في التغيير أكثر مما كان يعبر عن واقع قائم يمكن الوصول إليه بوقت قصير, إضافة إلى سياسات الحكومات المتعاقبة التي شوهت الدستور أكثر مما مارسته لصالح المجتمع. وبالتالي فأن المجتمع كان لا يزال بعيداً عن قدرته الفعلية في المشاركة الواعية والفعالة في تحقيق المجتمع المدني الجديد وفي الدفاع عنه وحمايته من عبث الحكومة والنخبة السياسية والفئات المستحوذة على القسم الأكبر من الأراضي الصالحة للزراعة. كما أنَّ الحكومة, التي كان المفروض بها أن تكون المعبر والمجسد لمصالح المجتمع المدني, لم تكن قادرة على مواجهة حالة التخلف في المجتمع والتناقضات والصراعات التي كانت تدور فيه, كما لم تكن مؤهلة لأن تلعب دور النموذج الحسن في المجتمع لتنفيذ ما كانت تصدره من قوانين وقرارات وإجراءات. لم تكن الحكومات العراقية المتعاقبة في العهد الملكي الإقطاعي بمستوى المسؤولية والمهمات الفعلية التي كانت ملقاة على عاتقها, وبالتالي تسببت في خلق إشكاليات إضافية للمجتمع ودفعت بالجيش للانتفاض على سياساتها. وكانت انتفاضة 1958 هي العملية الثالثة في مسار الانقلابات العسكرية بعد عامي 1936 و1941.
بدأت الحكومة الجديدة, التي أطلق عليها اسم "حكومة الثورة“, باتخاذ جملة من الإجراءات الأساسية باتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية وتعليمية وثقافية, داخلية وخارجية, عديدة. وكانت تلك الإجراءات تدخل في باب الأهداف العامة التي لم تغب عن أنظار ومناقشات اللجنة العليا للضباط الأحرار والتي لم تسجل في برنامج ملزم في حينها, كما لم تطرح حدودها أو الأهداف المرجوة منها, سواء أكان ذلك على مستوى الأهداف الداخلية والعربية, أم على مستوى العلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه لم تكن اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني قد وضعت تفاصيل ضرورية لبرنامجها المكون من خمسة أهداف مهمة وعامة, ولكنها تحتمل التأويل أو الاختلاف في فهمها وفق زاوية الرؤية والمصالح للمشاركين في وضعها. إذ أن المشاكل الحقيقية عادة ما تكمن في تفاصيل القضايا العامة. وفي تلك التفاصيل للأهداف العامة برزت الاختلافات في وجهات النظر على صعيد اللجنة العليا للضباط الأحرار والمشاركين في حركة الضباط الأحرار وفي داخل الحكومة من جهة, وعلى صعيد الأحزاب الأعضاء في اللجنة العليا لجبهة الاتحاد الوطني من جهة أخرى, ثم انتقَلَت تلك الخلافات من هذه الجهات إلى المجتمع وإلى الشارع العراقي.
لقد أشاع جو الحماس الهائل الذي ساد الشارع العراقي في أعقاب نجاح الانتفاضة العسكرية, الذي لا يمكن الاطمئنان إليه كثيراً بسبب مكونات الجماهير التي تساهم في خلق هذا الجو وضعف وعيها, رؤية ووعياً زائفين لدى بعض قياديي حركة الضباط الأحرار, ومنهم عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف من جهة, ولدى بعض الأحزاب السياسية في جبهة الاتحاد الوطني من جهة أخرى, يوهمان بقدرة هؤلاء على تسيير الأمور وفق الوجهة التي يسعى كل منهما إليها. وقد أدى هذا التصور, الذي جسد الرغبات أكثر مما عبر عن واقع موضوعي, إلى بروز مظاهر سلبية وإلى استعداد لتصعيد الصراع إلى مستوى اللاعودة عنه, ودفع الصراع إلى نهاياته القاسية, وكأن الجماهير كانت قادرة على حسمه لصالح أحد الأطراف دون أن يدمر الأرضية التي يقف عليها الجميع.
لقد اعتقد قياديا الانتفاضة العسكرية (عبد الكريم قاسم وعبد السلام محمد عارف), بعد أن جمدا عملياً دور اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار قبل بدء تنفيذ الانتفاضة العسكرية بفترة وجيزة, بأن من حقهما أن يقررا وحدهما كافة الأمور التي تواجه الثورة من جهة, وأن يستثمرا حماس الجماهير اللاهب في صالح استمرارهما في السلطة والحديث باسمها من جهة أخرى. إلا أن الصراع بدأ في قمة قيادة الانتفاضة, وبتعبير أدق بين الأول والثاني في قيادة لجنة الضباط الأحرار, إذ كان يدور حول الموقع الأول في السلطة أو السيطرة على السلطة كلها وإزاحة الآخر أولاً وثانياً على بعض الأهداف الملموسة التي تبناها كل منهما قبل الانتصار وسعى إلى تنفيذها بعد الانتصار مباشرة ثانياً. ولم تستطع اللجنة العليا لقيادة الضباط الأحرار المساهمة في حل الخلاف بين الشخصين, إذ كان دورها قد جمد عملياً ولم يسع عبد الكريم قاسم إلى الاستفادة منها, بل سعى عبد السلام محمد عارف إلى استغلال الفرصة وتعزيز علاقته بها والاستفادة من الجماعة القومية في الحركة لصالحه وضد عبد الكريم قاسم. (راجع الملحق رقم 4).
كما تبلورت وبرزت على السطح خلافات أخرى بين الضباط القوميين من جهة, والضباط الديمقراطيين والشيوعيين من جهة أخرى, والتي وجدت تعبيرها أيضاً بين البعثيين والقوميين من جهة, والشيوعيين والديمقراطيين من جهة ثانية, حول الشعارات الأساسية ووجهة الثورة. وتصور الجميع أن في مقدور كل منهما حسم الصراع في الشارع العراقي لصالحه بما يسهم في فرض تلك الشعارات على الحكومة, في حين كانت حكومة قاسم لها أجندتها الخاصة. وأدى الوعي الزائف, المرغوب فيه من قبل كل طرف, أدى لدى كل طرف إلى عواقب سلبية حادة على حركة الثورة الشعبية ذاتها وعلى إجراءات الحكومة وعلى الوحدة الوطنية, رغم القوانين والإجراءات المهمة والكبيرة التي أصدرتها وبدأت بتنفيذها حكومة قاسم من أجل تعبئة الناس حولها. لقد كانت غالبية الجماهير إلى جانب قاسم, ولكنها بدت وكأنها مع الحزب الشيوعي, مما زاد في عمق الفجوة التي بدأت تبرز في العلاقة بين حكومة قاسم وقاسم بالذات من جهة, وبين قيادة الحزب الشيوعي وقوى يسارية مستقلة من جهة ثانية. وكذا الحال بين قيادة حزب البعث والقوى القومية من جهة, وبين حكومة قاسم وقاسم بالذات من جهة أخرى. ومن هنا بدأ العد التنازلي للجمهورية الأولى التي عاشها الشعب بعد مرور ما يقرب من 24 شهراً على نجاح الانتفاضة العسكرية في بغداد وكان السقوط خاتمة المطاف, رغم استمرار تطور الوضع إيجابياً وإصدار جملة من التشريعات الضرورية, ولكن عراقيل جديدة نشأت في أثناء تنفيذها.
14/7/2012 كاظم حبيب



#كاظم_حبيب (هاشتاغ)       Kadhim_Habib#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحزب الشيوعي العراقي والعملية السياسية في المرحلة الراهنة
- تحية إلى المؤتمر السادس لاتحاد الجمعيات المندائية في المهجر
- هل هناك إمكانية لإقامة بديل ديمقراطي في العراق؟
- الشارع العريض الذي تلتقي عنده قوى التيار الديمقراطي العراقي
- هل من خشية وراء التهرب من الاستجواب في البرلمان العراقي؟
- الخطوط العامة لمحاضرة في ضيافة لجنة تنسيق التيار الديمقراطي ...
- هل من سبيل لمعالجة مشكلات العراق الملتهبة؟
- الدكتور برهم صالح وبرنامجه الاقتصادي لمستقبل إقليم كردستان ا ...
- هل هناك من دهليز أسوأ من الذي يعيش تحت وطأته العراق حالياً؟
- وعاظ سلاطين العراق وتشويه الحقائق!
- السيد كاظم الحسيني الحائري والعلمانية!
- هل يمكننا حل المشكلات العراقية بالنداءات؟
- هل يعي الجميع مسؤوليته إزاء الكُرد الفيلية في العراق؟
- هل من اسس معقولة في التحالفات الجارية في العراق
- الأول من أيار في مواجهة حكومة وأجهزة أمن حزب الدعوة (أو) دور ...
- تحية إلى عمال العراق, إلى منتجي ثروة البلاد. ولمصلحة من يمنع ...
- المالكي ... إلى أين؟
- نحو المؤتمر الأول للتجمع العربي لنصرة القضية الكردية في أربي ...
- هل يسير نوري المالكي على خطى صدام ويدفع بحزب الدعوة على خطى ...
- عزة الدوري والجرائم البشعة التي تثقل كاهله وكاهل حزبه الفاشي ...


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاظم حبيب - انتصار انتفاضة الجيش 1958 (سقوط الملكية وإعلان الجمهورية)