أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - في انتظار الحُكم














المزيد.....

في انتظار الحُكم


سها السباعي

الحوار المتمدن-العدد: 3785 - 2012 / 7 / 11 - 13:46
المحور: الادب والفن
    


"في انتظار الحُكم" (Waiting for the Verdict, 1859 )، اسم لوحةٍ للرسام الإنجليزي أبراهام سولومون (Abraham Solomon (1823–1862، تُصوِّر أفرادًا يجلسون في أحد أركان الانتظار في محكمةٍ تسود أروقتها الظلال، إلاَّ من بعض الضوء الداخل على استحياء من نافذة مرتفعة وبعض الأبواب مفتوحة. يتهالك كهلٌ أشيب الشعر مستسلمًا مخفيًا وجهه بيده على مقعدٍ بلا ظهر موازٍ لأحد الجدران، معتمدًا على مرفقيه، زاهدًا في الاتكاء على الجدار. على مقعد موازٍ للجدار المتعامد تجلس امرأةٌ تشي ملامحها بالطيبة المحلاة ببعض العزم، وتظهر على وجهها آثار سنواتٍ من الكفاح، تسند بين كفيها طفلاً لم يبلغ عامه الأول من العمر وتتوجه إلى الرجل بنظرةٍ صامتةٍ، متعاطفةٍ ومدركةٍ لطبيعة الموقف الصعب. الرضيع الذي تحمله مشرئبٌّ على قدميه الصغيرتين، ينظر في ابتسامةٍ بريئة ويمد يديه الصغيرتين في لهفة إلى امرأةٍ أصغر سنًّا تعطيه ظهرها، وقد جلست في قلة حيلة على درجة سلمٍ في بداية الممر الموصل لقاعة المحكمة، وثوبها الفضفاض يفرش الأرض من حولها. على إحدى فخذيها تُسند طفلةٌ نائمةٌ رأسَها بينما يرتكز باقي جسدها الصغير على الأرض، وقد تهدَّلت ملابسها وتشوَّش شعرها القصير كأنما ألقاها التعب وملل الانتظار. تستنتج أنهم أفراد عائلة ينتظرون حُكمًا يمس حياتهم وقد يغيرها إلى الأفضل أو إلى الأسوأ، وقد تركوا أنفسهم تماماً إلى القدر الذي سوف يترجمُ قرارَه بعد حين في صورة كلماتٍ ينطق بها أحد القضاة. وبينما جلسوا وقد غرق كلٌّ منهم في أفكاره، وقفت صبيةٌ منتبهةٌ يتعلق بصرها بباب قاعة المحكمة في ترقبٍ بينما تضع يدها في مؤازرةٍ على كتف المرأة الجالسة.

في نهاية الممر المعتم إلا من ضوء النهار المتسرب في استقامة من أبوابٍ أخرى، يظهر باب قاعة المحكمة وقد فُتِح ليسمح بدخول رجلٍ مهيب يرتدي رداءً أسود، ينتظره رجال يقفون في احترام، وقد أمسك في يده أوراقًا مطوية.

يسود جو الترقب والانتظار لوحة سولومون، مع تسليمٍ كاملٍ وواضح من الأطراف المعنية بما سوف يقرره هذا القاضي أيًّا كان، فقراره حاسم و سوف يشكل حياتهم بعد النطق به على كيفيةٍ ما. يعلمون تمامًا أن عليهم تكييف حياتهم وفقًا لهذا القرار، ولم يدر بخلدهم للحظة تكييف القرار وفقًا لحياتهم. يستشعرون رهبة المكان الذي يجلسون فيه متواضعين كأنما يجلسون في رحاب معبد. يسلمون مقدراتهم إلى ضربة مطرقةٍ خشبيةٍ مُنهية لانتظارهم، سيضربها ذلك الرجل المهيب الذي يأملون منه الإنصاف.

ما قبل الحكم حال وما بعده حال، وبين الحالين ينتظر المتقاضون أو من ستمسُّهم نتيجة التقاضي بشكلٍ أو بآخر، تلك النتيجة التي ستُعلن بعد البحث في مجلداتٍ ضخمة من القوانين التي سنَّها بشرٌ مثلهم، يكتبونها ويفسرونها ويحكمون بها عليهم من فوق منصاتهم العالية . تلك القوانين التي يقدسها البعض ويتلاعب بها آخرون، يحترمها البعض ويطبقها كحد السيف، ويتخذها البعض الآخر كمطيةٍ تسير بهم في طريقٍ ثعبانيٍّ لتحملهم إلى حيث يريدون. يؤدي الفاعلون ومن سيقع عليهم الفعل أدوارهم في هذا السياق، غير عابئين بتلك المرأة التي تشرف عليهم من علٍ، تحمل في إحدى يديها كتابًا وفي اليد الأخرى ميزان، لأنها ببساطة لا تراهم، فهي معصوبةُ العينين.

بالنسبة لمن لا يملكون زمام الأمر، تتسرب الأيام وتلحقها الشهور والأعوام من أعمارهم المعلقة على رجاء كلمة؛ كلمةٌ قد تبدأ بهم من جديد، وقد تُجَمِّد الوضع القائم على ما هو عليه، وقد تعود بهم إلى الخلف. ذلك الزمن المفقود من حياة المنتظرين لا ثمن له.



#سها_السباعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وماذا بعد يا مصر؟
- قسَم الملعب وقسَم الميدان
- نهضة مصر - مسيرة تمثال
- كاتمة الأسرار – مصر والمرأة المصرية في أعمال محمود مختار
- إنها ليست كراهية، إنه حب امتلاك


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سها السباعي - في انتظار الحُكم