أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - الثقافة السرية في ترميم لحاكم محمد حسين















المزيد.....

الثقافة السرية في ترميم لحاكم محمد حسين


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 3782 - 2012 / 7 / 8 - 14:10
المحور: الادب والفن
    



قراءة في كتاب
الثقافة السرية في (ترميم) لحاكم محمد حسين
ثقب المسمار انموذجا
محمد الذهبي
اذا كانت الثقافة قد تجاهلت البعد السحري للغة عموما، فان ثمة ثقافة اخرى اخلصت لهذا البعد وفتحت فيه آفاقا قصوى، انها ثقافة سرية تواطأ القائمون عليها على الحفاظ على سريتها، على نحو يتوافق مع مضمونها، وما يشتمل عليه من روح طقسية تقتضي السرية والخصوصية.
ان هذه الثقافة السرية التي نمت باحضان حاكم محمد حسين وغيره من الذين تعرضوا لازمة استكلاب الانظمة الشمولية تعبر عن وجود متناه في العالم، وجود مادي لا يلغيه الغياب الجسدي، حيث تربطه بالعالم روح كلية مغايرة، في اطار حركة متداخلة ومتفاعلة تتأثر اجزاؤها ببعضها البعض، فيتجلى المصير الانساني المحظور، هناك علاقة طقسية في ثقب المسمار تربط الانسان بالمظاهر الكبرى في الوجود، تربطه بادق الاشياء التي تحيط به، بحيث يرتبط وجوده بوجود الاشياء من حوله، ولذا يغدو هذا الانسان طبيعيا ينفتح على الحياة كما تنفتح هي عليه، وتصبح العلاقة بينه وبين العالم، اصعب من ان تؤطر بمعتقل او بيت او عزلة اجبارية او اختيارية، شيء لايخضع للعقل ان يرتبط الانسان بالخارج عن طريق ثقب المسمار، الذي ينزوي في حافة من حافات المعتقل، لتبقى لحظات اكتشاف خيط النور المنسل هي جوهر العلاقة مع الخارج، وهذه اللحظات مرهونة بلحظات الاستشراف التي تغدو بابا على قدرة استيعاب الصلة بالوجود.
وفي اطار هذه الروحانية العجيبة يلقي حاكم محمد حسين في ترميم وفي ثقب المسمار بالذات، الضوء على تجلي الروح الكلية وتجسيدها، ويبرهن علاقته مع العالم بكوة دقيقة، ربما كان خيط الضوء المرسوم على جمجمة المعتقل الآخر هو الذي هداه اليها، ومع هذا لم يكن هنري باربوس في روايته الجحيم، اسعد حظا من حاكم محمد حسين، رغم ان العزلة التي عاناها باربوس كانت عزلة اختيارية، في حين ان عزلة حاكم محمد حسين اجبارية مصحوبة بجميع انواع القهر ومصادرة الانسان ونوازعه وافكاره وعواطفه، ليصل الامر الى معاملته معاملة دنيئة بحشره مع فضلاته في زاوية واحدة، هذه حرب من نوع آخر، انه يحارب جسده بحاجاته الطبيعية، ومع هذا فانه يشرف علينا من قاع هذا المستنقع المليء بالعذابات على عالم يتجلى من ثقب المسمار، لم اكن اتصور ان قصاصة الورق تستوعب افكارا كبيرة كالتي طرحها المؤلف، ولا اعقاب السكائر هي الاخرى تستطيع تصوير معاناة سجين محكوم بالاعدام، لقد صور حاكم تجربته قبل الولوج اليها، واستطاع ان يرسم لنا صورة متناهية بالدقة.
مامدى فسحة الامل التي كان يتمتع بها ، وما مدى امكانية ان تنفتح على عالم رحب من ثقب لمسمار اغلقه السجان في اليوم التالي، يقول حاكم محمد حسين في ثقب المسمار، وهو يشرح تداعيات غاية في السرية: سارتمي في بيتي وسؤسأل ايضا فاجيب عن بعض حالات لايمكن باي شكل، او على اية صورة ان انقلها الى امرأة، مثلا لديها كل الرغبة في البكاء قبل تفوهي بالكلمة الرابعة او الخامسة من الحديث، كما لم يحن بعد لرجل امتلأ بالعالم ان يطيق سماعي، وانا اتحدث عن ثقب المسمار، واكتشافي لوجوده في جدار الصفيح، حيث كان واحدا من جدران المعتقل الطويل، اذ ضمنا لمدة طويلة ملتصقين ببعض ستة او اكثر في متر مربع واحد، نجلس القرفصاء ونحرك ارجلنا بالتناوب، فاذا شئت لقدمي ان تمتد قليلا، فما على صاحبي الا الوقوف، وتتم هذه الحركة في ظلام مفعم برائحة البراز والخوف والوهن الجسدي.
انه عالم خاص يتطلب سرية كاملة، مجرد البوح او التفكير به يصيبك بالغثيان، ولذا رأت الانظمة الديكتاتورية ابعاد هذا العالم عن عيون الآخرين، ليبقى مجهولا بنظر الجميع، حتى تطأ اقدامهم مساحة المتر ليطلعوا على المفاجآت اللاانسانية، وحجم المرارة والفرق بين العالم المرئي الذي اعتادوا العيش فيه، وهذه العوالم السرية التي اختزلها حاكم محمد حسين في قصاصات ورقية في ذروة المعاناة الانسانية، ليخلق منها عالما آخر مليئا بالامل عن طريق ثقب صغير: انك متعب بعد قليل سنتناول الغداء، ساجلب لك نصيبك، حين انتهى تذكرت انني جائع، او انني لم آكل طوال هذا الزمان، ولم يكد يمضي وقت قصير حتى اعلن عن وجبة الغداء، ان مجرد الاعلان عنها يعني ان تقرر كيف ستكون المواجهة، اذ يضعون الغداء القليل وهو غالبا مايكون من الرز في باب المعتقل، ثم يفتحون الباب لخمسة آلاف رجل، فتندفع الجموع على قدر كبير، تحت حراسة مسلحة، وبفعل التزاحم غالبا ما ينكفىء القدر، ولكن لابد من الاكل حتى تقاوم الايام المقبلة وما يتخللها من استدعاء وتحقيقات.
ويكاد حاكم محمد حسين ان يكون خبيرا، او متنبئا من نوع خاص، وهو على يقين انني سأقرأ من بعده ما كتب، فيصدمني بين فترة واخرى بنوع من المأساة البعيدة عن التشويق، والتي لايطيق معها الانسان سوى الصمت وتصور الاحداث:
لقد مات....
منذ متى..؟
منذ يومين
الم تخبروهم؟
فعلنا لكنهم تركوه قصدا.
لم يتطرق الكاتب كما في الادب المستريح الى عنصر التشويق، او الصدمة المفاجئة، انها عذابات انسانية عشناها، ونرى ابطالها في كل يوم، منهم من غادر مثل حاكم، ومنهم من لم يزل شاهدا على عصر الظلام والهمجية، لكن تأثير حاكم محمد حسين كان اشد وقعا، لانه ترك خلفه كما من المعاناة الحقيقية الدقيقة، وصف بها كل شيء، وسلط الضوء على عذابات الروح التي اريد لها ان تكون خالدة:
كيف اطفؤوا عينيك؟
للمرة الثالثة تسألني هذا السؤال، بيد انني لم اجد القدرة على الشرح، الا حين اجد الفرصة بالتطرق لما سبق الحادثة، فحين يكون المرء في ذلك المكان لايسعه الاختزال.
وحاكم محمد حسين استطاع ان يهرّب وسائله، كما يقول وارد بدر السالم: ينجح قلة من المحكومين بالاعدام بتهريب رسائلهم الى ذويهم واصدقائهم، في محاولة اخيرة للبقاء على قيد الحياة، ومع ان مثل هذه الرسائل تشكل عوالم سرية في الغالب، لكنها تفصح بشكل واضح عن ان مرسليها لن يستسلموا لقدر اعمى ساقهم الى هذا الحتف الاخير، بغض النظر عن الحالة الجرمية التي تنسب اليهم، فالحياة تبقى مضاءة، بل وتشتد اضاءة في عيون هؤلاء الذين سيغادرون الحياة مرغمين، وما الانطفاء الاخير الا غمامة ثقيلة تنسدل على العيون، في حين تبقى شعلة الحياة بجمالها او شقائها، لونا من الوان التعبير عن الحضور الانساني المقصى عنوة، حتى وان كتب الموت نهايته التعيسة في قلوب هؤلاء المرتحلين قسرا عن جدلية البقاء والحضور.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على جدرانك يبتدىء الصمت
- حمى مجانينك تخترق الجدران
- جثة السندباد
- تأويلات الطاعن في الحلم
- تقرع سن اليأس كؤوس نداماي
- تذكرتين
- هزيمتي والوقت
- امنيات اخرى
- في اولى اللحظات
- حفلة للجنون
- يوميات دمشقية
- ياشيخ العشاق
- الى شاعرة
- ترنيمة المطر
- يكفيكِ انك واقفهْ
- من يوميات الوسخ العربي
- حين ينحسر الظل بيننا
- لكل النجوم التي غادرتني ، وللّيل ذاك الطويل سأكتب عزائي
- طائر الفينيق طار
- لعينيك واشياء اخرى


المزيد.....




- الإعلان عن وفاة الفنان المصري صلاح السعدني بعد غياب طويل بسب ...
- كأنها من قصة خيالية.. فنانة تغادر أمريكا للعيش في قرية فرنسي ...
- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - الثقافة السرية في ترميم لحاكم محمد حسين