أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال نعيسة - إنهم يأكلون الأصــــنام














المزيد.....

إنهم يأكلون الأصــــنام


نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..

(Nedal Naisseh)


الحوار المتمدن-العدد: 1105 - 2005 / 2 / 10 - 11:08
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


تذكرت الأن, وفي هذه اللحظة بالذات, كيف كان أولئك الجاهليون البدائيون, في مرحلة البداوة المطلقة والإنفلاتية القصوى ,يخترعون الأصنام من الحجارة والمعادن أو الأخشاب, ثم يقومون بعبادتها وتأليهها والتضرع لها بأن تحميهم من كل ضيم وسوء وتدر عليهم المال الحلال, وكانوا يروجون لكراماتها وأسرارها وحمايتها لهم من الأمراض ومختلف الأخطار,وكانت بمثابة القوة الخفية والطبيب والمهندس والمعلم والبنّاء, حتى لو كان صانعها محتال نصاب وتاجر زنيم أفّاك.وكانوا يصدقون أنفسهم ,ويدافعون عن آلهتهم المزعومة ,ونشبت لذلك حروب كثيرة بين تلك القطعان المتوحشة أسفرت عن كثير من القتلى والصرعى كرمى لعيون الحطب والخردة والأحجار.وحين كان أحدهم ينتصر كان يرد ذلك لفضل الأصنام عليه.ولعل أطرف مافي تلك الأصنام, هي التي كانت تصنع من التمر, حيث كان متوفرا بكثرة ووفرة لدرجة أنه تم تصنيع كثير من الأشياء منه.والأنكى من ذلك كله أن تلك الآلهة سرعان ماكانت تتعرض للفتك من قبل أولئك النهمين الجائعين وخاصة أيام المحل والقلة والإملاق التي كانت كثيرة الحدوث بسبب الطبيعة الصحراوية الجافة الفقيرة المقفرة من كل شيء بحمد الله. وكانت تؤكل وتنسى هكذا ببساطة بعد أن كانت مصدرا للحياة والتوسل وإيديولوجية المجتمع التي تتحكم بكل المسارات,ودافعا للشر والبؤس والعناء.وكان البعض بعد أن يفرغ من عباداته وطقوسة يقوم بنهش قضمة من قدم أو فخذ أو كرش الصنم,ليسد بها رمقه, ويشبع بها جوعه ونهمه,ثم يذهب في طريقه متوعدا معبوده بمزيد من القضم عند المساء.وقد عبر الشاعر عن هذا الواقع المجاعي الإيماني بقوله"أكلت جهينة ربها زمن التقحط والمجاعة"وفي رواية أخرى التقحم.ولقد كانت كل هذه الحركات والطقوس هي محاولة التفافية لتفسير الكون وقهره والذي عجز أي كان عن إفشاء سره .وكانت أيضا مهدئا ومسكنا روحيا لمن كان يقلقه الوضع والحال لما بعد الحياة,ولشدة ولعه وحبه لها كان يمني النفس بالعودة لها ,ويحلم بالبقاء فيهاأطول فترة ممكنة ولو استعان بالسحرة والأصنام والتمر .

واختراع الآلهة والأصنام وعبادتها فكرة قديمة وموجودة في تراث الإنسان الفكري والديني ومنذ أن بدأ يفلسف الأمور ويسأل الأسئلة المحيرة والإجابة عليها أحيانا ببعض الأجوبة السهلة والخفيفة والميسرة والتي تنطلي على البلهاء ,ويصدقها ثم تصبح مقدسة وأسطورة رغم أنها من صنع يديه الآثمتين.وقد راودت الفكرة أدباء وفلاسفة ومفكرين وساسة كبار.وتعتبر مسرحية جورج برنارد شو الساخر المتعولم فكريا ,واحدة من تلك الأفكار التي سكنت خيالات الإنسان عبر العصور.وتعتمد فكرة المسرحية برمتها على الأسطورة وصانع الأصنام بيجماليون الذي يخترع تمثالا لسيدة رائعة الجمال بيدية ثم يفكر ويحاول أن يتزوجها ,وعندما يفشل في ذلك يحطم الصنم بندم وحسرة وألم . كما جسد الفكرة أيضا توفيق الحكيم في إحدى مسرحياته ,واستقى منها الملحنون أيضا روائع الأنغام.لكن فكرة شو الرئيسية تجلت بشكل آخر حين حاول البروفيسور تعليم ليزا الفتاة الفقيرة الكلام المخملي والسلوك الإنساني النبيل وترويضها للعيش في المجتمعات المخملية لينتهي الموقف بشكل كوميدي ,ولكنه كارثي ومأساوي في أوجه كثيرة عندما حاول أن يصنع منها آلهة اجتماعية لكنه خسر الرهان.وربحت تقاليد الجهل والبؤس والحرمان ,وحيث كل شيءيعود لأصله ,وكل إناء سينضح ولا شك بما فيه من الروائع والدرر والكهرمان,ورأينا كيف عاد تسونامي الفاجر الغضبان لوحده ,بفعل ناموس الطبيعة ,بعد أن فتك بالرقاب...

واستمر ساسة الجهل وبائعي الخرافات وسدنة الأحجار والصخور والرمال ,ومفكريهم وأساتذتهم الكبار في تفريخ وصنع الأساطير والأصنام وتزويقها وزركشتها وترويجها في الصحف والإعلام والفضائيات, في زمن العقم الفكري والجدب العقلي والمد الصحراوي الأصفر. وقد سوقوا لها ودفعوا البلايين في ما وراء البحار والمحيطات لترويج الأباطيل والنفاق لتصدقها النفوس الضعيفة المولعة بالسحر والخلود والبقاء والنفخ والتضخم والضخ وتقديس الجماد.وكبرت الأصنام وصار لها مريدوها وتابعوها ومقدسوها في كل البلدان .وتسرطنت وورمت وانتفخت الأوراك والخدود والمؤخرات والأوداج,وحان وطاب وقت القطاف,وصارت صنعة بيجماليون كارا يتقنه جميع الناس ,ولكل صنمه ,وتمره,وتعويذاته التي تحميه من المعارضين و"الأشرار". وحين أصاب القحط والمحل والجفاف كل المجتمعات وفتكت الأمراض ,وعمت المجاعات,وأصبح الجميع عبيدا في ممالك السلاطين وصار الجميع يحاول التنكر والخلاص من بيجماليون صانع التماثيل وبائع الأوهام,كان لابد من الدعوة لوليمة البلح والرطب والتمر في قصور السلطان.حيث لم يعد أحد يريد بقاء ورؤية هذه التماثيل في الساحات ,والطرقات, وفيما يتهيأ الكل لإلتهام التمروالخشب والنحاس.وينتفض بيجماليون بعد أن روعته التماثيل ويفعل مافعلته جهينة في زمن التقحم والمجاعة,ويصدر أمر سام بمصادرة وإلقاء القبض على جميع التحف والتماثيل والتمور في البلاد.لتؤكل في ولائم يدعى لها الكبار والصغار ويتابعها الجمهور بانبهار.

إنهم يأكلون الأصنام............لابد أن القوم جياع.

نضال نعيسةكاتب سوري مستقل



#نضال_نعيسة (هاشتاغ)       Nedal_Naisseh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السقيفـــــة
- سجناء بلا حــــدود
- فقـــــراء بلا حدود
- لاتحاكمـــوا هذا الرجل
- مواجهـــــــــة مع الذات
- محــارق وأوشفيتزات
- النهايات المنطقيـــة
- البؤســـــاء
- الجحيــــم الموجــــود
- الصدمـــة والرعب
- توم وجيري.........للبالغين سياسيا فقط
- أهل الذمة السياسية
- تسوناميا العظمــــى
- عاصفة الصحــــراء
- بريسترويكا إعلاميــــة
- شهـــود الــزور
- 2-العولمـــة الجامحــــة
- 1-العولمـــة الجامحـــة
- قوانين الطــوارئ العقلية
- خذوا الكذبة من أفواه السياسيين


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال نعيسة - إنهم يأكلون الأصــــنام