أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - كلاب حراسة وجسد فرانكنشتاين















المزيد.....

كلاب حراسة وجسد فرانكنشتاين


ابراهيم زهوري

الحوار المتمدن-العدد: 3778 - 2012 / 7 / 4 - 16:43
المحور: الادب والفن
    


كلاب حراسة وجسد فرانكنشتاين
ابراهيم زهوري
ٳلى فوزي رشيد بستوني , أحمد عمر الخطيب وحسن مصطفى حسن
ومثلهم على الضفة الأخرى , ضحايا مقتبل العمر .
" في هروبه استمع الى صوت عذب من خلف موقد نار , افتتن به وعشق نغماته ومن حينها ابتدأت المطاردة ".
منذ زمن ليس بالبعيد رثيت المخيم بكينونته كما يرثي الشاعر العذري أطلال محبوبته وتحديدا عند تلك اللحظة المصيرية التي غادر فيها البطل مسموما وشهيدا غير نادم , وارتحل الشاعر إلى حضرة الغياب يدشن انفجار فؤاده قصيدته الخالدة شظايا عشب روابي مدينة رام الله , واختارت أمي بعد نفاذ جعبة سأم الذاكرة أنين صفد مترين من ضيق أرض المنفى عند منعطف طريق رئيسي لتشكل بين جنباته لحظتها الأبدية " تحت التراب ولا كل هذا العذاب " كما كانت تقول وتردد , منعطفا لا ينفع في شيء إلا في فتح الدنيا ممرا واحدا ووحيدا لاكتظاظ المخيم وامتلاء قصبات الرئتين بكل وحشة الهواء باتجاه مقبرة الشهداء حيث وراء السور الحجري تغيب الشمس رويدا رويدا بكل مهابة هدوئها المعتاد ومن خلفها تتوسد المدينة تلال كروم الفستق وعلى قمتها تنتصب قلعة حلب كعروس لا يجاري جمالها أحد .
- 1 –
المخيم مساحة كيلومتر واحد من أرض واهدة ومفردة النيرب في أصولها السريانية تعني بكل بساطة السهل الواسع الفسيح و المترامي الأطراف , هكذا أجدادنا القدامى اختبروا ميزة التراب الأحمر المنبسط يدفع مغتبطا شريان الماء في لحظة خصب وابتهال آلهة ترنيمة الحصاد الحبلى بضفاف نبوءات لا تنحصر , تضمه من ثلاثة جهات بساتين وارفة لجيراننا الفلاحين البسطاء الذين كأول وهلة يخشون هيئة الغريب وتنقصهم شجاعة المبادرة للاشتباك الانساني البحت يلتهمهم مكر الخجل ونكهة مفردات اللهجة المختلفة , توقف الزمن عندهم في تعداد قباب طين كنهود ناهضة تحتفي بالفخر وتعتصم بخيوط البناء المتوارث لحضارة الماضي العتيد , حينها كانت بكثرتها مفاجأة لنا نحن الذين اعتدنا سطوح منازلنا المستوية كمرآة مصقولة لنجوم ليل الأعراس وصدى أغاني الميجاناونخوة مآسي العتابا وهي تتعشق بكل تودد مصفوفات الآجر الأحمر تفتدي سكينة المساء وانسياب منحدر الوادي باطن كف يتكاثر ورد بهجة القصص, وكانت الأرض لجيراننا القرويين اتساع الطين المنفلت من عقاله في فصل الشتاء وكانت القباقيب الخشبية المرتفعة حلا ذكيا مناسبا لتفادي الغوص في حبائله المرنة , ذكرني بقبقاب شخصية تلفزيونية هزلية لممثل اشتهر به وارتاح لرنينه العالي وهو يردد لازمته التي تفصح عن تبرير "مقالبه" العديدة لأصحاب المال والسطوة " حارة كل مين ٳيدو إلو " .
هيا ٳلى خير العمل قيامة كل صباح , سيل نشاطهم المعهود يصافح الشمس بارتياد الحالم سراب أغصان شجر السرو المنتصبة باستقامة على السواقي المبعثرة والملتوية كالأفاعي وهي تتمايل نشوة التزاوج الفتي, والثياب ككل الفلاحين شروال أسود داكن وقمصان مزركشة زاهية وخنجر الخصر ودروب قطعان الماعز الترابية خريطة تحايل البيوت المتسعة وخشونة أقدام أطفال حفاة لم تتحسس بعد أجسادهم الطرية متعة الثياب الداخلية , واللسان أكثر من علامة الواقف بين البداوة والزراعة حائرا من غياب معنى زي المدرسة الرسمي ونشيد أحرف التكوين أبجدية النشوء واﻹرتقاء, يشبهوننا في كل النواحي عرقا كبشر وعرفا في كومة حنطة وعشق الحطاب ليوم الصيد وتعريفا الى ما شاء الله جفوة حجر أغبر , نعم هم مثلنا تماما ٳلا في ذيلنا الطويل الذي نخفيه نحن تحت ثيابنا أسفل ظهرنا مهابة الفضيحة المدوية حسب ما قالوه عنا جهلا نحن اللاجئين مسافة وطن واحد حيث ارتمينا طيش تيهنا رغما عنا حضن سماءنا الجديدة وحدود مكان مؤقت بوابته الوحيدة تجهم سوط رجل شرطة وجرح سياج شائك يعبس كلما غرغرت أطرافنا نداء الحنين وبكت العجائز ماتبقى من عمر مديد, عيننا على البلاد التي تركناها كرها وعينا على مستقر غريب لا نوقن نتيجته ٳن نحن في صمت مهانة الخروج أقمنا كالمهزومين خيمتنا الأزلية , والمخيم بالأساس عبارة عن ثكنة عسكرية تحاذي مطار الطائرات القليلة العدد ومربط خيل الجنود الفرنسيين الذين رحلوا حينها على عجل بعد أفول نجم النازية وخسارة الرايخ الهتلري الحرب العالمية الثانية , وهو أيضا رحاب مضافة استراحة لطوابير زحف الفاتحين الجدد من جنود التاج البريطاني الذين مالبثوا أن أشادوا المزيد من المهاجع وأقاموا الغرف الجديدة وسقوف "التنك" وأعمدة الخشب , هكذا كان في نهاية أربعينيات القرن الماضي حيث سجل شهادة ميلاده في قيظ صيف أرعن باستقباله جموع فلاحي الجليل و"بروليتاريا" مدن الشمال من فلسطين وكان لهم هنا ملاذا بعيدا شبه آمن من بطش سلاح العصابات المتصهينة المدعومة بفاشية الانتداب الانكليزي الكولونيالية هناك .
_ 2_
في عباءة التعاريج , في كل لحظة شرود واضحة من طفولتي المتكسرة تحت ظلال ياسمين العتبة , كنت استحضر رائحة البشارة على فمي وأقول أهلا لرواق الدغل يتأمل تلك الصورة المعلقة أمامي وكأنها حبال أرجوحة لا تتوقف ولا تنام في ذهابها المتكرر وٳيابها على جدار الغرفة في المهجع "52" , كانت تتوسط الغرفة كلوحة غار تتوثب قرع الطبول ونداءات الفداء وخلفها لون الطلاء أزرقا فاتحا يستدعي عن طيب خاطر أمواج بحرنا وسفينة آخر المطاف , والصورة إطار خشبي ممزق ولوح زجاج مستطيل يكور ظلال ملامحنا في وجه فلاح وسيم بزي بذلة عسكرية نظيفة لا تنفع للعمليات الحربية بقدر ملاءمتها للاستعراض المعد مسبقا والتقاط الصور في بهجة ذكرى لحظات المناسبات الوطنية , ثاقب العينين مبتسما , ساهما نحو الأمام باتجاه الشمس التي تطل من بين عدة غيمات بيضاء تنفتح أساريرها كلما أمعنا فيها النظر , وليس غريبا لنا نحن الأطفال أن نصادفها في كل بيت وكأنها أحد أفراد العائلة المقيم فيها ليل نهار رغم غيابه الحي عنها ليكتفي الناس فقط متابعة أخباره المشهودة في نشرة الأخبار , متواجدا كوسام يزين صدر مقاتل شجاع يستعد بكامل جهوزيته للاندفاع إلى قلب المعركة غير آبه يلوح بكلتا يديه بابتسامات الوداع , وهي ذاتها صورة الرجل نفسه لكنها بحجم أكبر تحوطها بحنان واضح لا لبس فيه الشرائط السوداء تبللها دموع النساء وشهيق تقطع الأنفاس لغياب الوعي ولطم الأبدان وتقطيع جدائل الشعر المتدلي ٳلى ماتحت الأكتاف في الميتم الذي أصبح لاحقا للذكور مدرسة ثانوية تيمنا بأول شهداء المخيم "محمود أبو الحسن ", حلقات ندب وهياج نواح لا ينتهي حتى يبدأ, مرايا الأحلام تتكسر والأشياء مقدرة المكان تبث لواعجها وتعود من حيث أتت غلالة هول مصيبة وشفير موت محتم وعطش فناء وتعب الخراب يستوطن الزوايا وتفلت من رموشها الخبايا كرمى عيون الفارس البطل حبيب الملايين الذي ترجل باكرا و من غير ميعاد .
_3_
لم أكن الأول ولم أكن الأخير , أشبالا في معسكر التدريب , إرتدينا اللون "الكاكي" وانتظمنا كأسنان المشط في طابورالمسيرة الفتحاوية خطوتين إلى الأمام والرأس هامة الفولاذ وفي الصرخة تتهاوى الحروف وتعجن هتاف الثورة و في الثالثة ضربة كعب القدم قاسية على الأرض بثبات زنار نار في دولاب يشتعل, ٳزداد تعارفنا في تآلفنا على بعضنا البعض وفي توسع معرفتنا بفك السلاح ٳلى قطعه الرئيسية وٳعادة تركيبه جاهزا للإطلاق كما كان , كنا أحرارا كصغار الغزلان نرتاد وجدان الغابة وسرير الماء لنلبس سحر مشاعر الطبيعة ونتعلم النطق بحرفة المطالعة , لا تزعجنا كثبان غبار ولا تلهينا قرصة جوع كالمعصومين عن الخطأ نتلفح الكوفية ونحفظ الأسرار , ننشدالأغاني عن ظهر قلب " طل سلاحي من جراحي " و في كل نهار نبتعد فيه عن تعويذة العتمة وعن سرد النصح مرارة جسد المهاجع نقترب من فلسطين أكثر ولا نمل بلون الذهب من رسم الشعار , وننتهز الفرصة بطرفة عين عندما يعود المدرب ذو اللكنة الغزاوية إلى مقره لا نتوانى نحن أيضا عن مغادرة مواقعنا المنتقاة في استراحة سانحة لنصطاد عبثا فراشات حقول الفاصولياء الخضراء وأنا وحدي كنت غافلا عنه منخطفا من حيث لا أدري لوهج أنفاس المستحيل , للمدى رؤيا رغبة الخالدين وجاذبية المستعين بالحياة سر الممكن في المسالك الخفية , معترك مواظبة العيش كالهائم يغني لحظة العدم , لم أنتظره وقت الغروب ليعود معي إلى البيت كعادة الأخ الأكبر منهمكا ببقايا خوفي هاربا أدوس على ثمار العشب علّني أتفادى الوقوع أسيرا عند صاحب البستان الغاضب الذي لم يألف انغماس شجن ملائكتنا في همسة الصيف شغف التفاصيل, تركت من شدة فزعي أخي الصغير ورائي ليلقى القبض عليه ليأخذه عنوة سخط فلاح إلى حيث لا أدري ولا أستطيع , لم نكن غير أسماء نادرة تلثم من روح الله نفحة الطين وتستكشف نعمة الغرائز نهم منجم الدنيا بين أهداب الأزقة بصيص مقتبل العمر وأواصر ماضينا تغتسل في اليقظة دروب القادمين , صرخت وصرخت ومن حولي على الهواء وعلى اليابسة تلفّت وفي تواشيح بريّتي توغلت لتنهال دوائر الغفلة من مسافة قريبة في مكان عام وتنسج خيوط سلالاتها أغلظ الشتائم خطر الغريب صاحب الأرض -: سرقوا لي ابني .... سرقوا لي ابني , هكذا أحسست بقلة الحيلة بنضج وخزات العجز وتوالد سلالم الفراغ والقلعة التي كنت أتحصن فيها مهلهلة وكأنها تملصت من راحة غفوتها وغادرت ريعان ارتيادي لحن خريف أبدي لا أصدق ما شاهدته حينها حيث بعد ذلك ضاع مني اللسان , وجدت أني بالكاد نجوت لكن أزيز رصاصتي التحذير من مسدس القائد أبو طالب سليم حديري بلمح البصر أزاحتا الغمة وأعادتا بهدوء الواثق المنتصر ترتيب المكان لأرى أخي تحت العربة أمام الحصان يلتفت نحوي ويمسح دموعه .
مخيم النيرب
4/6/2012



#ابراهيم_زهوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من جدثي بيادرالظلال نهار أشباح, ونار الخيمة رفوف أجنحة وأطيا ...
- في الهوى ... صفصافة أخرى للغياب ,دمع غيم زاج ...
- - بلال - المنتصر في التسكع والرابح خمرة المغامرة
- وجع يبتكر يقينا , والجياد أدركتها عصافير الغجر .
- شمال البلاد أضرحة , و الأرض هي نفسها .. قامة شموس مذعورة تقت ...
- الحكيم في المخيم .. بيننا ! إذا ... لماذا لا يأتون إلينا !
- ضجر العتبة ونعال الياسمين طوق نايات المساء
- سراب أبدية كنوم ثقيل مضرج بالهتاف , غبار نحيل وكأس انتظار .
- أيادي متسخة حجارة المنفى وثمار الجنة
- وصف ٳطلالة معصوبة العينين خوذ جنود بلا أوسمة سقف فناء ...
- خطاب الايديولوجيا بين التاريخ وغيابه - العرب والدولة العثمان ...
- وبرُ خطايا عفة ضلال , شتول صهيل الغجري و سيوف زبانية الليل .
- هزيع أحلام وتخمين حصيرة زاحفة
- -الغيتو- يشيد الجدران وحارة -اليهود- عندما تصبح دولة
- صورة أسد يلبد , سيف ذو شعبتين و ابن عم النبي
- عن تاريخ وطني منجز
- محراث طيش المرايا , المدى شيخوخة .. تخوم كآبة وهمسات تيه الن ...
- في مطلب يهودية الدولة
- حداء المصحف ملكوت آية وصهيل الغواية عبور نهرين في كأس ماء
- الغريب والقريب..عدوان!


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابراهيم زهوري - كلاب حراسة وجسد فرانكنشتاين