أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حليمة زين العابدين - اشتهاء المرارة، قراءة في المحكي السجني -ملح وابزار- لعزيز الوديع















المزيد.....

اشتهاء المرارة، قراءة في المحكي السجني -ملح وابزار- لعزيز الوديع


حليمة زين العابدين

الحوار المتمدن-العدد: 3774 - 2012 / 6 / 30 - 08:31
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


حين نأخذ كتابا بين أيدينا، أول ما يثير انتباهنا عنوانه، فهو إضافة إلى كونه عتبة لولوج عالم النص، هو الاختزال المكتف له ، وذلك ما يتداول عند المشتغلين بقراءة الكتب ونقدها وبحث الأدبي فيها، أما إذا كان القارئ كاتبا فهو يدرك أن مشكلة الكاتب هي العنوان، يسهل عليه تسويد مئات الصفحات وحين تأتي مرحلة اختيار العنوان يتشاكل عليه الأمر: كيف ينتقي عنوانا من بين العديد من العناوين المتواردة على الذهن، يكون حمولة إشارات ودلالات النص.
ملح وإبزار العنوان الذي اختاره الكاتب عزيز الوديع، يثير في ذهن المتلقي الذي لا يعرف عزيز تساؤلات تغري باكتشاف عوالم النص لما يحمل من أبعاد مباشرة بحكم طبيعة الملح والإبزار وانتمائهما إلى حقل الطعام ، هكذا نجد أن العنوان الذي اختاره عزيز بدهاء الكاتب الذي يعرف كيف يحيك الشباك حول قرائه، قد حقق وظيفته التأثيرية والتحفيزية على القارئ، فهذا الملح والإبزار لأي طعام، وأية أكلة هي الكتاب، تلك التي فتح العنوان شهية التهامه، خاصة وأن صاحبه يقدمه لك مقرونا بابتسامة مشحونة ببراءة طفولة، لازالت ثاوية في أعماقه، وكما لو كان يدعوك لوليمة بسخاء وكرم كبيرين، تسأله ما الملح وما الإبزار؟ تجيبك قبل لسانه ،عينان تشعان بحب يحتوي الكون: "الطعام بلا ملح أو إبزار يؤكل، ولكن لا تجد له لذة أو معنى"
غير أن العنوان، وما يحمله من إشارات مباشرة إلى الأكل المملح الشهي، سرعان ما يصطدم في ذهن المتلقي بنقطة حمراء، تذييل الغلاف كتب وسطها "محكيات سجنية" فيتحول العنوان إلى بؤرة توثر، تئن بحمولة من إيحاءات رمزية، تكثفها علامة المنع البارزة باللون الأحمر في قلب الغلاف فوق دائرة بيضاء نقرؤها "قمر مكتمل"، ومن مؤشراته الدالة: (الجمال- الأمل - الحياة- الطفولة...) أو نقرؤها الأرض ودلالتها الرمزية (الولادة - الخصب- النماء)، فأي منع هذا الذي تشير له علامة المنع على الغلاف، أهو منع للولادة، للحياة، للجمال، للأمل...؟ وأي نوع من أنواع المنع هذا؟ أهو السجن الذي عاشه عزيز الوديع صبيا؟ وما علاقة الملح والإبزار بهذا المنع؟
من يعرف عزيز الوديع، يعرف أنه الطفل المسبي الذي حُرم صدر أمه، وانه المراهق الذي عانق برودة الزنازين بدل دفء حضن الحبيبة، وأنه الأمل باحتواء الكون الجميل النقي وقد احتوته قذارة المخافر، وانه الرجل تعانقه المآسي والآلام ضاحكا.
فأي قدرة لعزيز على تحويل المأساة إلى ملهاة، على تحول اشتهاء بكاء الواقع إلى ضحك منه ومن أحزاننا.
هو ذا "ملح وإبزار" ضحك من واقع بشع ، آلامه مدى وسكاكين صدئة تحز في حي اللحم. إنه واقع السجن هذا التنين المخيف الذي ابتلع عزيز وقد كان طفلا، ولم يكن له سوى هذا الملح والإبزار يحول به مرارة طعم السجن إلى شيء قابل للابتلاع. قد نتساءل كيف؟ ... الملح والإبزار كتاب ينجلي عن لذة متولدة من الانتصار للقهر بالمزحة والنكتة، يقول الكاتب: "كنا نسخر من السجان، طبعا ذاك الذي يود أن يلحق بنا الأذى"ص12
ونجد أن "الملح والإبزار" يخرج عن كل معنى مباشر إلى معاني موغلة في الانزياح، يطبعها التماهي والتعارض من اجتماع المرارة واللذة في ذات الآن. السجن مرير، هو اغتصاب للحرية هو المنع والقهر والحرمان "أما السجان فلا يمكنه إلا الضرب وإلحاق الأذى بالذات المعروضة للتعذيب" ص120 السخرية منه بالنكتة والضحك يغذي لذة التشفي من السجان الذي يسعى بكل ما أوتي من قسوة وجبروت ليحول الطفل المعتقل المريض، المغمض العينين والمكبل بالقيود إلى كائن محنط يتجمد الدم في عروقه."النكت ملح الحياة، والحياة كالطعام حتى يبدو للإنسان أننا كنا في مطبخ وليس في سجن، ولكن كنا نضحك لنقول للآخرين اللذين يشهدون ويسمعون أننا آدميون."ص.13
"ملح وإبزار" صور خاطفة تختزنها الذاكرة عن شخصيات عاشت بالسجن والمعتقلات، وحين يستحضرها عزيز أثناء الكتابة ، يريدنا ان نتمثل واقعا باكيا، ضاحكا، نضحك حين نسمع كلمة "الضوك" وقد اشتق منها التصغير(طوييك) لقب أحد شخوص السجن، نضحك لسماع كلمة "الميك" المتحولة على يد السجان إلى آلة جهنمية لإلحاق الأذى. نضحك من "الكاشو" التعبير السجني عن الغربة والوحدة، عن المنع، المنع من الحياة، إنه ضحك مبطن بالمرارة، سرعان ما تنفجر فينا بكاء، نحن الذين لا نستطيع أن نلبس المأساة بالملهاة ليكون لحياتنا ذاك الملح وذاك الإبرار ، نبكي سعيدة وزروال ورحال، من قال عنهم عزيز: "إنهم رحلوا قبل الأوان". نتوغل في القراءة فتصبح "ملح وإبزار" ضحك حد البكاء وبكاء حد الضحك ، تصبح المتعة والمرارة مقترنتين معا لحظة القراءة. متعة اكتشاف عوالم السجن ، أشيائه ومسمياتها ووظائفها وهي تقدم لنا بلعب لغوي وبراعة في اختيار الكلمة الهادفة مواطن الضحك عند القارئ، يقول عزيز في الصفحة14 :" السجن هو الكاشو، أو الزنزانة أو التسجين أو دار البيضانسي"، متعة ممتزجة بالمرارة لمعرفة أن الكاشو/ الزنزانة / دار البيضانسي، هي مسميات فضاء للتعذيب وهدر الكرامة والحرمان من الحرية يقول عزيز في الصفحة 16: " المحبوس يكون في سكن ضيق في الزنزانة المشتقة من الأزيز، في انتظار الخروج إلى الساحة – بريموناد- استعمال آخر للكلمة الفرنسية promenade _ التي تعني التنزه والتجوال"
وهكذا يسير الكتاب " ملح وإبزار" بالقارئ عبر مسارات متحولة من المتعة إلى المرارة، ومن المرارة إلى المتعة، متعة قراءة صور خاطفة وخفيفة عن شخصيات عاشت والكاتب زمن السجن فأكسبتها قدرتها على تحدي السجن والسجان سرمدية الزمن وثقله الوازن (رحال/ سعيدة/ زروال/ أبراهام/ أحمد/ صلاح/ عبد القادر/ الميلودي....) شخصيات أشار إليها بأسمائها الواقعية أو بالحروف الأولى منها، متعة الوقوف عند قدرة الكاتب على تحويل المرارة إلى محكي تهكمي من هذه الشخصيات ذاتها وهي تنتصر على مغتصبيها بالسخرية وبالنكتة. فإذا كان الضحك عملية قد تبدو بريئة، فإنها في حقيقتها، تخفي وجها مؤلما خاصة إذا كان الخطاب التهكمي يتمحور حول الأنا الفردية أو الجماعية وهي في ملح وإبزار صور ساخرة عن الذات السجينة، عن السجان، عن أكبر المآسي في حياة شعبنا، وقد كتبها عزيز بلغة النكتة والفكاهة ، تكشف عن طبيعة القوى المهيمنة بالسخرية منها وإثارة الضحك من عدوانيتها.



#حليمة_زين_العابدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة الشخصية في حديث العتمه  لفاطنة البيه
- المرأة في روايات أحمد التوفيق
- اعترافات امرأة أمام محكمة رمزية للانصاف
- المرأة والكتابة عن السجن والاعتقال بالمغرب
- حب رجل ثائر
- رأي حزب العدالة والتنمية المغربي حول موضوع، الكحول وعقوبة ال ...
- مدونة الأسرة وسؤال الحداثة
- الحركة النسائية المغربية الواقع والآفاق


المزيد.....




- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة
- زاهر جبارين عضو المكتب السياسى لحماس ومسئول الضفة وملف الأسر ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حليمة زين العابدين - اشتهاء المرارة، قراءة في المحكي السجني -ملح وابزار- لعزيز الوديع