أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - إسرائيل على الجبهة الإفريقية 2 - 2 دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية















المزيد.....


إسرائيل على الجبهة الإفريقية 2 - 2 دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3772 - 2012 / 6 / 28 - 13:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عوامل نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية في إفريقيا

بدءً من نهاية عقد السبعينات وخلال المرحلة التي تلته بدأت العلاقات الإسرائيلية الإفريقية تشهد حالة جديدة من النمو، خاصة بعد أن تهيأت في المنطقة ظروف سياسية معينة خَدَمت إسرائيل في مسعاها لعودتها للقارة السمراء، كان أولها انهيار الدبلوماسية العربية في أفريقيا بعد خروج مصر من الجامعة العربية، ومن المعلوم أن مصر صاحبة أكبر ثقل سياسي في المنطقة، وهي الدولة الأهم والأقوى التي كانت تقود حملة سياسية في إفريقيا على مدار ثلاث عقود متوالية ترمي إلى دفع الدول الإفريقية لقطع علاقاتها بإسرائيل، ولكنها بعد عقد اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل (1979) فقدت مبرر هذه الحملة، بل وأوقفتها، مما أعطى مبرراً لإعادة هذه الدول علاقاتها مع إسرائيل.

وبعد حرب الخليج الأولى (1991) والتي في أعقابها انهار الاتحاد السوفييتي طرأت تغيرات جذرية وحادة في بنية النظام الدولي، كانت أهم سماتها انتهاء الحرب الباردة، ونشوء نظام عالمي أحادي القطبية تحتل فيه أمريكا موقع الصدارة، ومن الطبيعي أن يكون لذلك التغيير انعكاسات واضحة في الخارطة السياسية الإقليمية، كان من أبرزها في القرن الإفريقي: سقوط النظم الماركسية المدعومة من الاتحاد السوفييتي، وأهمها نظام "منجستو" في أثيوبيا، ونظام "سياد بري" في الصومال، ثم تحرر أرتيريا من أثيوبيا، وابتعادها عن النظام العربي.

ومن الجدير بالذكر أن إثيوبيا احتفظت بعلاقات سرية مع إسرائيل، حيث كانت تتلقى الأسلحة منها مقابل تسهيل مهمة ترحيل يهود إثيوبيا (الفلاشا) إلى إسرائيل. وفي عهد النضال الإرتيري ضد الاحتلال الأثيوبي، وقفت إسرائيل إلى جانب الجيش الإثيوبي مع احتفاظها بعلاقات مع بعض أجنحة الثورة الأريتيرية، وعندما توازنت قوى الصراع بين الطرفين، ونالت أريتيريا استقلالها؛ أعادت إسرائيل ترسيخ العلاقة مع الجانبين، وهي الآن تقيم علاقات عسكرية وأمنية واقتصادية مع أريتيريا، وتحتفظ بقواعد عسكرية واستخبارية في كل من أثيوبيا وأرتيريا –أيضا- بحجة تدريب قوات الجيش والشرطة في البلدين.

وفي أكتوبر 1992 عُقد مؤتمر مدريد للسلام، وبدأت العملية التفاوضية المباشرة بين العرب وإسرائيل، الأمر الذي أعطى انطباعا لغالبية الدول الإفريقية بأن النزاع العربي الإسرائيلي في طريقه للحل، وبالتالي لا مبرر للقطيعة مع إسرائيل؛ خاصة وأن العديد من دول العالم بدأت إعادة علاقاتها معها وأهمها الاتحاد الروسي، وصارت إسرائيل ممرا إجباريا لأي دولة تريد توطيد علاقاتها بأمريكا والحصول على مساعداتها. وما سهل المهمة على إسرائيل؛ أن الدول العربية انشغلت بقضاياها الداخلية، واحتدمت النزاعات والخلافات الإقليمية بين بعضها البعض من ناحية، ومع جاراتها من ناحية أخرى (إيران، تركيا، تشاد، أوغندا ..)، ما منح إسرائيل الفرصة للعمل بحرية وارتياح في المنطقة الإفريقية.

وبعد أن أدانت إسرائيل بشكل واضح نظام التمييز العنصري في جنوب إفريقيا في 1987، وبعد إلغاء الأمم المتحدة القرار المساوي بين الصهيونية والعنصرية في 1991؛ توفرت عوامل إضافية لأن تستأنف دول أفريقية أخرى مثل كينيا وغينيا الحوار مع إسرائيل. وفي عام (1992) قامت ثماني دول إفريقية بإعادة تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وقبل نهاية التسعينات كانت إسرائيل قد نجحت بإعادة علاقاتها مع معظم دول القارة.

العلاقات العربية الإفريقية

لا تنطلق العلاقات العربية الإفريقية من أفق الصراع العربي الصهيوني، وتنافس الجانبين على القارة وحسب؛ بل وأيضا من حقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا، والمصالح والأهداف المشتركة والتعاون العربي الإفريقي المشترك. إلا أن هذا التعاون عانى من العديد من المعوقات والمشكلات على مدار العقود الماضية، منها غياب المنظومة الفكرية للتعاون، وتعدد القنوات والمبادرات مع عدم وجود تنسيق مؤسسي بينها، بالإضافة إلى عدم وجود ترتيبات وأولويات تتكيف مع مقتضيات البيئتين الإقليمية والدولية.

وقد أدى التغير المستمر في بنية النظام الدولي إلى تغير تركيبة النخب الحاكمة في أفريقيا، وبالتالي تغير المفاهيم والأولويات التي تعلنها هذه النخب، الأمر الذي أدى إلى تغيير أسس وأهداف التجمعات الافريقية، وظهور ترتيبات جديدة بشأن إنشاء أسواق مشتركة ومناطق جمركية، وفى إطار هذه الحقائق والتغيرات الجديدة، أصبح من الضروري إيجاد رؤية جديدة للتعاون العربي الأفريقي على مستوى العلاقات الثنائية بين الدول، مع استمرار التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.

وقد مرت العلاقات العربية الإفريقية بمراحل مختلفة ومتباينة، كان لكل مرحلة سماتها وشكلها المميز، بحيث جعلتها تتخذ طابعا خاصا بها، وجعلتها تتراوح بين المد والانحسار، الأمر الذى أثر على مستوى ونوعية العلاقات العربية الأفريقية، وبالتالي الإسرائيلية الأفريقية.

في أعوام الخمسينات والستينيات تنامى المد الناصري في إفريقيا على نحو ملفت، وكانت مصر تقدم الدعم للثورة الجزائرية وغيرها من حركات التحرر، إذْ رأت مصر في إفريقيا ساحة صراع ساخنة ضد النفوذ الأمريكي والصهيوني، فتعهد الرئيس "عبد الناصر" بطرد إسرائيل من القارة، إلا أن المسألة لم تكن سهلة أبدا؛ فعلى سبيل المثال كانت مصر تدعم حركة "باتريس لولولمبا" في الكونغو، بينما كانت أمريكا وإسرائيل (وبالطبع بلجيكا) تدعم خصمه "مابوتو سيسيكو"، الذي أعدم الزعيم الوطني "لولمبا" وأصبح رئيساً للدولة بعد ذلك. لكن الاستراتيجية المصرية لم تكن مقتصرة على المواجهة السياسية والدبلوماسية؛ بل كانت لها أبعاد أخرى اقتصادية وثقافية، ففي الجانب الاقتصادي افتتحت مصر ثلاثة عشر فرعا لشركة "نصر" في مختلف الدول الإفريقية، وأرسلت أشهر وأفضل الشركات والمؤسسات التجارية المصرية إلى تلك البلدان في غرب ووسط وشرق القارة، وقامت بعمل مشاريع اقتصادية وشق طرق في غانا وسيراليون ونيجيريا وكينيا وتنزانيا.

وإذا مثّل مؤتمر "باندونغ" (1955) لدول عدم الانحياز في أحد معانيه جولة رابحة ضد النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في العالم، فقد جاء المؤتمر الأول للبلاد الأفريقية المستقلة عام 1958 في أكرا، في أحد معانيه جولة رابحة لصالح إسرائيل، إذْ رفضت غالبية الدول المشارِكة في المؤتمر تأييد مقترح مصر بوصف إسرائيل بالعنصرية والإمبريالية.

وعلى صعيد تطور العلاقات العربية الإفريقية يمكن وصف عقدي الستينات والسبعينات بمرحلة المد؛ ففي هذه المرحلة التي بدأت بالتأمل الشامل من قِبَل الطرفين، أخذت العلاقات تتنامى وبشكل تدريجي، وقد استفادت دول القارة من انخراطهما معا في منظومتين، على الرغم أن الدول العربية والأفريقية كان لكل منها نظام إقليمي خاص بها، إلا أن ما جمعها في إطار سياسي واحد هو حالة الانسجام بين منظمة الوحدة الأفريقية من ناحية، وجامعة الدول العربية من ناحية أخرى.

وقد رحب مؤتمر القمة العربي الذى عُقد بالجزائر (1973) بعودة العلاقات العربية مع الدول الأفريقية، وأشاد بتعاون منظمة
الوحدة الأفريقية، ثم جاءت دعوة مؤتمر القمة العربي في الرباط (1974) لعقد مؤتمر قمة عربي أفريقي مشترك، لتمثّل نقطة تحول هامة في علاقات التعاون العربي الأفريقي، وإشارة واضحة لاهتمام الدول العربية بتمتين روابطها مع الدول الإفريقية، والدخول في مرحلة جديدة من التعاون العربي الأفريقي، أثمرت عن انعقاد مؤتمر قمة التعاون العربي الأفريقي عام 1977 في القاهرة.

وكان لهذا التعاون (العربي الأفريقي) تأثيرا عكسيا على العلاقات الأفريقية الإسرائيلية؛ حيث ازداد عدد الدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، خاصة بعد قرار المنظمة الإفريقية في أيار 1973، والذي تضمن تحذيراً لإسرائيل بأن رفضها الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة يعتبر اعتداء على القارة الأفريقية وتهديداً لوحدتها، واستمر هذا الموقف حتى بداية الثمانينات، حيث أكدت القمة الأفريقية التي عقدت في نيروبي (1981) وقوفها الحازم ضد العدوان الإسرائيلي، وضد تعنت الموقف الإسرائيلي، حتى أن الآمال الإسرائيلية بعودة علاقاتها مع الدول الأفريقية تبددت حينها، سيما وأنها عزلت نفسها أكثر، بعد تأكيدها على العلاقات الخاصة التي تربطها بالحكومة العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا.

لكن مرحلة التعاون هذه لم تستمر على نفس المنوال؛ بل أنها مرت بما يمكن وصفه بمرحلة الانحسار، حيث بدأ الاهتمام العربي بإفريقيا يفقد زخمه، ويتراجع شيئا فشيئا، وعلى الرغم من أن مظاهر الانحسار في هذه التجربة قد بدأت مقدماتها في نهاية السبعينات، إلا أن انعكاساتها السلبية في مجرى العلاقات العربية الأفريقية لم تظهر آثارها بشكل واضح إلا في بداية الثمانينات، وهي بالتحديد الفترة التي استغلتها إسرائيل لوضع مخططها للتسلل إلى القارة الأفريقية بدءً من العام 1981.

ويمكن تلمس مظاهر الانحسار في تجربة التعاون العربي الأفريقي من خلال متابعة نتائج الممارسات التي شهدتها التجربة في المرحلة السابقة، وعدم ترجمة المبادئ والأهداف المعلنة في مؤتمر التعاون الإفريقي الذي عُقد في القاهرة (1977). ومجمل القول أن ثمة انفصال بين الغايات والشعارات المعلنة، وبين نتائج عمل وممارسات هذه المنظمات والمؤسسات والدول، وأنها لم ترتقي إلى مستوى التطلعات المشتركة.

ولاشك أن أسباب الأزمة في العلاقات وأعراضها ونتائجها تتوزع على الجانبين العربي والأفريقي بدرجات متفاوتة، بل ويتحمل الجانب العربي قدرا كبيرا من المسئولية، إذا أنه أراد أن يقيم نموذجا خاصا لعلاقات قائمة على قدم المساواة بين شركاء في العالم الثالث، لكنه لم يستطع تجسيد هذا النموذج في أطر تنظيمية فعالة، تحوِّل المبادئ إلى واقع، وتترجم القول إلى فعل.

وقد ترتب على عدم تطبيق مبادئ وقرارات القمة العربية الإفريقية عدد من النتائج، أولها: تراجع الدور التنظيمي لكل من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، بحيث أصبحتا خارج المجرى الرئيسي التنظيمي للعلاقات العربية الأفريقية، دون أن يتم بناء مؤسسات تنظيمية بديلة أكثر فاعلية منهما. وكان نتيجة هذا التراجع في دور الجامعة العربية واستبعادها من الدور التنظيمي للعلاقات هو أن تستقر العلاقات العربية الإفريقية على المستوى الثنائي بين الدول، وكان من الطبيعي بعد حصر العلاقات على المستوى الثنائي الوطني فقدان الرؤية المشتركة الشمولية في فكر وممارسة التعاون العربي الأفريقي، ونتيجة لذلك ظهرت على الساحة على المستوى الثنائي بين الدول أولويات متنوعة ومتباينة، ترسمها المصالح الخاصة الضيقة لكل بلد.

أساليب وأدوات السياسة الإسرائيلية في إفريقيا

تتابع إسرائيل على الدوام صعود وهبوط العلاقات العربية الإفريقية، وتراقب ما يحدث من انكسار وشروخ في هذه العلاقات لتعمل على تعميقها واستغلالها لصالحها، ولكنها لا تعتمد على ذلك فقط، بل لديها أسلوبها الخاص، والذي أهم عناوينه:

أولاً: تقديم المساعـدات الاستخبارية والخدمات الأمنية والتدريبات العسكرية وتجارة السلاح. ومن الملفت للنظر أن إسرائيل تمتلك مصداقية كبيرة لدى الدول الإفريقية في ميادين الاستخبارات والتدريبات العسكرية، وحتى في نوعية السلاح. ومن البديهي أن تهتم الدول الإفريقية التي تعاني من الصراعات والحروب الأهلية والانقلابات العسكرية والانشقاقات داخل صفوف النخب السياسية الحاكمة اهتماماً بالغاً بقضايا المساعدات الأمنية والاستخبارية والحصول على السلاح، وهو ما دأبت السياسة الإسرائيلية في إفريقيا على التركيز عليه في جميع مراحل علاقاتها الإفريقية. ففي أوائل الستينات قامت بتدريب قوات وقيادات عسكرية لبعض دول القارة دون مقابل، إلى درجة أن بلغ عدد الجيوش الأفريقية التي تلقّى بعض أفرادها تدريباتهم على أيدى الإسرائيليين تسعة عشر جيشا سنة 1967، وفي ذات السياق أنشأت ميناء عسكريا بالقرب من ميناء مصوع، وقاعدة تجسس ومحطات إنذار مبكر في إريتريا، وهناك اليوم حوالي 600 خبير عسكري إسرائيلي في إريتريا وحدها. وتشير الإحصاءات التي نشرها مركز التعاون الدولي التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية، أن عدد الأفارقة الذين تلقوا تدريبهم في إسرائيل عام 1997 وصل إلى نحو 742 متدرباً، إضافة إلى 24636 إفريقياً تلقوا تدريبهم في مراكز التدريب الإسرائيلية خلال الأربعين سنة الماضية.

ثانياً: المساعدات الفنية: وقد اشتملت منذ البداية على ثلاث مجالات أساسية وهي: نقل المهارات التقنية وغيرها من خلال برامج تدريبية معينة، وتزويد الدول الإفريقية بخبراء إسرائيليين لمدة قصيرة أو طويلة المدى، وإنشاء شركات مشتركة. وقد استغلت إسرائيل خروج الدول الإفريقية حديثاً من نير الاستعمار الغربي, وافتقارها للخبرات الفنية في شتى المجالات، وأنها بحاجة ماسة لمختلف أنواع الدعم والمساندة لتثبيت أركان الدولة، وتحقيق التنمية والاستقرار.

ثالثا: تهتم إسرائيل بشكل خاص بالأشخاص الأفارقة ذوي النفوذ، أو الذين لهم مستقبل سياسي مأمول في بلدانهم، أو الذين ينتمون إلى الأقليات في بلدانهم ويرتبطون مع الولايات المتحدة وبالطبع بإسرائيل. ومن الأمثلة على هذه الحالات: الرئيس الكونغولي الراحل "موبوتو سيسيكو"، و"ميلس زناوي" في إثيوبيا، و"أسياسي أفورقي" في أرتيريا، و"جون جارانج" في جنوب السودان، و"يوري موسيفيني" في أوغندة، و"بول كاجامي" في رواندا.

رابعا: تغذية نزعات الانفصال، ومساندة الجماعات الإقليمية غير العربية، وهناك تقديرات غير مؤكدة بأن جماعات البربر في المغرب العربي تتلقى دعما إسرائيليا. لكن أدلة كثيرة أكدت وجود علاقات تحالفية مع قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان بزعامة جون جارانج، ابتداءً من الستينيات، حيث كشف طرفاً من ذلك أحد قادة حركة التمرد في مذكراته، وهو "سفيريانو فولي"، الذي ذكر أنه تم تعيينه سكرتيراً إداريا في العام 1963، وأنه قُدم إلى السفارة الإسرائيلية في كمبالا، وأصبح حلقة الوصل الأساسية بين الحركة وإسرائيل، وفي عهده تم التنسيق مع إسرائيل فيما يتعلق بالتدريب والتسليح، كما تم إعداد مطار "اوبيخ" في بول، وقد أرسلت إسرائيل أعضاء من قواتها للإشراف على استلام السلاح، وقامت بإرسال ضباط الحركة للخارج للتدريب.

كما تمارس إسرائيل التحريض والتحريض المضاد بهدف تسخين أفريقيا، وزرع الشقاق بين الأفارقة والعرب، كما هو الحال بين السودان وأوغندا والصومال وأثيوبيا وأريتريا، حتى أن أريتريا تحولت إلى قاعدة تضم كل ألوان الطيف المعارض وتنظيماته ضد الحكم في السودان. أما الصومال الذي يمر منذ عقود بحالة من غياب الدولة؛ فإن اللعبة الإسرائيلية تكشفت على أرضه من خلال الصراع القائم بين إريتريا وأثيوبيا داخله.
ويستمر الدفع باتجاه تسخين المنطقة؛ حيث ظهرت أزمة علاقات بين مصر وعدد من دول حوض النيل، منها أوغندا التي أعلنت انسحابها من اتفاقية مياه النيل. وامتد التسخين في نفس الاتجاه بين النيجر وتشاد، وبين الجيش الكيني والميليشيات الاسلامية في الصومال. وعادة فإن إسرائيل بعد إثارتها للأزمات تعمل على تدويلها، كما حدث في أزمة دارفور، حيث كان التحرك الإعلامي المبكر لتدويل الأزمة، وصبغها على أنها حرب بين العرب والأفارقة - علما أن جميع سكان اقليم دارفور من المسلمين-.

خامسا: الاهتمام بالعلاقات العامة مع الشخصيات الحكومية والمعارضة في الدول الإفريقية، ودعوة الزعماء الأفريقيين لزيارة إسرائيل بغرض غرس الدهشة والإعجاب بكل ما هو إسرائيلي، وتثبيت أسطورة "شعب الله المختار"، و"الدولة النموذجية". وفي هذا السياق تهتم الخارجية الإسرائيلية بتعيين مجموعة من السفراء المؤهلين تأهيلاً متميزاً ممن يمتلكون مقدرات ومهارات في نسج علاقات اجتماعية متينة، الأمر الذي يجعلهم محببين للأفارقة، بحيث لا يرون فيهم عنجهية الأوروبي الأبيض.

الخلاصة

إفريقيا أكثر القارات تفتتا من الناحية السياسية، حيث تضم أكثر من خمسين كيانا سياسيا، وهي أكثر القارات التي غطاها الاستعمار، وآخر قارة انكشف عنها، ومثلما كانت أرض صراع وتحدٍّ أيديولوجي بين الشرق والغرب؛ ها هي اليوم ساحةً تتنافس عليها مختلف أشكال الاستعمار الجديد، وإذا كان اهتمام العالم بأفريقيا يتزايد؛ فإن إسرائيل ولأسباب عديدة اهتمت بها بشكل خاص، وأنشأت من أجلها مراكز بحوث ومعاهد متخصصة بالدراسات الإفريقية، وحرصت على إقامة علاقات استراتيجية مع دولها، وحتى لو تراوحت هذه العلاقات بين مراحل المد والجزر، والصعود والهبوط؛ إلا أن عين إسرائيل ظلت مفتوحة على هذه القارة السمراء.

وقد اطلعنا على جانب من النشاط الإسرائيلي في القارة الإفريقية على كافة المستويات، ولاحظنا مدى الاهتمام الكبير الذي توليه الدولة العبرية بهذا الجزء من العالم، ومدى النجاح الذي تحرزه هناك. وفي الوقت الذي تحرص فيه كل القوى الإقليمية الصاعدة كالصين والهند ودول أخرى كبرى كروسيا على التواجد في القارة الإفريقية، وتتنافس على الحصول على فرص استثمارية فيها، نلاحظ غيابا تاما للاستراتيجية العربية الموحدة للعمل باتجاه أفريقيا، سواء في الجانب السياسي والأمني، أم حتى في المجال الاستثماري والاقتصادي، أو في مجالات التعاون المشترك.

وقد آن الأوان للأمة العربية أن تصحو من سباتها، وأن تبادر لتصحيح خطئها التاريخي والاستراتيجي فيما يخص إفريقيا، وأن تدرك مدى أهمية هذه القارة - التي تقع معظم مساحة الدول العربية في شمالها ووسطها - وتربطها بها الكثير من الصلات التاريخية والجغرافية، والمصالح الحيوية، والمصير المشترك، وقبل ذلك أن تفهم مدى قوة تأثير هذه القارة على مجريات الصراع العربي الصهيوني، والذي يشكل مركز الدائرة للأمن القومي العربي.

وبعيدا عن المجالات العسكرية، هناك الكثير مما يمكن فعله، مثل إعادة الاعتبار لدور الجامعة العربية للعمل في إفريقيا، والاتفاق على تصور عربي موحد يتضمن استراتيجيات واضحة ومحددة، بحيث تكون مقبولة من قبل الدول الإفريقية، وتحقق مصالح الطرفين، والعمل على دعم وتفعيل المؤسسات والصناديق العربية القائمة، وإنشاء مؤسسة أفريقية عربية مشتركة لتشجيع الاستثمار، وإقامة مشاريع زراعية وصناعية مشتركة، وفي مجال البنية التحتية، وإشراك وإدماج منظمات المجتمع المدني وغير الحكومي في مجالات العمل المشترك، وتنشيط التبادل والتعاون الثقافي بين الدول، وتفعيل الدور الإعلامي بتحركات مدروسة في تلك المجالات.

وفي المجال الأمني لا بد من فرض التواجد العربي علي جميع الجزر في البحر الأحمر، والقرن الإفريقي، وتطوير آليات التعاون العسكري العربي.

الهوامش

محمد الحسن عبد الرحمن، الوجود الإسرائيلي في أثيوبيا واثره على الامن القومي السوداني، الراصد للبحوث والعلوم، http://www.arrasid.com/index.php/main/index/31/1/contents
محمد سعيد، الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا إلى أين؟ مركز السلام للثقافة الدبلوماسية. http://www.siironline.org/alabwab/diplomacy-center/037.html
عادل إبراهيم، عودة علاقات توجو وإسرائيل وواقع العلاقات العربية الأفريقية، مجلة السياسة الدولية، القاهرة، مؤسسة الأهرام، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=216286&eid=494
رياض منصور، نتنياهو يفتح بوابة الخروج الجنوبية لإسرائيل جوا وبحرا، جريدة الدستور الأردنية، العدد رقم 16036- الأحد 4 آذار 2012.
أحمد البيومي، العلاقات الأفريقية الإسرائيلية، خطر متصاعد يطارد العرب. موقع إفريقيا اليوم، 20 اكتوبر 2011 http://www.africaalyom.com/web/Details/4185-2/news.htm
الجمعية الإفريقية للجودة الطبية، العلاقات الإسرائيلية الإفريقية. http://www.asqh.org/threads/4420
المرغني أحمد، القرن الأفريقي.. بوابة غزو إسرائيلي لمصر والسودان، موقع المسلم، http://almoslim.net/node/85531
عبد الغني سلامه، السودان الجنوبي – الولادة العسيرة، مجلة شؤون عربية، العدد 146، صيف 2011. القاهرة – جامعة الدول العربية.
يوسف عبدا لله مكي، انفصال السودان والموقف الصهيوني، الوطن أون لاين، 2010-11-10. http://www.alwatan.com.sa/Writers/Detail.aspx?WriterID=60&issueno=4189
استقل السودان الجنوبي عن السودان في يناير 2011، واعترفت به الأمم المتحدة في تموز من نفس العام.
يوسف أيوب، أوغندا الرابح من انفصال السودان والعرب تائهون، اليوم السابع، 9 يناير 2011. http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=333026
حلقة عن العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، تقديم سامي كليب، الضيوف: حلمي شعراوي، مسؤول سابق لحركات التحرر الأفريقية في مصر، إبراهيم نصر الدين، أستاذ في معهد البحوث الأفريقية- القاهرة. قناة الجزيرة، 25/12/2009. http://aljazeera.net
القرار رقم 3379 والدول الأفريقية التي عارضته هي: ملاوي، ليسوتو، ليبيريا، ساحل العاج وجمهورية أفريقيا الوسطى، وامتنعت أثيوبيا عن التصويت.
محمد مصطفى علوش، الإستراتجية الإسرائيلية في تخريب الدول الإفريقية، الحوار المتمدن، العدد 1727، 7-11-2006
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=80200
تلقى موبوتو تدريبا عسكريا في إسرائيل عام 1963، وبعد سنتين أصبح رئيسا للبلاد.
ترجمة أنديرا مطر، تغلغل إسرائيلي في القارة السمراء واجهته اقتصادية.. وخلفيته تطويق إيران، الشرق الأوسط، عن مجلة جون أفريكا. http://www.alsharkalawsat.com/israelfighting158.htm
خالد وليد محمود، التغلغل الإسرائيلي في القارة السمراء، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الدوحة، عرض مركز الجزيرة للدراسات، http://studies.aljazeera.net/reports/2012/01/2012124112751652.htm
د. عبد الملك عودة، قضايا العلاقات العربية الافريقية واستراتيجية مقاربتها، مجلة السياسة الدولية، نيسان 2002، العدد رقم 148.
خضعت الكونغو للاستعمار البلجيكي لأكثر من أربعة قرون.
عادل إبراهيم، عودة علاقات توجو وإسرائيل وواقع العلاقات العربية الأفريقية، مجلة السياسة الدولية، مصدر سبق ذكره.
عمر الزبيدي، دعوات لتعميق العلاقات العربية الأفريقية للحد من التغلغل الإسرائيلي، الوطن أون لاين http://www.alwatan.com.sa/Culture/News_Detail.aspx?ArticleID=86895&CategoryID=7
د. محمد عبد الغني السعودي، قضايا إفريقية، سلسلة عالم المعرفة (34)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أكتوبر- 1980. ص 7



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسرائيل على الجبهة الإفريقية - دراسة في العلاقات الإسرائيلية ...
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية - الملخص والخاتمة
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 3-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 2-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 1-2
- الفيزون في جامعة النجاح
- سبعة أشكال في حُبِّ وكُرْه الجَمال
- أثر الربيع العربي على المرأة العربية
- عيد الأم في الربيع العربي
- الإيمو .. الضحية والجلاد
- المتضامنون الأجانب والقرضاوي وزيارة القدس
- الموقف الملتبس من الثورة السورية
- هروب معلم وتلاميذه من المدرسة
- توطين جماعات الإسلام السياسي
- كيف واجهوا اللحظات الأخير قبل الموت ؟
- الفن على جبهة الصراع
- في عيد الحب
- فتاوى على الهواء، وبأسعار منافسة
- كيف أصبحت إيران المهزومة قطب إقليمي ؟
- فتيات سجينات – قصص مروعة


المزيد.....




- فيديو لرجل محاصر داخل سيارة مشتعلة.. شاهد كيف أنقذته قطعة صغ ...
- تصريحات بايدن المثيرة للجدل حول -أكلة لحوم البشر- تواجه انتق ...
- السعودية.. مقطع فيديو لشخص -يسيء للذات الإلهية- يثير غضبا وا ...
- الصين تحث الولايات المتحدة على وقف -التواطؤ العسكري- مع تايو ...
- بارجة حربية تابعة للتحالف الأمريكي تسقط صاروخا أطلقه الحوثيو ...
- شاهد.. طلاب جامعة كولومبيا يستقبلون رئيس مجلس النواب الأمريك ...
- دونيتسك.. فريق RT يرافق مروحيات قتالية
- مواجهات بين قوات التحالف الأميركي والحوثيين في البحر الأحمر ...
- قصف جوي استهدف شاحنة للمحروقات قرب بعلبك في شرق لبنان
- مسؤول بارز في -حماس-: مستعدون لإلقاء السلاح بحال إنشاء دولة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - إسرائيل على الجبهة الإفريقية 2 - 2 دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية