أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - مجدي زكريا الصايغ - ما تعلمناه من اندرو - قصة حقيقية















المزيد.....

ما تعلمناه من اندرو - قصة حقيقية


مجدي زكريا الصايغ

الحوار المتمدن-العدد: 3771 - 2012 / 6 / 27 - 21:50
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


هذه قصة حقيقية فلندع والد اندرو يرويها لنا :
فيما كنت اقود سيارتى الى العمل. ابهجنى التفكير فى ماحدث قبل بضعة ايام. فقد صرت ابا لأبن ثان. واليوم كانت زوجتى بتى جاين وطفلنا الصغير اندرو سيغادران المستشفى الى البيت.
ولكن قبل ان يحين موعد خروجهما اتصلت بى زوجتى هاتفيا. وكان فى صوتها نبرة قلق. فأسرعت الى المستشفى. فبادرت الى القول : " هنالك شئ ليس على مايرام." وجلسنا معا منتظرين عودة الطبيب مع المستشارة فى طب الاطفال.
كانت الكلمات الاولى للمستشارة اخبارا صاعقة. فقد قالت : " نحن متأكدان جدا ان ابنكم مصاب بمتلازمة داون (المغولية)." واوضحت ان ابننا سيكون على الارجح متخلفا عقليا. وفى الواقع لم افهم من شرحها اكثر من ذلك. فدماغى الذى اصابه النمل من الصدمة قطع الاتصال بكل الدفعات السمعيثة. لكن الانطباعات البصرية استمرت تتسجل.
وحملت اندرو ولفتت نظرنا الى احد الامور التى نبهتها الى وجود شئ ليس على مايرام. فرأس الطفل كان يميل متهدلا. وهذا الانعدام لقوة العضلات كان ميزة الاطفال المولودين حديثا المصابين بمتلازمة داون. وفى جلسة لاحقة مع المستشارة طرحنا عليها الاسئلة الكثيرة التى غمرت ذهننا فيما كانت قدرتنا على الفهم تعود ببطئ. الى اية درجة سيكون عاجزا؟ ماذا يسمكن ان نتوقع؟ الى اى حد يمكننا ان نعلمه؟ مامدى قدرته على التعلم؟ فأوضحت ان الاجوبة عن الكثير من اسئلتنا تعتمد على المحيط الذى يعيش فبه بالاضافة الى قدراته الفطرية.
ومنذ ذلك الحين. طوال اكثر من عشرين عاما. نحاول منح اندرو المحبة والمودة اللتين يستحقهما وتعليمه كل مانستطيع ان نمنحه اياه. ولكن عندما نتذكر الماضى ندرك الان اننا لم نعط فقط بل اخذنا ايضا.
قبل ان نحظى بوقت لنتكيف مع وجود اندرو. قدم لنا الاصدقاء المحبون نصائح كانوا قد توصلوا اليها من التجارب التى اختبروها. كانت نواياهم جيدة. انما كما يتوقع لم يثبت ان كل النصائح حكيمة او نافعة. ولكن بعد سنوات من الامتحان استخلصنا من نصائحم اقتراحان قيمان وحكيمان.
حاول البعض ان يعزونا بالقول ان اندرو لم يكن متخلفا حقا. ولكن من ناحية اخرى نصحنا صديق قديم : " لاترفضوا قبول الواقع فكلما اسرعتم اكثر الى قبول قصوره. اسرعتم اكثر الى تعديل توقعاتكم والى الشروع فى التعامل معها على هذا الاساس. "
تبين فى النهاية ان هذا الدرس هو احد اهم الدروس التى تعلمناها فى مواجهة المحنة. لا يكون هناك شفاء عاطفى مالم يكن هناك قبول الواقع. وفى حين ان الانكار يكون فى الغالب غريزيا. فكلما طال الانكار اكثر طال اكثر تأجيلنا لأتخاذ الخطوات اللازمة للمعالجة والعمل على اساس القصور الذى سببه العرض الذى يلاقى كل انسان - جامعة 9 عدد 11.
وخلال السنوات التى التقينا فيها والدين لم يتمكن اولادهم من النجاح فى المنهج الدراسى العادى او كانوا فى صفوف تقوية الطلاب الضعاف. كثيرا ما تساءلنا كم يمكن ان يكون هنالك فى الواقع اولاد متخلفون او بالأحرى عاجزون. وهل يمكن ان يكون بعضهم من المعاقين غير المنظورين - اولئك الذين ليس لديهم بخلاف اندرو اختلاف جسدى ظاهرى ويبدون كالاولاد الطبيعيين؟ ان الافراد المصابين بمتلازمة داون يميزون بسهولة. لكن انواعا اخرى من العجز ليست لها علامات ظاهرية. فكم من والدين كثيرين يتمسكون بامال غير واقعية ويرفضون قصور ولدهم. فيؤدى ذلك الى اغاظة كل فرد.
والنصيحة الثانية التى اثبت صحتها اختبارنا هى هذه : فى النهاية انت تقررون كيف يعامل معظم الناس ولدكم. فكما تعاملونه. هكذا سيعامله الاخرون على الارجح.
طوال العقود القليلة الماضية تغير كثيرا مواقف الناس من المعاقين جسديا وعقليا. لكن الكثير من هذه التغييرات اثارها بعض العاجزين انفسهم. اقرباؤهم .غيرهم من الانصار الاختصاصيين وغير الاختصاصيين. فقد رفض بشجاعة والدون كثيرون النصيحة بوضع ولدهم فى مؤسسة. وفى الواقع عدلوا الرأى المقررسابقا حول كيفية معاملة الاولاد المعاقين. فقبل خمسين سنة كانت غالبية الكتب المرجعية الطبية حول متلازمة داون مؤسسة على معلومات جمعت من المؤسسات المختصة. واليوم عدلت الاراء كليا. وغالبا لأن الوالدين وغيرهم اتبعوا طرائق جديدة فى التعامل مع الاولاد المصابين بمتلازمة داون.
انه لغريب كيف نتمكن بسهولة من خدع انفسنا بالأعتقاد اننا فى الحقيقة ذوو رأفة. ولكن قبل ان نصير نحن شخصيا مشمولين. فان فهمنا لمشاكل كثيرة قد يكون فى الغالب سطحيا.
اجبرنا اندرو ان ندرك ان الاشخاص الذين يعيشون اوضاعا غير مؤاتية غالبا ما لا تكون لديهم سيطرة على وضعهم. وفى الواقع جعلنا ذلك نواجه السؤال. ماهو موقفى حقا من الضعيف البطئ الفهم والمسن؟
وكثيرا ما كان الغرباء فى الامكنة العامة يلاحظون اننا نقبل اندرو دون خجل كعضو كامل فى عائلتنا. فيأتون الينا ويشاطروننا احمالهم السرية. كان الامر كما لو ان وجود اندرو يؤكد لهم انه يمكننا ان نتعاطف معهم فى مشاكلهم.
ان الدرس الاهم الذى علمنا اياه اندرو هو ان المحبة ليست مجرد عمل فكرى. دعونى اشرح ذلك. ان احد الامور الاساسية التى تعلمناها فى عبادتنا المسيحية. ان المسيحية الحقيقية تتجاوز الخلافات والتحاملات العرقية الاجتماعية والسياسية. ولأنن نثق بهذا المبدأ عرفنا ان اندرو سيكون مقبولا عند اخوتنا واخواتنا الروحيين. واذ تجاهلنا نصيحة الاختصاصيين اللذين قالوا انه من غير المنطقى ان يجلس باحترام اثناء فترة العبادة. كنا نهتم منذ ولادته بأن يرافقنا الى الاجتماعات المسيحبة . وكما توقعنا فان اخوتنا كانوا يعاملونه بلطف ورأفة.
ولكن هنالك من يذهبون ابعد من ذلك. فهم متعلقون به تعلقا شديدا. ويبدو ان اندرو يشعر بذلك بمقدرة عقلية خصوصية لم يضعفها كاملا ذهنه الناقص. ومع هؤلاء الافراد يتغلب بسهولة على خجله الطبيعى ويتوجه مباشرة اليهم فى نهاية الاجتماعات المسيحية. ومرات عديدة لاحظنا قدرته الفطرية على تمييز اولئك الذين يشعرون بتعلق خصوصى بهحتى بين حشد من الناس.
ويصح الامر نفسه فى اعرابه عن المحبة. فأندرو لطيف جدا مع الاطفال. الاكبر سنا. والحيوانات المدللة. واحيانا عندما يقترب دون تردد من طفل شخص لا نعرفه. نبقى على مقربة منه وعلى استعداد لانقاذ الطفل اذا لعب اندرو معه دون قصد بخشونة. ولكم من مرة شعرنا بالخجل بسبب مخاوفنا عندما كنا نراه يلمس الطفل برقة كما تلمس الام المرضعة طفلها.
لأن جميع الاولاد المصابين بمتلازمة داون متشابهون فى الشكل. توقعنا ان تكون للجميع شخصيات متماثلة. لكننا سرعان ماعرفنا انهم يشبهون عائلتهم اكثر من واحدهم الاخر. فلكل منهم شخصية فريدة.
واندرو كأولاد كثيرين غيره. لايتمتع بالعمل الشاق. لكننا وجدنا انه اذا صبرنا واحتملنا لمساعدته على تأدية عمل ما مرة بعد اخرى. حتى يصير عادة. فلا يعود يبدو عملا بالنسبة اليه. والان صارت اعماله اليومية فى المنزل امرا عاديا. والاعمال الاضافية فقط تعتبر عملا.
اذ نستعيد الدروس التى تعلمناها خلال حياة اندرو. تبرز مفارقة مثيرة للأهتمام. فقد تبين فى الواقع ان كل المبادئ التى تعلمناها من تربية اندرو تنطبق بالتساوى على علاقتنا بأولادنا الاخرين وبالناس عموما.
مثلا من منا لايتجاوب بشكل مؤات مع المحبة الحقيقية؟ واذا جرت مقارنتكم دائما بشكل سلبى بشخص تختلف كثيرا مقدراته او خبرته عن مقدراتكم او خبرتكم. افلا تجدون ذلك غير عادل ومثبط؟ واخيرا اليس صحيحا بالنسبة الى كثيرين منا ان الاعمال التى كانت فى البداية بغيضة صارت اخيرا مقبولة. وحتى مانحة للأكتفاء. عندما نلنا التأديب لأنجازها حتى النهاية؟
مع اننا ذرفنا دموعا كثيرة على اندرو بسبب قصر نظرنا البشرى الا اننا اشتركنا ايضا فى افراح كثيرة. صغيرة وكبيرة. ونجد انه فى المجالات التى لا علاقة لها مطلقا بأندرو. نضجنا بسببه . فقد تعلمنا ان اى اختبار فى الحياة. مهما كان شاقا يمكن ان يصوغ منا اشخاصا افضل لا اشخاصا ممتلئين استياء.
وهنالك شئ اخر مهم جدا بالنسبة الينا. فنحن نحصل على فرح كبير من التطلع الى اللحظة الرائعة التى سنشهد العكس لعجز اندرو. يعد الكتاب المقدس انه قريبا فى عالم الله الجديد البار. سيجرى رد كل العمى الصم العرج والخرس الى صحة كاملة.
ارجوك ابدى رأيا فى الموضوع اذا اعجبك او اترك تعليقا لكى تشجعنا على الاستمرار.
شكرا لمروركم



#مجدي_زكريا_الصايغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذباب البغيض - هل تظنون انه مفيد؟
- التقمص وعقيدة النفس الخالدة
- هل تؤمنون بالتقمص؟ ( 1 - 2 )
- العدل الحقيقى
- نظرة الكتاب المقدس الى عقوبة الاعدام
- الشيخ عمران حسين - ونهاية العالم
- التعلم يبتدئ فى الرحم
- الانطباع الاول هل هو جدير بالثقة ؟
- كيف اسبحت اللغة العربية لغة اهل العلم؟
- الذهب الذى نقل الجبال
- الكون المهيب : شئ ما ناقص - ماهو؟ الجزء الثانى
- الكون المهيب : شئ ما ناقص - ماهو؟
- اسئلة لا يجيب عنها الانفجار العظيم - الجزء الثانى
- الكون المهيب : مايفسره الأنفجار العظيم وما لا يفسره
- 6 6 6 - احجية سفر الرؤيا
- مكتبة الاسكندرية - تعود الى الحياة
- - مع ذلك فهى تدور؛ -
- هل تنبأ الكتاب المقدس بقيام اسرائيل؟
- كيف تحمى الحريات؟
- الحريه الدينيه بركه ام لعنه ؟ الجزء الثانى


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - مجدي زكريا الصايغ - ما تعلمناه من اندرو - قصة حقيقية