أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاتيا حرب - ثقافة الحب















المزيد.....

ثقافة الحب


كاتيا حرب

الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 20:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



منذ الصغر تشغلني مسألة العواطف الانسانية، وحركتها الأشبه بتيارات المحيطات، دائماً حاضرة حتى ان لم نستطع رصدها. الحب بالتحديد، كلنا مشدودون اليه بقدرة تتجاوزنا، نعرف أنه محرك الحياة فينا، احتياجنا اليه هو الوجع الأشرس، ولكن جميعنا، الى حدّ أو آخر فشلنا في الوصول اليه، وبقيت ثلوج قمته عذراء، قلة هم الذين استطاعوا ان يلامسوها حتى بأطراف الأصابع. لماذا؟
ما هو هذا السر المنيع المسيّج بالدموع ، الملتف بضباب النهدات من كل الألسنة واللغات؟ من هو هذا السجين فينا وكلنا أشقياء خلف قضبانه؟ من هو هذا الملتصق فينا الغريب عنا، الذي يملأنا ولكن كمياه جوفية في أقحل صحراء، لم يقدر ابداً، أو أننا لم نسمح له أن يتفجّر ويرطب ويجمّل ويهذب تفسخات ظمأ أرواحنا المزمن عمر العمر، وتضاريس الأرض، وكل العصور الكونية.
وأنا في خضمّ انشغالي النفسي والفكري في هذه القضية أحلم بزمن لا يعود فيه الحب كلمة ولا فلسفة ولا قصيدة ولا لوحة، ولكن ثقافة وسلوك، أفكر ما أحوجنا الى التفرغ، الى التخصص، الى الانعزال في محراب الحب، علنا نخرج بثقافة منه أو ببعض من طبيعته، تحاصرني الرسائل من بعض الصديقات والمشاهدات تماماً كما تحاصرني حسرة الحب الشريد ، تذري في عيوني وفي أحشائي غبار أوجاعهن وخيباتهن، وترتد ككثبان رمل ثقيل تتراكم فوق أنفاسي حتى أشعر بالاختناق، ليس فقط من احساسي بالعجز عن مساعدتهن، ولكن لشعوري بانسحاق الروح نيابة عن أرواحهن المنسحقة، وعدم قدرتي على الانتفاض نيابة عن كرامتهن المسلوبة، وقد تركن مضرّجات حتى الأهداب بمشاعر الذنب والعار وعدم الاستحقاق، لجرائم كنّ ضحيتها وصرن يحملن وزر بشاعتها في أجسادهن وضمائرهن وفي الذاكرة. وتظل تحمل معها رائحة العفن الى كل ثانية من مستقبلهن. اولئك هن ضحايا سفاح القربي.
تطايرت ثقافة الحب أشلاء أمام واقع انيابه تقطع الى وريد الروح. فقبل ثقافة الحب نحتاج أولاً الى مبضع يقطع حبل سرة همجية الرجل العربي، الذي يسحبه خلف ثقافة الجهل والتسلط والغريزة. وأقول الرجل العربي، لأنه نصّب نفسه سيداً لا يساءل على ثقافته التي يعتز بها ، فتربّع فوق أنفاسها ومنعها من المضي ولو خطوة واحدة في ركب الحضارة. واستثنى الرجل الذي عرف المعنى الحقيقي للرجولة، وهو الذي ترهقه ثقافة الغبن بالمقدار نفسه الذي ترهق المرأة.
وقبل ان ننشئ فرق مدافعين عن انسانية المرأة وحقوقها وحريتها، نحتاج الى جيش من الجرّاحين يكشط عن ذلك الرجل العربي جلده اللاانساني، ويجرح عقله كما تُجرَح الأجساد لاستخراج السم منها، ويجرَح عواطفه المتبلدة التي باتت كقطيع مواشي تربض في حظيرة الجنس، عله يستيقظ الى حقيقة الوجع الانساني فيرجع الى حالته الأصلية، انسان.
أودّ أن أصل بهذه الكلمات الى الرجل المثقف الذي ثقف شكله الخارجي ومظهره ومسكنه بحضارة الحرية وحق الانسان، ولم يقدر أن يثقف فكره ولا يهذب جسده ولا يروّض غرائزه، وبقي متبّلاً بثقافة الزوجات وما استطاعت الأيدي أن تصل اليه، متشرّباً نقيع رجولة جاهلة كما تتشرب اللحوم الميتة نقيعها.
وأودّ أن أصل الى البسيط الذي تثقف على لسان من علموه حقه كرجل، ونسوا أن يعلموه أنه انسان له حق وان لشريكته في الانسانية حق، وان واجبه هو احترام حق الاخرفي انسانيته.
فكيف نقيم ثقافة الحب في ذهن مخدّر ووعي مغمىً عليه منذ أجيال، وقلب مسحوب بحبال الكبت كما تسحب الجثة الهامدة، قبل ان نقيم فيه ثقافة الكرامة الانسانية ؟ كيف تثقف جسداً لم يعتد أن يتعامل مع جسد الآخر الا من خلال الغريزة؟ كيف تثقف لعاب ذئب جائع؟ كيف تعلم رجلاً لم يعرف المرأة الا بضع تعاريج ونتوءات خلف ستار، ما الفرق بين ابنته وأخته أو ابنة أخيه والمرأة الاخرى؟ كيف تأتي بالحب الى رجل يندسّ في فراش ابنته ليلة بعد ليلة، يمارس شهواته الحيوانية مع تلك التي من لدنه أتت، يهدم كوحش براءتها، يطعنها في كرامتها، في عزة نفسها، في روحها، قبل أن يطعن منها الجسد، ثم يهددها بالقتل ان هي باحت بسرّها لأحد؟ كيف تثقف أباً في الحب الأبوي ؟ كيف تعلمه أن الأبوة هي أولاً حماية ورعاية وتضحية؟
كيف تثقف بالحب أخاً يتجرّأ أن ينهش جسد شقيقته؟ كيف تثقف بالحب الأخوي من لم تثقفه رهبة وقدسية الرحم الواحد والدم الواحد ؟
كيف تدخل مدرسة الحب رجالاً يتباهون بارث القمع والكبت والحرمان والاستصغار والاستضعاف؟ رجالاً تعلموا العلاقة بالآخر من البيت الى المدرسة والنظام السياسي ،انك عندما تكون في مركز القوة، ليس من بني جنسك الا نفسك، ولا يساويك في الغلاوة والقيمة الا شهواتك.
في مجتمع هذه قاعدته وهذا نظامه وهؤلاء هم سادته، من اين تبدأ مع المرأة في رحلة شفاء جراحها؟ تخبرها عن حب الله الابوي، فينتصب في ذاكرتها وحش أنجبها ثم طعنها والتهمها. من يقدر أن يكسر في قلبها معادلة شوّهها وحش انسان؟ الأب والحب نقيضان.
تحدثها عن كرامتها التي لا تقدر ظروف أن تنتزعها منها، ولا يقدر انسان أن يسلبها اياها، لان هذه الكرامة جزء لا يتجزأ من الانسان وأنها انسان، وأنها صورة الله تماماً بكل الحب الالهي والعلم الالهي المطلق والتصميم الالهي الهادف الثابت. ولكن لكرامة هذه الابنة وهذه الشقيقة او هذه الزوجة ذاكرة غارقة في وحول الذنب الذي لم يُرتكب، ملوثة بدماء العار كما تلوث النفايات السامة مدافنها. فكيف تستطيع ان تمحو ذاكرة الكرامة؟
تذكّر هذه المرأة أنها حرّة، والحرية هي أول حقوق الانسان الطبيعية، وأنها نظير مساوٍ في كل الحقوق لأبيها وأخيها وعمّها وزوجها، فتقول لك حتى الله عجز أن يمحو من تاريخي استعمار هؤلاء لفكري ونفسي وجسدي. فجلدات غرائزهم محفورة في ذاكرتي. كيف تمحو من الذاكرة بصمات سفاحي الكرامة الانسانية؟
من أين نبدأ ثقافة الحب؟ كيف نُلقّح بالحب مجتمعاً يُجرَّع منذ الرحم المضادات للآخر، الا الآخر الذي يخضع له؟ كيف نعلم الحب طريقاً لشفاء كل الجراح، وأول قواعد الحب أن أعترف بالآخر، وأدعه يكون اذا لم أقدر أن أساعده على أن يكون؟ كيف نؤمن بالحب مدخلاً الى كرامة بلا جراح، وكأنها للتوّ خرجت من يد الله، الى ذاكرة بلا ماض كأنها للتوّ عرفت أن وظيفتها حفظ الاحساس، الى قلب بلا أحزان ونحن لم نعرف من الحب بعد الا الكلمة؟
من أين نبدأ ثقافة الحب الذي وحده الحل لجراح رجل علموه أن حب المرأة عيب، وأنها مجرد وعاء تفرغ فيه شحنات التوتر العاطفي وتعب النهار،وانها جنية المزاج الطالعة من قمقم شهواته لتلبي كل احتياجاته، فتعلمها وأتاها كما تؤتى وجبة شهية في زمن الجوع، ولكنه بقي جائع الروح والقلب والأحشاء. فهو لم يعرف أبداً، أن ما يبحث عنه أولاً هو الحب في شريكة، تعادله في الضمير والنفس وسعة القلب وغنى الفكر وفورة الاحساس. ولم يقدر ان يفهم ابدا لماذا ليس في الأجساد ما يشبع أشواق الانسان.
من أين نبدأ مع سيّد المجتمع العربي ثقافة هدفها التغيير، وهو يؤمن ان ما لديه هو خير ما انجب التاريخ؟
من أين نبدأ ثقافة الحب مع المرأة، وقد تثقفت بثقافة اللاكيان الذاتي وأن الرجل، حتى وهو جارحها وقاتلها، هو وحده شافيها، وحده أمانها وان خارج قفصه ليس لها حياة، فما عادت تتجرأ ان تضيء مصابيح وعيها وتشق عتمة الظلم؟
كيف نعلّم ان الحب ثقافة انما منبعها الاول سماوي لانه طاقة اكبر من ان تولدها محدودية الانسان.
وانه ثقافة اول ما نتعلم في أبجديتها أن الحب لا يصنع شراً. وهواكبر بكثير من حرائق الدماء والاعصاب، وأرق الليالي الطويلة وأشواق اللقاءات والقبلات.وانه قبل كل رغبة هو احتياج أن تسمح لجذور الآخر أن تمتدّ الى تربة حياتك، وأن تتشابك بشوق مع جذورك، فيصير نبض الحياة فيكما واحداً، وفرح المواسم واحداً. لاننا من دونه نحن في عزلة.



#كاتيا_حرب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الحب


المزيد.....




- رئيس وزراء فرنسا: حكومتي قاضت طالبة اتهمت مديرها بإجبارها عل ...
- انتخاب جراح فلسطيني كرئيس لجامعة غلاسكو الا?سكتلندية
- بوتين يحذر حلفاء أوكرانيا الغربيين من توفير قواعد جوية في بل ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 13 ...
- رئيس جنوب إفريقيا يعزي بوتين في ضحايا اعتداء -كروكوس- الإرها ...
- مصر تعلن عن خطة جديدة في سيناء.. وإسرائيل تترقب
- رئيس الحكومة الفلسطينية المكلف محمد مصطفى يقدم تشكيلته الوزا ...
- عمّان.. تظاهرات حاشدة قرب سفارة إسرائيل
- شويغو يقلّد قائد قوات -المركز- أرفع وسام في روسيا (فيديو)
- بيل كلينتون وأوباما يشاركان في جمع التبرعات لحملة بايدن الان ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كاتيا حرب - ثقافة الحب