أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - الفيلسوف والسياسة














المزيد.....

الفيلسوف والسياسة


داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 20:03
المحور: الادب والفن
    


الفيلسوف والسياسة
داود روفائيل خشبة

لى فى دور الفلسفة فى السياسة رأى أعرف أن قليلين من يقتنعون به. ورأيى هذا يتـّسق مع مفهومى لطبيعة التفكير الفلسفى، إذ أرى أنه ليس بمقدور الفلسفة ولا هو مطلوب منها أن تعطينا معرفة موضوعية عن أى شىء محدد، ولا أن تعطينا علما يقينيا فى أى مجال من مجالات العلم، بل وظيفة الفلسفة أن تـُنضج العقل الفاحص الناقد الذى يُخضع كل أفكارنا وكل معتقداتنا لتمحيص عقلانى دقيق، يمتحن كل المسَلـَّمات ويكشف كل التباس وخلط فى المفاهيم والآراء. هذا بالضبط ما كرّس سقراط كل حياته له وما رضى بأن يموت فى سبيله.
فى مقدمة الترجمة العربية لـ "دعوة للفلسفة" كتبت: ”عند هذه النقطة قد يعجب القارئ من أنى أزعم العودة بالفلسفة إلى الالتحام بالحياة فى كتاب لا يتناول أيّا من القضايا العملية فى عصرنا هذا ولا يقترب لا من السياسة ولا من مسائل العلاقات الاجتماعية. وأردّ على هذا بأنى أرى أن الفلسفة بمفهومها الدقيق ليس بمقدورها ولا هو من مهامها أن تعالج المسائل العملية المحدودة دائما بالزمان والمكان، إنما وظيفة الفلسفة أن توقظ وتنير عقل الإنسان الفرد، فتـُكسبه القدرة على التفكير المتحرّر من القيود ومن الأباطيل، وتمنحه البصيرة فى حقيقة ذاته وفى ذاك الذى يجعل للحياة الإنسانية قيمة ومعنى، وما يجعلها حياة إنسانية حقّة. هذا العقل المتحرّر هو الذى يستطيع أن يعالج مسائل ومشاكل الحياة فى كل مجالاتها معالجة موضوعية تتغيّر وتتبدّل وتتلوّن بملابسات الزمان والمكان والظروف، لا تستند لفلسفة مسبقة ولا تخضع لأحكام أو مرجعيّات مطلقة. تنتهى مهمة الفلسفة عند تحرير العقل بحيث لا يقبل الاحتكام لغير ضوئه الذاتى. لهذا فإن المسعى الفلسفى الخالص لا يمكن أن يشتغل مباشرة بمسائل الحياة العملية، إلا أنه أساس لا غنى عنه للحياة الإنسانية الحرّة المستنيرة."
ينبغى أن يكون واضحا من هذا أنى لا أقصد إقصاء الفيلسوف عن العمل فى السياسة. للفيلسوف كما لكل مواطن، فى الظروف العادية، أن يشتغل بالسياسة إن رأى نفسه مؤهلا لأن يقدم إسهاما إيجابيا، وفى ظروف ملتبسة محمّلة بالخطر كالتى يمر بها وطننا حاليا، يكون على الفيلسوف كمواطن فرد أن يؤدى واجبه فى حدود إمكاناته.
وليسمح لى القارئ بأن أعود مرة أخرى إلى "دعوة للفلسفة" فأنقل الفقرات التالية من الفصل الأخير "الحضارة":
"ليس للفلسفة دور مباشر فى ترتيب أمور المجتمع الإنسانى. دور الفلسفة غير المباشر فى الشأن الإنسانى كبير جدّا ولا يمكن الاستغناء عنه؛ هو هامّ وحيوى تماما، لكنه بالنسبة للمجتمع ككل يجب دائما أن يكون غير مباشر، ولا يمكن إلا أن يكون غير مباشر، لأن الفلسفة لا يمكن أن تعمل إلا على الشخص الفرد ومن داخل الشخص الفرد."
"حين يشغل الفيلسوف نفسه بمسائل المجتمع لا يفعل هذا كفيلسوف بل كمشرّع، أو كمعلّم، أو كمصلح اجتماعى. فى كل هذه المجالات نتعامل مع علوم أو مهارات تتطلـّب ممارستها مقاربة إمپريقية ووسائل إمپريقية؛ وفى كل هذه المجالات ينتهى إسهام الفلسفة عند إعداد العقل المستنير للتعامل مع هذه المسائل. إننا لا نستطيع حتى أن نطلب من الفلسفة أن تزوّد ذلك العقل المستنير بمبادئ أو قواعد عامة تساعده فى عمله. تنتهى مهمة الفلسفة عند تربية العقل الناضج المتصف بالنزاهة الفكرية والأخلاقية."
وفى هامش ألحقته فى الطبعة العربية بعبارة فى القفرة التالية كتبت: "الذين يتوقعون من الفلسفة أو العقل الخالص أو المنطق التوصّل إلى حلول حاسمة للمشاكل العملية الخلافية فى مجالات السياسة والاجتماع والأخلاق الحيوية bio-ethics، إلخ.، لا يفلحون إلا فى أن يحيلوا تلك المشكلات إلى بؤر للتعصّب والنزاع، إذ يعتقد كل جانب أنه قد ملك الحقيقة، بدلا من أن تـُترك تلك المشكلات لتعالج بالتسامح والفهم المتبادل، إذ ندرك أنْ ليس فيها مكان لصواب مطلق أو خطأ مطلق."
فى هذه الأوقات العصيبة التى تمر بها أوطاننا، وفى مواجهة الأخطار الرهيبة التى تحدق بنا، ليس للفيلسوف من حيث هو فيلسوف ولا للفلسفة من حيث هى فلسفة دور خاص، بل دور الفيلسوف هو دوره كمواطن يؤدى ما يمليه عليه عقله وضميره فى واقعه الراهن؛ إنما دوره الحقّ كفيلسوف ليس دورا آنيا بل هو دوره الدائم: أن يواصل العمل على تحرير العقول من ربقة المسَلـَّمات غير الممحّصة، من نير معتقدات تزعم لنفسها أنها فوق المساءلة، من أحكام وقيم متوارثة مختلطة متشابكة فى حاجة لمن يسلط عليها شعاعا من ضياء العقل يبدّد ظلمتها. وانبثاقا من هذا، فإنه إذا كان ثمة قضية أولى يتعيّن علينا جميعا، وعلى الفيلسوف خاصة، أن نناضل فى سبيلها وأن نبذل من أجلها حتى أرواحنا فهى قضية حرية الفكر والتعبير وحرية الإبداع وحرية المعلومات.



#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من هو المثقف؟
- هل الإخوان شركاء الثورة؟
- بكائية للثورة
- ضرورة نقد الدين
- المفهوم الفلسفى للدين
- مسيرة الفكر الإنسانانى
- دعوة للعقلانية
- ظاهرة زغلول النجار
- همس الحيّة
- مصر فى التوراة
- رسالة إلى فضيلة الشيخ يوسف القرضاوى
- دعوة للعقلانية


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود روفائيل خشبة - الفيلسوف والسياسة