أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - إسرائيل على الجبهة الإفريقية - دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1-2















المزيد.....


إسرائيل على الجبهة الإفريقية - دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1-2


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 3767 - 2012 / 6 / 23 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمـة

كانت القارة السمراء – وما زالت – جزءًا أساسيا وهاما من المخططات الصهيونية، بل وكانت في البدايات جزءًا من مشروعه الاستيطاني؛ حيث تم اختيار بعض الدول الإفريقية وطنا مقترحا "لِلشعب اليهودي"، أو موقعا بديلا لتوطين اليهود في حالة فشل المركز الأصلي "فلسطين"؛ من تلك الدول المستهدفة كانت كينيا وأوغندا، حيث اهتم "ثيودور هيرتزل" و"حاييم وايزمان" بهما بشكل خاص، كما تم مخاطبة اللورد "كرومر" لإقامة الوطن القومي لليهود في السودان في العام 1903، أي عندما كان السودان مستعمرة بريطانية، وذلك تماشيا مع رغبة اليهود الروس الذين كانوا يفضلون أرضا زراعية يمكنهم فلاحتها، بعدما ساءت أحوالهم في روسيا. وقد رحب "هيرتزل" بالفكرة لأنه رأى في شرق ووسط أفريقيا مكاناً مناسباً، خاصة وأن هناك تواجدا لليهود الأفارقة، لكن جميع هذه المقترحات تم رفضها واستبعادها نهائيا بعد وفاة "هرتزل"، وتم تبني فلسطين موقعا وحيدا للمشروع الاستيطاني الصهيوني، وذلك في المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903.

إلا أن إفريقيا لم تغب عن ذهن الساسة الإسرائيليين؛ وقد ركزت إسرائيل عليها نظراً لما تتمتع به القارة من مزايا استراتيجية، وأهمية حيوية للأمن الإسرائيلي، وما تنعم به من ثروات طبيعية ومعدنية ومخزون من المياه الوفيرة. وقد بدأ مخطط التسلل الإسرائيلي إلى أفريقيا منذ وقت مبكر بعد تأسيس الدولة العبرية، مستخدمة الأسطورة التوراتية ومقولة "شعب الله المختار" تارة، والوعود بتقديم المساعدات تارة أخرى، مستغلةً فَقر القارة الإفريقية وافتقارها إلى النظم التكنولوجية والعلمية الحديثة، وكثيرا ما كان يظهر الوجه الحقيقي لدوافع هذه السياسة بسعيها للسيطرة على المواقع الحيوية وإقامة محطات للتجسس، وإثارة الفتن والقلاقل، وتشجيع نزعات الانفصال وصفقات السلاح وتجارة الماس المشبوهة .. كانت بداية التسلل من غرب القارة، ثم امتد لوسطها وانتقل إلى شرقها، خاصة بعد فتح خليج العقبة أمام الملاحة "الإسرائيلية" عام 1957، والذي استفادت منه "إسرائيل" في تسيير خطوط ملاحية بحرية منظمة ربطتها بإفريقيا وآسيا.

وإذا كانت فترة الرئيس المصري "جمال عبد الناصر" قد شهدت صراعا وتنافسا محموما على القارة؛ فإنها ومع نهاية السبعينات قد تُركت لإسرائيل وحدها لتعيث فيها فسادا، دون أن يضايقها أو ينافسها أحد، وربما في فترتها كانت منظمة التحرير الفلسطينية وحدها من يركز نشاطه السياسي والاقتصادي والدبلوماسي في القارة الإفريقية، بالرغم من قلة الإمكانات، وانعدام التكافؤ بينها وبين إسرائيل على هذه الجبهة، حين كان الراحل "ياسر عرفات" يجوب القارة بجولاته المكوكية لحشد التأييد للقضية الفلسطينية، ويحرص على المشاركة في مؤتمرات القمم الإفريقية، ويسعى لفتح مكاتب تمثيل دبلوماسية لمنظمة التحرير في مختلف العواصم الإفريقية، وكانت المنظمة من خلال مؤسسة "صامد" تقيم المشاريع الاقتصادية في أكثر من بلد إفريقي.

بدايات التغلغل

في السنوات الأولى من تأسيس إسرائيل تركز اهتمام صنّاع القرار في الدولة الجديدة على تمتين علاقاتها بالدول الكبرى التي اعترفت بها للتو، وأهمها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والاتحاد السوفييتي، وذلك بهدف ترسيخ شرعية وجودها وتأمين المساعدات اللازمة لقيامها، ولم يعيروا أهمية تُذكر لدول العالم الثالث، وبالذات الدول الإفريقية؛ بدليل أنه لم يكن لدى إسرائيل طوال العقد الأول بعد تأسيسها سوى سبع سفارات فقط في العالم بأسره، ستة منها في القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية وواحدة فقط في إفريقيا. إلا أنها تنبهت لخطأ هذا المنحى؛ فبدأت أولاً بتأسيس علاقات جديدة مع دول أخرى لها حضور فاعل على الساحة الدولية، ثم بإقامة علاقات مع بقية دول العالم.
ولما كانت أمريكا اللاتينية بمثابة الحديقة الخلفية للبيت الأبيض؛ اعتبرتها إسرائيل مضمونة، وبالتالي يمكن تأجيلها بعض الوقت، بينما كانت معظم الدول الآسيوية واقعةً تحت النفوذ السوفييتي والصيني، وتعاني من تبعات الحرب العالمية الثانية ومن حروب الاستقلال، الأمر الذي دعا إسرائيل لجعلها في المرتبة الثانية ضمن أولوياتها بعد إفريقيا.
وقد تنبهت إسرائيل بشكل خاص للقارة الإفريقية، بعد أن كانت مجرد قارة مجهولة فقيرة، تخضع معظم دولها للاستعمار الأجنبي، وغالبية دولها لا ترغب بإقامة علاقات معها باعتبارها دولة تمتلك العديد من الأعداء؛ لذلك لم يكن لإسرائيل علاقات دبلوماسية مع أي دولة إفريقية باستثناء "جوهانسبرج" و"ليبيريا"، حتى حدث الانفراج في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية مع حصول "غانا" على استقلالها عام 1957. بيد أن نقطة التحول الأساسية التي دفعت إلى حدوث هذا التحول في الدبلوماسية الإسرائيلية تجاه إفريقيا تمثلت في عقد مؤتمر دول عدم الانحياز في "باندونج" عام 1955؛ والذي لم يكتفي بتغييب إسرائيل عن حفل الافتتاح، بل دعا لإدانتها واعتبارها كيانا غاصبا.
أسباب الاهتمام الإسرائيلي بإفريقيا

من نافلة القول أن لإسرائيل دورا وظيفيا محددا مجاله الحيوي يمتد عبر خارطة العالم بأسره، وتلعب من خلاله دور الموقع العسكري المتقدم الذي يحمي المصالح الأمريكية في المنطقة كمنابع النفط والمضائق المائية، ويقدم الدعم اللوجستي والاستخباراتي لها، وذلك في سياق الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي، ولتثبيت الهيمنة الأمريكية على العالم. وعلى مستوى العالم الثالث؛ كان لها دور محدد في محاربة التحولات الثورية والديموقراطية، ودعم الأنظمة العميلة، وتمرير صفقات السلاح غير الرسمية. وقد اهتمت إسرائيل بالقارة الإفريقية بشكل خاص في هذا السياق، وأيضا لأسباب استراتيجية وسياسية وأمنية واقتصادية خاصة بها، وقد تركزت في المحاور التالية:

1 ـ في المجالين الاستراتيجي والأمني:

مثلت إفريقيا موقعا حيويا بالنسبة لإسرائيل، بسبب قربها الجغرافي منها من ناحية، وبسبب إحاطتها بالدول العربية التي كانت تناصبها العداء من ناحية أخرى، وما لذلك من تأثيرات هامة في الصراع العربي الصهيوني. وقد شكّل كلٌ من البحر الأحمر والقرن الإفريقي وحوض النيل مواقع بالغة الأهمية بالنسبة لإسرائيل؛ حيث أن ترتيب التحالفات وتوازن القوى في هذه المناطق يرتبط بالأمن القومي العربي عموماً والمصري تحديداً، وبالتالي سيرتبط بمنظومة الأمن الإسرائيلي، ونظرا لاتصال القرن الإفريقي بالبحر الأحمر وقناة السويس وخليج العقبة من جهة والخليج العربي من جهة ثانية؛ حيث يمر معظم النفط العالمي، لذلك فإن هذا الممر المائي والذي يسمى "قوس الأزمات" هو من يقرر السلم العالمي، ويؤثر على مصالح الدول الكبرى. ومن هذا المنطلق خططت إسرائيل للتغلغل في هذه المناطق، وخلْق وجود قوي وراسخ لها، والنفاذ إلى دولها، باعتبارها أيضاً بمثابة العمق الاستراتيجي للدول العربية، والتي يمكن الانطلاق منها والتسبب بمتاعب لجيرانها العرب، وتشتيت جهودهم وانتباههم باتجاه هذه الدول الإفريقية بعيدا عن إسرائيل، من خلال تحقيق وجود عسكري فعال ومتفوق للسيطرة عليها.

وفي الفترة من العام 1963 وحتى 1967، ركزت إسرائيل على منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر باعتبارهما المخرج الجنوبي الوحيد لها الذي يصلها بجنوب وشرق الكرة الأرضية، وباعتبارها منطقة استراتيجية من الناحية الأمنية والعسكرية والاقتصادية؛ فسعت إسرائيل إلى إيجاد نفوذ لها على طول الساحل عبر علاقتها المتميزة مع أثيوبيا في زمن "هيلاسيلاسي"، (عندما كانت تحتل أرتيريا). وبالفعل نجحت في إنشاء مراكز عسكرية لها في جزر فاطمة ودهلك وحالب على الساحل الإرتيري، حيث احتفظت بمراكز رصد معلومات وقوات كوماندوز وقطع بحرية صغيرة على تلك الجزر.

ونظراً لغياب قواعد عربية واضحة تحكم أمن البحر الأحمر، والمضائق المائية، ومع استقلال ارتيريا عام 1993 وابتعادها عن النظام العربي، فإن إسرائيل في ظل هذا الوضع استطاعت أن تضمن تلبية مطالبها الأمنية الخاصة في هذ المنطقة الحساسة، فهي ما زالت تفرض سيطرة عسكرية على جزر البحر الأحمر قبالة السواحل السعودية والمصرية واليمنية.

2 ـ في المجال السياسي: أرادت إسرائيل تمتين علاقاتها الدبلوماسية مع الدول الإفريقية للخروج من العزلة التي فرضتها عليها الدول العربية، وأيضا للاستفادة من تصويتها لصالحها في الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية. وتغيير وجهة النظر الإفريقية في الصراع العربي الصهيوني لصالح الرواية الإسرائيلية، وسحب البساط من تحت أقدام الجانب العربي في مجالات التعاون العربي الإفريقي على المستوى الاقتصادي والتجاري والعسكري، حيث أن تعزيز العلاقات الأفريقية الإسرائيلية سيزيد من عناصر القوة الشاملة لإسرائيل، وسيقلل في نفس الوقت من عناصر القوة للدول العربية، بحيث تُحدث مزيدا من الخلل في ميزان القوى لصالح إسرائيل.

3. في المجال الاقتصادي كان الهدف الإسرائيلي الأساسي هو اقتناص الأسواق الإفريقية الواسعة، والأقرب إلى إسرائيل
بعد أن عجزت عن التغلغل في الأسواق العربية. وقد عمدت إسرائيل إلى افتتاح مكاتب تجارية لها بهدف تطوير وزيادة حجم التبادل التجاري مع الدول الإفريقية؛ حيث قامت بإنشاء شركات في إفريقيا توزعت نشاطاتها على العديد من المجالات، مثل الصناعات الزراعية، وإقامة مزارع للدواجن والماشية، وإنشاء مراكز التدريب والإرشاد الزراعي، وشركات للنقل البحري، مثل "شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية" في غانا وشركة الأسطول البحري في ليبيريا، كما أنشأت شركات للطيران، وساهمت في بناء مطار أكرا في غانا، وأقامت أيضا مدارس وجامعات، مثل جامعة هيلاسيلاسي في إثيوبيا، ومستشفيات مثل مستشفى مصوع في أرتيريا.

وفي هذا الصدد تُعد تجارة الماس والأسلحة والخدمات الأمنية من أهم الاستثمارات الإسرائيلية في إفريقيا، وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة فإن هناك مؤشرات على تورط شركات إسرائيلية في التجارة غير المشروعة للألماس، ومن المعروف أن مافيا هذا الحجر الثمين تقوم بتهريبه من دول مثل الكونغو وسيراليون وأنجولا عبر دول الجوار ليصل إلى هولندا، ثم بعد ذلك إلى مراكز تصنيع الألماس في عدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالإضافة إلى إسرائيل والهند. على أن هذه التجارة غير المشروعة يوازيها تجارة أخرى غير مشروعة هي تجارة السلاح؛ حيث يتم عقد صفقات لشراء الأسلحة مع جماعات وقبائل وحتى حكومات، خاصة مع الدول الغنية بالألماس.
وتمثل "جنوب أفريقيا" الشريك التجاري الأول لإسرائيل في القارة؛ حيث أظهرت أرقام "المعهد الإسرائيلي للصادرات والتعاون الدولي" وجود أكثر من 800 شركة ومصدّرا إسرائيليا يعملون حاليا في جنوب إفريقيا، كما امتد النشاط الإسرائيلي إلى قطاع المعادن لاستغلال الثروات المعدنية؛ فقد تولت بعض الشركات الإسرائيلية المتخصصة في التنقيب عن المعادن عمليات استخراج الماس في الكونغو وجمهورية أفريقيا الوسطى وسيراليون، واستغلال مناجم الحديد في ليبيريا وسيراليون، واستخراج القصدير في الكاميرون وسيراليون، والرصاص والزنك من الكونغو.

مصر والسودان في الاستراتيجية الإسرائيلية

كان لمصر والسودان النصيب الأكبر في الاستراتيجيات الإسرائيلية؛ مصر بسبب موقعها الحيوي، ومرور قناة السويس من أراضيها، وبسبب ثقلها السياسي، وقوتها العسكرية والاقتصادية، وثرواتها المائية، ودورها الإقليمي، ليس فقط في القارة الإفريقية، بل وعلى الساحة الدولية؛ لذلك ظلت إسرائيل ترى في مصر الدولة العربية الواجب إضعافها دائماً، كونها الدولة الأبرز من دول الطوق القادرة على مجابهة "إسرائيل" سياسياً وعسكرياً واقتصادياً.

وأما السودان فمهم لموقعه وثرواته وإمكاناته، حيث أن حدوده هي حدود العروبة في قلب إفريقيا، وإمكاناته هي إمكانات الأمة جمعاء، وتقدمه يعني تقدمها وضعفه هو ضعفها، فهو سلة الغذاء العربي، وهو مجرى النيل، وفيه أخصب أراضي العالم، وطالما أنه مشغول بالمجاعات والحروب الأهلية ومشاريع الانفصال فلن تقوم له وبالتالي للأمة قائمة، وقد ظهرت أدلة متزايدة تؤكد أن المطالبة بفصل جنوبه عن شماله كانت تأتي في سياق مخطط أميركي إسرائيلي يهدف إلى إتباع تكتيك مختلف في الحرب على المنطقة العربية؛ أي بتقسيم الدول العربية وتجزئتها بدلا من خوض الحروب التقليدية معها، بحيث يسهل على أمريكا التحكم بتلك الدول ونهب ثرواتها، ويسهل على إسرائيل فرض هيمنتها عليها.

في السودان كان الهدف الأميركي واضحا: السيطرة على مواقع استراتيجية جديدة في القارة الإفريقية، واستغلال مواردها الطبيعية، وتحديداً النفط؛ وقد أشار وزير الأمن الإسرائيلي، "آفي ديختر" بمحاضرة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، إلى أن "لدى إسرائيل موقفا استراتيجيا ثابتا تجاه السودان، يهدف إلى حرمانه من أن يصبح دولة مهمة بالمنطقة". وكانت "جولدا مائير" قد أكدت بعد نكسة حزيران، أن تقويض الأوضاع بالسودان والعراق يقتضي استغلال النعرات العرقية فيهما؛ ما يعني أن استهداف وحدة البلدين -من وجهة نظرها- سيجعل العمق الاستراتيجي لدول المواجهة العربية مكشوفا في أية حرب مع إسرائيل. وفي هذا الاتجاه، عملت إسرائيل على اكتساب مواقع في إثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير، بهدفين مركبين، الأول: الانطلاق من هذه المناطق لعزل الجنوب السوداني ودارفور عن المركز، وأما الثاني: التسلل لبقية القارة الأفريقية.

ولا شك أن موطئ القدم الذي تسعى له الدوائر المعادية في دولة "السودان الجنوبي" يعني التحكم في مجرى النيل، وبالتالي وقوع مصر والسودان في القبضة المتحكمة فيه، وهي على الأكثر أمريكا وإسرائيل، وهذا يعني تهديد أمنهما القومي في عصب الحياة وشريانها الأهم، بكل ما يعنيه من مياه للشرب والري والصناعة والزراعة والطاقة الكهربائية.

وقد سعت إسرائيل ومنذ البداية لتكثيف تواجدها في إثيوبيا وغيرها من دول الجوار للسـودان، وإقامتها لشبكة من العلاقات العامة المتميزة مع العديد من الدول الإفريقية, في مختلف النواحي السياســـــية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والأمنية, بحيث تتمكن من التأثير على مواقــــف هذه الـدول -خاصة فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي-, ولكى تتمكن أيضا من محاصرة الســــودان وتقسيمه باعتباره العمق الاستراتيجي لمصر والدول العربية، والمعبر الذى يربط الأمة العربية والإســــلامية بدول الجـــنوب الإفريقي, بالإضافة لتمكين إسرائيل من فرض سيطرتها على منابع النيل الذى يمــثل الشريان الرئيسي الذى يمد السودان ومصر بالمياه، الأمر الذى يمثل تهديداً مباشراً للأمن الســـــــوداني والمصــــري، وبالتالي الأمن القومي العربي. ففي مجال بناء السدود المائية مثلا؛ قدمت إسرائيل دراسات فنية إلى زائير ورواندا لبناء سدود، وذلك في إطار برنامج شامل لإحكام السيطرة على مياه البحيرات العظمى، وبالتالي التحكم في مجرى النيل. وفي زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "ليبرمان" في أيلول 2011 لعدد من الدول الإفريقية، أبرم 5 اتفاقيات لتمويل 5 سدود على نهر النيل في تنزانيا ورواندا. وقد أكد خبراء المياه الدوليين أن هذه المشاريع ستؤثر سلبا على حصة مصر السنوية من المياه.

مراحل تطور العلاقات الإسرائيلية الإفريقية

شهدت سياسات التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا مراحل متباينة؛ بحيث يمكن التمييز بين خمس مراحل أساسية في تطور مسيرة العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا وهي:
المرحلة الأولى 1948 ~ 1957: مرحلة البحث عن شرعية الوجود وتأمين الكيان:

بدأت العلاقات الإسرائيلية الإفريقية مع "ليبيريا"، التي اعترفت بالدولة الإسرائيلية منذ إعلانها عام 1948 وهي ثالث دولة تعترف بها رسمياً، وربما كان ذلك بسبب قوة النفوذ الأمريكي في هذا البلد، ولكن المهم أن إسرائيل اتخذت منها ركيزة للانطلاق إلى باقي دول القارة. أما دولة "جنوب أفريقيا" فقد اعترفت بإسرائيل منذ أن استلم الحزب الوطني الحكم فيها عام 1948، لكن العلاقات الدبلوماسية اقتصرت على تبادل القناصل، ثم تطورت بعد ذلك بزمن، لتشمل مختلف نواحي التعاون الاقتصادي والعسكري والأمني.

المرحلة الثانية 1957 ~ 1973: مرحلة التغلغل والانتشار:

يمكن التأريخ لبداية الانطلاقة الحقيقية لإسرائيل في إفريقيا بعام 1957؛ حيث كانت إسرائيل أول دولة أجنبية تفتح سفارة لها في "أكرا" بعد أقل من شهر من حصول غانا على استقلالها عن بريطانيا. وقد لعبت السفارة الإسرائيلية في أكرا دوراً هاما في افتتاح مرحلة دبلوماسية جديدة؛ حيث تم افتتاح سفارتين أخريين في كل من منروفيا وكوناكري تحت تأثير إمكانية الحصول على مساعدات تنموية وتقنية من إسرائيل. وفي العام التالي 1958 قامت وزيرة الخارجية الإسرائيلية آنذاك (جولدا مائير) بزيارة إفريقيا لأول مرة، واجتمعت بقادة كلٌ من ليبيريا، وغانا، والسنغال، ونيجيريا، وكوت ديفوار.

ثم توسعت رقعة النشاط الدبلوماسي الإسرائيلي لتشمل نيجيريا, والسنغال, وساحل العاج. وقد لاقت إسرائيل ترحيباً فورياً من الدول الإفريقية الفرانكفونية؛ وذلك بسبب قوة النفوذ الفرنسي في هذه الدول خاصة في زمن الرئيس الفرنسي "ديستان", في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل تقيم علاقات وطيدة مع فرنسا. في تلك الحقبة حازت معظم الدول الأفريقية على استقلالها, وكانت إسرائيل سبّاقة للاعتراف بالدول الوليدة, حيث حرصت على إرسال ممثلين لها للمشاركة في احتفالات الاستقلال في أكثر من دولة، حاملين معهم عروضاً مغرية، ووعودا بالمساعدات الفنية.

وفي هذه الفترة نجحت إسرائيل في إقامة علاقات مع 32 دولة أفريقية, أي تقريبا جميع دول القارة، باستثناء الدول العربية والإسلامية، والمستعمرات البرتغالية، واستطاعت أن تفتح سفارات مع 30 بلداً منها، بينما احتفظت بعلاقات قنصلية مع جنوب أفريقيا وموريشس.

وعندما عقد المؤتمر الأول للبلاد الأفريقية المستقلة عام 1958 في أكرا بدعوة من الرئيس نكروما؛ رفضت غالبية الدول المشارِكة في المؤتمر تأييد الاقتراح المصري المتضمن وصف إسرائيل بالعنصرية والإمبريالية، وكانت هذه إشارة على مدى التحول في الموقف الإفريقي. وبحلول عام 1966 كانت إسرائيل تحظى بتمثيل دبلوماسي في أغلبية الدول الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، ومع ذلك فإن إفريقيا ظلت بمثابة ساحة للتنافس العربي الإسرائيلي .

المرحلة الثالثة 1973 ~ 1983: أعوام الانحسار والمقاطعة:

إذا كان العام 1967 قد شهد ذروة العلاقات الإسرائيلية الأفريقية، فقد مثل أيضاً بداية التراجع والتدهور في هذه العلاقات؛ ففي بداية هذا العام أكملت إسرائيل بناء علاقاتها الدبلوماسية مع 32 دولة، بالإضافة إلى تمثيل قنصلي فخري مع خمس مناطق أخرى كانت مستعمرات لدول غربية, ومن جانب آخر كانت إحدى عشر دولة أفريقية تقيم تمثيلاً دبلوماسياً لها في تل أبيب. ولكن بعد حرب حزيران 1967 بدأت صورة إسرائيل تهتز في أذهان القادة الأفارقة؛ فبعد أن كانت منظمة الوحدة الأفريقية تتجنب إدانة إسرائيل، بدأ موقفها بالتغير التدريجي؛ فأخذت تطالب بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. ومع ازدياد التقارب العربي الأفريقي, وإزاء التعنت الإسرائيلي؛ بدأت منظمة الوحدة الأفريقية تتخذ قرارات أكثر حزماً وصولاً للقرار الذي اتخذته المنظمة في أيار 1973، والذي تضمن تحذيراً رسمياً لإسرائيل بأن رفضها الجلاء عن الأراضي العربية المحتلة يعتبر اعتداء على القارة الأفريقية وتهديداً لوحدتها, وأن الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الأفريقية تعتبر نفسها مدعوة لأن تأخذ منفردة أو بصورة جماعية أية إجراءات سياسية واقتصادية مناسبة لصد ذلك العدوان. وقد مثّل هذا القرار نقطة تحول إيجابية في تطور رؤية إفريقيا للصراع العربي الإسرائيلي.

وبعد القرار مباشرة سارعت ثمان دول أعضاء في المنظمة إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، ثم جاءت حرب أكتوبر 1973 لتُحدث انقلابا نوعيا آخر في الموقف الإفريقي؛ إذْ كانت إسرائيل قبل الحرب تقيم علاقات دبلوماسية مع عدد كبير من الدولة الإفريقية، بيد أنها بعد الحرب خسرت معظم تلك العلاقات، ليتقلص عدد الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية معها في مطلع الثمانينات ليصل إلى خمس دول فقط هي: جنوب إفريقيا، والدول الأربع التي تدور في فلكها، وهي ليسوتو، ومالاوي، وسوازيلاند، وبوتسوانا.

ويرجّح محللون أن الدول الإفريقية التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل، قد فعلت ذلك تأييداً للموقف المصري، باعتبار مصر دولة إفريقية تسعى لاستعادة أراضيها من الاحتلال الإسرائيلي. فيما يفسر آخرون تغير الموقف الإفريقي أنه كان بهدف الحصول على المساعدات العربية ولا سيما من الدول النفطية .

في العام 1974 اختير الرئيس الجزائري "هواري بومدين" رئيساً لحركة عدم الانحياز، وأثناء مؤتمر الحركة الذي عُقد في الجزائر في العام نفسه اتخذ المؤتمرون قرارات تؤيد كلاً من مصر وسوريا والأردن في استعادة أراضيها المحتلة، كما تدعو إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل. وكانت كل من كوبا وزائير وتوجو من أوائل الدول التي تستجيب لدعوة المقاطعة تلك.

وفي نفس العام رُشــح وزيــر الخـارجيــة الجـــزائري "عبد العزيز بوتفليقة" رئيـساً للجمعية العامة للأمم المتحـدة. وقد استطاع العرب في ذلك العام الاستفادة من زخم حرب تشرين/ أكتوبر وتداعياتها على المنطقة، خاصة بعد قرار المقاطعة النفطية، وتمكنوا من إضفاء مزيد من الشرعية الدولية على منظمة التحرير الفلسطينية. وقد تمثل ذلك في دعوة "ياسر عرفات" لإلقاء خطابه أمام الجمعية العامة، ومعاملته معاملة رؤساء الدول، وذلك بشكل غير مسبوق في تاريخ المنظمة الدولية. الأمر الذي دعا العديد من الدول الإفريقية لقطع علاقاتها بإسرائيل.

إضافة لما سبق فقد نجحت الحملة العربية الرامية إلى عزل إسرائيل في استصدار قرار من الجمعية العمومية يصفها بالعنصرية ، وما ساعد على نجاح الحملة مواقف إسرائيل نفسها التي اتسمت بالسلبية؛ وأهمها دعم إسرائيل للحركات الانفصالية الإفريقية مثل حركة "بيافرا" في نيجيريا، وحركات الانفصال في جنوب السودان، إلى جانب دعمها وتأييدها المعلن لنظام التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا، وتأييدها احتلال ناميبيا، وحكم الأقلية البيضاء في روديسيا .

ومع مطلع الثمانينات كانت إسرائيل قد خسرت القارة الإفريقية، وتقلص تمثيلها الدبلوماسي إلى أقصى حد. ومع هذا النجاح الدبلوماسي العربي، إلا أن إسرائيل ظلت على علاقة جيدة نوعا ما - ولو بشكل غير رسمي- مع معظم الدول الإفريقية التي قامت بقطع العلاقات معها.

المرحلة الرابعة 1982 ~1991: مرحلة عودة العلاقات:

استمرت (إسرائيل) في سياساتها الرامية إلى العودة إلى إفريقيا؛ وذلك من خلال تدعيم وتكثيف اتصالاتها الإفريقية في المجالات كافة دون اشتراط وجود علاقات دبلوماسية. وفي العام 1982 أقام "مابوتو سيزيسكو" رئيس زائير الأسبق علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل ، بسبب حاجته الماسة للمساعدات العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما في ميدان تدريب الجيش وحرسه الجمهوري. تبعته ليبيريا في 1983 ثم ساحل العاج والكاميرون 1986، والتوغو 1987.

المرحلة الخامسة ما بعد العام 1991: مرحلة التطبيع:

شهدت هذه المرحلة إعادة تأسيس العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا مرة أخرى، ولا سيما خلال عامي 1991، 1992، وطبقاً للبيانات الإسرائيلية فإن عدد الدول الإفريقية التي أعادت علاقاتها الدبلوماسية أو أسّستها مع إسرائيل منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 قد بلغ ثلاثين دولة. وفي عام 1997 بلغ عدد الدول الإفريقية التي تحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل 48 دولة.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية - الملخص والخاتمة
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 3-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 2-3
- مسيرة الحرية في جنوب إفريقيا العنصرية 1-2
- الفيزون في جامعة النجاح
- سبعة أشكال في حُبِّ وكُرْه الجَمال
- أثر الربيع العربي على المرأة العربية
- عيد الأم في الربيع العربي
- الإيمو .. الضحية والجلاد
- المتضامنون الأجانب والقرضاوي وزيارة القدس
- الموقف الملتبس من الثورة السورية
- هروب معلم وتلاميذه من المدرسة
- توطين جماعات الإسلام السياسي
- كيف واجهوا اللحظات الأخير قبل الموت ؟
- الفن على جبهة الصراع
- في عيد الحب
- فتاوى على الهواء، وبأسعار منافسة
- كيف أصبحت إيران المهزومة قطب إقليمي ؟
- فتيات سجينات – قصص مروعة
- إشكالية المرأة الإعلامية - الإعلاميات الفلسطينيات نموذجا .


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد لحظة اختناق طفل.. شاهد رد فعل موظفة مطعم ...
- أردوغان وهنية يلتقيان في تركيا السبت.. والأول يُعلق: ما سنتح ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- الدفاع الروسية تكشف خسائر أوكرانيا خلال آخر أسبوع للعملية ال ...
- بعد أن قالت إن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.. أستاذة جا ...
- واشنطن تؤكد: لا دولة فلسطينية إلا بمفاوضات مباشرة مع إسرائيل ...
- بينس: لن أؤيد ترامب وبالتأكيد لن أصوت لبايدن (فيديو)
- أهالي رفح والنازحون إليها: نناشد العالم حماية المدنيين في أك ...
- جامعة كولومبيا تفصل ابنة النائبة الأمريكية إلهان عمر
- مجموعة السبع تستنكر -العدد غير المقبول من المدنيين- الذين قت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الغني سلامه - إسرائيل على الجبهة الإفريقية - دراسة في العلاقات الإسرائيلية الإفريقية 1-2